هدايات رمضان

محمد بن سليمان المهوس

2024-04-06 - 1445/09/27
التصنيفات: التربية رمضان
عناصر الخطبة
1/أوضح الله طريق الهداية 2/من مقومات الحياة الطيبة 3/نعمة القرآن وما فيه من الهدى 4/أعظم الحرمان حرمان الطاعة

اقتباس

وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْخُسْرَانِ أَنْ تُحْرَمَ أَجْرَ وَفَضْلَ وَبَرَكَةَ هَذَا الشَّهْرِ؛ يُرْفَعُ صِيَامُ الصّائِمِيِنَ، وَصَلاَةُ الْمُصَلِّيِنَ، وَصَدَقَاتُ الْمُحْسِنِينَ، وَأَذْكَارُ الذَّاكِرِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَتُحْرَمُ أَنْتَ!...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ اللَّه الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإيمَانِ، وَفَرَضَ عَلَيْنَا الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ، لِنَيْلِ الرِّضَا وَالرِّضْوَانِ، مِنَ اللَّهِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَكْوَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلإِنْسِ وَالْجَانِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ لِهَذَا الدِّينِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين)[الحجرات: 17].

 

فَاللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ، فَهَدَى مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ، وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ بِعَدْلِهِ، وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، قَالَ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[التغابن: 2]، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ هُدِيَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ بِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ، وَأَوْضَحَ لَنَا طَرِيقَ السَّعَادَةِ فَنَسْلُكُهُ، وَطَرِيقَ الشَّقَاوَةِ فَنَتْرُكُهُ لِنَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً سَعِيدَةً أَبَدِيَّةً، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

فَقَوْلُ اللهِ -تَعَالَى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بَيَانٌ لِمُقَوِّمَاتِ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي أَمْرَيْنِ، هُمَا: الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالإِيمَانُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَصْفٌ لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَكُونُ خَالِصًا للهِ -تَعَالَى-، وَمُوَافِقًا لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.

 

وَمِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: عِبَادَةُ الصِّيَامِ الَّتِي نَحْنُ فِي شَهْرِهَا وَالَّتِي جَعَلَهَا اللهُ لَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي"(رواه البخاري، ومسلم واللفظ له).

 

فَعَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ مِنَّةَ اللهِ عَلَيْنَا؛ حَيْثُ أَبْقَانَا اللهُ لِنُدْرِكَ هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ، وَنَصُومَ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنْهُ، وَنَرْجُو مِنَ اللهِ -تَعَالَى- أَنْ يُبْقِيَنَا بِصِحِّةٍ وَعَافِيَةٍ لِنُدْرِكَ بَقِيَّتَهُ وَأَعْوَامًا قَادِمَةً.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجَلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْنَا، وَأَعْظَمِ مِنَّةٍ امْتَنَّهَا عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ الَّذِي فِيهِ مِنَ الْبَشَائِرِ وَالْهُدَى وَالرَّحْمَةِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ جَرَّدَ قَلْبَهُ مِنَ الأَهْوَاءِ وَالْمَوَانِعِ، لِيَنْتَفِعَ بِكَلاَمِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَالَّذِي وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[ فصلت: 41 – 42 ]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل: 89].

 

وَمِنْ فَضْلِ اللهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ لَفْظَهُ سَهْلاً لِمَنْ أَرَادَ لَهُ هِدَايَةً وَذِكْرَى، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)[القمر: 22]، فَالْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا هُوَ الْهِدَايَةُ وَالْبِشَارَةُ، قَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء: 9]، فَالْقُرْآنُ فِيهِ هِدَايَةُ الْعَبْدِ إِلَى إِفْرَادِ الْعُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ وَالَّتِي لأَجْلِهَا خُلِقَ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وَفِيهِ هِدَايَةُ الْعَبْدِ إِلَى مُتَابَعَةِ هَدْيِ نَبِيِّهِ وَالْبُعْدِ عَنْ كُلِّ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَوْ إِحْدَاثٍ فِي دِينِهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[آل عمران: 31].

 

وَالْقُرْآنُ فِيهِ هِدَايَةُ الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبُهُ مِنْ أَمْرَاضِ الشُّبَهِ وَالشُّبُهَاتِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153]، وَفِيهِ أَيْضًا هِدَايَةُ الْعَبْدِ لِصَالِحِ الْعَمَلِ.

 

فَلْتَكُنْ بِدَايَتُنَا مَعَ كِتَابِ رَبِّنَا مِنَ اَلْآنِ، وَلَا تَنْتَهِي بِنِهَايَةِ رَمَضَانَ، بَلْ تَسْتَمِرُّ إِلَى أَنْ يَشَاءَ لَهَا رَبِّي أَنْ تَسْتَمِرَّ، كَمَا قَالَ اَللَّهُ -تَعَالَى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[النحل: 99].

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ، اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنَا فِي طَاعَتِكَ، وَأَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْخُسْرَانِ أَنْ تُحْرَمَ أَجْرَ وَفَضْلَ وَبَرَكَةَ هَذَا الشَّهْرِ؛ يُرْفَعُ صِيَامُ الصّائِمِيِنَ، وَصَلاَةُ الْمُصَلِّيِنَ، وَصَدَقَاتُ الْمُحْسِنِينَ، وَأَذْكَارُ الذَّاكِرِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَتُحْرَمُ أَنْتَ!، قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وِآلِهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: "آمِينَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ؛ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ"(صَحَّحَهُ الأَلْبَانِي فِي صَحِيحِ التَّرْغِيبِ).

 

فَاتَّقِ اللهَ يَا مَنْ أَدْرَكْتَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَاشْكُرِ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّلَ عَلَيْكَ بِإِدْرَاكِهِ، فَأَنْتَ -يَا َعَبْدَ اللهِ- تَصُومُ وَتُصَلِّي وَغَيْرُكَ قَدْ وَافَاهُ أَجَلُهُ وَلَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَغَيْرُكَ قَدْ شَخُصَ بَصَرُهُ فِي غُرْفَةِ الْمُسْتَشْفَى لا يَعْرِفُ اسْمَهُ وَلا يَدْرِي مَكَانَهُ، قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَزَالَ التَّكْلِيفُ عَنْهُ، وَأَنْتَ تُصَلِّي وَتَصُومُ فِي وَطَنِكَ وَبَيْنَ أَوْلادِكَ وَغَيْرُكُ قَدْ فَقَدَ الْوَطَنَ وَالْوَلَدَ،  فَاحْمَدُوا اللهَ -تَعَالَى- حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ صِيَامَ الْمُوَدِّعِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْقَائِلُ -سُبْحَانَه-: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life