عناصر الخطبة
1/وقفات مع حديث "إن الله ليطلع على خلقه للية النصف من شعبان..."اقتباس
واعلموا أن الاخلاص وتحقيق التوحيد وإفراد الله -تعالى- بالعبادة، هو طوق النجاة وسر الغفران والفوز بالجنان، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...).
الخطبة الأولى:
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيها المسلمون: إن المسلم ليتقلب في هذا الزمان، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا، لغنيمة له ليتزود منه لآخرته، ويغرس فيه من الأعمال ما يجنيها يوم يقف بين يدي الله -تعالى-.
ولقد دار بنا الزمان وها نحن نعيش في شهر شعبان، والناس فيه قسمان قسم حرص واغتنم البقاء وتزود من الطاعات، وقسم فرط وضيع الأوقات وهم الغافلون عن ما في شهر شعبان من رفع الأعمال إلى رب العالمين؛ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
أيها المسلمون: إن في شهركم هذا نفحات ومغفرة ورضوان من ربكم الكريم المتعال؛ فما أعظمه من فوز، فتأملوا معي هذا الحديث؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قَالَ: «يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
ولنا مع هذه الحديث وقفات:
الأولى: إن الله -تعالى- يغفر فيها لكل عبادة إلا المشرك، وهذا يبين لك خطورة الشرك بالله، وهو أن تجعل مع الله أحدا تتعلق به أو تصرف أي شيء من أنواع العبادة له، فتفقد نفسك يا عبد الله من كل عمل لغير الله -تعالى-، وهذا أبو الأنبياء وإمام الحنفاء خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- يخشى على نفسه وعلى بنيه الشرك، قال تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
وقد بين إبراهيم -عليه السلام- ما يوجب الخوف من ذلك: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ...)؛ فالحذر كل الحذر من الشرك فإنه ماحق للحسنات فيجعلها هباء منثورا، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
والشرك يتسلل إلى قلوب العباد من حيث لا يشعرون وخاصة الرياء؛ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ -رضي الله عنه-؛ قَالَ: "انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا(1)"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ.
أيها المسلمون: احرصوا على التوحيد واخلاص العبادة لله -تعالى-، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).
واعلموا أن الاخلاص وتحقيق التوحيد وإفراد الله -تعالى- بالعبادة، هو طوق النجاة وسر الغفران والفوز بالجنان، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ...).
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا، أما بعد، أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى واطيعوا الله ورسوله لتنالوا المغفرة من ربكم -جل وعلا-؛ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
الوقفة الثانية: خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس وأن الله لا يغفر للمتشاحنين، والشحناء حقد المسلم لأخيه المسلم بغضا له، لهوى في نفسه، وطاعة وميل للشيطان الذي يؤجج بين المسلمين ويسعى للتفرقة والتشاحن.
ولك أن تتخيل شؤم التشاحن والبغضاء في هذا الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"؛ أي أخروهما.
فاحرصوا على سلامة صدوركم وطهارة قلوبكم من التشاحن والتباغض والتحاسد لتنالوا رضى ربكم ومغفرة، اصفحوا ليصفح الله عنكم واغفروا ليغفر الله لكم واعفوا ليعفوا الله عنكم، قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقد وصف الله -تعالى- المؤمنين بأنهم يقولون: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
التعليقات