عناصر الخطبة
1/الوصية بالمبادرة لاغتنام خير الشهور 2/فوائد تذكر يوم القيامة 3/حال السلف عند تذكر يوم القيامة 4/الحث على التوبة والإنابة في شهر المغفرةاقتباس
هَذَا حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَفَتْحٌ كَرِيمٌ، مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ؛ فَالْعَوْنُ عَلَى الطَّاعَةِ كَبِيرٌ؛ وَلِذَا كَمْ مِنْ سَعَادَةٍ بِتَوْبَةٍ وَهِدَايَةٍ وَحُسْنِ عِبَادَةٍ كَانَتْ بِدَايَتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّ الدَّاعِيَ لِلْمَعْصِيَةِ أَضْعَفُ، وَكَيْدُ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا وَهُوَ فِي رَمَضَانَ أَضْعَفُ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا رَمَضَانَ فِي عَافِيَةٍ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمِهِ الْوَافِيَةِ، وَسِعَ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ الضَّافِيَةِ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ بِالشَّرِيعَةِ الصَّافِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ مَا تُلِيَتْ أُمُّ الْكِتَابِ الْكَافِيَةُ الشَّافِيَةُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- فِيمَا خَوَّلَكُمْ مِنْ عُمُرٍ حُزْتُمْ فِيهِ خَيْرَ الْأَيَّامِ رَمَضَانَ، أَعَادَهُ اللَّهُ لِنُحْسِنَ الْعَمَلَ وَنُجَدِّدَ الْأَمَلَ، وَعَادَ وَنَحْنُ فِي مَوْفُورِ صِحَّةٍ وَقُدْرَةٍ، فِي حِينِ تَخَطَّفَتْ أَقْوَامًا أَقْدَارُ اللَّهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ وَافَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَفَاتَتْهُ الْأَمْنِيَّةُ بِبُلُوغِ رَمَضَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَضَتْ فِيهِمْ أَقْدَارُ اللَّهِ شَتَّى، فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفْنِدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، فَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ"(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، أَبْوَابُ الزُّهْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالْعَمَلِ (4/ 552)، رَقْمِ: (2306)).
وَبَيْنَ يَدَيْ رَمَضَانَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- نَتَذَاكَرُ بِوَاحِدَةٍ دَوْمًا يُذَكِّرُنَا اللَّهُ بِهَا فِي الْوَحْيِ، إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي الْقُلُوبِ بَعَثَتْ هِمَّتَهَا لِحُسْنِ الْعَمَلِ إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ، بَلْ إِلَى آخِرِ الْعُمْرِ، تِلْكُمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- هِيَ خَالِصَةٌ ذِكْرَى الدَّارِ؛ (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)[ص: 46]؛ أَيْ تَذَكُّرُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الِادِّخَارِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، حِينَ يَرْجُو الْعَبْدُ بِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَوْمِ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ، أَنْ يَعْمَلَهُ وَالْقَبْرُ أَمَامَ نَاظِرَيْهِ وَفِي مُخَيِّلَتِهِ يَرْجُو أَنْ يُنَوِّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِآيَةٍ تَلَاهَا، أَوْ رَكْعَةٍ صَلَّاهَا، أَوْ حَسَنَةٍ أَسْدَاهَا، وَأَنْ يُوَسِّعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِكُرْبَةٍ فَرَّجَهَا وَنَفَّسَهَا.
وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً *** وَالْقَبْرُ صُنْدُوقُ الْعَمَلْ
هَذَا الْمَعْنَى قَدْ يَغِيبُ عَنْ كَثِيرِينَ فَيَحْضُرُ فِي أَذْهَانِهِمْ أَدَاءُ الْوَاجِبِ فَحَسْبُ، وَلَوِ اسْتَحْضَرُوا مَعْنَى اسْتِحْضَارِ ادِّخَارِ الْأَجْرِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِإِخْلَاصِ الْعَمَلِ وَإِحْسَانِهِ وَتَجْوِيدِهِ، وَهُوَ مَا يَبْعَثُ الْهِمَّةَ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا اشْتَمَلَهُ مِثْلُ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَقَوْلِهِ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَقَوْلِهِ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، وَمَعْنَى (احْتِسَابًا)؛ أَيِ: (احْتِسَابًا لِلْأَجْرِ وَاسْتِحْضَارِ ادِّخَارِهِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْضَارُ ادِّخَارِ الصِّيَامِ جُنَّةً مِنَ النَّارِ وَفِكَاكًا مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (1894))، (وَمُسْلِمٌ (1151)).
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) (2840))، (وَمُسْلِمٌ (1153))؛ فَكَيْفَ بِصَوْمِ شَهْرٍ وَهُوَ فَرِيضَةٌ وَفِي رَمَضَانَ، وَالْفَرِيضَةُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ.
وَمِنَ اسْتِحْضَارِ هَذَا الِادِّخَارِ أَنْ تَرْجُوَ بِصِيَامِ رَمَضَانَ عُلُوَّ الْمَنْزِلَةِ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ مِمَّا يَفْرَحُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَيُثْنِي بِهِ لِلَّهِ حَمْدًا أَنْ بَلَّغَهُ رَمَضَانَ أَنْ يَدَّخِرَهُ كَنْزًا تُرْفَعُ بِهِ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ، وَمَاتَ الثَّالِثُ بَعْدَهُمَا عَلَى فِرَاشِهِ، فَرُؤِيَ فِي الْمَنَامِ سَابِقًا لَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَيْسَ صَلَّى بَعْدَهُمَا كَذَا وَكَذَا صَلَاةً، وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ بَيْنَهُمَا لَأَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".
فَادَّخِرْ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- كُلَّ رَمَضَانَ تُدْرِكُهُ تَرْقِيَةً لَكَ فِي مَنَازِلِ الْجِنَانِ، فَإِنَّ هَذِ الِاسْتِشْعَارَ يَبْعَثُ فِي الْقَلْبِ الْمُسَارَعَةَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَإِنَّ تَذَكُّرَ الْآخِرَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يَبْعَثُ عَلَى كَثْرَةِ الْعِبَادَةِ مَعَ تَجْوِيدِهَا وَإِحْسَانِهَا وَإِخْلَاصِهَا لِلَّهِ -تَعَالَى-.
وَاسْتِحْضَارُ ذَلِكَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ السِّتَّةِ، وَلِذَا فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْفَرَائِضِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَا أُهْمِلَتِ الْفَرَائِضُ وَتُقُحِّمَتِ الْحُرُمَاتُ إِلَّا مِنْ ضَعْفِ اسْتِحْضَارِ الْآخِرَةِ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ سِمَاتِ الْمُكَذِّبِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَالَ نُزُولِ الْقُرْآنِ تَكْذِيبُهُمْ بِالْبَعْثِ، (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا)[الْإِسْرَاءِ: 49].
وَحَتَّى يَغْتَنِمَ الْمُسْلِمُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا فَضْلًا عَنْ رَمَضَانَ فَلْيَسْتَشْعِرْ فَاقَتَهُ وَحَاجَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا فَقَالَ: "رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ بِمَا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ"، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي كِتَابِهِ (التَّبْصِرَةِ): "تَاللَّهِ لَوْ قِيلَ لِأَهْلِ الْقُبُورِ: تَمَنَّوْا، لَتَمَنَّوْا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ".
وَلَقَدْ كَانَ هَذَا الِاسْتِحْضَارُ لِمَعْنَى الِادِّخَارِ حَاضِرًا عِنْدَ السَّلَفِ الْأَخْيَارِ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: "دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرْجُو رَبِّي وَقَدْ صُمْتُ ثَمَانِينَ رَمَضَانَ".
وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ يُكْثِرُ السُّجُودَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَدَّخِرُ كَثْرَةَ السُّجُودِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَأَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ بِذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً".
وَقِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: "لَقَدْ رَأَيْنَا التَّابِعِينَ أَكْثَرَ عِبَادَةً مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: الصَّحَابَةُ تَعَبَّدُوا وَالْآخِرَةُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ يَتَعَبَّدُونَ وَالدُّنْيَا فِي قُلُوبِهِمْ؛ فَذَلِكَ الَّذِي رَفَعَ أُولَئِكَ"؛ يَعْنِي الصَّحَابَةَ، وَهَكَذَا فَإِنَّ اسْتِحْضَارَ ادِّخَارِ الْأَجْرِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ يُعَظِّمُ الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ ابْتِغَاءَ أَجْرِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَنَا رَمَضَانَ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا تَعَاقَبَ الْجَدِيدَانِ.
عِبَادَ اللَّهِ: يَحْدُثُ الْآنَ وَفِي رَمَضَانَ مَا قَالَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "سُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ"، وَهَذَا حَدَثٌ عَظِيمٌ وَفَتْحٌ كَرِيمٌ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ؛ فَالْعَوْنُ عَلَى الطَّاعَةِ كَبِيرٌ؛ وَلِذَا كَمْ مِنْ سَعَادَةٍ بِتَوْبَةٍ وَهِدَايَةٍ وَحُسْنِ عِبَادَةٍ كَانَتْ بِدَايَتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَإِنَّ الدَّاعِيَ لِلْمَعْصِيَةِ أَضْعَفُ، وَكَيْدُ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا وَهُوَ فِي رَمَضَانَ أَضْعَفُ.
وَكَمَا أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الطَّاعَاتِ فَهُوَ شَهْرٌ لِتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهَا؛ فَهَلَّا مِنْ تَوْبَةٍ يَا عِبَادَ اللَّهِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، فَإِنَّهَا سَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ الصِّيَامَ لِتَحْقِيقِ التَّقْوَى كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183]، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَأَنَّ صَلَاحَهَا عَلَيْهِ مُبْتَنَى صَلَاحِ عَمَلِ الْجَوَارِحِ، فَاعْتَنُوا بِصَلَاحِ قُلُوبِكُمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ، كَعِنَايَتِكُمْ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ بَلْ أَشَدَّ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ مِنْ أَمْرَاضِهَا وَمِمَّا يَحُولُ دُونَ رَفْعِ الْأَعْمَالِ مِنَ الشَّحْنَاءِ وَالْبَغْضَاءِ.
أَلَا وَإِنَّكُمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- فِي أَيَّامِ الْبُشْرَى الَّتِي بَشَّرَ بِهَا الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ بِرَمَضَانَ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصِيَامِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَأَعِنَّا فِيهِ عَلَى طَاعَتِكَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِيهِ أَوْفَرَ حَظٍّ وَنَصِيبٍ مِنْ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ.
التعليقات