نشأة اليهود

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-12-11 - 1445/05/27
التصنيفات:

 

 

موقع الدرر السنية

 

يُعَدُّ الخليل إبراهيم عليه السلام الأب المشترك للعرب، واليهود، والنصارى. والخليل هو إبراهيم بن تارِخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر ابن شالخ بن أَرْفَخْشَذ بن سام بن نوح عليه السلام.

 

اختلف في مكان ولادة الخليل عليه السلام.

قال ابن كثير: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ولد إبراهيم بغُوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون).ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل

وتذكر كتب التواريخ أن إبراهيم عليه السلام تزوج سارة، وكانت عاقراً لا تلد، وخرج مع والده وزوجته ، وابن أخيه لوط بن هاران من أرض الكلدانين إلى أرض الكنعانيين ، أي: من العراق إلى بيت المقدس فلسطين.

وقد حصل له من البلاء، والجهاد في سبيل الله ما يطول ذكره.

ولما وصل إلى بيت المقدس، ومكث فيها عشر سنين قالت له سارة: إن الرب حرمني الولد؛ فادخل على أَمَتي هذه - تعني هاجر -لعل الله يرزقنا منها ولداً.

فلما وهبتها له دخل بها إبراهيمُ عليه السلام فحملت ووضعت إسماعيل عليه السلام، وكان للخليل حينئذ ست وثمانون سنة.

ثم أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر له ساجداً؛ فولد له إسحاق بعد إسماعيل بثلاث عشرة سنة، فحمد الله إبراهيم كما قال عز وجل عنه: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]

ثم انتقل بعد ذلك إبراهيم من أرض كنعان بابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع عند موقع البيت فيما عرف باسم مكة.

وكان ذلك بسبب أمر الله عز وجل، وقيل: بسبب غيرة سارة عليها السلام.

ويقال: إن إسماعيل كان إذ ذاك رضيعاً؛ فلما تركه وأُمَّه هناك، وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر، وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا ؟

فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها، قالت: آلله أمرك بهذا ؟قال: نعم. قالت: فإذاً لا يضيعنا

جاء في (صحيح البخاري) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ((أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً، لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا  ؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ  حتى بلغ يَشْكُرُونَ[ إبراهيم37: ]

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط - فانْطَلَقَتْ؛ كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات.

قال ابن عباس: قال النبي: فذلك سعي الناس بينهما.

فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت: صه؛ تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أَسْمَعْتَ إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بِعَقِبِه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عيناً معيناً.

قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام

وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله.

وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول؛ فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا.

قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء.

قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي: فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس.

فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنْفَسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه.

قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيِّر عتبة بابه.

فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد ؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنَّا في جهد وشدة.

قال: فهل أوصاك بشيء ؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عتبةَ بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك؛ الحقي بأهلك. فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا.

قال: كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم ؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم ؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء.

قال النبي: ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه.

قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.

قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيه يثبِّت عتبة بابه.

فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد ؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء ؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام،

ويأمرك أن تثبِّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني  ؟  قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة ]127: قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ))

ثم حصل لإبراهيم ما حصل من البلاء بذبح ابنه وغير ذلك من البلايا.

وبعد أن بلغ إبراهيم عليه السلام مائة سنة رزقه الله تعالى بإسحاق.

وكان عمر سارة آنذاك تسعين سنة.

قال الله تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ [الصافات: 112-113]

قال ابن كثير: وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت ثبوائيل في حياة أبيه كان عمره أربعين، وأنها كانت عاقراً، فدعا الله فحملت، فولدت غلامين توأمين: أولهما سمَّوه عيصو، وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم.والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه؛ فسمَّوه يعقوب، وهو إسرائيل الذي ينسب إليه بنو إسرائيل

ومما جاء في سيرة يعقوب عليه السلام أنه رحل من بيت المقدس إلى خاله لابان بأرض حران؛ فلما قدم على خاله إذا له ابنتان اسم الكبرى: لَيّا، ويقال لها: ليئة، واسم الصغرى: راحيل؛ فخطب إليه راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما؛ فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين؛ فلما مضت المدة عمل خاله لابان طعاماً، وجمع الناس عليه، وزفَّ إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين، وليست بذات جمال.

فلما أصبح يعقوب، قال لخاله: لم غدرت بي وإنما خطبت إليك راحيل ؟فقال: إنه ليس من سننا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها؛ فعمل سبع سنين، وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كافٍ على وقوع النسخ؛ لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته؛ لأنه معصوم

وبعد ذلك وهب خالُه لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية؛ فوهب لليا جارية اسمها زلفا، وقيل: زلفة، ووهب لراحيل جارية اسمها بلها، وقيل: بلهة.

وقد جبر الله تعالى ضعفَ ليا بأن وهب لها أولاداً؛ فكان أول من ولدت ليعقوب: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا.

وكانت راحيل لا تحبل؛ فوهبت ليعقوب جاريتها بلها؛ فوطئها؛ فحملت وولدت له غلاماً سمَّته دان، وحملت وولدت غلاماً ثانياً سمَّته يفثالي، وقيل: اسمه ثفيالي، أو نفتالي. فعمدت عند ذلك ليا؛ فوهبت جاريتها زلفا من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد، وأشير، ثم حملت ليا، فولدت غلاماً خامساً وسمته أيساخر، ويقال: إنه يساكر.

ثم حملت وولدت غلاماً سادساً سمَّته زابلون، أو زوبلون، ثم حملت وولدت بنتاً سمَّتها دنيا، فصار لها سبعة من يعقوب.

ثم دعت راحيل الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب؛ فسمع الله نداءها، وأجاب دعاءها؛ فحملت، وولدت غلاماً عظيماً شريفاً، حسناً جميلاً سمَّته يوسف.

كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه، ثم طلب يعقوب من خاله أن يأذن له بالرحيل؛ فأذن له ورحل إلى فلسطين عند أبيه إسحاق عليهما السلام.وبعد رجوعه إليها حملت زوجته راحيل؛ فولدت غلاماً وهو بنيامين 

وبعد ذلك مرض إسحاق، ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه: العيص، ويعقوب مع أبيه الخليل عليهم السلام.

وهكذا استقر يعقوب هو وأبناؤه الأسباط الاثنا عشر في فلسطين.

ومن ذرية الأسباط يتكون نسب بني إسرائيل.

ثم حصل ما حصل بين يوسف وإخوته، وبعد ذلك دعا يوسف والده وإخوته إلى مصر، فنزحوا من فلسطين، ومات يعقوب في مصر، فذهب به يوسف وإخوته وأكابر أهل مصر إلى فلسطين، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي اشتراها الخليل.ثم رجعوا إلى مصر، وعزى إخوة يوسفَ يوسفَ، وترققوا له؛ فأكرمهم، وأحسن منقلبهم؛ فأقاموا بمصر، ثم حضرت يوسف الوفاة؛ فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر؛ فيدفن عند آبائه، فحنطوه، ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه،  كما يقول ابن كثير فيما نقله عن نصوص أهل الكتاب

وبعد ذلك تناسل الأسباط، وكثروا، وأبوا أن يندمجوا مع المصريين؛ فعزلوا أنفسهم عنهم، وتواصوا فيما بينهم أن يكون لكل سبط نسله المعروف المميز عن بقية الأسباط، وذلك ليضمنوا الاحتفاظ بنسبهم؛ اعتزازاً به، وتعالياً على غيرهم، باعتبار أنهم من ذرية الأنبياء.وهذه العزة التي عاشها اليهود في مصر، مع الشعور المصاحب لهم من التعالي بنسبهم، جعل مقامهم في مصر قلقاً مضطرباً

وبعد ثلاثة قرون أو تزيد اضطهدهم الفراعنةُ حكامُ مصر واستعبدوهم, فبعث الله موسى نبيًّا فيهم، ورسولاً إليهم وإلى فرعون.

وقد بيَّن لنا القرآن الكريم سيرة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث منَّ الله على بني إسرائيل ونجَّاهم من سوء العذاب الذي كان فرعون يسومهم به، ونصرهم عليه بقيادة موسى عليه السلام حيث إنهزم فرعون وأهلكه الله بالغرق.

وكان جديراً ببني إسرائيل بعد هذا النصر أن يحمدوا الله ويطيعوه، إلا أنهم أبوا إلا الكفر والذلة والمسكنة، فآذوا موسى عليه السلام وتعنَّتوا حين أُمِرُوا أن يدخلوا فلسطين، الأرض المقدسة.

وقد أكرمهم الله وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، ولما ذهب موسى لمناجاة ربه استضعفوا هارون، وعبدوا العجل الذهب، وتعنَّتوا على موسى بعد عودته، وقالوا له:  لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً  [البقرة:55 ]

ورفع الله فوقهم الطور؛ تهديداً لهم، فاستسلموا؛ خوفاً، وأعطوا مواثيقهم، ولكنهم نقضوا، واعتدوا فيالسبت؛ فمسخهم الله قردة وخنازير

وتوالت عليهم الآيات والعبر، كقصة البقرة، والخسف، وغيرها، ولكن قست قلوبهم، ولم تنفعهم الآيات والعبر؛ فهي كالحجارة أو أشد قسوة.

ثم توالت بعد ذلك غطرستهم، وتبجحهم، وعنادهم، وتحريفهم، وتبديلهم مع كليم الله ومَنْ بعده من الأنبياء عليهم السلام.

ثم بعث الله فيهم عيسى عليه السلام، وبدلاً من أن يصححوا خطأهم وانحرافهم، ويكفوا عن خبثهم وتزييفهم أجمعوا على قتله عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجَّاه منهم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ  [النساء: 157] ولم يكتفوا بما فعلوه بالمسيح عليه السلام في حياته، وإنما دوَّنوا افتراءات كثيرة على المسيح عليه السلام واتهموا أمه مريم عليها السلام بالبهتان، وعاثوا في الأرض فساداً

واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى عليه السلام وأخذوا يكيدون لأتباعه، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل، حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً حتى حقدت عليهم الأمم والشعوب؛ فشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرَّقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، في يثرب وخيبر ونجران واليمن.

وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس - كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة- واحتكارَ التجارة، والربا، وإشاعة الرذيلة والبغاء، وأكل أموال الناس بالباطل.

واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي، فلما ظهر النبي، كذَّبوه، وآذوه، واستهزؤوا به، وسحروه، وهموا بقتله، وألَّبوا عليه المشركين، وبدؤوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم، وظهر فيهم النفاق، واستمرَّ كيدهم للإسلام والمسلمين إلى اليوم؛ حيث أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى.   كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم, وصدق الله تعالى إذ يقول:  وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا  [المائدة:33 ]، ويقول:  وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ  [البقرة: 217]

 

من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة، قال عز وجل فيما حكاه من كلام يوسف عليه السلام: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ  [ يوسف: 100]   قال ابن كثير:  مِنَ الْبَدْوِ أي: من البادية، قال ابن جريج وغيره: (وكانوا أهل بادية وماشية).

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life