عناصر الخطبة
1/وجوب شكر النعم 2/المطر والطعام من نعم الله العظيمة 3/أعمال تنافي الشكر 4/رسائل شكر لمن يستحق الشكراقتباس
وأما تدبيرُ اللهِ لنا في طعامِنا فهو العَجَبُ؛ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[عبس: 24], وليتفكرْ: كيفَ وصلَ إليهِ فأكلَه؟! فما يستديرُ رغيفٌ لتأكلَه حتى يُسخرَ اللهُ لأجلهِ مئاتِ الصانِعِينَ، أوَّلُهُم ميكائيلُ الذي يسوقُ السحابَ، وآخرُهم الخابزُ، ثم الشاحنُ والبائعُ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي لا خيرَ إلا مِنهُ، ولا فضلَ إلا من لَدُنْهُ, وإن آلاءَه لا تُجارَى ولا تُجازَى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الحقُ المبينُ, وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُ الأمينُ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ؛ فتقواهُ خَلَفٌ من كلِ شيءٍ، وليسَ من تقوَى اللهِ خَلَفٌ.
فنَعَمْ نِعَمٌ، نِعَمٌ تُعَدُّ، ولكنْ لا تُحَدُّ؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)[النحل: 18], وإذا كان شُكرُ النعمةِ نعمةً، فكيفَ إذًا نشكرُ؟؛ نشكرُ بأنْ نعترفَ بالتقصيرِ، والاعترافُ شُكرٌ، وأيضًا هو نعمةٌ.
ألا فلنعُدَّ الآن نعمتينِ حاضِرتينِ ظاهِرتينِ:
أما النعمةُ الأولى: فهيَ هذا الغيثُ المُفرحُ، الذي أنزلَه اللهُ بعدَ أن مضتْ خمسونَ الوسمِ، وتربّعتْ المِربعانيةُ، فنزلَ خيرٌ، وقد كان بعضُنا يقولُ: سَنَتُنا سَنَةُ جَدْبٍ!, ولكنّ الرحيمَ رحِمَنا، فأصابَنا من فضلهِ بعد إياسٍ، وكنا قبلَ نزولهِ في إبلاسٍ, تمامًا كما وصفَنا ربُنا بقولِهِ: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[الروم: 48، 49], فكُنا واللهِ مُبْلِسِينَ، فانقلب كلُ بلد يَسْتَبْشِرُونَ.
وأما النعمةُ الثانيةُ: التي تتكررُ كلَ يوم مرارًا, فهي نعمةُ الطعام، وأما الشرابُ فنعمةٌ هي الأخرَى كبرَى، فإذا طعِمتَ فاستحضِرْ أن مُطعِمَكَ -تَعَالَى- يقولُ: "يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ"(رواهُ مسلمٌ).
وأما تدبيرُ اللهِ لنا في طعامِنا فهو العَجَبُ؛ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[عبس: 24], وليتفكرْ: كيفَ وصلَ إليهِ فأكلَه؟!.
فما يستديرُ رغيفٌ لتأكلَه حتى يُسخرَ اللهُ لأجلهِ مئاتِ الصانِعِينَ، أوَّلُهُم ميكائيلُ الذي يسوقُ السحابَ، وآخرُهم الخابزُ، ثم الشاحنُ والبائعُ.
ثم تفكرْ في اللقمةِ الواحدةِ تدخلُ فمَكَ، كيف تمرُّ بمصانعَ دقيقةٍ وآلاتٍ نشيطةٍ؟! فإنكَ إذا تناولتَ لقمةً ألقيتَها في دهليزِ الفمِ، ولكنكَ لا تستطيعُ ابتلاعَها، فخلقَ الأضراسَ تَطحنُها، واللسانَ يُقلِّبُها، واللعابَ يُرطبُها، والمريءَ يُسيغُها، والحنجرةَ تَبلعُها، والأمعاءَ تُوزعُها، والمعدةَ تَطبخُها, ثم الكبدَ تَصبغُها، ثم العروقَ تَمتصُها، وأما الزائدُ فأذىً تتخلصُ منه, فأخذَ جسمُك منفعةَ ما أكلْتَه، وتخلصَ من فضلاتِهِ.
(فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)[الأنبياء: 80], وهل نحنُ بذكرهِ لاهِجونَ وقائِلونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي جَسَدِي مْنَفَعَتَهُ، وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ.
ثم لنسألْ أنفسَنا أسئلةً نُحاذِرُ أنفسَنا أن نكونَ واقِعِينَ فيها:
فهل مِنْ شُكرِ نعمةِ ربِنا تناولُ الطعامِ الضارِ صحيًا أو المحرمِ دينيًا؟!.
وهل من شُكرِ نعمةِ الوهابِ أن نُولِمَ بشاةٍ كاملةٍ لضيفٍ أو ضيفينِ؟!.
وهل من شُكرِ نعمةِ الجوادِ تركُ أطفالِنا يَشترونَ ما يَشتهونَ وإن كانوا لا يَأكلونَ؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ الأكرمِ تركُ أكلِ الحبيباتِ الساقطاتِ في السفرةِ؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ ربِنا التباهي بشراءِ غاليْ الثمنِ من المطاعمِ للتصويرِ فحسبْ؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ المتفضِّلِ تركُ باقي المأكولِ من المطاعمِ دون جمعِهِ للتصدقِ به؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ مُولِينا في البوفيهاتِ المفتوحةِ أخذُ أكثرِ من حاجتِك؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ مَولانا أن نُلقيَ بالطعامِ الصالحِ للإنسانِ، ليأكلَه الحيوانُ؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ مُعطِينا تَراكُمُ فضلاتِ طعامِ الحيوانِ بجانبِ الحاوياتِ، وتشويهُ الشوارعِ بآثارِ الدسمِ والفتاتِ؟!.
وهل من شكرِ نعمةِ المتفضلِ إلقاءُ قشورِ الفواكهِ بالنفاياتِ؟!.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ المنعمِ على العالمينَ، وصلى اللهُ وسلمَ على خيرِ الشاكرين.
أما بعدُ: فلنُحَيِّي طائفةً شاكرِينَ مقدِّرِينَ لنعمةِ الطعامِ؛ فشكرًا لتلكَ المرأةِ الطابخةِ في بيتِ زوجِها حاجتَه، وما بقيَ وضعَتْه بالثلاجةِ، ثم سخنَتْه؛ ليأكلُوه أو يُعطُوه.
شكرًا لذلك الأبِ الذي يمنعُ أولادَه بعضَ الأكلاتِ، لا بخلاً؛ ولكن خوفًا من الإسرافِ والتبذيرِ.
شكرًا لأولئكَ المتنزهينَ الذين يصطحبونَ معهم صحونَ قصديرٍ؛ ليُوزّعوا باقيَ طعامِهم.
وشكرًا خاصًا لتلكَ الجمعيةِ التطوعيةِ الجديدةِ القادمةِ بقوةٍ ونشاطٍ، إنها جمعيةُ قوتٍ لحفظِ الطعامِ بمحافظةِ الزلفيِ، حيث فَتحتْ حساباتِها، وجهزتْ سياراتِها، ووعدتْ بمواكبةِ العصرِ بخبراتِها؛ نائلةً فضلَ الإطعامِ الذي هو أفضلُ الأعمالِ، ومُشارِكةً في شُكرِ نعمةِ الطعامِ؛ (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)[القمر: 35].
فاللهم اجعلنا شاكرينَ لنِعَمِكَ، مثنِينَ بها عليك، وأتمَها علينا, اللهم مَن أرادَنا أو أرادَ بلادَنا ومقدساتِنا وحرُماتِنا بسوءٍ فاقطعْ دابرَهُ, اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ, اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ, واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ, اللهم اجزِ جنودَنا وحماةَ حدودِنا خيرًا كثيرًا, اللهم ادفعْ عنا الوباءَ والبلاءَ، وسوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ, اللهم اسقِنا سقيا نافعةٍ وادعةٍ, اللهم أنزلْ في أرضِنا ربيعَها وسَكَنَها. واجعلنا لكَ شاكرينَ.
اللهم صلِ وسلِم على رسولِك القائلِ: "أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَإِنَّ صَلَاةَ أُمَّتِي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً؛ كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَنْزِلَةً"(حسنهُ المنذريُ وابنُ حجرٍ والعجلونيُ والألبانيُ).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
التعليقات