عناصر الخطبة
1/التوحيد حق الله على عباده 2/أهمية تحقيق التوحيد 3/التحذير من نقض التوحيد وإبطاله 4/من نواقض الإسلام العشرةاقتباس
والشرك بالله نوعان: شرك أكبر وهو أن يصرف العبد شيئاً من أفراد العبادة لغير الله؛ كالدعاء، والنذر، والخوف، والرجاء، وهو مخرج عن الملة وصاحبه مخلد في النار، والنوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو ما كان وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
يا عباد: الله اتقوا الله حق التقوى، وتذكروا ما لأجله خلقتم، ولأجل إقامته بعثت الرسل وأنزلت الكتب، وقام الفرقان بين الحق والباطل؛ ألا وهو توحيد الله -تعالى- وإفراده بالعبودية، والحذر من تعدي حدود الله -تعالى- أو النقص من حقه -سبحانه-، فحق الله على عباده أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
وبهذا التوحيد يتمايز الناس يوم القيامة؛ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)[الشورى: 7]، وهذا التوحيد نور يضيئ لأهله يوم القيامة، في حين يتمنى الكافرون أن لو كان لهم نصيب منه؛ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[الحديد: 12، 13].
ولما كان التوحيد بهذه المثابة -أيها المؤمنون- فحق على من أكرمه الله -تعالى- بأن جعله من الموحدين المؤمنين، أن يحذر كل الحذر من أن ينتقص توحيده، أو أن يسلب منه على حين غفلة منه؛ وذلك أن العبد كما يدخل في الإسلام بنطق الشهادتين، ومعرفة معناها ومقتضاها، فهو كذلك قد يخرج من الإسلام بكلمة، أو فعل يسير لا يبالي به، أو باعتقاد لا يتبين فيه فتزل قدمه.
فالأمر ليس بالهين -يا عباد الله-؛ ولذا كان حقاً على كل مسلم أن يعرف التوحيد وحقيقته ومقتضاه، وأن يعرف حدوده التي لا يجوز تعديها، وأن يحذر كل الحذر مما يناقض التوحيد فيبطله أو ينقصه، وما استراب فيه أو جهله فليسأل أهل العلم، فالأمر جلل والخطب إذا تعلق بالعقيدة يخشى منه العطب.
عباد الله: إن للتوحيد نواقض ومفسدات تنافي الإسلام وتبطله، وهي أعظم الذنوب على الإطلاق، فمن وقع في ناقض من نواقض الإسلام فقد خرج من ملة التوحيد، وخلع منه ربقة الدين والعياذ بالله -تعالى-، فلا إيمان يبقى مع هذه النواقض أو أحدها، فربنا -تعالى- يقول: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آل عمران: 91]، (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 5].
والشرك أعظم الذنوب ولا أمل في السلامة لمن مات عليه؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 116]، ولخطورة هذه النواقض فإنه يتعين علينا العلم بها للحذر منها، وقد بين الله -تعالى- سبل الكافرين حتى نحذرها: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)[الأنعام: 55]، وكم من النواقض يقع فيها بعض من المسلمين دون مبالاة، أو خوف من الله -جل جلاله- الذي خلقنا ورزقنا وأمرنا بعبادته، وحذرنا من مغبة الكفر به -سبحانه-.
إخوة الإيمان: نواقض الإسلام كثيرة، غير أن أهمها عشرة، ذكرها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله تعالى-، اعتماداً على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة:
فأولها: وأخطرها الشرك في عبادة الله، قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48]، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ)[المائدة: 72]، والشرك الأكبر كما عرفه بعض العلماء: "أن يجعل لله نداً يدعوه كما يدعو الله -تعالى-، أو يخافه أو يرجوه، أو يحبه كحب الله، أو يصرف له نوعاً من أنواع العبادة"(السعدي)، وعرفه آخر فقال: "الشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله".
وله صور كثيرة منها: دعاء غير الله -تعالى- أياً كان المدعو؛ من نبي أو ملك، أو رجل صالح؛ (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت: 65]، ومنه: الذبح لغير الله -تعالى-، وتقديم النذر لغير الله -تعالى-، أو اعتقاد أن هناك من ينفع أو يضر غير الله -تعالى- فيتوجه إليه بالعبادة، أو يصرف إليه شيئاً منها، كما قال المشركون في تعليل عبادتهم الأصنام: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)[الزمر: 3].
والشرك بالله نوعان: شرك أكبر وهو أن يصرف العبد شيئاً من أفراد العبادة لغير الله؛ كالدعاء، والنذر، والخوف، والرجاء، وهو مخرج عن الملة وصاحبه مخلد في النار، والنوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو ما كان وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر، مثل: الحلف بغير الله، ويسير الرياء، وهذا النوع لا يخرج من الملة، ولكن صاحبه على خطر وهو تحت مشيئة الرحمن -سبحانه-، وقد ذكر أهل العلم أن الشرك الأصغر أعظم من كبائر الذنوب.
أما الناقض الثاني: فقد ذكره الإمام المجدد -رحمه الله- فقال: "من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم"، يقول -سبحانه-: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يونس: 106، 107]، ويا عجباً لبعض العباد ممن يلجؤون إلى غير الله!، وربنا -سبحانه- يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186]، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر: 60].
أما الناقض الثالث: فقد قال فيه -رحمه الله-: "من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم"؛ وذلك لأن الله -تعالى- كفرهم في آيات كثيرة من كتابه، وأمر بعداوتهم ونهى عن موالاتهم ومحبتهم؛ (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)[آل عمران: 28].
بل إن ربنا -سبحانه- ضرب لنا مثلاً عظيما في كتابه، ودعانا إلى أخذ العبرة منه: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة: 4]، وأخبرنا -سبحانه- أن اليهود والنصارى ساخطون علينا، ولا يزالون كذلك حتى ندع ديننا: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
فإلى المشتكى من عباد غفلوا عن هذه الحقائق أو تغافلوا، وهم بلا شك سيندمون، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8].
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم المنان، واسع الفضل والإحسان، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحق إلا هو -سبحانه-، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير من حقق التوحيد ووضحه ودعا إليه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وتابعيهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وتزودوا من العلم ما ينير لكم طريق الهداية، ويبصركم بطرق أهل الغواية والضلال، واحمدوا الله -تعالى- على نعمه، لا سيما نعمة الإيمان والتوحيد، وسلوه -جل وعلا- الثبات عليها.
إخوة الإيمان: أما الناقض الرابع من نواقض الإسلام، فقد ذكره الشيخ المجدد -رحمه الله- بقوله: "من اعتقد أن غير هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه".
وفي إيضاح هذا الناقض يقال: لا شك ولا ريب أن هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل الهدي؛ لأنه وحي يوحى إليه، كما قال -سبحانه-: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 4]، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبة الجمعة: "أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد"، وشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخة لجميع الشرائع، وهي أسهل الشرائع وأيسرها، وقد امتن الله -تعالى- على هذه الأمة بأن أكمل لها الدين وأتم عليها النعمة فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3]، فما رضيه لنا فنحن نرضاه.
فمن اعتقد أن هناك هدياً أكمل من هذا الهدي فهو على ضلالة، وقد وقع في الكفر -عياذاً بالله تعالى-، وكذا من اعتقد أن حكم غيره أحسن من حكمه، فهو كافر بإجماع أهل العلم.
فينبغي لكل مسلم أن يعلم أن حكم الله ورسوله مقدم على كل حكم، فما من مسألة تقع بين الناس إلا ومردها إلى حكم الله ورسوله، فمن تحاكم إلى غير حكم الله ورسوله فهو كافر؛ كما نص الله على ذلك فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 60]، إلى أن قال -سبحانه-: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65]، فأقسم -سبحانه- بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا الرسول في جميع الأمور، ولا يجدوا في أنفسهم حرجا وضيقا مما حكم به، ويسلموا تسليما كاملا؛ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: 44].
ويا لله العجب كيف يرضى العاقل أن تجري عليه أحكام المخلوقين بدلاً من حكم الله العلي الحكيم الذي خلق الإنسان وقدره؟! (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك: 14].
فاللهم رحماك رحماك، اللهم أرنا الحق حقاً.
التعليقات