عناصر الخطبة
1/الدنيا منقطعة فانية والآخرة أبدية باقية 2/الحذر من فتنة الدنيا 3/الكفار وإعجابهم في الدنيا 4/الدنيا مكانها اليد وليس القلباقتباس
وَشَهَوَاتُ الدُّنْيَا في القَلْب كَشَهَوَاتِ الأَطْعِمَةِ في المَعِدَة، وَمَا تَؤُوْلُ إِلَيْهِ الدُّنْيا؛ كَمَثَلِ مَا يَصِيْرُ إِلَيْهِ طَعَامُ الإِنْسَان، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ، جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى، فَبِالتَّقْوَى: تُدْفَعُ البَلايا والنَكَبَات، وتُجْلَبُ الخَيْراتُ والبَرَكات؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَنْزِلٌ لا نَمْلِكُهُ؛ لِأَنهُ مَنْزِلٌ بِالإِيْجَار، وَنَحْنُ رَاحِلُونَ عَنْهُ إلى دَارِ القَرَار؛ إِنَّهَا الدُّنْيا.
وَكُلُّ ما فِي الدُّنْيَا زَائِلٌ عَنْهَا إِلَّا ما كانَ لله فَإِنَّهُ يَبْقَى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا)[الكهف:46]، قالَ العُلَمَاءُ: "البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: هِيَ الأَعْمَالُ والأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ، الَّتِي يَبْقَى ثَوَابُهَا، وَيَدُوْمُ جَزَاؤُهَا". وَفِي الحَدِيْث: "الدُّنيَا مَلعُونَةٌ، مَلعُونٌ مَا فِيهَا: إِلَّا ذِكرُ اللَّهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوَ مُتَعَلِّمٌ"(رواه الترمذي وَحَسَّنَهُ الألباني)، قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَلَمَّا كَانَت الدُّنْيَا حَقِيْرة عِنْد الله، لا تُسَاوِي جَنَاحَ بَعُوْضَة كَانَتْ وَمَا فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ مِنْهُ؛ وَهَذَهِ حَقِيقَةُ اللَّعْنَة. وَمَا كَانَ طَرِيقًا إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ والتَّعَلُّمِ؛ فَهُوَ الْمُسْتَثْنى مِنَ اللَّعْنَة".
وَنِسْبَةُ الدُّنْيَا إِلَى الآخِرَة كَنِسْبَةِ ما يَرْجِعُ بِهِ الإِصْبَعُ إِذَا غُمِسَ في البَّحْر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ؛ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ؛ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟"(رواه مسلم).
والدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ فَانِيَةٌ، والآخِرَةُ أَبَدِيَّةٌ بَاقِيَة، وَلَا نِسْبَةَ لِلْمَحْصُوْرِ إِلَى غَيْرِ المَحْصُوْر، (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأبقى)[الأعلى:17].
وَإِيْثَارُ الدُّنْيَا على الآخِرَة دَلِيْلٌ عَلى قِلَّةِ العَقَلِ والتَّدْبِيْر، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الأنعام:32].
وَالمُنَافَسَةُ في الدُّنْيَا قَدْ تَجَرُّ إِلى هَلَاكِ الدِّيْن؛ فَيَبِيْعُ دِيْنَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"(رواه البخاري ومسلم).
وَإِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكَ زَهْرَةُ الدُّنْيَا فَاحْذَرْ مِنْ اِسْتِدْرَاجِهَا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ!"(رواه أحمد وصححه الألباني).
وَالإِغْرَاقُ فِي الدُّنْيَا يَجْعَلُ القَلْبَ عَبْدًا لِهَا، تَعِيْسًا في حَيَاتِه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ"(رواه البخاري).
والكُفَّارُ والفُجَّارُ أَشَدُّ النَّاسِ إِعْجَابًا بِالدُّنْيا؛ لِأَنَّهَا دَارُهُمْ الَّتِي لَهَا يَكْدَحُوْن، وَفِيْهَا يَتَمَتَّعُوْن؛ (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)[الحديد:20]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"(رواه مسلم).
والكَافِرُ يُثَابُ بِعَمَلِهِ في الدُّنْيَا، ولا نَصِيْبَ لَهُ في الآخِرَة، قال تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)[الأحقاف:20].
وَشَهَوَاتُ الدُّنْيَا في القَلْب كَشَهَوَاتِ الأَطْعِمَةِ في المَعِدَة، وَمَا تَؤُوْلُ إِلَيْهِ الدُّنْيا؛ كَمَثَلِ مَا يَصِيْرُ إِلَيْهِ طَعَامُ الإِنْسَان، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مَطْعَمَ ابْنِ آدَمَ، جُعِلَ مَثَلًا لِلدُّنْيَا، وَإِنْ قَزَّحَهُ وَمَلَّحَهُ؛ فَانْظُرُوا إِلَى مَا يَصِيرُ"(رواه أحمد وصححه الألباني) قال بَعْضُ السَّلَف: "انْطَلِقُوا حَتَّى أُرِيْكُمُ الدُّنيا؛ فَيَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى مَزْبَلَةٍ! فَيَقُوْل: اُنْظُرُوا إِلَى ثِمَارِهِمْ وَدَجَاجِهِمْ، وَعَسَلِهِمْ وَسَمْنِهِمْ".
وَإِدْمَانُ النَّظَرِ إِلَى زِيْنَةِ الدُّنْيَا سَبَبٌ لِلْفِتْنَةِ، وَازْدِرَاءِ النِّعْمَة، قال تعالى: (وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)[طـه:131].
والدُّنْيَا أَيَّامٌ قَلائِلُ، وَظِلٍّ زَائِلٍ؛ وأَنْتَ فِيْهَا ضَيْفٌ رَاحِلٌ؛ فَاسْتَيْقِظْ أَيُّهَا الغَافِلُ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا؛ إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا"(رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: الدُّنْيَا لا تُذَمُّ لِذَاتِهَا ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الذَّمُّ إِلَى فِعْلِ العَبْدِ فِيْها؛ فَهِيَ قَنْطَرَةٌ إِلَى دَارِ القَرَار، ومَعْبَرٌ إلى الجَنَّةِ أَوِ النَّار، (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد:20].
فَهَذِهِ حَقِيْقَةُ الدُّنْيَا؛ فَاجْعَلُوْهَا في أَيْدِيْكُمْ لا في قُلُوْبِكُمْ، وَخُذُوْا نَصِيْبَكُمْ مِنْهَا، وَاعْبُرُوْهَا ولا تَعْمُرُوْهَا، فَهِيَ دَارُ مَمَر، لَا دَار مَقَر، جَعَلَهَا اللهُ مَزْرَعَةً لِلْآخِرَة.
وَخِيْرُ عَيْشٍ نَالَهُ أَهْلُ الجَنَّةِ في الجَنَّة؛ إِنَّمَا كَانَ بِمَا زَرَعُوْهُ فِيْ الدُّنْيا؛ فَاغْتَنِمُوْهَا بِجَمْعِ الزَّادِ، لِيَوْمِ المَعَاد! (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر:39].
اللَّهُمَّ لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا.
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات