عناصر الخطبة
1/تعظيم الإسلام لعقد النكاح في الإسلام 2/عدة الزوجة بعد موت زوجها والحكمة في ذلك 3/بعض الأمور الممنوعة على المرأة أثناء فترة إحداد الزوجة على زوجها بعد موته 4/حث أولياء المرأة على إلزام المرأة بالإحداد 5/عدل الإسلام في إيجاب الإحداد على الزوجة على زوجها بعد موته 6/بعض الأخطاء المتعلقة بفترة إحداد الزوجة على زوجها بعد موتهاهداف الخطبة
اقتباس
إن الله -تعالى- شرع النكاح لعباده، وغلظ عقد الزوجية، وعظمه وفخمه، فقال سبحانه: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي المهر (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]. ومن آثار عظم حق الزوجية أن له آثاراً تعقب الوفاة، وانقطاع علائق الأجساد في هذه الدار الفانية، فإن من الأحكام الواجبة على الزوجة بعد موت زوجها إذا مات عنها، سواء كان موته بعد الدخول بها أو قبله، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة: أن تعتد...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن الله -تعالى- شرع النكاح لعباده، وغلظ عقد الزوجية، وعظمه وفخمه، فقال سبحانه: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ) أي المهر (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21].
وفي صحيح مسلم، عن جابر في خطبة حجة الوداع: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال فيها: "واستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله".
ومن آثار عظم حق الزوجية أن له آثاراً تعقب الوفاة وانقطاع علائق الأجساد في هذه الدار الفانية، فإن من الأحكام الواجبة على الزوجة بعد موت زوجها إذا مات عنها، سواء كان موته بعد الدخول بها أو قبله، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة: أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، إذا كانت غير حامل، وإن كانت حاملاً، فيجب أن تعتد حتى تضع حملها، سواء كانت عند موته في أول حملها أو في آخره، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 234].
وقال في شأن من فارقها زوجها وهي حامل: (وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 4].
وقال تعالى: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 6].
أما عن الحكمة من هذه العدة، فيكفي أن الوحي المطهر جاء أمراً بها في الكتاب وفي السنة، وعلى المسلم التسليم بحكم الله، سواء عرف الحكمة أو بعضاً منها، أو لم يعرف منها شيئاً.
ومن الحكم المعقولة في العدة: إظهار حرمة عقد الزوجية، واحترام الزوج، وبيان عظم حقه على زوجه، وليكون فارقاً بيّنا بين العلاقة الشرعية وبين العلاقة المحرمة التي لا قيمة لها ولا وزن، وللعلم ببراءة الرحم، حتى لا تنكح وفي بطنها حمل.
ففي هذه المدة لا يحل لها أن تَنكح ولا يحل لأحد أن يصرح بخطبتها.
أما التعريض بخطبتها بكلام يفهم منه أنه راغب فيها فلا حرج، وكذا من باب أولى إذا أضمر في نفسه الرغبة في نكاحها بعد انقضاء عدتها، قال تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة: 235].
إخوة الإيمان: إن السنة النبوية جاءت مبينة جملة من المنهيات التي تحرم على المرأة أثناء العدة بعد موت زوجها، فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تحِدُ اِمْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا, وَلَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا, إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ, وَلَا تَكْتَحِل, وَلَا تَمَس طِيبًا, إِلَّا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ" [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
فلا تلبس ثياب الزينة المتعارف عليها بين النساء أنها من ثياب زينة؛ لأن ثياب الزينة مما يلفت الأنظار إليها، ويرغب في نكاحها، وهي ممنوعة من ذلك.
أما أن تلتزم لبس الأسود أو الاخضر أو غيرهما، فهذا مما لا أصل له في الشريعة، بل هو من البدع المحدثة.
كذلك على المرأة في الإحداد: أن تجتنب الطيب بجميع أنواعه بخوراً أو دهنا أو عطراً، أو غيرها؛ لأن الطيب من أعظم الدواعي إلى الترغيب في المرأة، ولأنه من أسباب الفتنة بها، لكن لا حرج عليها في تنظيف نفسها بالمنظفات عند الاغتسال أو الوضوء، وغيرهما، ولا بأس أن تتبخر بعد انقضاء حيضها لتقطع رائحة الدم للحديث المتقدم.
كذلك على المرأة في الإحداد: أن تجتنب الخضاب بالحناء، ومثله استعمال مساحيق الزينة التي تجمل بها وجهها وأظافرها، كذا عليها اجتناب الكحل إلا من ضرورة لعلاج إذا لم تجد غيره، فتكتحل ليلاً وتغسله نهاراً، عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "جعلت على عيني صبرا, بعد أن توفي أبو سلمة, فقال رسول الله: "إنه يشب الوجه, فلا تجعليه إلا بالليل, وانزعيه بالنهار, ولا تمتشطي بالطيب, ولا بالحناء, فإنه خضاب" قلت: بأي شيء أمتشط؟ قال: "بالسدر" [رواه أبو داود, والنسائي, وقال ابن حجر: "إسناده حسن"].
وأما إذا حصل الانتفاع بغيره، فلا تكتحل لا ليلاً ولا نهارا، لحديث أم سلمة أيضاً: "أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابنتي مات عنها زوجها, وقد اشتكت عينها, أفنكحلها؟ قال: "لا" [متفق عليه].
كذلك تجتنب المرأة في الإحداد: لبس الحلي؛ لأنه من الزينة، عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل".
كذلك مما يلزم المرأة: أن تمكث في البيت الذي كانت تسكن في مع زوجها، سواء كان بيت ملكاً أو إجارة حتى تنقضي عدتها، لحديث فريعة بنت مالك: "أن زوجها خرج في طلب أعبد له فقتلوه، قالت: فسألت النبي أن أرجع إلى أهلي; فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة, فقال: "نعم" فلما كنت في الحجرة ناداني, فقال: "امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا, قالت: فقضى به بعد ذلك عثمان" [أخرجه أحمد, والأربعة].
لكن يجوز لها الانتقال من بيت زوجها للضرورة، كأن يكون البيت معرضا للهدم، أو لا جيران لها، فتخشى على نفسها اللصوص، أو أخرجها المالك، فهذه ضرورات والضرورات تبيح المحظورات.
كما يجوز لها الخروج المؤقت إذا دعت الحاجة لخروجا، كارتباطها بوظيفة أو دراسة، أو اكتساب أو للعلاج، ويكون خروجها نهاراً، وفي الليل تكون في بيتها، وتلتزم في خروجها بالحشمة واجتناب ما تقدم ذكره من أنواع الزينة والطيب والحلي.
أما إذا مات للمرأة قرب غير الزوج، كالأب والابن، ونحوهما، فيجوز لها الإحداد إن أرادت ثلاثة أيام لحديث أم حبيبة في الصحيحين.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ....
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا: أن من تقوى الله التزام المرأة بأحكام العدتها وإحدادها التي أمر بها الشارع الحكيم، وعلى أولياء المرأة أن يأمروها بما أمرت به، فإن فرطت وفرطوا عمداً أثمت وأثموا، فالله -عز وجل- نفي الحرج عن أولياء المرأة إذا تزينت بعد انقضاء العدة، فعلم من ذلك أنها لو خلت بالواجب عليها لكان عليهم جناح وإثم لتفريطهم في نهيها عما نهى الله عنه، قال تعالى: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 234].
فقال: (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) ولم يقل عليهن تنبيهاً على هذه المسألة -والله أعلم-.
أيها الإخوة في الله: إن أحكام الإحداد في الإسلام هي واحدة من محاسنه، فإنها جمعت بين ما ينبغي للزوج من الحق وإظهار حرمة عقد الزوجية، وإعطاء الزوجة، حظها من الحزن على فراق زوجها، وشريك عمرها، وفي الوقت نفسه لم يكن فيها تعدياً على المرأة، وإجحافاً بها، أو إذلالاً لها، وذلك أن المرأة في الجاهلية كانت إذا ماتت زوجها انعزلت في مكان ضيق حقير، ومكثت فيه سنة لا تغتسل ولا تتنظف ولا تدهن، فإذا انتهت السنة جيء لها بدابة حمار، أو شاة أو طير، فتمسحت به، وتدلكت به.
وفي الغالب أنها لا تتدلك بحيوان إلا يموت لنتن ريحها، وقذارتها، ثم تأخذ بعرة وترمي بها، ثم تعود لما كانت عليه من قبل من الطيب والزينة، وتشير برمي البعرة، أن تُري من حضرها أن الذي فعلته مع زوجها أسهل على قلبها، وأيسر من رمي البعرة.
فما أحسن دين الإسلام وما أعظمه.
عباد الله: إن الإحداد قد دخلته كثير من المفاهيم الباطلة، والأخطاء الفادحة، فمن ذلك: أن بعض الناس يمنع الحاد أن تأكل أنواعاً من المأكولات كالفاكهة، ومنهم من يمنعها من المشي في ساحة دارها أو ترقى سطوح بيتها، أو يحرم عليها النظر إلى القمر، ومنهم من يقول لها إذا تكلمت مع غير محارمها بطلت عدتها، وإذا رأها غير محارمها ولو طفل صغير بطلت عدتها، ومنهم يلزمها لذلك بتغطية وجهها، ولو كانت في بتها ليس عندها أجنبي.
فهذا كله لا أصل له، ولا دليل عليه، بل المحدثات التي يشدد بها بعض الجهال على المحداث، وما أكثر ما يصدق النساء مثل هذه الأباطيل.
نسأل الله أن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يجعلنا عند السراء من الشاكرين، وعند الضراء من الصابرين، وعند الزلات من المستغفرين.
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين.
التعليقات