عناصر الخطبة
1/ انتشار المعاصي وتفشيها ومخاطرها 2/ نعمة المطر والواجب نحوها 3/ خطر السيول والوقاية منهااقتباس
إياكم والمعاصي فإنها تفسدُ الديارَ العامرةَ، وتسلبُ النعمَ الباطنةَ والظاهرةَ، إنَّ هذا الزمانَ لهو زمانُ الهرجِ والفتنِ، تلطختْ فيه القلوبُ بالأدرانِ، وتلوثت فيه الجوارحُ بالإثمِ والعدوانِ، وكثرت المصائب في الشعوب والبلدان، ذنوبٌ ومعاصي أثقلتِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي أثارَ السحابَ وأرسلَه، وساقَ الغيثَ وأنزلَه، أحمدُه عددَ ما هطلَ علينا من سحابٍ، وعددَ ما ابتلَّتْ السهولُ والهضابُ، حمداً يليقُ بجلالِه، وينبغي لعظمتِهِ وكمالِهِ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ الغنيُّ عنا، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين فدعاَ العالمينَ إنساً وجناَّ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
اللهم إنا نحمدُكَ ونثني عليكَ، ونعبُدُك ونتوكلُ عليكَ، لا ملجأَ منكَ إلا إليكَ، خضعَتْ لكَ رقابَناَ، وذلتْ لكَ أعناقَناَ، ما تراكمتِ الكروبُ إلا كشفْتَها، ولا حلت الجدوبُ إلا رفعتَها، أطعمتَ وأسقيتَ، وكفيتَ وآويتَ، وأغنيتَ وأقنيتَ، نعمُك لا تُحصى، وإحسانُك لا يُستقصى، قَصَدتْك النفوسُ بحوائجِها فقضيتَها، وسألتك الخلائقُ فأعطيتَها، نحمدُك على نعمةِ الغيثِ حمداً يليقُ بكريمِ وجهِكَ وعظيمِ سلطانِك، سبحانك وبحمدِك، لا ربَّ لنا سواكَ، ولا نعبدُ إلا إياكَ.
أيها المسلمونَ: اتقوا اللهَ في أنفسِكُمْ، إياكم والمعاصي -أيها المسلمون-: فإنها تفسدُ الديارَ العامرةَ، وتسلبُ النعمَ الباطنةَ والظاهرةَ إنَّ هذا الزمانَ، لهو زمانُ الهرجِ والفتنِ، تلطختْ فيه القلوبُ بالأدرانِ، وتلوثت فيه الجوارحُ بالإثمِ والعدوانِ، وكثرت المصائب في الشعوب والبلدان، ذنوبٌ ومعاصي أثقلتِ الدانيَ والقاصي إلا من رحمَ ربُّ الناسِ.
إلى اللهِ المشتكى -أيها الناسُ- كما ترونَ وتسمعونَ قنواتٌ فضائيةٌ، ووسائلُ إعلاميةٌ، وشبكاتٌ معلوماتيةٌ، واتصالاتٌ سلكيةٌ ولاسلكيةٌ، جلبت الغرائبَ والمصائبَ، وخلخلت العفةَ والحشمةَ، وعصفت بالخُلقِ والحياءِ، وهل جنينا مما ساءَ مِنْ غُثاءِ الفضاءِ إلا الجرائمَ والفسوقَ، والشذوذَ والانحرافَ، فصِرناَ كما لا يخفى على سليمِ ألبابِكُمْ إلى ظُلمٍ بينَ العبادِ قد انتشرَ، وشر في فسيح الأرض قد ظهرَ، وأكْلٍ لحقوقِ البشرِ.
هل نحن -أيها المسلمون-: أهل لقطرةٍ من السماءِ تنزل، وسحابة تهمي بهتانها وتهمل، يتملقُ الناسُ إلى الغيثِ، وفيهِم أناسٌ على الغشِ مقيمون، وعلى الكذبِ مصرونَ، ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم - قد برئَ من الغشِ والكذبِ؟! كيف نمدُ أكفَناَ إلى اللهِ وقد امتدت إلى الحرامِ والمعصيةِ؟ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى عليه وسلم-: "ذكرَ الرجلَ يطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُ يديه إلى السماءِ: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُهُ حرامٌ، وملبسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ له؟".
ألا وإنَّ المكاسبَ الخبيثةَ تستدرجُ صاحبَها حتى تمحقَهُ محقًا، وتنزعُ البركةَ منهُ نزعًا، فلولا الذنوبُ وآثارُها، والمظالمُ وأوضارُها لصبت السماءُ، واخضرت البيداء، وزادت النعماء، ولكنها صدت بحجبكم، وقلت بسببكم.
أيها الأحبةُ المسلمونَ: هذا الغيثُ الذي رزقتمُوهُ وهذا الخيرُ الذي أدركتمُوهُ ابتلاءِ من ربِّكم وخالقِكم، ليبلوَكم أتشكرونَ أم تكفرونَ؛ لأن اللهَ -سبحانه وتعالى- قد علمَ قلةَ من يشكرُ، وكثرة من يكفرُ، فقال سبحانه: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13] فاحمدوا اللهَ الذي ساق لكم ثقالَ السحابِ، وأسبغَ عليكم زُلالَ الشرابِ، وأروى لكمُ السهولَ والهضابَ، وأسالَ لكم الأوديةَ والشعابَ: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) [الرعد: 17].
فاجعلوا ما رزقَكُمُ اللهُ عوناً لكم على طاعَتِه، ولا تجعلوا نِعمَ اللهِ سبلاً لنقمتِه، وخيراتِه مطايا لمعصيته.
الغيثُ -يا عبادَ اللهِ- رحمةً من أرحمِ الراحمين، وكرماً من أكرم الأكرمين، ألا يستحيي من الله قوم للزكاةِ مانعينَ، وللخيراتِ موعينَ، وعن مساكينِهم معرضينَ، وبالأوامرِ مقصرينَ، وللنواهي فاعلينَ، وكأنهم بعقوبةِ ربِّهمْ غيرُ مبالينَ، وبعظيمِ نقمتِه غيرُ مكترثينَ، ألا وإنَّ من صفاتِ الخائفِ من عقوبةِ ربِّهِ، الراجي لرحمةِ خالقِهِ، الذي يحومُ حولَ التوبةِ، ويكتنف ظلال الأوبة: أنَّهُ إذا ألَمَّ بذنبٍ استترَ، وإذا قارفَ معصيةً استغفرَ، وشرُّ أهلِ البلاءِ المجاهرونَ، قال عليه الصلاة والسلام: "كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرونَ" فكم من صاحب كبيرة من الكبائر وذنب من الذنوب كان تستره عن خلق الله سببا في عون الله له، وإقلاعه عن ذنبه.
فاشكروا فضلَ اللهِ، واذكروا إذ أنتمْ محرومونَ، قد قلتْ أمطارُكُمْ، وغارتْ آبارُكم، وأقفرت ديارُكم، وهلكت زروعُكم وأشجارُكم، فرحمَكُم ذو الرحمةِ الواسعةِ تداركَكُم برحمتِه، وأشفقَ عليكم بمنتِه، فللهِ الحمدُ والثناءُ، وعليه التكلانُ والرجاءُ، ومنه الفضلُ والعطاءُ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي سمكَ السماءَ، وأنزلَ منها الماءَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ خيرَ الرسلِ وأفضلَ الأنبياءِ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
أيها المسلمون: هذه الأمطارُ والسيولُ نعمةٌ عظيمةٌ، فلا تجعلوا مواسمَ الخيرِ عليكم مصائباَ، كثيرٌ من الناسِ -هداهم اللهُ- إذا نزلَ الغيثُ وسالت الأوديةُ تجشمَ بنفسِه وأهلِه بطونَ الأوديةِ، ومسالكَ الشعابِ، فعرضَ نفسَه وأسرتَه للخطرِ، قال تعالى: (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، وقال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].
ذريتكم، النساءُ والأبناءُ أمانةٌ في أعناقِكُم، فلا تجعلوهُمْ عرضةً للمهالكِ، ولا تتهوروا بهم في المزالقِ والمسالكِ، قد رأيتم ما حلَّ بغيركم من المدائن، كشفَ اللهُ ضُرَّ المسلمين، ورحمَ اللهُ الميتين، قد رأيتم كيف فعلَ السيلُ العرمُ بالناسِ والسياراتِ، شيءٌ تنصدع له القلوب، وتنشَدِهُ منه العقولُ، شيءٌ يجسدُ خطورةَ السيولِ، وجسامةَ الفيضانات.
أيها الأحبة المسلمون، ويا أيها الشبابُ خاصةً: إذا تلبدتِ السماءُ برحمةِ اللهِ فلا تدخلوا بسياراتِكم الأوديةَ، ولا تغرنكُم سياراتُكم ذواتُ القوةِ والمتانةِ، والدفع الرباعي والفلاني والعلاني، فإنَّ القوةَ للهِ جميعاً، قد رأيتم شاحناتٍ يلعبُ بها السيلُ، هذه قوة لا سبيل للانسان في إقحام نفسه فيها.
أيها الناسُ: كونوا عونا للجهاتِ الأمنيةِ والدفاعِ المدنيِ باتقائكم مصادرِ الخطرِ، فإن الجهاتِ الأمنيةَ بشرٌ لهم طاقاتٌ وإمكاناتٌ، والوقايةُ خيرٌ من العلاجِ.
فاتقوا اللهَ -أيها الناس- في أنفسِكم، واتقوا اللهَ في أسرِكم وذراريكم، ف"كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيتِه".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
صلوا على نبيكم -أيها المسلمون- واذكروا نعمة الله وأنتم تشكرون.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
التعليقات