عناصر الخطبة
1/ النار وأهوالها 2/شدة عذاب أهل النار 3/من أصناف المعذبين في النار 4/بكاء أهل النار وصراخهم 5/صراخ أهل الناراقتباس
ومن أصناف المعذبين في النار يوم القيامة: قاتل النفس المعصومة عمداً، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، أربع عقوبات عظيمة؛ كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مستحق الحمد وأهله المجازي خلقه جزاء دائرًا بين عدله وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعي هديه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون، اتقوا ذلك بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه؛ فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا. اتقوا النار؛ فإنها دار البوار والبؤس ودار الشقاء والعذاب الشديد، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم، قال الله تعالى لإبليس: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)، دار فرعون وهامان وقارون وأُبي بن خلف، وغيرهم من طغاة الخلق وفجّارهم في أسفل السافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين.
يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون، عذابهم فيها دائم لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون، يتكرر عليهم فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة، فلا يُجَابُون. لا يُرحَم بكاؤهم، ولا يُجاب دعاؤهم، ولا يُغاثون عند تضرعهم، ولا تقبل تُوبتهم، ولا تُقال عثرتهم، غضب الله -عز وجل- عليهم فلا يرضى عنهم أبدًا.
فلو رأيت -يا عبد الله- هؤلاء المعذبين وقد أكلت النار لحومهم ومحت محاسن وجوههم، فبقيت العظام محترقة مسودة، وقد تعبوا من شدة وتكرر العذاب الأليم، قال تعالى: (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) [الحجر: 50]. وهم ينادون بالويل والثبور، ويصرخون بالبكاء والعويل، قال الله -جل وعلا-: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر: 37]، وقال -تبارك وتعالى-: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) [الفرقان: 14]، فما ينفعهم صراخهم، وما يغني عنهم عويلهم. جنبني الله وإياكم مسالك الظالمين.
فلو رأيت هؤلاء في العذاب لذاب قلبك فزعًا ورعبًا من سوء خَلقهم، ولخرجت روحك من نتن رائحتهم، فكيف لو تخيلت نفسك وأنت فيهم، فمَثِّل نفسك لعلك أن تتأثر فتستعد للقاء الله.
ولو نظرت -يا عبد الله- إلى النار وهي تشتعل في أجزاء بدنك، تخيل ذلك، تصور أنها تدخل أذنيك وعينيك، ولا تقدر على إبعادها عنك لملازمتها لك، قال الله تعالى: (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) [الفرقان: 66]. فهناك يغلب على قلبك التأسف والحسرات والندامة، قال -جل وعلا-: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) [مريم: 39]، وهل تغني الحسرات؟! هيهات، هيهات.
فتصور تلك الأهوال والعظائم بعقل فارغ وعزيمة صادقة، وراجع نفسك ما دمت في قيد الحياة، وتب إلى الله توبة نصوحًا عما يكرهه مولاك، وتضرع إليه وابك من خشيته لعله يرحمك ويقيل عثرتك؛ فإن الخطر عظيم، والبدن ضعيف، والموت منك قريب، نسأل الله السلامة والعافية.
عباد الله: اعلموا أن من أصناف المعذبين في النار:
الكفار والمنافقون، قال الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة: 68]، لما كفروا وحادوا الله ورسله، وأعرضوا عن الحق وكتموه، لازمهم العذاب المقيم في الآخرة، عافانا الله وإياكم من مسالكهم.
ومن أصناف المعذبين في الآخرة: الذين يكتمون ما أنزل الله، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 174]، يكتمون الحق، ولا يرشدون الخلق إلى ما ينفعهم، ويضنون بالعلم النافع عن عباد الله، ويدلسون ويريدون المكاسب المحرمة بكتم العلم أو تحريفه، فلهم عذاب أليم في الآخرة.
فراجع نفسك -يا عبد الله- هل كتمت علمًا نافعًا عن الناس؟! هل صدقت وأنت واعظ في إرشادك، في تدريسك، في تعليمك؟! أم كنت مرائيًا كاذبًا؟!، لا بد لكل منا أن يراجع نفسه، فالوعيد شديد؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه أبو داود: 3658 والترمذي 2649، وصححه الألباني].
أيها الفضلاء: ومن أصناف المعذبين في النار يوم القيامة: قاتل النفس المعصومة عمداً، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، أربع عقوبات عظيمة؛ كل واحدة منها توجل القلب وتفزع النفس؛ جهنم خالدًا فيها -فيا ويله ما أصبره على نار جهنم- وغضب الله عليه، وبئسما حصل لنفسه من غضب الرب العظيم عليه- ولعنه فطرده وأبعده عن رحمته- وأعد له عذابًا عظيمًا، ويل لقاتل المؤمن المتعمد، ويلٌ له من هذه العقوبات النار، وغضب الجبار واللعنة والعذاب العظيم.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عَامًا" [أخرجه البخاري: 3166]، وهذا في المعاهد الذي لا يكون مسلمًا، فهو لا يقتل طالما دخل بلادنا بالأمان، فكيف بعقوبة قتل المسلم، سلمني الله وإياكم من دماء الناس وأعراضهم.
عباد الله: ومن أصناف المعذبين في الآخرة: الزناة والزواني، وآكلو الربا، وهذا ما جاء في حديث صحيح طويل، تعالوا نستمع لحديث من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحد منكم رؤيا"، وفيه أنه قال ذات غداة: "هَلْ رَأى أحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟". قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ الله أنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ: ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ الْمَرَّةَ الأُولَى. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ -قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أبُو رَجَاءٍ -فَيَشُقُّ قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأولَى.
قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ -قَالَ: وَأحْسِبُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهبُ ضَوْضَوْا.
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَراً فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَألْقَمَهُ حَجَراً.
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا، فَأتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ، كَأكْرَهِ مَا أنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا.
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا فَأتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لا أكَادُ أرَى رَأْسَهُ طُولا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ.
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا مَا هَؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالا لِي: انْطَلِق انْطَلِقْ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْهَا وَلا أحْسَنَ.
قَالَ: قَالا لِي: ارْقَ فِيهَا قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأتَيْنَا باب الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأحْسَنِ مَا أنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأقْبَحِ مَا أنْتَ رَاءٍ.
قَالَ: قَالا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ مِنَ الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أحْسَنِ صُورَةٍ.
قَالَ: قَالا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُداً، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ. قَالَ: قَالا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ الله فِيكُمَا ذَرَانِي فَأدْخُلَهُ.
قَالا: أمَّا الآنَ فَلا، وَأنْتَ دَاخِلَهُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأيْتُ؟.
انتبه -أخي الكريم- فهذه رؤية نبوية الهدف منها أن نتعلم ونتعرف على أسباب عذاب هؤلاء لنتجنبها، ونعمل بعكس عملهم لننجو يوم لقاء الله -سبحانه-.
قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأيْتُ؟ قَالَ: قَالا لِي: أمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ.. فهل ننام عن صلاتنا ونضيعها؟! احذر أن تكون من هؤلاء.
وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ. فاحذر -أخي- من الكذب ونشر الشائعات التي تهدد الأوطان والأنفس والأموال.
وَأمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي. فكما كانت تشتد بهم الشهوة وتعلو لتبلغ ذروتها ثم تنطفئ فكذلك هم في النار، نعوذ بالله من الخذلان.
وَأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجارةَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا.. فإنه لم استحل أموال الناس وأكلها، جمع له ذلك كله في صورة دم هؤلاء، في صورة سيئة جدًّا، نسأل الله السلامة والعافية.
وَأمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ. وَأمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -عليه السلام-. وَأمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ الله، وَأوْلادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "وَأوْلادُ الْمُشْرِكِينَ. وَأمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً وَشَطْرٌ [مِنْهُمْ] قَبِيحاً، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، تَجَاوَزَ الله عَنْهُمْ" [أخرجه البخاري: 7047] نسأل الله السلامة والعافية.
اللهم جنبنا النار وحرها وغصصها، وكل ما قرب إليها من قول أو عمل، إنك على كل شيء قدير، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خبرًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
عباد الله: ومن أصناف المعذبين يوم القيامة: المصورون، نعم المصورون، وإليك البيان.
أيها الإخوة: ورد وعيد شديد في تصوير ذات الأرواح، سواء كانت رسمًا أو نحتًا أو نقشًا أو نسجًا، واختلف في التصوير الفوتوغرافي، وإن أدخله بعض العلماء في الوعيد أيضًا ما لم يكن هناك ضرورة داعية إليه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ مُصوِّرٍ في النّارِ، يَجعَلُ لهُ، بكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرها، نفساًً فتعذِّبُهُ في جَهنَّم" [أخرجه مسلم: 2110]، فمن تعذيب المصوّر أنه يُجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في نار جهنم، والعياذ بالله.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "مَن صَوَّرَ صُورَةً في الدُّنيا كُلِّفَ أَنْ يَنفُخَ فيهَا الرُّوحَ يَوْمَ القِيامَةِ، وَليسَ بِنافِخٍ" [أخرجه البخاري: 7042، ومسلم: 2110]، يقرعون بهذا أمام الخلائق في ذلك اليوم العظيم، أحيوا ما خلقتم، زيادةً لهم في التنكيل والله -جل وتعالى- أعلم بأنهم عاجزون عن ذلك، لكن لزيادة التنكيل بهم.
أيها الإخوة: ومن أصناف المعذبين يوم القيامة: آكل مال اليتيم، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10]، سبحان الله! إن رعاية اليتيم من واجبات الدين، وإن إهمال شأنه وإذلاله وقهره ما ينبغي للإنسان وأكل ماله يغضب الديان، ويوجب الحرمان، ومع ذلك يجترئ عليه بعض من لا خلاق له.
وأكل مال الغير كله حرام، لكن مال اليتيم أعظم؛ لأن اليتيم لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وأما الكبير فيدافع عن نفسه، فلا تسقط الهمة إلا عند مال اليتيم!! ولا يجرؤ على أكل مال اليتيم إلا دنيء الهمة، ساقط العزم، الذي لم يستطع أن يأخذ حق الناس، فرجع على الضعيف، ولكن الضعيف ينصره الله: (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء:10]، ولهذا كان عذابهم شديدًا، نسأل الله السلامة والعافية.
أيها الإخوة: ومن أصناف المعذبين في النار: أهل الكذب والغيبة والنميمة، قال الله تعالى: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [الواقعة: 92-94]. وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، -وفيه- فقلت يا نبي الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" [أخرجه الترمذي: 2616، وابن ماجه: 3973، وصححه الألباني] فمن زرع بلسانه كذبًا وغيبة ونميمة وشهادة زور، وإفكًا يفتريه، فهذا من المعذبين، إلا أن يلقى الله تائبًا، عاملني الله وإياكم بفضله وجنبنا موارد الخذلان، إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة: يستمر عذاب أهل النار، فيبكون ويصرخون، قال الله تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر: 37]. وقال الله تعالى: (وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) [الفرقان: 13، 14]، وما يغني عنهم البكاء ولا العويل.
أيها الإخوة: عودوا إلى ربكم، واعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واستقيموا على شرعه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا.
اللهم نجنا من النار ومن حرها، وجنبنا سوء أحوال أهلها، واجعلنا من الناجين يوم القيامة.
اللهم املأ قلوبنا ثقة بك، وتوكلاً عليك، ومحبة لك، اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، ولسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا.
التعليقات