عناصر الخطبة
1/هل استفدنا من المصائب والبلايا؟ 2/الاستغفار رافع للبلايا والمصائب 3/فوائد الاستغفار 4/ أفضل الألفاظ الواردة في الاستغفار

اقتباس

ليس هذا تشاؤمًا لكنها إنذارات من ربنا ليخوِّفنا: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).وإن أمراً إن نحن التزمناه فإن الله وعد أن يكشف ما بنا من نقص في الأموال والأنفس والثمرات؛ إنه الاستغفار إذا رددناه بصدق من قلوبنا لا ألسنتنا فحسب، قال نبيك -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[التوبة: 36].

 

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[الرعد:11].

 

ألا فلنسأل أنفسنا: ماذا غيرنا، حتى يغير الله ما بنا؟ هل حافظنا على صلاة الفجر، ولو في شدة البرد؟ هل زدنا رعاية ووقاية من النار لأبنائنا وبناتنا؟ هل اتقينا ربنا وطهرنا أموالنا من الحرام، ومن الشبهات التي توقع فيه أو تكاد؟ هل نظرنا إلى هذه البلايا التي تحل بنا من الغلاء والضرائب المضافة، وتراكم الفواتير والمدفوعات والغرامات، وقحط أمطار وانقراض شجر ونبات، وأمراض لم تكن في أسلافنا.. كورونا وانفلونزا طيور، وسرطانات متعددة، بل وكثرة وفيات من حوادث سرعة وجوالات، وحروب هنا وهناك؟

 

هل أخافنا ذلك، فزادنا قرباً من الله تعالى، أم استولت علينا الغفلة، وكأن الأمر لا يعنينا. فانظروا قد مضى على صلاتنا للاستسقاء شهران، وقبل أربعة أشهر هي الثالثة الأخرى، وخسوف للقمر قبل أيام، وتسعون صاروخًا تفجر فوق سماء المملكة ويلطف بنا اللطيف الخبير، وخمسة وستون ألفَ مقذوف سقطت على أراضي بلادنا المصونة، والله الحافظ ثم قيادتنا وجنودنا البواسل.

 

نُذُرٌ وربِّك بالمصائب تنذِرُ *** وخنادق الباغين حولَك تُحفَرُ

 

ليس هذا تشاؤمًا لكنها إنذارات من ربنا ليخوِّفنا: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء:59].

 

وإن أمراً إن نحن التزمناه فإن الله وعد أن يكشف ما بنا من نقص في الأموال والأنفس والثمرات؛ إنه الاستغفار إذا رددناه بصدق من قلوبنا لا ألسنتنا فحسب، قال نبيك -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: "مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي" (رواه الترمذي).

 

ولما قال إِبْلِيس لِرَبِّهِ -عز وجل-: يا ربِّ، وعزَّتِكَ لا أزالُ أُغوي بني آدمَ ما دامَت أرواحُهم في أجسادِهِم. فقالَ اللَّهُ: "وعزَّتي وجلالي، لا أزالُ أغفِرُ لَهُم ما استغفروني" (أخرجه أحمد، وحسنه الألباني).

 

فأنت كلما استغفرت الله فكأنما تسدد سهمًا في عدوك إبليس: (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف:201].

 

وقد روي أن عمر بن الخطاب استسقى يومًا فلم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك استسقيت؟! فقال: "طلبت الغيث بمجاديح السماء"، ثم قرأ قول الله تعالى: (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[هود:3] (رواه ابن أبي شيبة)؛ فعُمرُ الملهم نطق بعين الصواب، وطلب الغيث بأعظم الأسباب.

 

فهل فكرت يوماً عندما يصيبك همٌ أو غمٌ، أو عندما تقع في مشكلةِ ومعضلة هل فكرت في أن المخرج هو مد الحبال إلى الله -عز وجل-؛ دعاءً وتوسلاً واستعانة، حتى وإن ابتليت بمعاص ظاهرة وخفية؛ فربنا الرحيم السِّتِّير لا ملجأ لنا منه إلا إليه.

 

قال ابن تيمية: "الاستغفار بدون التوبة ممكن واقع.. إن قالها بنوع من الصدق والإخلاص الذي يمحو السيئات؛ كما غفر للبغي بسقي الكلب؛ لِمَا حصل في قلبها إذ ذاك من الإيمان".

 

وقال ابن رجب: "لا سيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنب، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة". وما ألْهَم اللهُ عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبَه.

 

قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي.

 

 

الخطبة الثانية:

 

فإن للاستغفار فوائدَ وعوائدَ، منها:

1-مغفرة الذنوب: (وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)[النساء:110] ولما شكا رجل إلى مجاهد كثرة ذنوبه قال له: أين أنت من الممحاة؟ يعني الاستغفار.

 

2-المتاع الحسن: من إغداق في النعم وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)[هود:3].

 

3-إنزال المطر وزيادة القوة: لقوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).

 

4- إجابة الدعاء: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)[هود:61].

 

لو لم تُرِدْ نَيل ما أرجو وأطلبه *** من جُود كفَيك ما علمتني الطلبا

 

5- سبب لانشراح الصدر: وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ" (رواه مسلم).

 

وثمت سؤال مهم ومُلِحٌّ: ما أفضل ألفاظ الاستغفار؟ والجواب: أفضلها ثلاثة ألفاظ:

1- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: سيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". (رواه البخاري، ومسلم).

 

2- وفي الصحيحين أَنَّا أَبا بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي [وفي بيتي ] قَالَ: قُلِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".

 

3- قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني).

 

فيا من أنهكه المرض: أكثر من الاستغفار، ويا من كبلته الديون: أكثر من الاستغفار، ويا من أحاطت به الهموم والذنوب: الجأ إلى من هو أرحم بك من أمك، واستغفره إنه كان توابًا.

 

وها قد أحاطت بنا الأعداء فلنلجأ إلى استغفار ربنا، وها قد شهدنا بداية نقص الأرزاق وشح الأمطار فلنلح بالاستغفار.

 

اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَكَاننا، وَتَسْمَعُ كَلَامنا، وَتَعْلَمُ سِرّنا وَعَلَانِيَتنا، لَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِنا، نحن البؤساء الفقراء، الْمُسْتَغِيثُون الْمُسْتَجِيرُون، الْوَجِلُون الْمُشْفِقُون، الْمُقِرُّون الْمُعْتَرِفُون بِذَنَبِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أشَقِياء، وَكُنْ بِنا رَءُوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ؛ إن لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي غير أن عافيتك أوسع لنا.

 

اللهم إنا نعوذ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.

 

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا آيسين، ولا تهلكنا بالسنين. اللهم اسقنا سقيا نافعة وادعة تزيد بها في شكرنا وارزقنا رزقًا ترخص به أسعارنا وتنعم به على بدونا وحضرنا.

 

اللهم أرخص أسعارنا، وأغزر أمطارنا، وآمن أوطاننا، وحسن أخلاقنا، وطهر سرائرنا، وطيب أقواتنا، ووفق ولاتنا، وارحم أمواتنا، واجمع على الهدى شؤوننا، واقض ديوننا.

 

اللهم ارحم عباداً غرهم طول إمهالك، وأطمعهم دوام إفضالك، ومدوا أيديهم لكريم نوالك، ولا غنى لهم عن سؤالك.

المرفقات
نذر-وربك.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life