من أخبار البرزخ

الشيخ عبدالله اليابس

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/نص حديث البراء بن عازب في أحوال الموتى 2/حال المؤمن وحال الكافر في القبر

اقتباس

القَبْرُ وَاعِظٌ مِنَ الوَاعِظِينَ، إِذَا تَذَكَّرَهُ الـمُسْلِمُ اِسْتَعَدَّ لِلآخِرَةِ, القَبْرُ بَيتُ الوَحْدَةِ وَالظُلْمَةِ، وَالوَحْشَةِ وَالضِّيقِ، إِلَّا عَلَى الـمُؤْمِنِ, كَانَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ الذِي لَا خَيْرَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا فَضْلَ إِلَّا مِنْ لَدُنْهُ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا اِنْقِطَاعَ لِرَاتِبِهِ، وَلَا إِقْلَاعَ لِسَحَائِبِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَمِيعٌ لِمَنْ يُنَادِيهِ، قَرِيبٌ مِمَّنْ يُنَاجِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالسَّائِرِينَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ، وَسَائِر الـمُنْتَمِينَ إِلَى ذَلِكَ القَبِيلِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: حَدِيْثٌ عَظِيْمٌ, يَحْكِي لَحَظَاتٍ فَاصِلَةٍ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ، يَنْبَغِي عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَتَأَمَّلَهَا حَقَّ التَأَمُّلِ.

 

رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ", مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ! اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ, قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيْ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ, قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟! فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ؛ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى.

 

قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟, فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟, فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟, فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ؛ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ, فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ, قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ, قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ؟! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ, فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي.

 

قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ! اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ, قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟, فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)[الأعراف: 40]، فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31]، فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟, فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟, فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي, فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟, فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي, فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ؛ فَأَفْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ, فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ".

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيات وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُم, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِهِ, وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسُلَّمُ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَإِخْوَانِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاِقْتَفَى أثَرَهُ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: القَبْرُ وَاعِظٌ مِنَ الوَاعِظِينَ، إِذَا تَذَكَّرَهُ الـمُسْلِمُ اِسْتَعَدَّ لِلآخِرَةِ, القَبْرُ بَيتُ الوَحْدَةِ وَالظُلْمَةِ، وَالوَحْشَةِ وَالضِّيقِ، إِلَّا عَلَى الـمُؤْمِنِ.

 

كَانَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَا تَبْكِي، وَتَذْكُرُ القَبْرَ فَتَبْكِي!, فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "القَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ؛ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ"، قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا رَأَيتُ مَنْظَراً قَطُّ إِلَّا وَالقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ".

 

مَنْ أَطَاعَ اللهَ فِي الدُّنْيَا، وَاسْتَعَدَّ لِذَلِكَ اليَوْمِ أَمَّنَهُ اللهُ فِي قَبْرِهِ، رَوَى اِبْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الـمَيِّتَ يَصِيرُ إِلَى القَبْرِ، فَيَجْلِسُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ".

 

وَكَمَا أَنَّ الـمُؤْمِنَ يَأْمَنُ فِي قَبْرِهِ فَإِنَّ الكَافِرَ وَالفَاسِقَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ، وَالقُبُورُ التِي نُشَاهِدُهَا اليَوْمَ وَنَمُرُّ عَلَيْهَا مَلِيِئَةٌ بِالـمُنَعَّمِيْنَ وَالـمُعَذَّبِيْنَ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ الذِي أَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ", قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ", قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ", قَالُوا: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ"، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.

 

النّفْسُ تَبْكِي عَلَى الدُّنْيَا وَقَدْ عَلِمَتْ *** أَنَّ السَّعَادَةَ فِيهَا تَرْكُ مَا فِيهَا

لَا دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ الـمَوْتِ يَسْكُنُهَا *** إِلَّا الَتِي كَانَ قَبْلَ الـمَوْتِ بَانِيهَا

فَإِنْ بَنَاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ *** وَإِنْ بَنَاهَا بِشَرٍّ خَابَ بَانِيهَا

أَمْوَالُنَا لِذَوِي الـمِيرَاثِ نَجْمَعُهَا *** وَدُورُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيهَا

أَيْنَ الـمُلُوكُ التِي كَانَتْ مُسَلْطَنَةً *** حَتَّى سَقَاهَا بِكَأْسِ الـمَوْتِ سَاقِيهَا

فَكَمْ مَدَائِنَ فِي الآفَاقِ قَدْ بُنِيَتْ *** أَمْسَتْ خَرَابَاً وَأَفْنَى الـمَوْتُ أَهْلِيهَا

لَا تَرْكَنَنَّ إِلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا *** فَالـمَوْتُ لَا شَكَّ يُفْنِينَا وَيُفْنِيهَا

 

أسألُ اللهَ أَنْ يُعِيْنَنَا عَلَى حَيَاةِ البَرْزَخِ، وَيَقِيَنَا فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَيُحْسِنَ خَاتِمَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَنْ يُجِيْرَنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ؛ إِنَّهُ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّلَاَةِ عَلَى نَبِيهِ مُحَمٍّدِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَجَعَلَ لِلصَّلَاَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَالْإكْثَارَ مِنْهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأيَّامِ، فَاللهَمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِهِ أَجَمْعَيْن.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالـمُسْلِمِيْنَ، وَأَذِلَّ الشِرْكَ والـمُشْرِكِيْنَ، وَاِحْمِ حَوْزَةَ الدِّيْنِ، وَاِجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنَّاً وَسَائِرَ بِلَادِ الـمُسْلِمِيِنَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاِجْعَلْ وَلَايَتَناَ فِي مَنْ خَافَكَ وَاِتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ, اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِميْنَ وَالـمُسْلِمَاتِ، وَالـمُؤْمِنيْنَ والـمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ؛ إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدَعَواتِ.

 

 عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمَرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وإيتاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ وَالْبَغِيِّ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاِذكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذكُركُمْ، وَاُشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكرُ اللهُ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات
s1AgOGJn8hZ7GRmQMmwccgn4QthU9JZtjEnXVkBf.doc
b7220yyOD3FS42xr8L6z5hWnS5KH1nMdS1GueQks.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life