اقتباس
ثالثاً: إن تراثنا وتكويننا النفسي والأخلاقي عامر بقيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه، وأن شبابنا في أشد الحاجة إلى إحياء ديني وروحي يبني نفوسهم ويقوي شخصياتهم ويقوم معوجهم ويعصمهم من الانحراف والانقياد إلى ما يفد إلينا من الخارج من مذاهب واتجاهات تحمل في طياتها بذور الاستهتار بالقيم والمقومات التي يقوم عليها الإيمان والتدين.
لعله من المفيد أن نتدارس بعض التطبيقات من واقع الخبرة العملية في مجال تربية الشباب حتى تتكامل مع الجوانب النظرية التي كثر الحديث فيها في الأونة الأخيرة، وحتى تتضح للمصلحين والمربين معالم الطريق الصحيح لبناء لشباب الأمة العربية والإسلامية، وقد عملت مديراً لمدرسة ثانوية حربية داخلية يقيم فيها الطلاب ستة أيام من كل أسبوع لمدة ثلاث سنوات، فأتيحت لي الفرصة لاستخلاص دروس مفيدة رأيت من واجبي أن أعرضها حتى ينتفع بها المسلمون ... لكنني ـ قبل ذلك ـ أود أن اقرر بعض الحقائق بالغة الأهمية في هذا المجال:
أولاً: أن منهج الإسلام في التربية السلوكية ـ وهو ما حرصت على اتباعه ـ هو المنهج الأمثل لتربية الشباب، وهو منهج لا يتسامى إليه أي منهج وضعته عقول المصلحين والمربين، وأن على الذين يحملون أمانة تربية شباب أمتنا أن يلتمسوا من تعاليم الإسلام ما يضي لهم الطريق إلى أداء تلك الأمانة على خير وجه، فيصنعون شباباً يعز بهم الوطن ويسود، وينطبق عليهم وصف الفتية الذين ذكر الله شأنهم في سورة الكهف تقديراً لصلاتهم في الحق واستمساكهم بالعقيدة والمبدأ حيث قال تعالى: ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف:13] .
فالإسلام قد رسم الطريق الصحيح لبناء الإنسان صحيح النفس والعقل والجسم، بحيث يصبح لبنة قوية متماسكة وعنصراً إيجابياً صالحاً في مجتمعه الكبير، كما رسم الطريق الصحيح لبناء المجتمع الإنساني الفاضل الذي يشكل البيئة الصالحة لبناء الإنسان بالتنشئة السلمية والتربية القومية، ويتيح له إطهار طاقاته المدخرة فيه.
ولقد وضع هذا المنهج التربوي الشامل موضع التطبيق منذ أربعة عشر قرناً، فأثبت نجاحه التام في المراحل التي كان تطبيقه فيها سليماً ومحكماً، وظهرت آثار هذا النجاح في قوة بناء المجتمع الإسلامي من جهة، وفي ازدهاره وتقدمه من جهة أخرى، وأثبتت التجارب أن المسلمين لم يقصروا عن بلوغ هذا النجاح في مراحل من تاريخهم إلا لاهمالهم بعض الجواني الأساسية من هذا النظام في أساليب حياتهم وتربية شبابهم.
ثانياً: إن مرحلة المراهقة (من سن الثانية عشرة إلى العشرين تقريباً) هي أخطر مراحل العمر في مجال تكوين الشخصية، وفيها يواجه المربون تحديات بالغة الصعوبة والتعقيد، فإذا اجتاز الشباب تلك المرحلة بسلام، فسوف يمضي في حياته صحيح النفس سوى الشخصية، أما إذا لم يخرج منها سليماً فإن ذلك يؤذن بأوخم العواقب على تكوينه النفسي وسلوكه الاجتماعي في المستقبل.
فالمراهقة بالمعنى العلمي هي (التدرج نحو النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي) أي أنها هي المعبر بين الطفولة والنضج، وإذا كان الوضع هو ولادة الطفل، فإن المراهقة هي (ولادة ) الرجل أو السيدة إلا أن ولادة الطفل لا تستغرق سوى ساعات بينما تستغرق ولادة الرجل عدة سنين.
ومن هنا تأتي خطورتها وأهميتها، ولعل أهم ما تتميز به شخصية المراهق ما يلي:
ـ الرغبة في تأكيد الذات وزيادة الاعتزاز بالنفس.
ـ الميل إلى مقاومة السلطة والثورة ضد الأسرة والمدرسة وشدة الحساسية للنقد وسرعة الغضب.
ـ الميل إلى المناقشة والبحث في مسائل الدين والعقائد التي كان يتقبلها من قبل وهو طفل عن طريق الانطباع والمحاكاة.
ـ الإحساس بالولاء نحو الجماعة والأصدقاء (إلى درجة التعصب أحياناً).
ـ الميل نحو الجنس الآخر وإلى المغامرة والمخاطرة وإلى الزعامة والقيادة.
هذه السمات العقلية والنفسية والاجتماعية، بالاضافة إلى ما يطرأ على جسم المراهق من آثار البلوغ، تصاحبها مشكلات انفعالية يؤدي الجهل بها أو تجاهلها من جانب الآباء والمربين إلى إلحاق أشد الأضرار بالبناء النفسي للشباب.
ثالثاً: إن تراثنا وتكويننا النفسي والأخلاقي عامر بقيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه، وأن شبابنا في أشد الحاجة إلى إحياء ديني وروحي يبني نفوسهم ويقوي شخصياتهم ويقوم معوجهم ويعصمهم من الانحراف والانقياد إلى ما يفد إلينا من الخارج من مذاهب واتجاهات تحمل في طياتها بذور الاستهتار بالقيم والمقومات التي يقوم عليها الإيمان والتدين.
ومن تجاربي في التربية السلوكية للشباب على منهج الإلام أذكر ما يلي:
1 ـ تهيئة المناخ الديني.
ـ لقد أجمعت الدراسات النفسية والتربوية على أهمية تهيئة المناخ المصالح للتربية في تكوين الشخصية وتنمية الاتجاهات السليمة... وقد عنى الإسلام بتوفير هذا المناخ الصالح من لحظة بناء الأسرة أصلاً باعتبارها الأساس للبنيان ثم بعد ذلك في مراحل التنشئة وتكوين الشخصية، وعلى قدر صلاحية هذا المناخ يكون النبات الذي ينبت فيه وتكون النمرة، يقول الله تعالى: (وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) [الأعراف:58] .
ولقد طبقنا عملياً بعض الأساليب التي آتت ثمارها في تهيئة المناخ الديني نذكر منها:
ـ يتجمع الطلاب صباح كل يوم في صفوف منظمة حيث يستمعون خلال المذياع الداخلي إلى زميل لهم وهو يرتل (آية الكرسي) وهكذا يبدأ اليوم الدراسي هذه البداية الدينية.
ـ يذاع الأذان للصلوات الخمس، فيؤدي الطلاب الصلاة جماعة بمسجد المدرسة يؤمهم أمام المسجد ويشترك في الصلاة المعلمون والقادة وقد روعي عند وضع جدول العمل اليومي توفير الوقت اللازم لأداء الشعائر.
ـ يحصل كل طالب عند قبوله بالمدرسة على مصحف شريف وسجادة للصلاة.
ـ تقام صلاة الجمعة بمسجد المدرسة لكي يؤديها الطلاب الذين يسقون في المدرسة في هذا اليوم.
ـ يقام حفل عام في المناسبات الدينية مثل الهجرة ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم والغزوات وشهر رمضان المعظم، ويحتوي برنامج الحفل على تلاوة آي الذكر الحكيم وعلى درس ديني يلقيه أحد كبار العلماء الذين يدعون خصيصاً لهذا الغرض، كما يقوم بعض الطلاب بإلقاء كلمات مناسبة يعدونها بأنفسهم تحت إشراف معلميهم.
ـ تقام مسابقة سنوية في حفظ القرآن الكريم تعلن شروطها للطلاب في نهاية كل عام دراسي على أن يقوموا بالحفظ خلال العطلة الصيفية، ثم تجري المسابقة في بداية العام الدراسي الجديد لاختيار الفائزين في الحفظ والتفسير ثم توزع جوائز ومكافآت قيمة على الفائزين في حفل كبير يدعى إليه العلماء والآباء.
ـ تقام ندوة دينية شهرياً يحضرها جميع الطلاب وتحتوي على فقرتين: الأولى درس ديني في أحد الموضوعات المقررة في خطة الدروس الدينية التي تتناول النواحي العملية والتطبيقية لمبادئ الدين إلى جانب الناحية النظرية، مع ربطها بطريقة التنفيذ والتطبيق في الحياة الواقعية، أما الفقرة الثانية من الندوة فتخصص للإجابة على أسئلة الطلبة عما يرغبون في معرفته أو فهمه من أمور دينهم وهناك نظام لجمع هذه الأسئلة وتصنيفها وتحضير الإجابة عليها قبل موعد الندوة بوقت كاف.
ـ لتوفير القدوة الحسنة التي هي خير طريق لتثبيت المبادئ في نفوس الطلاب جمعنا المعيار الأخير في (تقييم المعلمين) أن يكون المعلم قدوة أخلاقية كريمة وعاملاً فعالاً في غرس الاتجاهات الصالحة عن طريق سلوكه مع الطلاب والتمسك بالدين ومبادئه والتزامه أساليب الصدق والعدل والإخلاص في العمل، وكنا في ذلك نتمثل قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -: "خياركم من تذكركم بالله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في ا لآخرة عمله" رواه الترمذي عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
2 ـ تربية الضمير الديني:
ولقد ثبت لنا بالتجربة العملية أن تربية الضمير الديني من أعظم أساليب التربية السلوكية... فالضمير الصافي أو القلب السليم هو النور الذي يهدي الإنسان في مسالك الحياة ،ويملأ النفس اطمئناناً ورضى، فإذا ظفرنا بتربيته وإيقاظه في الشباب، فقد أقمنا أقوى دعائم التربية الناجحة والقويمة لهم.
والقرآن الكريم يعبر عن ذلك بقوله سبحانه: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:89].
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" رواه البخاري.
ولا شك في أن الإيمان الصادق العميق يبني ضمير المسلم ويجعله وثيق الصلة بما يمليه عليه إيمانه لا يشغله عن ذلك شاغل، ويصوره لنا الرسول الكريم في العبادة بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ثم يقول: "إياك أن يراك حيث نهاك".
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
التعليقات