هكذا نستقبل رمضان

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ فضائل شهر رمضان 2/ أحكام وآداب الصيام 3/ حال السلف في رمضان 4/ الحث على اغتنام رمضان 5/ كيف تفوز في رمضان؟
اهداف الخطبة

اقتباس

إِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الْعِبَادَةِ وَالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- يَحْرِصُونَ عَلَى عِمِارَةِ هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَالْعَدِيدِ مِنَ الْقُرُبَاتِ، مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ بِالصَّلاةِ وَالْعِبَادَاتِ، وَكَثْرَةِ الصَدَقَاتِ. وإِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ تَكُونُ حَيَاتُهُ مُرَتَّبَةً لا مُهْمَلَةً، وَمُنَظَّمَةً لا مُبَعْثَرَةً، وَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ اغْتِنَامِ الأَوْقَاتِ: التَّخْطِيطَ الْمُسْبَقَ لِلْعَمَلِ فِيهَا، وَإِنَّ الاجْتَهَادَ لِرَمَضَانَ مَنْ أَعْظَمِ مَا يُخَطِّطُ لَهُ الْمُسْلِمُ الذِي يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَة...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي فَاضَلَ بَيْنَ الأَزْمَان، وَجَعَلَ سَيَّدَ الشُّهُورِ رَمَضَان، وَوَفَّقَ لاغْتِنَامِهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَالإِيمَان، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُه، وَمِنْ مَسَاوِئِ أَعْمَالِي أَسْتَغْفِرُه، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا ًكَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَانْظُرُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَة، وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ رَبَّكُمْ مِنْ مِنَّة، فَلا أَفْضَلَ وَلا أَعْظَمَ مِنْ نِعْمَةِ الإِسْلام وَلا أَكْبَرَ أَوْ أَجَلَّ مِنْ فَضِيلَةِ الإِيمَان!

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُون: هَا هُوَ رَمَضْانُ أَقْبَلَتْ بَشَائِرُه، وَذَاكَ شَهْرُ الصِّيَامِ لاحَتْ بَوَارِقُه، فَهَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لاغْتِنَامِه؟ وَهَلْ مِنْ جَادٍّ لاسْتِغْلالِه؟ فَمَا أَسْرَعَ مَا تَتَصَرَّمُ لَيَالِيهِ، وَمَا أَعْجَلَ مَا تَنْقَضِي أَيَّامُه!

 

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "... وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الإِخْوَةُ فِي اللهِ: يَنْبَغِي أَنْ نَسْتَقْبِلَ رَمَضَانَ بِالْفَرَحِ بِإِدْرَاكِهِ، لِأَنُّهُ فَضْلٌ مِنْ رَبِّكَ أَنْ تُدْرِكَ هَذَا الشُّهْرَ، لِأَنُّهُ مَوْسِمُ طَاعَةٍ وَوَقْتُ عِبَادَة، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ). فَكَمْ مِنَ النَّاسِ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَلَمْ يَأْتِ رَمَضَانُ إِلَّا وَهُوَ تَحْتُ اللُّحُودِ وَقَدْ أَكَلَ جِسْمَهُ الدُّودُ!

 

فَاسْتَحْضَرْ أَنَّ رَمَضَانَ - كَمَا وَصَفَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ - (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، سُرْعَانَ مَا تَذْهَبُ، فَرَمَضَانُ مَوْسِمٌ فَاضِلٌ، وَلَكِنَّهُ سَرِيعُ الرَّحِيلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ النَّاشِئَةَ عَنِ الصِّيَامِ تَذْهَبُ وَيَبْقَى الأَجْرُ، وَيَبْقَى مَعَهُ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ، فَإِنْ فَرَّطْتَ ذَهَبَتْ سَاعَاتُكَ وَبَقِيَتْ حَسَرَاتُكَ!

 

أَيُّهَا الأَخُّ الْكَرِيمُ: إِنَّ صِيَامَ رَمضَانَ هُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الإسْلامِ، فَاحْتَسِبِ الأَجْرَ فِي صِيَامِهِ لِتَنَالَ الأَجْرَ الْعَظِيمَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَإِيَّاكَ أَنْ تَصُومَهُ تَقْلِيدَاً لِلنَّاسِ أَوْ عَادَةً لا عِبَادَةً فَيَنْقُصُ أَجْرُكَ، وَرُبَّمَا ذَهَبَ كُلُّهُ، وَيَكُونُ حَظُّكَ مِنَ الصِّيَامِ  الْجُوعَ وَالْعَطَشَ!

 

وَمِمَّا نَسْتَقْبِلُ بِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ: التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوح، فَهَلْ يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَهُ وَنَحْنُ مُصِرُّونَ عَلَى الذُّنُوبِ، وَقَدْ أَثْقَلَتْنَا الآثَامُ وَالْعُيوب؟ إِنَّ التَّوبْةَ إِلَى اللهِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِينٍ، لَكِّنَّهَا فِي رَمَضَانَ أَوْجَبُ، قَالَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا) [التحريم: 8]

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا نَسْتَقْبِلُ بِهِ رَمَضَانَ: أَنْ نَتَعَلَّمَ مَا لابُدَّ لَنَا مِنْهُ مِنْ فِقْهِ الصِّيَامِ، فَنَتَعَلَّمُ أَحْكَامَ الْمُفَطِّرَاتِ، ونَتَعَلَّمُ سُنَنَ الصِّيَامِ وَآدَابَه!

 

وَكَذَلِكَ نَتَعَلَّمُ الْعِبَادَاتِ الْمُرْتَبِطَةَ بِرَمَضَانَ مِنِ اعْتِكَافٍ وَعُمْرَةٍ وَزَكَاةِ فِطْرٍ وَغَيْرِهَا، فَطَلَبُ الْعِلْمِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ مُصَحِّحٌ لِعِبَادَاتِنِا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم" (صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: وَمِمَّا تَسْتَقْبِلُ بِهِ شَهْرَ الصِّيَامِ: أَنْ تَعْقِدَ الْعَزْمَ عَلَى أَنْ تَصُومَ عَلَى وِفْقِ السُّنَّةِ النَّبَوِيِّةِ الشَّرِيفَةِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَا يَلَي:

 

أَوَّلاً: أَنْ تُبَيِّتَ النِّيَةِ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى أَنَّكَ تَصُوم، لِأَنَّ الصِّيَامَ الْوَاجِبَ لا يَصِحُّ إِلَّا بِتَبْيِيتِ النِّيَّةِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا-, عَنِ اَلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ" (رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

ثَانِيَاً: أَنْ تَتَسَحَّرَ، فَإِنَّ فِي السُّحُورَ بَرَكَةً، فَفِيْهِ مُوَافَقَةٌ للسُّنَّةِ، وَمُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا تَدَعِ السَّحُورَ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ مِنَ الأَكْلِ أَوِ الشَّرَابِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ" (رواه أحمد وحسنه الألباني).

 

ثُمَّ لَعَلَّهُ يَكُونُ لَكَ اسْتِغْلالٌ لِوَقْتِ السَّحَرِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَخِيرِ، وَكَمْ مِنْ نَفَحَاتٍ لِلْمَوْلَى -جَلَّ وَعَلا- تَنَزَّلَتْ عَلَى عِبَادِهِ فِي تِلْكَ اللَّحَظَاتِ، فَيَحْسُنُ بِكَ اسْتِغْلالُ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْفَاضِلِ، وَالزَّمَنِ الثَّمِينِ بِصَلاةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْ اسْتِغْفَار.

 

ثَالِثَاً: أَنْ تَحْفَظَ جَوَارِحَكَ مِنَ الآثَامِ طِوَالَ الْيَوْمِ، فَإِنَّ الذَّنْبَ خَطِيرٌ فِي كُلِّ حَالِ، وَهُوَ حَالُ الصِّيَامِ أَخْطَرُ وَأَسْوَأُ، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْحِكْمَةَ مِنَ الصِّيَامِ هِيَ حُصُولُ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) [البقرة: 183].

 

 وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ اَلزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" (رَوَاهُ اَلْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَه).

 

وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْذَرُونَ مِنْ فَلَتَاتِ اللِّسَانِ.. فِي غَيْرِ صَوْمِهِمْ فَكَيْفَ بِهِمْ إِذَا صَامُوا..؟! وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ.. وَقَالُوا: نَحْفَظُ صِيَامَنَا!

فَأَيْنَ مَنْ يَصُومُ بَطْنُهُ، ثُمَّ هُوَ يُطْلِقُ عَيْنَيْهِ وَلِسَانَهُ وَأُذُنَهُ فِي الْحَرَامِ؟

 

رَابِعَاً: أَنْ تُفْطِرَ مُبَكِّرَاً بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَيَكُونُ إِفْطَارُكَ عَلَى رَطُبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعَلَى تَمْرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ!

 

وَإِنَّهُ مِنَ الْحِرْمَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَتَوَفَّرُ عِنْدَهُ الرُّطَبُ أَوْ التَّمْرُ ثُمَّ هُوَ يَبْدَأُ بِالإِفْطَارِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا لَيْسَ حَرَامَاً لَكِنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ مَعَ إِمْكَانِهِ الإِتْيَانُ بِهَا، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ!

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْرِ هَادٍ وَأَعْظَمِ مُرَبٍّ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصْحَبْهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى!

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الْعِبَادَةِ وَالإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- يَحْرِصُونَ عَلَى عِمِارَةِ هَذَا الشَّهْرِ الْفَضِيلِ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَالْعَدِيدِ مِنَ الْقُرُبَاتِ، مِنْ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَتِلاوَةِ الْقُرْآنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَقِيَامِ اللَّيْلِ بِالصَّلاةِ وَالْعِبَادَاتِ، وَكَثْرَةِ الصَدَقَاتِ.

 

فَكَانَ الزُّهْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ.

 

وَكَانَ مَالِكُ -رَحِمَهُ اللهُ- إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ يَدَعُ إِقْرَاءَ الْحَدِيثِ وَتَدْرِيسَه، وَيَدَعُ مُجَالَسَةَ أهْلِ الْعِلْمِ وَيُقْبِلُ عَلَى الْقُرْآنِ.

 

فَاحْرِصْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ عَلَى كَثْرَةِ تِلاوَةِ  الْقُرْآنِ وَالْخَتْمِ مِرَارَاً، ثُمَّ حَافِظْ عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ مَعَ الإِمَامِ كُلَّ لَيْلَةٍ لِتَفُوزَ بِأَجْرِ قِيَامِ رَمَضَان!

 

ثُمَّ لِيَكُنْ لَكَ وِرْدٌ فِي تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَاسْتَعَنْ عَلَى ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ فِي كِتَابِ تَفْسِيرٍ مَوْثُوقٍ كَتَفْسِيرِ ابْنِ سَعْدِيٍّ أَوِ ابْنِ كَثِيرٍ -رَحِمَهُمَا اللهُ- أَوِ التَّفْسِيرِ الْمُيَسَّرِ الذِي خَرَجَ مِنَ الْمَجْمَعِ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَاعْتَنَى بِهِ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ فَهُوَ تَفْسِيرٌ مُخْتَصَرٌ مَوْثُوق!

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ تَكُونُ حَيَاتُهُ مُرَتَّبَةً لا مُهْمَلَةً، وَمُنَظَّمَةً لا مُبَعْثَرَةً، وَإِنَّ مِنْ أَسْبَابِ اغْتِنَامِ الأَوْقَاتِ: التَّخْطِيطَ الْمُسْبَقَ لِلْعَمَلِ فِيهَا، وَإِنَّ الاجْتَهَادَ لِرَمَضَانَ مَنْ أَعْظَمِ مَا يُخَطِّطُ لَهُ الْمُسْلِمُ الذِي يُرِيدُ اللهَ وَالدَّارَ الآخِرَة َ!

 

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ اسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ لا يَكُونُ بِأَنْوَاعِ الأَطْعِمَةِ وَبِمُخْتَلَفِ الأَشْرِبَةِ كَمَا هِيَ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ! فَحَظَّهُمْ مِنْ رَمَضَانَ تَغْييرُ وَقْتِ الْوَجَبَاتِ وَالاخْتِلافُ فِي نَوْعِيَّاتِ الْمَأْكُولاتِ وَالمَشْرُوبَاتِ، فَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ الصَّالِحِينَ!!!

 

بَاعَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ جَارِيَةً لَهُمْ لِأَحَدِ النَّاسِ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَمَضَانُ أَخَذَ سَيَّدُهَا الْجَدِيدُ يَتَهَيَّأُ بِأَلْوَانِ الْمَطْعُومَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لاسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا رَأَتْ الْجَارِيَةُ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَالَتْ: لِمَاذَا تَصْنَعُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: لِاسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ! فَقَالَتْ: وَأَنْتُمْ لا تَصُومُونَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ!!! وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ السَّنَةُ عِنْدَهُمْ كَأَنَّهَا كُلُّهَا رَمَضَانَ، لا حَاجَةَ لِي فِيكُمْ، رُدُّونِي إِلَيْهِمْ! وَرَجَعَتْ إِلَى سَيِّدِهَا الأَوَّل!!!

 

فَاللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ صَامَهُ وَقَامَهُ إِيمَانَاً وَاحْتِسَابَاً! اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْم، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.

 

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبَلَ السَّلامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنْ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأْبَصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذَرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شاَكِرِينَ لِنِعَمِكِ، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا!

 

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين!

 

 

المرفقات
هكذا نستقبل رمضان.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life