عناصر الخطبة
1/الدنيا دار ابتلاء 2/في المحن والبلاء تكفير للسيئات ورفع للدرجات 3/على المسلم أن يتحصن بالأذكار الشرعية 4/ما ورد في بيان كبار العلماء بخصوص الوباءاقتباس
مَنْ قَرَرَتْ عليه جهةُ الاختصاصِ إجراءاتِ العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك، وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلِّي الصلواتِ في بيته أو مَوْطِن عزلِه...
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الإخوة: فقد جعَل اللهُ الدنيا دارَ اختبارٍ وابتلاءٍ، والآخرةَ دارَ جزاءٍ وعطاءٍ، والابتلاءُ سُنَّةُ اللهِ في خلقِهِ، فإن الله -تعالى- لم يخلُق شيئًا إلا وجعَل في خلقه حكمةً، ولا خلَق شيئًا إلا وفيه نعمةٌ، إمَّا على المبتَلَى، أو على غير المبتَلَى، وعليه لا توصفُ أيُّ حالٍ على أنها بلاءٌ مطلَق، ولا نعمةٌ مطلَقةٌ.
والمِحنةُ والبلاءُ من سننِ اللهِ في خلقِهِ: قال الله -تعالى-: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35]. عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"(رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وحسَّنَه الألبانيُّ".
أيها الإخوة: وفي المحنِ والبلاءِ: تكفيرٌ للذنوبِ ومحوٌ للسيئاتِ، ورفعٌ للدرجاتِ والمنزلةِ في الآخرةِ، وتمحيصٌ لصفوفِ المؤمنين، وتقويةٌ لصلةِ العبدِ بربِّهِ.
والمؤمن -بحمد الله- أمرُه كلُّه له خير، فهو في خيرٍ، وإلى خيرٍ في جميع أحواله، قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"(رواه مسلم عَنْ صُهَيْبٍ).
أيها الإخوة: وينبغي للمؤمن في عموم أحواله، وفي مثل هذه الأحوال خاصةً أن يتحصَّن بما ورَد من الأذكار من ذلك، عَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ" وَكَانَ أَبَانُ، قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالِجٍ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبَانُ: "مَا تَنْظُرُ؟ أَمَا إِنَّ الحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ"(رواه الترمذي، وقال الألباني: حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ).
وكذلك التحصُّن بدعاء الخروج من المنزل، قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟"(رواه أبو داود، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وصحَّحه الألبانيُّ).
وَمِمَا يَنْبَغِي عِلْمُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ يَدَع هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ، حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"(رواه أبو داود، عن ابْنِ عُمَرَ، وصحَّحه الألبانيُّ).
ينبغي للمؤمنِ أنْ يُكثِرَ من الدعاءِ والتضرعِ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ"(رواه الترمذي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وقال الألباني: حسَن لغيره).
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَمِنْ أَعْظَمِ عِلَاجَاتِ الْمَرَضِ فِعْلُ الْخَيْرِ، وَالْإِحْسَانُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، وَالتَّضَرُّعُ وَالِابْتِهَالُ إِلَى اللَّهِ، وَالتَّوْبَةُ، وَلِهَذِهِ الْأُمُورِ تَأْثِيرٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ، وَحُصُولِ الشِّفَاءِ أَعْظَمُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ وَقَبُولِهَا وَعَقِيدَتِهَا فِي ذَلِكَ وَنَفْعِهِ"(زاد المعاد، لابن القيم). وصلى الله على نبينا محمد…
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومن المناسب في هذا المقام ذِكْر قرار هيئة كبار العلماء رقم 246 ونصُّه: "الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد نظَرت هيئةُ كبار العلماء في دورتها الاستثنائية الرابعة والعشرين المنعقِدة بمدينة الرياض يومَ الأربعاء الموافق 16/7/1441هـ فيما عُرِضَ عليها بخصوص الرخصة في عدم شهود صلاة الجمعة والجماعة في حال انتشار الوباء أو الخوف من انتشاره، وباستقراء نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها وكلام أهل العلم في هذه المسألة؛ فإن هيئة كبار العلماء تبيِّن الآتي:
أولًا: يحرُم على المصاب شهود الجمعة والجماعة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"(متفق عليه)، ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا سَمِعْتُمُ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ"(متفق عليه).
ثانيًا: مَنْ قَرَرَتْ عليه جهةُ الاختصاصِ إجراءاتِ العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك، وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلِّي الصلواتِ في بيته أو مَوْطِن عزلِه، لِمَا رواه الشَّرِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ"(أخرجه مسلم).
ثالثًا: من خشي أن يتضرَّر أو يضر غيرَه فيرخَّص له في عدم شهود الجمعة والجماعة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(رواه ابن ماجه). وفي كل ما ذكر إذا لم يشهد الجمعة فإنه يصلِّيها ظُهْرًا أربعَ ركعات.
هذا وتُوصي هيئةُ كبار العلماء الجميعَ بالتقيُّد بالتعليمات والتوجيهات والتنظيمات التي تُصدِرُها جهةُ الاختصاص، كما تُوصِي الجميعَ بتقوى الله -عز وجل- واللجوء إليه -سبحانه- بالدعاء والتضرع بين يديه في أن يرفع هذا البلاء، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس:107] وقال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. انتهى… وصَلُّوا على نبيكم …
التعليقات