عناصر الخطبة
1/فرعون رمز للطغاة 2/تشابه أفعال الفراعنة والطغاة على مر العصور3/بعض الأخطار المحدقة بأمة الإسلام في الوقت الحاضر 4/أثر الظلم وعاقبته الوخيمة 5/بعض أسباب النصراهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: لقد كان فرعون رمزاً للطغاة، وقدوة للمستكبرين الذين يسعون لإهلاك الحرث والنسل في سبيل خلو الأرض من مُعارض، فيشيع الرعب والدمار، ويُقدم على الإجراء تلو الآخر، وعلى الحرب تلو الأخرى، من أجل إرساء قسمات عالم يروق لمزاجه، وكتل بشرية تسبح بحمده، وتقر بنعمته وأمنه، وبسط نـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد كان فرعون رمزاً للطغاة، وقدوة للمستكبرين الذين يسعون لإهلاك الحرث والنسل في سبيل خلو الأرض من مُعارض، فيشيع الرعب والدمار، ويُقدم على الإجراء تلو الآخر، وعلى الحرب تلو الأخرى، من أجل إرساء قسمات عالم يروق لمزاجه، وكتل بشرية تسبح بحمده، وتقر بنعمته وأمنه، وبسط نفوذه.
أيها المسلمون: لقد حدثنا القرآن ملياً عن هذه العقلية بما يجعل المطّلع والمتأمل في سيرة هذا العُتل، ومن سار على خطاه، واسترشد بهداه، يستخلص الدرس بعد العبرة، والسُّنة بعد العلة، من تقلب الحال لما أحدثته تلك السياسات العرجاء التي سنها الفراعنة على مر العصور، وحملوا البشر عليها بقوة الحديد والنار، ثم نهاية المعقد والمآل لتلك الملاحم الملونة بدم الأبرياء، والذين نذروا أنفسهم دروعاً مقاومة للظلم، ونصرة للمستضعفين: (مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) [النساء: 98].
والحكمة التي يكشف عنها القرآن في تشابه أفعال الفراعنة والطغاة على مر العصور والدهور على الرغم من اختلاف الأزمنة والأمكنة، هي: عقلية الطغيان، أو جينات الاستكبار، إذا صح التعبير، التي يحملها ذاك النوع من البشر الذي يعتبر نفسه خلقاً غير عادي، قال الله -تعالى-: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)[الذاريات: 52 - 53].
فذاك القول النتن، وتلك الأفعال المستهجنة التي تصدر إنما هي نتاج العلو والتكبر في الأرض.
فادعاء الألوهية، ثم استخدام سياسة العصا والجزرة، ومصادرة حريات الناس وتسفيه آرائهم وازدرائها، مع العمد إلى تفسيق الناس ليسهل سوقهم كالهوام التي لا تفكر إلا في اتباع الشهوات والتقاط الشبهات، وما حام حول حماها، كلها سياسات وإجراءات جُربت من قبل المتكبرين، وفي حال عدم إتيانها للثمار التي يرومونها وتحقيقها للنهايات التي يتطلعون إليها، فلم يعد بعد ذاك إلا السحق للمقاوِم بأي طريقة كانت، وتحت أي عذر أو مبرر كان.
وهذا عين الحمق الذي يرتكبه من يسوسون العالم في البيت الأبيض، فمن ليس معهم قلباً وقالباً بعد حمل العالم على أجندة مكافحة الإرهاب، فهو مع الإرهابيين، أو منتظماً معهم في محور الشر، ومن يحددون بأنه خطر على الأمن والسلام العالميين -أي أمنهم وسلامهم هم لا غير- فسيلقنونه درساً تحت مطية الحرب الاستباقية التي يجب أن يعلم الكل أن الحركات والهمسات، بل وتمتمات النفس وهمساتها في ظلها معدودة، وتحت دثار ردائها، صاحبها متابع ومحاسب، حتى لا تسول له نفسه في يوم من الأيام بأنه أو من سيخرج من صلبه سيكون قادراً على قض مضاجع العرش الذي اعلتوه، والمكانة العالمية التي تبوؤها، والتي تجعل منهم بمثابة الذي لا يُسأل عما يفعل، ولا يجب أن يرى الناس إلا ما يراه، ويتبعوا ثم يهتدوا بما يقرره هو ويمليه: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر: 29].
ويا له من تطابق بين أفعال الفرعون المذكور في القرآن، وبين صنيع أسلافه الذين يسوسون العالم الآن، لقد سن فرعون قانون قتل ذكور بني إسرائيل الذين قيل له بأن حتفه سيكون على يد فتى منهم على إثر المنام الذي رآه، فبدأ يستبقي النساء ويحصد الأولاد دفعاً لذلك المحذور، واحترازاً من النذر المشؤوم، وها هو الفرعون الجديد رئيس الولايات المتحدة يسير على نفس خطى الفرعون القديم، يسن قانون الحرب الاستباقية ليبدأ في تطبيقها حذراً من الخطر الذي تشكله عصابات -بزعمه- يملكون أسلحة الدمار الشامل التي يزعم أنه يملكها، أو قادر على إنتاجها من أن تقع في يد الإرهابيين، وما أدراك ما الإرهابيون؟ وما الأرض الخصبة التي يترعرعون فيها؟ والعرق البشري الذي يكثرون فيه ويتناسلون؟ قال الحق جل في علاه: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص: 4 - 6].
أيها المسلمون: إن الفرعون القديم بعد أن بلغ الطغيان به والعلو مبلغه اهتدى إلى هذه السياسة، ظناً منه، ومن البطانة التي تدفعه، أن هذا الأمر يقطع دابر الفتنة والفساد، أي مقاومة غطرسته وجبروته التي كانت على يد موسى -عليه السلام-، والعصبة المؤمنة التي كانت معه من بني إسرائيل، فقسّم الناس إلى طوائف وفرق:
فريق الخير الذي يدور في فلكه، ويأتمر بأمره، ويبارك مسعاه ومبتغاه.
وفريق الشر الذي يعارض كبرياءه، ويستهجن صنيعه.
فللأول القربى والزلفى، وللثاني الخسف والخطف، وتجفيف المنابع، وقطع دابر الإمدادت المادية والمالية، وتشويه السمعة، والرمي بكل نقيصة لتنفير الناس مما لدى المعارض من حجج وبراهين.
وهذا ما يفعله الفرعون الجديد اليوم تحت غطاء حربه على الإرهاب، فالعالم انقسم إلى قسمين، وصار فريقين:
فريق الخير، وهم المباركون للخطى، والمقدّمون للقرابين، والمطأطئون للرؤوس الذين كما قال الأول:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم *** في النائبات على ما قال برهانا
وفريق الشر، الذين يتمحكون ويتململون، بل ويتساءلون لما كل هذا العسف والحيف والظلم في تعميم سياسات، قيل: إن المستهدف من ورائها هم الإرهابيون، ليجد العالم بعد ذلك نفسه أمام جهة مستهدفة في كل شيء، حتى في حكامها الذين أساموها سوء العذاب، بوضع أيديهم في يد هذا الفرعون الجديد، وتقديم كل ما يريد، ومع ذلك فهو غير راض، ولا مقتنع إلا بالاستسلام التام، أو السحق المستضام.
فالملايين من البشر التي خرجت في مسيرات مليونية مدوية لم يشهد العالم المعاصر لها مثيلاً، في أكثر من سبعين دولة وستمائة مدينة، لتعبر عن رفضها لهذا المنطق الأعرج، ولهذا الحمق الأهوج، لا تستحق من فرعون أمريكا وملئه النظر إلى رسالتها، والالتفات إلى حججها؛ لأنها رعناء حسب منطقه، ولا تُقدّر العواقب، ولا تدرك الخطر، وفوق ذلك لا تدرك تلك الجماهير، ولا الشخصيات السياسية أو المثقفة التي خرجت معها مدى الخير العميم الذي سيحل بعد الحرب، ومدى الحريات والتوزيع العادل للثروات بعد وضع مقدرات البلد البترولية تحت إمرة الأيادي البيضاء الأمنية.
أما الاعتراض الفرنسي أو الألماني، وإن كان لا يقدم أو يؤخر في نهاية المطاف كما حدث في مناسبات سابقة، فإن فرعون أمريكا يصف ذلك بنعقة من أوروبا القديمة التي عفا عليها الزمن، وأكل عليها الدهر وشرب، والتي لا تستحق أن يلتفت إلى صراخها وعويلها.
أليس هذا الذي يصنعه فرعون أمريكا هو عين العلو الذي وقع فيه فرعون مصر، فهو لا يريد أن يَسمع إلا ما يُطربه، ولا يريد السماح بالعيش إلا لمن يقر بنعمته عليه، فلا يحرك شاردة أو واردة إلا بعد إذنه، وقد كان ذاك الفرعون القديم يفعل ما يشبه هذا، ففي لحظة من الغضب والهيجان يقرر بكل كبر وعلو: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)[غافر: 26].
وعندما يستجيب السحرة لنداء الحق بعد سقوط الأقنعة عن الزيف الذي كان يمارسه عليهم، قابلهم بكل عجرفة ونهرهم بالأسلوب الذي اعتاد مخاطبتهم به: (آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ)[الأعراف: 123].
والحديث في هذا المجال يطول بذكر الصلف والغرور الذي تفوح بها أفعال الطغاة على مر العصور؛ لأن الملأ زين لهم، ولأن القوة والسلطة أغرتهم، ولأن العلو والكبر ملأ سويداء قلوبهم، فراحوا يضربون ذات اليمن وذات الشمال ظانين أن لا أحد يقف في طريقهم، ولا أحد يسلم من مكرهم وتدبيرهم، فيأتيهم الأمر من حيث لا يشعرون، ويدخل عليهم الخراب والدمار من حيث لا يحتسبون: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)[الحشر: 2].
قال الله -تعالى-: (وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص: 6].
أيها المسلمون: لقد أُتي فرعون مصر من قبل الكبر والعلو من حيث لم يحتسب، بأن تربى موسى -عليه السلام- في قصره بعد أخذ الحيطة والحذر بالتدبير لقتل جميع الذكور الذين يولدون من بني إسرائيل، وكان حتفه على يديه بعد رعاية الله وتدبيره لكل هذا.
ولا أظن أن فرعون أمريكا بصنيعه الظالم هذا سيفلت من هذا الأمر، وسيكون بدعاً عن سير الظالمين الهالكين، فمن رحِمِ هذه الغطرسة ومن إزار تلك الكبرياء، ومن ثمار تلك السياسات الحمقاء ستتولد بذور المقاومة لهذا الطغيان، وستربو ثم تنمو وتثمر في وسط هذه الملاحم، وعلى أنقاض تلك الأشلاء التي ستتطاير، والأرواح التي ستُزهق بغير حق، دروع الشموخ التي ترفض أن تساق إلى المشنقة كالسوام، أو ترضى الاستبقاء تحت ظل حياة كيفما كان شكلها أو لونها، فكم لله من حِكم في استخراج النهار من الليل، والفجر من غسق الدجى، والميت من الحي، ومن إحياء الأرض بعد موتها، ومن أخذ الظالمين رويداً رويداً إلى ارتكاب ما يظنون أنه مانع لهم مما هم في حذر منه، أو دافع عنهم ما يقدرون حتفهم، أو بدايته في طياته، غير أن الظلم والغطرسة والكبر تعمي وتصم، وأمْر الله بالمرصاد، فإذا جاء لا راد لأمره، ولا دافع لقضائه، إلا ما أراده هو بمشيئته وحينها: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
وعلى يد من سينالهم غضب الله، ويحل بهم نكاله بعد أن يبثوا الرعب، ويزهقوا الأرواح، ويهلكوا الحرث والنسل، ردحاً من الزمن كاف؛ لأن يجعلهم يعيشون في سكرة: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)[فصلت: 15].
ومن أكثر منّا بأساً وبطشاً؟ بمن يعترض سبيلنا، ويقف في سبيل فرض قيمنا، بعدها سيأتي الوقت الذي يقدره المولى -جل وعلا- من فوق سبع سماوات: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[الفجر: 14].
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه ...
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الأمة المسلمة تواجه اليومَ خصاماً بعنف، وتآمراً وحرباً بجبروت، يقودها فرعون ظالم، وقومٌ لئام، أماطت عنهم اللثام الأحداثُ، والوقائع والأيام، يجرّون الضغائن، ويحملون مسمومَ الدفائن، ملؤوا الدنيا عدواناً، وأشعلوها نيرانا، وأنَّى يُحقِّق هؤلاء سلاماً دائماً وسكوناً دائباً.
أحداثٌ تُفتعَل، وأدوارٌ تُمثَّل وتُنتحَل، إفكٌ وافتراء، واتِّهام وادِّعاء، وغطرسة وغرور، واستبداد وفجور، وجَور واشتطاط، وظلم واختباط، وتلاحم بالظالمين واختلاط، أدَّى إلى تفجّر العنف في المنطقة، وانعدام الأمن وانتشار الخوف واختلال الأوضاع في كثير من الأصقاع والبقاع.
إن العالم باتت تحكمه شريعةُ الغاب، وسياسات التهديد والإرهاب، ولغة التحدّي والإرعاب، مصالح ذاتية، ونظمٌ أُحاديّة، وإدارة فرديّة، تتعامل مع الغير معاملةَ السيّد للمسود والقائد للمقود، سياسةُ مصالح لا قيم، سياسة لا تحكم بالسويّة، ولا تعدل في قضيّة، ولا تتعامل إلا بحيف وازدواجية، غيٌّ وبغي، وتسلّط وتمرّد، ورؤًى خاصَّة يقرّرها صاحبُ القوّة وفق عقيدته ومصلحته، ومحاولاتُ إحداثِ خلخلة وضعضعة وانشقاقٍ وافتراق في صفوف الأمة المسلمة لتكونَ أمصاراً متنافرة، وبلاداً متناثرة متناحرة.
إنها صورةٌ واضحة المعالم جليّةُ الأبعاد للواقع المرّ الذي تأباه نفسُ كلّ أبيّ حرّ، وستظلّ المباركة والتأييد التي يلقاها الإجرام الأمريكي، وتهيئة الأجواء له، وإفساح المجال لارتكاب مزيدٍ من الهدم والتشريد والتقتيل شاهداً على الحقد الأعمى، وأنَّه ليس عند القوم للعدل حظٌّ ولا معنى.
أيها المسلمون: لقد بلغ السيل زُباه، والكيدُ مداه، والظلم منتهاه، والظلم لا يدوم ولا يطول، وسيَضمحلّ ويزول، والدهر ذو صرفٍ يدور، وسيعلم الظالمون عاقبة الغرور.
أين الذين التحفوا بالأمن والدَّعَة، واستمتعوا بالثروة والسَّعة من الأمم الظالمة الغابرة الظاهرة القاهرة؟ لقد نزلت بهم الفواجع، وحلّت بهم الصواعق والقوارع، فهل تعي لهم حِسًّا؟ أو تسمَعُ لهم ركزاً؟ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، وقرأ صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102][متفق عليه].
أيها المسلمون: مهما بلغت قوّةُ الظلوم، وضعفُ المظلوم، فإنَّ الظالم مقهور مخذول، مصفّد مغلول، وأقربُ الأشياء صرعة الظلوم، وأنفذ السهام دعوة المظلوم، يرفعها الحيّ القيوم فوق الغيوم، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا تردّ دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبوابَ السماء، ويقول لها الرب: وعزَّتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين"[أخرجه أحمد].
فسبحان من سمع أنينَ المضطهدِ المهموم، وسمع نداءَ المكروب المغموم، فرفع للمظلوم مكاناً، ودمَغ الظالم فعاد بعد العزّ مهاناً.
أيها الناس: إنه ليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العمران حيث يظهر الطغيان، وإن الظالمَ الجائر سيظلّ محاطاً بكلِّ مشاعر الكراهية والعداء والحقد والبغضاء، لا يعيش في أمان ولا ينعَم بسلام، حياتُه في قلق، وعيشه في أخطار وأرق؛ لأنَّ الظلم جالبُ الإحن، ومسبِّب المحن، والجَور مسلبةٌ للنعم، مجلبة للنقم، وقد قيل: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش.
أيها المسلمون: قد يُنعم الله على الكافر نِعمَ نَفْع، أو نعمَ دَفْعٍ، أو نعَم رفْع، ولكنه إنعامٌ وإعطاء، ما هو إلا استدراج وإملاء: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)[آل عمران: 178].
وقال تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[القلم: 45].
وقال تعالى: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ)[المؤمنون: 55 - 56].
وقال تعالى: (وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[الرعد: 31].
وقال تعالى: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)[آل عمران: 196].
لا يغرّنَك ما هم فيه من الاستعداد والإمداد، لا يغرنَّك ما هم فيه من التعالي والاستبداد، لا يغرنَّك ما يملكون من القوة والعدّة والعتاد: (مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آل عمران: 197].
(فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36].
أيها المسلمون: إنَّ ما أصاب المسلمين من التخلّف والتقهقر والضعف والتأخر، ونزع المهابة والهوان والعدوان، إنما هو عاقبة الفسوق والعصيان؛ فعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك الأممُ أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حبّ الدنيا، وكراهية الموت"[أخرجه أبو داود].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"[أخرجه أبو داود].
شهواتٌ ومُتع، ودنيا مؤثَرة وهوًى متَّبع، أجيالٌ مردت على العبث، مجتمعاتٌ فشت فيها قنواتُ الخبث، تلاعبٌ بالمرأة بكلِّ وقاحة وجرأة، والربا صار كالمباح، لا حرج فيه ولا جناح، وأيدي الظلمة امتدّت إلى الفقراء والضعاف بالتسلّط والإجحاف والقهر والإتلاف، فجباةُ الأموال بغيرِ حقِّها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، وآخذُو الملك من يد مالكه من غير عِوضٍ ولا سبب ظلمة، وباخسو العمّال حقوقَهم ظلمة، والثلة إذا نام عنها راعيها عاث الذئاب فيها.
فعلى كلِّ من آتاه الله رئاسةً تامة وزعامة عامة: أن يقوم بالعدل والسلطان، لتنكفَّ بسطوته الأيدي المتغالية، وتمتنع من خوفه النفوس العادية؛ فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لا قدّست أمة لا يَأخذُ الضعيف فيها حقَّه غيرَ متعتَع"[أخرجه ابن ماجة].
أيها المسلمون: الدهرُ طعمان حلو ومرّ، والأيام طرفان عسرٌ ويُسر، وكلّ شدّة إلى رخاء، وكل غمرة فإلى انجلاء، وإنَّ بعد الكدر صفوًا، وبعد المطر صحوًا، والشمس تغيب ثم تشرق، والروض يذبل ثم يورق، ولله أيام تنتصر من الباغي وتنتقم من العاثي، ومن عرف الله في الرخاء عرفه في الشدائد، وصرف عنه المكائد، وحفظه وهو نائم وقائم وصاحٍ وراقد، فتحلَّوا بالطاعة، والتزموا الجماعة، وإياكم والتشاحن والتطاحن، واحذروا الجدل، وعليكم بالجد والعمل، واعلموا أنَّ من فعل ما شاء لقي ما ساء، ومن أصلح فاسدَه أهلك حاسدَه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 7 - 9].
أيها المسلمون: المؤمن مهما تفاقم الشرّ وتراقي الخطر والضرّ، فإنه يعلم أن ما قُضِي كائن، وما قُدِّر واجب، وما سُطِّر منتظَر، ومهما يشأِ الله يكن، وما يحكم به الله يحقّ، لا رافع لما وضع، ولا واضع لما رفع، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وما شاء ربُّنا صنع، فلا جزع ولا هلع، وإنما صبرٌ ومصابرة، وفأل بأنَّ لأهل الإسلام السلطة والانتصار والفلج والإظفار، ولعدوّهم الذلّة والصغار والدمار والخسار: (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، والكفرة الملحدين، واحم حوزة الدين.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اللهم إن النصارى واليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين.
اللهم عليك بهم وبمن شايعهم وعاونهم وحماهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم احقن دماء المسلمين، وصن أعراضهم، واحفظ أموالهم وديارهم من كل معتد ظلوم يا رب العالمين.
اللهم احقن دماء المسلمين في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان والفلبين وكشمير وفي كل مكان يا رب العالمين.
ربنا إنك آتيت أمريكا وحلفائها زينة وأموالاً في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
اللهم دمر دولهم، وأهلك أممهم، واكسر صليبهم، واهلك خضراءهم، وأرنا فيهم ما أريت موسى وهارون في فرعون وقارون وهامان.
اللهم أرنا في فرعون أمريكا ما أريت محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وعثمان وعلي في أبي جهل وأبي لهب وأمية بن خلف، إنك بالإجابة جدير وعلى ذلك قدير.
اللهم أرنا مصارع قادة النصارى، اللهم عليك بقادتهم وطواغيتهم يا رب العالمين.
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والشر والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم ابعث في قلوب أبناء المسلمين حب الجهاد، وهيئ لهم أسبابه ليغزو في سبيلك ويضربوا أعناق النصارى ويطؤون أراضيهم بعز الإسلام والمسلمين.
اللهم ما دعوناك في هذه الساعة فأجبنا، وما لم ندعك فأنت أعلم بحاجاتنا في صدورنا.
اللهم صل على محمد ...
التعليقات