عناصر الخطبة
1/مولده وطفولته 2/نشأته وبعثته صلى الله عليه وسلم 3/حقيقة المحبة للرسول الأمين وبدعة الاحتفال بمولده.

اقتباس

لَقَدِ اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَمِ وَالْمِلَلِ إِحْيَاءَ ذِكْرَى عُظَمَائِهَا؛ فَيُخَصِّصُونَ يَوْمًا يُوَافِقُ يَوْمَ مَوْلِدِهِمْ أَوْ يَوْمَ وَفَاتِهِمْ؛ لِتَذْكِيرِ شُعُوبِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ بِسِيَرِ هَؤُلَاءِ الْعُظَمَاءِ؛ أَمَلًا أَلَّا يَمُوتَ ذِكْرُهُمْ وَلَا تُنْسَى أَسْمَاؤُهُمْ، وَمِثْلُ هَذِهِ الِاحْتِفَالَاتِ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِشَرِيعَتِنَا؛ إِذْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَتَمَثَّلُ فِي الْإِيمَانِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَطَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ...

مولد النبي الكريم ونشأته وبعثته

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَذِنَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِتَغْيِيرِ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَتَعْدِيلِ خَطِّ التَّارِيخِ، حِينَمَا أَضَاءَ بِإِذْنِهِ نُورَ الْهُدَى، وَسَرَتْ إِلَى نَوَاحِي الْكَوْنِ الْبُشْرَى؛ بِمَوْلِدِ الْحَبِيبِ، خَرَجَ إِلَى هَذَا الْكَوْنِ، وَخَرَجَ مَعَهُ نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ.

 

حُقَّ لِلْأَرْضِ أَنْ تَفْرَحَ بِمَقْدِمِهِ، وَحُقَّ لِلزَّمَانِ أَنْ يَفْخَرَ بِمَجِيئِهِ بَعْدَ أَنْ غَرِقَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْخُرَافَةِ، وَظُلُمَاتِ الْجَبَرُوتِ وَالتَّسَلُّطِ عَلَى الْخَلْقِ.

 

أَشْرَقَ فَجْرٌ جَدِيدٌ، وَتَنَفَّسَ صُبْحٌ مَجِيدٌ؛ لِيَبْعَثَ الْحُرِّيَّةَ مِنْ قَبْرِهَا، وَيُطْلِقَ الْعُقُولَ مِنْ أَسْرِهَا، وَيُنْقِذَ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ جَهْلِهَا.

 

وُلِدَ سَيِّدُ الْخَلْقِ، وَأَفْضَلُ الرُّسُلِ، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، حَبِيبُ الْقُلُوبِ، وُلِدَ الرَّحِيمُ الرَّفِيقُ بِأُمَّتِهِ، أَطَلَّ عَلَى هَذِهِ الْحَيَاةِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ التَّاسِعِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِعَامِ الْفِيلِ، وَقِيلَ: الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

 

وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ وَالنِّعْمَةُ الْمُسْدَاةُ؛ فَلَقَدْ (مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلِ عِمْرَانَ:164].

 

عِبَادَ اللَّهِ: وُلِدَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتِيمًا فَقِيرًا؛ فَقَدْ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَثْنَاءَ حَمْلِ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فِيهِ؛ وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَدْفَعُوا أَوْلَادَهُمْ عِنْدَ وِلَادَتِهِمْ إِلَى مُرْضِعَاتٍ يَعِشْنَ فِي الْبَادِيَةِ؛ لِيُتْقِنُوا لُغَةَ الْعَرَبِ الْفَصِيحَةَ فِي مَهْدِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ دَفَعَتْ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَلِيدَهَا إِلَى مُرْضِعَةٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ تُسَمَّى حَلِيمَةَ؛ فَتَبَدَّلَتْ حَيَاةُ حَلِيمَةَ مِنْ جَفَافٍ وَفَقْرٍ وَمَشَقَّةٍ وَمُعَانَاةٍ، إِلَى خَيْرٍ وَفِيرٍ وَبَرَكَةٍ عَجِيبَةٍ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَيَكْبُرُ الْغُلَامُ الْهَاشِمِيُّ، وَعِنْدَمَا بَلَغَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمْرُهُ سِتَّ سَنَوَاتٍ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَعَاشَ فِي رِعَايَةِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الَّذِي أَعْطَاهُ رِعَايَةً كَبِيرَةً، وَكَانَ يُرَدِّدُ كَثِيرًا أَنَّ هَذَا الْغُلَامَ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَمَا بَلَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَ سَنَوَاتٍ، وَعَهِدَ بِكَفَالَتِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي قَامَ بِحَقِّ ابْنِ أَخِيهِ خَيْرَ قِيَامٍ.

 

وَفِي بِدَايَةِ عُمْرِهِ كَانَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ فِي رَعْيِ الْأَغْنَامِ، ثُمَّ اتَّجَهَ لِلْعَمَلِ فِي التِّجَارَةِ حِينَ شَبَّ، وَأَبْدَى مَهَارَةً كَبِيرَةً فِي الْعَمَلِ التِّجَارِيِّ، وَعُرِفَ عَنْهُ الصِّدْقُ، وَالْأَمَانَةُ، وَكَرَمُ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنُ السِّيرَةِ، وَالْعَقْلُ الرَّاجِحُ، وَالْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ.

 

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً هَيَّأَهُ رَبُّهُ لِأَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَحَمَّلَهُ أَمَانَةَ الرِّسَالَةِ، وَكَلَّفَهُ بِالْبَلَاغِ وَالتَّحْذِيرِ، لَا لِطَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ لِقُطْرٍ مُحَدَّدٍ، بَلْ لِجَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ؛ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.

 

يَا لَهُ مِنْ حِمْلٍ عَظِيمٍ! كَيْفَ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا الْبَلَاغَ، وَيَصْبِرَ فِي سَبِيلِهِ عَلَى كُلِّ الْمَشَاقِّ؟! إِنَّهُ التَّكْلِيفُ الْإِلَهِيُّ؛ (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ)[الْمُدَّثِّرِ: 1-2]، قُمْ لِلْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي يَنْتَظِرُكَ، وَالْعِبْءِ الثَّقِيلِ الْمُهَيَّأِ لَكَ، قُمْ لِلْجُهْدِ وَالنَّصَبِ وَالْكَدِّ وَالتَّعَبِ، قُمْ فَقَدْ مَضَى وَقْتُ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَمَا عَادَ مُنْذُ الْيَوْمِ إِلَّا السَّهَرُ الْمُتَوَاصِلُ، وَالْجِهَادُ الطَّوِيلُ الشَّاقُّ، قُمْ فَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْأَمْرِ وَاسْتَعِدَّ.

 

إِنَّهَا كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ رَهِيبَةٌ تَنْزِعُهُ مِنْ دِفْءِ الْفِرَاشِ فِي الْبَيْتِ الْهَادِئِ، وَالْحِضْنِ الدَّافِئِ، لِتَدْفَعَ بِهِ فِي الْخِضَمِّ بَيْنَ الزَّعَازِعِ وَالْأَنْوَاءِ، وَبَيْنَ الشَّدِّ وَالْجَذْبِ فِي ضَمَائِرِ النَّاسِ، وَفِي وَاقِعِ الْحَيَاةِ سَوَاءٌ.

 

وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَظَلَّ قَائِمًا بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ عَامًا، لَمْ يَسْتَرِحْ وَلَمْ يَسْكُنْ، وَلَمْ يَعِشْ لِنَفْسِهِ وَلَا لِأَهْلِهِ.

 

وَظَلَّ قَائِمًا عَلَى دَعْوَةِ اللَّهِ، يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ الْعِبْءَ الثَّقِيلَ الْبَاهِظَ وَلَا يَنُوءُ بِهِ، عِبْءَ الْأَمَانَةِ الْكُبْرَى فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، عِبْءَ الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، عِبْءَ الْعَقِيدَةِ كُلِّهَا، وَعِبْءَ الْكِفَاحِ وَالْجِهَادِ فِي مَيَادِينَ شَتَّى، عَاشَ فِي الْمَعْرَكَةِ الدَّائِبَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ عَامًا.

 

مِمَّا جَعَلَ قَوْمَهُ يُسَاوِمُوهُ عَلَى تَرْكِ هَذَا الْأَمْرِ، وَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْمَالَ وَأَغْرَوْهُ بِالْجَاهِ؛ فَقَالَ قَوْلَتَهُ الْمَشْهُورَةَ: "وَاللَّهِ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ أَهْلَكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ"، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ وَبَكَى.

 

فَأَخْبَرَنَا عَنِ الرَّحْمَنِ، وَعَلَّمَنَا الْإِيمَانَ، وَأَرْشَدَنَا إِلَى طَرِيقِ الْجِنَانِ؛ فَنَحْنُ نُعَظِّمُهُ وَنُجِلُّهُ وَنُحِبُّهُ، نُحِبُّهُ مَحَبَّةً نُقَدِّمُهَا عَلَى مَحَبَّةِ الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالنَّفْسِ وَالْوَلَدِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا مَحَبَّتَهُ وَطَاعَتَهُ وَاتِّبَاعَهُ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

عِبَادَ اللَّهِ: لِكُلِّ أُمَّةٍ عُظَمَاءُ، سَطَّرَ التَّارِيخُ مَآثِرَهُمْ، وَأَظْهَرَ أَعْمَالَهُمْ، وَخَلَّدَ سِيَرَهُمْ وَحَيَاتَهُمْ؛ لِيَكُونُوا نِبْرَاسًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ فِي عِلْمِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَجِهَادِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَلَقَدِ اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَمِ وَالْمِلَلِ إِحْيَاءَ ذِكْرَى عُظَمَائِهَا؛ فَيُخَصِّصُونَ يَوْمًا يُوَافِقُ يَوْمَ مَوْلِدِهِمْ أَوْ يَوْمَ وَفَاتِهِمْ؛ لِتَذْكِيرِ شُعُوبِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ بِسِيَرِ هَؤُلَاءِ الْعُظَمَاءِ؛ أَمَلًا أَلَّا يَمُوتَ ذِكْرُهُمْ وَلَا تُنْسَى أَسْمَاؤُهُمْ، وَمِثْلُ هَذِهِ الِاحْتِفَالَاتِ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِشَرِيعَتِنَا؛ إِذْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَتَمَثَّلُ فِي الْإِيمَانِ بِهِ، وَمَحَبَّتِهِ، وَطَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ.

 

وَقَدْ حَثَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ وَحَذَّرَنَا مِنَ الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ؛ فَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ".

 

وَإِنَّ بِدْعَةَ الِاحْتِفَالِ بِالْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الَّتِي أَحْدَثَهَا النَّاسُ فِي الْقُرُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمْ يَأْمُرْ بِهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ، وَلَا مِنْ هَدْيِ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: حَرِيٌّ بِنَا أَنْ نَقْرَأَ سِيرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْيَا عَلَى سُنَّتِهِ وَنَلْزَمَ طَرِيقَهُ وَهَدْيَهُ فِي سَائِرِ شُؤُونِ حَيَاتِنَا، وَصَدَقَ اللَّهُ إِذْ يَقُولُ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ:21]؛ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْذَرَ مِنَ الِابْتِدَاعِ الْمُضَاهِي لِلِاتِّبَاعِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life