هل ذهبت الغيرة

عبد الرحمن بن صالح الدهش

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/ معنى الغيرة ومسؤولية الأولياء 2/ تهاون الأولياء في غيرتهم على نسائهم 3/ أمثلة واقعية من ضياع الغيرة 4/ الغيرة والإجازة 5/ التهاون في لباس الصغيرات
اهداف الخطبة

اقتباس

إن مما نعانيه، ويعانيه كلُّ صاحبِ غيرة، يخشى أن يكثر الخبث، فنهلك وفينا الصالحون، كما قال ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالقضية قضية الجميع، لا يخاطب بها رجال الهيئة، ولا الدعاة، ولا طلاب العلم فقط. ولكنها قضية السلامة في هذا الدنيا، والنجاة يوم القيامة، إنها قضية تساهل رجال أفاضل ومن المسابقين في الخيرات، وممن هم من أصحابِ الصف الأول في الصلاة تساهلوا في أمور نسائهم فوكلوا أمرَهن إليهن، خروجًا ودخولاً، وربما...

 

 

 

 

الخطبة الأولى: 

الحمدُ لله بنعمته تتم الصالحات، وبالعمل بطاعته تطيب الحياة، وبالتعاون على البر والتقوى تسهل الصعوبات، وبالنهي عن المنكر تتطهر المجتمعات، وبالأمر بالمعروف، تكثر الخيرات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما من أحدٍ أغير من الله.

وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ذو الصفات المرضية، والغيرة النبوية. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فالغيرة صفة إلهية تمدَّح الله بها، وكمل بها نبيه، وعباده الأسوياء، فهي فطرة قبل أن تكون شرعة، والتفريط بها عارٌ ومذمة، قبل أن يكون معصية.

غارت البهائم على إناثها، فكيف لا تغار الرجال على نسائها!! ففي صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون "أنَّ قِرْدَة زنت فاجتمع عليها قردةٌ فرجموها".

وفي الصحيحين أنَّ سعد بن عبادة -رضي الله عنه- قال: "لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيفِ غير مصفح، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أتعجبون من غيرة سعدٍ!! واللهِ لأنا أغير منه، والله أغير مني".

فالغَيْرَةُ هي تَغَيُّرُ القَلْبِ، وهَيجانُ الغضبِ؛ لانتهاك حرمة من محارم الله، وأشدُّ الغيرة فيما يتعلق بحفظ النساء وصيانتهن.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

أيها الآباء، أيها الأولياء: إنَّ المشاكل النسوية في اجتماعاتهن إنما نشأت لما أضعنا معنى قول النبي -صلي الله عليه وسلم-: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

فلو قام الأولياء بولايتهم فراقب الأب بناته، والزوج زوجه، والولي من تحت يده.

لو قام هؤلاء بحقِّ الرعاية عليهم لاندفع كثيرٌ من الشر، ولأوصدت أبواب الضرر، ولم يجد العابثون إلى بناتنا ونسائنا سبيلاً.

إن بعض الأولياء لا يقرُّ قراره حتى تعين بنته، أو تقبل في كلية ما، أو تنقل وظيفتها من مكانٍ إلى مكان يريده، وهو جادٌّ من متابعة موضوعها، وتحقيقِ رغبتها.

فلمَ لا يصرف هذا الجهد بل بعضه في متابعة ما فيه حفظها، وصيانةُ عرضها؟! وشتان بين الغرضين.

إن مما نعانيه، ويعانيه كلُّ صاحبِ غيرة، يخشى أن يكثر الخبث، فنهلك وفينا الصالحون، كما قال ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالقضية قضية الجميع، لا يخاطب بها رجال الهيئة، ولا الدعاة، ولا طلاب العلم فقط.

ولكنها قضية السلامة في هذا الدنيا، والنجاة يوم القيامة، إنها قضية تساهل رجال أفاضل ومن المسابقين في الخيرات، وممن هم من أصحابِ الصف الأول في الصلاة تساهلوا في أمور نسائهم فوكلوا أمرَهن إليهن، خروجًا ودخولاً، وربما سفرًا وإقامة.

ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ *** ولا يستأمرون وهم شهود

إنَّ من المظاهر المزعجة أن ترى النساء في الأسواق إلى وقتٍ متأخرٍ من الليل! ثم تراهن متجمعاتٍ بعد هذا كله على عتباتِ الأسواق ينتظرن من يوصلهن بيوتهن، والله أعلم أينتظرن محرمًا أو سائقًا أجنبيًّا!!

إنَّ مما أستحثُّ به الغيرة، وأنادي به الرعاية الواجبة الشرعية.

سأذكر لكم بعض أمور تواتر النقلُ فيها، وضاقت بها صدور الغيورين فتحدَّثوا عنها، ولا أقول -إن شاء الله-: إنها أصبحت ظواهر، ولكنها بوادر، وبوادر الشر إن لم يتفطن لها الناس، ويؤخذ فيها على يد السفيه تصبح أمورًا مألوفة، ولا يزالون كذلك حتى يأتي زمانٌ يُنكر فيه على من يستنكرها، فتنقلب الموازين، ويتجرأ الناس على حرمات الدين، ويُغضبوا رب العالمين.

من ذلك: ذَكَر َمْن لهن اطلاعٌ على قصور الأفراح، وأماكنِ تجمعات النساء في المنتزهات وغيرها أمورًا محزنة في تساهل بعض النساء في لباس الحشمة، فلم تعد المرأة هي المرأة في لباسها الساتر يعلوها الحياء ويبطنها الحشمة.

تتابع النساء في ألبسة متبرجة تظهر ما يستحي في الفطرة إبداؤه، فأبدين من أجسامهن ما أوجب الله عليهن ستره، قلدن نساءً رأينهن في القنوات الهابطة، والدعايات الفاتنة.

ومن شر البلية أن تخرج المرأة من بيتها على مرأى من وليها بلباس، وقد أعدَّت لمكان وجهتها لباسًا آخر.

تخادع وليها؛ فهي عنده الفتاة المحتشمة، ذاتُ الألبسة الساترة، وإذا خرجت هتكت ستر الله عليها، وأضاعت وقارها، وقلّت في تلك الأماكن خشيتها لله، وحياؤها من عباد الله، خيانةً من المرأة لوليها من زوجٍ أحسن الظن، أو أبٍ ركبته غفلة الصالحين، أو أخٍ قلت حيطته، وضعفت سلطته.

أرأيت -أيُّها الوَلِيُّ المبارك- كيف يتلاعبُ الشيطان بعقولِ بعض السفيهاتِ، وكيف يسعين للفتنة سعيًا؟!

فما أعظمها من فتنة! وما أشدَّها على الولي الغافل من مصيبة!! والله المستعان.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه...

أما بعد:

أيها الإخوة: الغيرة مطلب فطري وشرعي، وتتأكد المطالبة بها حينما يموج الناس في نشوة إجازتهم، ويتنادون ليزجوا ساعات ليلهم مجتمعين على غير شيء إلا الغفلة، والزهد في حشمة نسائهم والتنصل من بعض أخلاقهم ومروءتهم.

عجب من أحدنا ربما يترك العمرة والسفر للمدينة تحاشيًا للزحام، وخوفًا من كثرة الناس، ثم ها هو يزاحم بنسائه في أماكن تسوق، ومهرجانات سياحة، وحدائق ترفيه، وتجمعات مختلطة.

يفعل هذا بنفسه أو يأذن لهن أن يذهبن مع صغير من محارمهن، أو سائق لا يلبث أن يلقيهن كما تلقى الشياه في مراعيها ليأخذهن متى طابت نفوسهن. ضعفت الغيرة، وبردت الحمية.

أتدري أنك تهدي عرضك لذئاب جائعة، وتفتن محارمك بهذا التساهل!!

هي أيام إجازة ولكنها ليست إجازة من الأخلاق والفضيلة، هي إجازة ولكن الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى لا يعرف إجازة عن إغواء بني آدم: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17].

أيها الغيور: حجاب بنتك تحول إلى عباءة ضيقة ذات أكمام، وخمارها إلى نقاب أشبه باللثام، فاتن بلبسه أكثر من نزعه. فهل عندك خبر؟!

يتردد في أوساطه النساء، وقريبًا من أماكن جلوسهن سفهاء ميعوا أنفسهم بلباسهم، وقصاتهم وربط شعورهم أشباه الرجال وليسوا برجال، يسمعون -عباد الله- منكر الموسيقى والغناء، والغناء رقية الزنا. فهل عندك خبر؟!

لا سرَّ في الموضوع، ولا مبالغة في وصف الحال، خذ جولة سريعة على بعض تلك الأماكن حتى إذا أذنت تأذن على بينة، وإذا منعت تمنع بحجة، ولا أظنك تأذن وليس الخبر كالمعاينة.

إنَّ مما ينبه عليه في المقام أيضًا ما تساهلت فيه بعض الأمهات على إقرار من الآباء من إلباس بناتهن الألبسة القصيرة أو الضيقة بحجة أنهن صغيرات.

فكيف تكون بنت الثامنة والتاسعة بل إلى أكثر من ذلك أحيانًا، كيف تكون صغيرة؟! بأي عُرفٍ؟! أو بأي شرع إلا في عرفٍ من يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟!

أما علم هؤلاء الآباء وهؤلاء الأمهات أن البنات إذا نشأن على ذلك اعتدنه وصعب تغيير ما نشأن عليه؟!

ثم إنك -أيها الأب- إذا نظرت إلى بنتك ذاتِ التسع سنين والعشر ونحوها، وقد لبست بنطالاً ضيقًا أو قصيرًا، إذا نظرت إليها وحالها كذلك بعين الأبوة البريئة، فاعلم أن غيرك قد ينظر إليها بعين الفتنة المريبة، وقضايا الاعتداء على الصغيرات هذا وقوده، ومعظم أسبابه.

ومن حرم الغيرة حرم طهر الحياة، ومن حرم طهر الحياة فبطن الأرض خير له من ظهرها!!

نسأل الله أن يحفظنا...
 

 

 

 

المرفقات
هل ذهبت الغيرة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life