موت الفجأة

د عبدالله بن محمد حفني

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/الغفلة نزيف العمر 2/مصيبة الموت 3/التفكر في الموت وما بعده 4/كثرة موت الفجأة 5/الاستعداد لما بعد الموت.

اقتباس

ماذا فعل موت الفجأة؟ كم هم الذين يموتون في لحظة وفجأة؟ كم هم الذين ودّعوا الدنيا بغير مقدمات بلا شيخوخة ولا مرض ولا هرم؟..، وفياتٌ مفاجئة، سكتاتٌ قلبية، جلطاتٌ دماغية وقلبية، أوبئةٌ وأمراضٌ مهلكة، ترى الرجل لا يشكو بأساً ولا يئنُّ وجعاً ، فجأة... مات فلان. يخرج الرجل من بيته مودعا أهله سليما معافى، فجأة... مات فلان، ماتت فلانة، إنه موت الفجأة...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ نحمده ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شرك له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: ١٠٢]. 

 

الإنسان في هذه الحياة الدنيا يسعى ويكدح، يخطط ويدبّر، يفكّر ويؤمّل، يرصد في حساباته ويدقّق في تجاراته، يعرق ليجمع، ويجمع ليعطي أو يمنع، أهمه شأن الأولاد، وأقلقه تأمين المستقبل، آماله كثيرة، مركب ومسكن، وظيفة وجاه، زواج وسياحة، إذا انتهى من أمل لاح في خياله أمل آخر.

 

وفي لحظة غير محسوبة، وساعة غير منتظرة، وبينما هو في صحة وقوة، وبلا مقدمات ولا سابق إنذار، ضاعت المشاريع، وتبعثرت الأوراق، وماتت الأهداف، ونزلت به لحظة غريبة ومفاجأة رهيبة؛ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[ق:١٩].

 

يا الله!  هنا رأى عين اليقين: ملك الموت الذي طالما كره سماعه. لا إله إلا الله.. في لحظة انتهت الحياة، وأصبحت الدنيا نسياً منسياً، فلا تسل حينها عن الحسرات، والندم على فوات العمل والباقيات الصالحات.

 

الله أكبر.. سكن الجسد المسجى فلا حسّ بعدها ولا خبر (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)[القيامة: 29-٣٠].

 

جاء أجلك أيها الإنسان فأغمضوك وغسلوك، وكفّنوك، وللصلاة قدّموك، وعلى الأكتاف حملوك، ثم في قاع اللحد دفنوك.

 

جاء أجلك أيها الإنسان فبُكي عليك وتُرحِّم عليك، قُسِّمت أموالك، وسُكِنَتْ دارك، ونُسِيَت أطلالك، ومُحِيَتْ آثارك، وبقيت بعدها مجندلاً في قبرك مع أمانيك، مرتهنًا بعملك ليس لك إلا ما سعيت (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى)[النجم 39-٤١].

 

الله أكبر.. هذه هي الدنيا، هذه هي النهاية، في لمحة بصر أصبح العبد نسياً منسياً، وجاء الوعد الحق، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: ٥].

 

هل تعلمون أنّ من علامات الساعة الصغرى موتُ الفجأة يقول أنس -رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ مَوْتُ الْفَجْأَةِ"(رواه الطبراني وحسنه الألباني في الصحيحة: 2292).

 

بالله أخبروني ماذا فعل موت الفجأة؟ كم هم الذين يموتون في لحظة وفجأة؟ كم هم الذين ودّعوا الدنيا بغير مقدمات بلا شيخوخة ولا مرض ولا هرم؟  قلّب نظرك في وفيات العالم اليوم ترى مصداق ما حدّث به الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ مَوْتُ الْفَجْأَةِ"، وفياتٌ مفاجئة، سكتاتٌ قلبية، جلطاتٌ دماغية وقلبية، أوبئةٌ وأمراضٌ مهلكة، ترى الرجل لا يشكو بأساً ولا يئنُّ وجعاً ، فجأة... مات فلان.

 

يخرج الرجل من بيته مودعا أهله سليما معافى، فجأة... مات فلان، ماتت فلانة، إنه موت الفجأة. ماذا فعلت جائحة كورونا؟ كم من حبيب فقدناه؟ كم من شاب دفناه؟ كم من زوجة ترملت وطفلة تيتمت وأسرة تفرقت؟ إنه موت الفجأة.

 

كم من فتىً أمسى وأصبحَ ضاحكًا *** وقد نُسِجَتْ أكفانه وهو لا يدري!

وكم من عروسٍ زيّنوها لزوجها *** وقد قُبِضَت أرواحهم ليلة القدر!

وكم من صغارٍ يُرْتَجى طولَ عمرهم *** وقد أُدخلت أجسادهم ظلمة القبر!

وكم من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ *** وكم من سقيمٍ عاشَ حينا من الدهر!

 

يا لها من مفاجأة يباغت فيها الإنسان فيؤخذ على غِرَّة، والله إن موت الفجأة الذي فشا بيننا لهو جرس إنذار؛ إي والله جرس إنذارٍ لنا جميعاً؛ ليستيقظ الغافل من غفلته والعاصي من معصيته.

 

فكم من رسالة جوال واتصال كانت هي الفاجعة.. مات فلان.. (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[لقمان ٣٤].

 

أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيماً لشأنه، وأشهد أنّ سيدنا ونبينا محمداً الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

 

يا قوم إن موت الفجأة يدعو كل من كان له قلب إلى محاسبة نفسه، وتذكيرها بحقوق العباد ورب العباد، فنحن في زمن الإمهال والأعمال.

 

مرَّ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- بقبرٍ فقال: "مَن صاحبُ هذا القبرِ؟" فقالوا: فلان، فقال: "ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقية دنياكم"(رواه الطبراني وصححه الألباني).

 

الله أكبر، هذه أُمنيته ركعتان يزيد فيها من حسناته، ويتدارك ما فاته من أيام عمره في حياته.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق عبدك خادم الحرمين الشريفين، اللهم اجعله سلماً لأوليائك، حربا على أعدائك.

 

اللهم وفقه وولي عهده لكل ما تحبّه وترضاه، أرهم الحق حقّاً وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

المرفقات
UXtCnWKLjCBDtOgSMzYmOJlKEicNcpPU8Nkb3Tjp.doc
WHVOtTPhj8R6OtWGWw9bC50G48cKzMuuGb6xWyuw.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life