عناصر الخطبة
1/ وجوب الاستقامة على شرع الله 2/ إفراد الله بالعبادة والطاعة 3/ شريعة الإسلام ناسخة لكل ما قبلها 4/ فضل المؤمن المتبع للحق 5/ خصائص الشريعة الإسلامية 6/ الأمة تتعرض لدعوات هدامة 7/ نقيضان لا يجتمعان: الإيمان والكفران 8/ أصناف المنادين بالحرية 9/ هل يوجد في العالم حرية مطلقة بلا قيود؟ 10/ الاعتصام بالدين سبيل العزة والكرامة.اهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: إن شريعتنا جاءت لتعتني بالضرورات الخمس فجاءت لحماية الدين والمال والعرض والعقل والنفس ووضعت الحدود الرادعة لكل من يحاول مس هذه الضروريات. إنهم يريدون من هذه الحرية أن يتهكم أحدهم بالدين، ويتندر بالفضيلة، ويستنقص من الأنبياء، بل...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فيا أيها الإخوة: لقد امتن الله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18]، هذه الآية امتنان وتذكير أن يلزم هذه الشريعة علماً وعملاً، وحذّره من أن يصغي إلى أهواء الأعداء من يهود ونصارى، ومن سار على طريقهم؛ لأنهم سائرون على غير شريعة الله تعالى، حتى ولو كانوا سائرين على الشرع الذي أنزل إليهم ذلك؛ لأن الله يقول: (… لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً…) [المائدة: 48]، ويقول سبحانه: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون: 6] فكيف وهم قد حرّفوا كتب الله تعالى التي أُنزلت عليهم كما قال سبحانه: ( … يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ…) [النساء: 46) وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79]، وإن خطاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم هو خطاب لأمته من بعده: أن يستقيموا على شرع الله تعالى علماً وعملاً.
أيها المسلمون: إن شريعة الله تعالى تقرر أن المنفرد بالخلق والإماتة والرزق وتدبير الأمور بلا شريك ولا منازع إنما هو الله، وهو المستحق لأن تصرف له العبادة دون غيره، وهو الذي يجب أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر، إن شريعتنا بينت لنا أن الله بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالهدى ودين الحق، وأن كلامه وفعله وتقريره وحي، فقال ربنا سبحانه وتعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 4]، إن شريعة الإسلام بينت لنا أن الحكم والتحاكم بين أمة الإسلام إنما هو لشريعة الإسلام العادلة الصالحة لكل أمة وجيل، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى: 10].
أيها الإخوة شريعتنا بينت لنا أن من تمسك بهذه الشريعة وعمل بها بإخلاص فله الجزاء الأوفر في الدنيا والأخرى، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
إن شريعتنا جعلها الله ناسخة لكل الشرائع قبلها، فقال ربنا تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].
وشريعة الإسلام بينت لنا فضل المؤمن، وأنه أطهر وأنقى وأزكى من على وجه الأرض؛ لأنه متمسك بدين الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
إن شريعة الإسلام -أيها الإخوة- شاملة لك لمجالات الحياة عبادات ومعاملات وأخلاق، فيها السماحة واليسر، والعدل والإنصاف، وإعطاء كل ذي حق حقه، إنها شريعة رفع الله بها الآصار والأغلال عنا بعد أن كانت على الذين من قبلنا، قال الله عز وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157].
أيها الإخوة: هنالك فئة من المثقفين من أبناء هذه الأمة، أو قد يكونون من غير هذه الأمة ينادون هذه الأمة ويدعونها إلى إطلاق ما يسمونه بالحرية المدنية، فيا ترى ماذا يقصدون ويهدفون من وراء هذه الدعوة؟ إن هذه الكلمة قد يقصد بها حرية الرأي والفكر والدين والتحدث والكتابة بما يشاء الإنسان بلا وازع إيماني، ولا رادع سلطاني، ويقولون: كلّ يعبّر عن رأيه، بغض النظر عن موافقة الشرع من عدمه، فهذه الدعوة تتصادم تماماً مع شرعنا الذي أنزله الله؛ ذلك لأن هذه الدعوة تكذب من زعم الإيمان بالدين والشرع، فكيف تدين لله تعالى بغير دين الإسلام كالنصرانية وكيف تتلفظ بالكفر وأنت تدعي الإيمان.
الإيمان والزندقة والكفر لا يجتمعان أبداً فالمؤمن وقّاف عند حدود الله تعالى منقاد للشرع، آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
إن الله لعن بني إسرائيل؛ لأنهم لم يكونوا ينهون عن المنكر، ولم يكونوا يأمرون بالمعروف فقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79]، هؤلاء يريدون حرية في التحاكم، ولو إلى غير شرع الله، كما يفعل في البرلمانات، فينقضون الشرع؛ لأن الكثرة موافقة، ويمنحون التراخيص في بعض الدول لبيع الخمور ودور الزنا؛ لأن الكثرة في البرلمان تقرر ذلك، والله يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
هؤلاء يزعمون أن المرأة لم يعطها الإسلام حقها ولا حريتها، وما هي الحرية التي يريدون؟ إنهم يريدونها أن تتحرر من عفتها وحشمتها وكرامتها، إنهم يرون من المرأة أن تكون سافرة متبرجة يلعب بها الأرذال ويتداولونها .
أيها المسلمون: إن شريعتنا جاءت لتعتني بالضرورات الخمس فجاءت لحماية الدين والمال والعرض والعقل والنفس ووضعت الحدود الرادعة لكل من يحاول مس هذه الضروريات. إنهم يريدون من هذه الحرية أن يتهكم أحدهم بالدين، ويتندر بالفضيلة، ويستنقص من الأنبياء، بل ويسب الله تعالى ويتهمه بالظلم والجهل؛ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
أيها الإخوة: المنادون بالحرية أصناف، فمنهم من ينادي بها دون تعقل لمعناها، ومنهم من يقولها وهو يعلم معناها ومغزاها ومناداته بها ينبئ عن مرض وحقد في قلبه على الإسلام وأهله.
أيها المسلمون: يجب علينا أن نحذر وألا ننخدع بهذه الدعاوى البراقة، وعلينا أن نعتصم بشرع الله تعالى ربنا، عندنا القرآن والسنة ففيهما الكفاية: ( … وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101]، وقال سبحانه: ( … مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام: 38].
أيها المسلمون: لا توجد في العالم حرية مطلقة، فهناك حدود وقيود وخطوط حمراء لا يجوز تجاوزها بحال من الأحوال، ونحن المسلمون يحكمنا شرعنا، فلا يصح إيمان من لا يقبل حكم الله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36]، فلنستقم أيها المسلمون على طاعة الله تعالى، ولنعمل بشرع الله تعالى، ولنحذر من الأفكار الوافدة من أعداء الإسلام .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفي وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
أيها المسلمون: إن دين الإسلام عصمة لأهله وحامٍ لهم من كل سوء، وإن الاعتصام بالدين سبيل العزة والكرامة: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].
أيها الإخوة: إنما أصاب المسلمين ما أصابهم بسبب تفريطهم بدينهم، وتنحية الشريعة عن الحكم، ومن هنا نشأت طوائف في المسلمين فسدت أفكارها وأخلاقها؛ فصارت ترفع شعارات تعادي الإسلام والمسلمين، وصارت تفرض أفكارها وعقائدها وأخلاقها بالقوة، وربما نشأت حروب تأكل الأخضر واليابس بحجة نشر هذه الأفكار، وما فرح أعداء الإسلام فرحاً كفرحهم بهذه الطوائف؛ لأنها تخدم أفكارهم وأجنداتهم، فهم مستعدون لمد يد العون إليهم من أجل قضاء مآربهم حتى إذا أضعفوا كيان الأمة ودمروا أخلاقها، واستولى الأعداء على خيرات الأمة تخلوا عنهم وكأنهم لا يعرفونهم؛ ذلك لأن القاعدة عند الأعداء لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، ولكن مصلحة دائمة.
أيها الإخوة: لن يكون للمسلمين قوة ولا عز ولا تمكين إلا إذا عادوا إلى شرع الله تعالى، وحكّموه في كل مجالات الحياة، قال ربنا عز وجل: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 41].
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والحمد لله رب العالمين.
التعليقات