عناصر الخطبة
1/حاجة الإنسان إلى الأمن 2/ ثمرات الأمن وعواقب فقدانه 3/ جريمة الأعمال التخريبية 4/ حقوق المستأمنين وأهل الذمة 5/ رجال الأمن على ثغر الإسلام 6/ مسؤولية مواجهة الفئة الضالة .اهداف الخطبة
بيان أهمية الأمن وثمراته / النكير على أهل التفجير والتخريب / بيان حقوق المستأمنين و أهل الذمة.اقتباس
الأمنُ مطلبٌ عزيزٌ، هو قِوامُ الحياةِ الإنسانيّة وأسَاسُ الحضارةِ المدنيّة، تتطَلّع إليه المجتمعات، وتتسابَق لتحقيقِه السّلُطات، وتتَنافس في تأمينهِ الحكومات، تُسَخَّر له الإمكانات الماديّة والوَسائلُ العلميّة والدِّراسات الاجتماعيّة والنّفسيّة، وتُحشَد لَه الأجهزةُ المدنيّة والعسكريّة، وتُستَنفَر له الطَّاقات البشريّة.
أمّا بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فاتّقوا الله رحمكم الله.
كيفَ يأنسُ بالدّنيا مفارقُها؟! وكيف يأمَن النارَ واردُها؟! وأين الحزمُ والمبادرة ممّن يومُه يهدِم شهرَه، وشهرُه يهدِم سنتَه، وسنتُه تهدِم عُمرَه؟! العمرُ يقود إلى الأجَل، والحياة تقود إلى الموت، ودقّاتُ قَلب المرء وأنفاسُه هي الطريقُ إلى المصير، والبقاء في الدنيا سبيلُ الفناء، فاتّقوا الله رحمكم الله، وكونوا ممّن بادرَ الأعمالَ واستدركَها، وجاهَد النفسَ حتى مَلكَها، وعرف سبيلَ التّقوى فسَلكها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) [الحشر:18، 19].
أيّها المسلمونَ، الأمنُ مطلبٌ عزيزٌ، هو قِوامُ الحياةِ الإنسانيّة وأسَاسُ الحضارةِ المدنيّة، تتطَلّع إليه المجتمعات، وتتسابَق لتحقيقِه السّلُطات، وتتَنافس في تأمينهِ الحكومات، تُسَخَّر له الإمكانات الماديّة والوَسائلُ العلميّة والدِّراسات الاجتماعيّة والنّفسيّة، وتُحشَد لَه الأجهزةُ المدنيّة والعسكريّة، وتُستَنفَر له الطَّاقات البشريّة.
مَطلبُ الأمنِ يَسبِق طلبَ الغِذاء، بغيرِ الأمن لا يُستَساغ طعام، ولا يَهنَأ عيش، ولا يَلذُّ نوم، ولا يُنعَم براحَة، قال أهلُ الحكمةِ: الخائفُ لا عَيشَ له، وفي التنزيل العزيز: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش:3، 4].
الأمنُ مقرونٌ بالإيمان: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وفي الحَديث: ((المؤمِن مَن أمِنَه النّاس على دمائهم وأموالهم)). والسّلام مقرونٌ بالإسلام: ((المسلم مَن سلِم المسلمون مِن لسانه ويدِه)). ومَن دخل في الإسلام فقد دخل في دائرة الأمن: ((مَن قال: لا إله إلا الله وكفَر بما يُعبَد من دونِ الله حرُم مالُه ودمه، وحسابُه على الله عزّ وجلّ)).
ولئن كانَ الأمن يتوفَّر برسوخِ الإيمان في القلوب وتَطهير الأخلاق في السّلوك وتصحيح المفاهيمِ في العقول فإنّه لا بدَّ مَع ذلك مِن الشّرعِ العادِل والسّلطان القويِّ والولاية الحاكمة، (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25].
في ظلِّ الأمنِ تحفَظُ النّفوسُ، وتُصانُ الأعراضُ والأموَالُ، وتأمَنُ السّبُل، وتُقامُ الحدود، ويسود العمرانُ، وتنمُو الثّروات، وتتوافَر الخيرات، ويكثُر الحرثُ والنّسلُ. في ظلِّ الأمنِ تقوم الدعوةُ إلى الله، وتُعمَرُ المساجدُ، وتُقام الجُمَع والجماعات، ويسودُ الشّرع، ويفشو المعروف، ويقلُّ المنكَر، ويحصُل الاستقرارُ النفسيُّ والاطمئنان الاجتماعيُّ.
وإذا اضطربَ الأمنُ ـ عياذًا بالله ـ ظهَرتِ الفتَنُ، وتزلزَلت الأمّةُ، وتخَلخَلت أركانُها، وكثُر الخبَث، والتبَسَ الحقّ بالباطِل، واستعصَى الإصلاحُ على أهلِ الحقّ. إذا اختلَّ الأمن ـ عياذًا بالله ـ حكَم اللّصوصُ وقُطّاع الطرُق، وسادَت شريعةُ الغَاب، وعمّت الفوضَى، وهلك النّاس. وتأمّلوا بُلدَانًا مِن حَولِكم اختلَّ فيها الأمن، فهلَك فيها الحرثُ والنّسل، وسُلِبت الأموال، وانتُهِكت الأعراض، وفسدَ المعاش، فلا حولَ ولا قوّة إلاّ بالله.
ومِن أجلِ هذا فإنّ كلَّ عمَلٍ تخرِيبيٍّ يستهدِفُ الآمِنين ومَعصومِي الدّماء والنّفوس المحرّمة فهو عملٌ إجراميّ محرَّم مخالفٌ لأحكامِ شرعِ الله، فكيفَ إذا كانَ القتلُ والتخريبُ والإفساد والتدمير في بلدٍ مسلِم، بلدٍ يُعلِي كلمةَ الله، وترتفِع فيه راية الدِّين والدّعوة وعِلمُ الشَّرع وعَلَم الشّرع وحُكمُ الشّرع؟! ثمّ كيفَ إذا كانَ ذلك في مهبطِ الوحيِ ومبعَث الرِّسالة، في أقدسِ المقدّسات، في دارِ الإسلام دارِ الإيمان التي يأرِز إليها الإسلام والإيمان؟! إنّ ذلك كلّه يزيدُ الحرمَة حرمةً والإلحادَ إلحادًا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
فكَم من نفس معصومةٍ أُزهِقت، وكَم مِن أموالٍ وممتَلكات محتَرمَة أُتلِفت، وكَم من نفسٍ آمنةٍ رُوِّعت. مفاسدُ عظيمة، وشرور كثيرة، وإفسادٌ في الأرض، وترويعٌ للآمنين، ونقضٌ للعهود، وتجاوزٌ على إمامِ المسلمين. جرائمُ نَكراء، في طيِّها منكرات.
فئةٌ ضالّة وشِرذِمة ظالمة، لقد جمَعوا بين منكرات، وأقدَموا على جَرائم، واقتحَموا آثامًا. أزهَقوا الأنفسَ المعصومةَ من المسلمين وغير المسلمين، من المعاهَدين والمستأمَنين، وكأنّهم لا يَتلون كتاب الله ولا يقرؤون سنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يسمَعوا قول الله عزّ وجلّ: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]، (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]، وفي الحديث الصّحيح: ((لا يزالُ المسلم في فُسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا)).
ولقد علِم كلّ ذي عِلمٍ من أهل الإسلام أنَّ قتلَ النفس بغير حقّ من أكبرِ الكبائر، وهي قرينَة الإشراكِ بالله عياذًا بالله، (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) [الفرقان:68]، وفي الحديثِ الصّحيح: ((أكبر الكبائر الشّرك بالله وقتل النفس))
وعن ابنِ عمر رضي الله عنهما: (إنَّ مِن وَرطات الأمورِ التي لا مخرَج منها لمن أوقَع نفسَه فيها سَفكَ الدمِ الحرامِ بغير حِلِّه) أخرجه البخاري، ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كلّ ذنبٍ عسَى الله أن يغفرَه إلاّ الرجُل يموتُ مشرِكًا أو يقتل مؤمنًا متعمِّدًا))، ويقولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَن قتلَ مؤمنًا فاغتَبطَ بقتله لم يَقبلِ الله منه صَرفًا ولا عدلاً))، وعند الترمذيّ: ((لو أنَّ أهلَ السماءِ والأرض اشترَكوا في دمِ مؤمن لأكبّهم الله في النّار))، وعند البخاري في صحيحه: ((مَن قتل معاهَدًا لم يرَح رائحةَ الجنّة، وإنّ ريحها يوجَد من مسيرةِ أربعين عاما)).
لقد أتلفوا أموالَ المسلمين وممتلكاتهم بغير وَجه حَقّ، وكأنه لم يطرُق أسماعَهم حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام، كحُرمةِ يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا))، و((كلُّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضُه)).
روَّعوا الآمنين، وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أشدَّ التحذير فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يحلُّ لمسلم أن يروِّعَ مسلمًا)). وحَملوا السلاحَ على مسلمين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجرَّد الإشارة فكيف بالإشهار به والقتل والإعانة؟! وفي الحديث: ((لا يشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدرِي لعلّ الشيطانَ ينزع في يده فيقع في حفرةٍ من النار)). فأيُّ وعيد أشدُّ من هذا؟! فنعوذ بالله من الضلالِ والخذلان، وفي الحديث الآخر: ((من أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ فإنّ الملائكةَ تلعنُه حتى تنتهيَ وإن كان أخاه لأبيه وأمته)).
عبادَ الله، إذا كان هذا في حملِ السلاح والإشارة به فكيف بمن استعمَلهُ في إزهاق النفوسِ المعصومة وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من حمل السلاحَ فليس منّا)) ؟!
أيّها المسلمون، وأهلُ الذمّة والمعاهَدون والمستأمَنون محفوظةٌ حقوقُهم في الإسلام وفي دِيار المسلمين، دماؤهم معصومَة، وأموالهم محتَرمة، يستوون في ذلك مع المسلمين لعموم النّصوص وخصوصِها في أهل الذمة والمعاهَدين، (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151]، (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]، (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة:45].
والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن قتل معاهدًا لم يرح رائحةَ الجنة، وإنَّ ريحَها يوجَد من مسيرة أربعين عامًا)). فلا يصحّ في دين الإسلامِ إيذاؤهم ولا التعدّي عليهم في أنفسِهم ولا أموالهم ولا ممتلكاتِهم ولا أهلهم. وفي السنن الكبرى عن عليّ رضي الله عنه: (مَن كانت له ذمَّتُنا فدمُه دمُنا).
وأهلُ الذمّة والمعاهَدون والمستأمَنون ممّن تجب معاملتُهم بالبرِّ والقِسط على حدِّ قولِه سبحانه: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة:8]، بل حتى الجدال معهم أُمِرنا نحن المسلمين أن يكونَ معهم بالتي هي أحسن: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت:46].
واستمِع يا رعاك الله، واستمع هدانا الله وإياك، استمِع إلى موقفِ شيخ الإسلام وهو يفاوِض في فكِّ الأسرى، يقول رحمه الله: "لا نرضَى إلاّ بافتكاك جميعِ الأسرى من اليهودِ والنصارى، فهم أهلُ ذمَّتِنا، ولا نَدَع أسيرًا، لا من أهل الذمّة ولا من أهل الملّة". مع أنه كان في حربٍ مع الصَّليبيّين.
هذه بعضُ النصوصِ والأحكام وكلام بعض المحقِّقين من أهل العلم، فهلاَّ اتَّقى الله هؤلاء، ناهيك عمّا وقعوا فيه من شقِّ عصا الطاعةِ ومفارقةِ الجماعة، فذلك كبيرةٌ من كبائر الذنوب، ففي الحديث الصحيح: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعةَ فمات مات مِيتةً جاهلية)) ، فلا حولَ ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
جرائمُ لا يُقدِم عليها إلاّ مَن طُمِسَت بصيرتُه وزُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسنًا، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103، 104]، وقال سبحانه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر:8].
وبعد: أيّها المسلمون، فإنّ المسؤولية عُظمَى، والجميعُ في سفينةٍ واحدةٍ، ومن خرَقَها أغرقَ الجميعَ. إنّ التهاونَ والتساهُل يؤدّي إلى انفلاتٍ وفوضَى، وإنّ الإحساسَ الجادَّ بالمسؤولية وخطرِ النتائج هو الذي يحمِل كلَّ عاقلٍ وكلَّ مخلِص على رفضِ هذه الأعمالِ وعدَم قَبول أيِّ مُسوِّغٍ لها ولزوم فضح أهلها وآثارها ونتائجها، وليحذر المسلمُ أن يصدُر منه شيءٌ يُثير الفتنة أو يسوّغ لهؤلاء وأمثالهم ضلالهم وجهلَهم وإجرامَهم.
ومع يقينِ المؤمن أنّ الله حافظٌ دينَه ومُعلٍ كلمتَه وجاعلٌ كيدَ الكائدين في تضليلٍ إلاّ أنّ المسؤوليّة عظيمة، فلا بدّ من الوقفةِ الصارمة من أجلِ وضعِ الأشياء في مواضعِها والأسماء في مسمَّياتها، فالإسلامُ إسلام، والإجرام إجرامٌ، والإصلاح غيرُ الفَساد، وإيذاءُ المؤمنين وسَفكُ دماءِ المسلمين والتجاوز على المعاهَدين غير الجهاد المشروع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:204، 205].
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم وبهدي محمّد صلى الله عليه وسلم ، وأقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوانَ إلا على الظالمين، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له قيّوم السموات والأرضين، وأشهَد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين وقائدُ الغرِّ المحجَّلين، صلَّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عباد الله ـ ما استطعتم، وتدارَكوا بالتوبةِ النصوح ما فرَّطتم.
أيّها المسلمون، هذه البلادُ ـ ولله الحمد ـ مستمسِكة بدينها، متماسكةٌ تحت ظِلّ قيادتها وولاةِ أمرها، كلُّنا ندين لله بالسّمع والطاعة لولاة أمرنا بالمعروف في غير معصيةٍ، متمثِّلين قولَ الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالسمعِ والطاعة)).
أمّا رجالُ الأمنِ فهم جُنودٌ بواسِل على خيرٍ عظيم، وهم في ثغرٍ من ثغور الإسلام، يعلَمون مقامَهم وشرفَ مكانهم وصلاحَ عمَلهم ونُبلَ مقصَدهم، يؤدّون مهمَّاتهم في إخلاصٍ وتفانٍ وإتقانٍ وكفاءةٍ، فهم على الحقّ والهدَى بإذن الله، بأعمالهم وشجاعتِهم ويقظَتهم تبقى هذه البلادُ عزيزة محفوظة رافعةً لمنار الدين حاميةً لمقدّساتِ المسلمين محافظةً على حُرُماتهم بإذن الله، فهم بإذن الله صمّام الأمان في حمايةِ دار الإسلام.
أيّها المسلمون، وإنّ مسؤوليةَ مواجهة هذه الفئةِ الضالةِ هي مسؤولية الجميع، كلٌّ حسبَ موقعه، فالإحساسُ بالخطر على الدّين والأهل والدّيار والفُرقة والفوضى هو الأمر الذي يجب أن يستشعرَه الجميع.
ومع كلِّ ما ينبغي من حذرٍ ويقَظة وتكاتُف وشعورٍ تامٍّ بالمسؤولية فليهنأ المسلمون في هذه الديار، وليهنأ كلُّ مواطن ومقيم على دينه وأمنه ومالِه واقتصادِه، ولتهنأ الدولةُ حفظها الله برجالها الفُضلاء وجنودِها الشّجعان المخلصين، ولتطمئنّ الأمّةُ بإذن الله إلى وعيِ ولاةِ الأمور ويقظَتهم في مواقفَ لا يُقبَل فيها إلاّ القوّة والحزم.
ثم هذا خِطابٌ لمن سوّلت له نفسُه القيامَ بهذه الأفعالِ الإجراميّة المحرّمة أو زلّت قدمُه فوقعَ في شيء من هذه الأعمالِ أو وقع في رَوعِه لوثةٌ من هذا الفِكر أو تعاطُف معَهم عليهم جميعًا أن يتّقوا الله في أنفسهم وإخوانهم المسلمين، وليبادروا بالتوبةِ إلى الله عزّ وجلّ، وليراقبوا أنفسَهم ويتأمَّلوا نصوصَ كتابِ الله وسنة نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم وكلام المحقِّقين من أهل العِلم الثقاتِ الأثبات، وأن يرجعوا إلى جادّة الصوابِ والحقّ، ويكونوا صفًّا مع إخوانهم ضدَّ أعدائهم المتربِّصين بهم، وأن لا يكونوا معولَ هدمٍ لكيانِ الأمة، فقد علموا من سُنن الله في الأوّلين والآخرين أنّ مثلَ هذه التصرُّفاتِ الطائِشةَ الرّعناء لا يستفيد منها إلاّ العدوّ المتربّص، واللهِ لا يستفيد منها إلا العدوّ المتربّص، ولم يجنِ منها الإسلام والمسلمون خيرًا، لا في الماضي ولا في الحاضر، بل كانت النتيجةُ تأخُّرًا وضعفًا مِن قبَل الأعداء، والويلُ ثمّ الويل لمن يبوء بإثم هذه الأفعال الشنيعةِ والأعمال المحرّمة.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، اتّقوا الله جميعًا، واسلُكوا مسالكَ العدلِ والإنصاف، (اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70، 71].
ثم صلّوا وسلِّموا على نبيّكم محمّد المصطفى ورسولِكم الخليل المجتبى، فقد أمركم بذلك ربّكم جل وعلا فقال عزّ قائلا عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد الأمين، وآله الطيّبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
التعليقات