عناصر الخطبة
1/سمات صاحب الأخلاق الحسنة 2/أهمية التحلي بمكارم الأخلاق 3/فضائل حسن الخلق 4/من أعظم الأخلاق الحسنة وأشدها تأثيرًا 5/أعظم الفضائل وأحسن المكاسب.اقتباس
فتأمل كيف قرن في دعائه بين طلب مغفرة الذنوب، وهو أعظم مطلوب للعبد، وبين طلب هدايته لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وصرفِه عَنْ سَيِّئهَا، وهذا من أظهر الأدلة على تأكد حسن الخلق، ووجوب السعي الحثيث إلى اكتسابه، واجتناب واجتثاث سيّئه.
منزلة الأخلاق الحسنة وصاحبها عند الله
الخطبةُ الأولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنَّ صاحب الْخلق الحسن: أكمل المؤمنين إيماناً، وهو من أحَبِّ الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقربهم منه مجلساً يوم القيامة؛ قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنَكم أخلاقًا".
ويُدرك بأخلاقه العظيمة وحِلْمه الواسع درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر؛ قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجةَ الصائم القائم".
والأخلاق الحسنة أثقل في الميزان من نوافلِ الصلاة والصيام والقيام؛ قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيءٍ أثقلُ في الميزان مِن حُسن الخلق".
والرحمةُ والرفق واللينُ في التعامل من أعظم أساسيَّاتِ الأخلاق، وهي من أهمّ أسباب الألفة والمحبة بين الناس، قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"(رواه مسلم).
فالرفق في كلِّ شيءٍ يَزينُه ويُصلحه، حتَّى في حال الغضب والعتاب، واللومِ والعقاب، وهذا يدل على أنه من أفضل ما تحلَّى به العبد، واسْتعمله في أموره كلِّها.
والرِّفق: لين الجانب بالقول والفعل، والأَخذُ بالأَسهل، وهو ضد العنف والشدة والقسوة، فصاحب الرفق يُدرك حاجته أَو بعضها، وصاحب العنف لا يدركها، وإِن أَدركها فبمشقة، وحريٌّ ألا تتم.
والرحمة والرأفة لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا يهنأ عيش الناس بدونها، وهي الفطرة التي فطر الله -تعالى- الناسَ عليها.
وهناك أمور كثيرة يراها الناس من أعظم الفضائل، وأحسن المكاسب، كالمال، والمنصب، والجاه، وأحسنها وأكملها عند العقلاء -بعد الدين- مكارم الأخلاق.
وصدق القائل:
لو أنَّني خُيِّرت كلَّ فضيلة *** ما اخترت غير مكارم الأخلاق
وقد زكَّى الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]، ومع ذلك لم يكتفِ -صلى الله عليه وسلم- بهذه التزكية الشريفة، بل كان يدعو في قيام الليل كل ليلة ويقول: "اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
فتأمل كيف قرن في دعائه بين طلب مغفرة الذنوب، وهو أعظم مطلوب للعبد، وبين طلب هدايته لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وصرفِه عَنْ سَيِّئهَا، وهذا من أظهر الأدلة على تأكد حسن الخلق، ووجوب السعي الحثيث إلى اكتسابه، واجتناب واجتثاث سيّئه.
وإنما كان يسأله المزيد من حُسْن الخلق لِمَا يعلم من فضله وشرفه، فهو القَائل -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ خياركُمْ أحاسِنُكم أخْلاقًا"، والقائل: "أكْملُ الْمُؤمنينَ إيمانًا أحْسنهمْ خُلُقًا".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فجعَل كمالَ الإيمانِ في كمالِ حُسنِ الخُلُق".
وقال -رحمه الله-: "درجة الحلم، والصبرِ على الأذى، والعفوِ عن الظلم، أفضلُ أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام".
وقال ابن رجب -رحمه الله-: "وحُسن الخُلُق يبلغ به العبد درجات المجتهدين في العبادة".
والخلق الحسن العظيم: صفةُ سيد المرسلين؛ حيث قال الله -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].
وهو شطر الدين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكثر ما يُدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق".
نسأل الله أنْ يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيّئها، إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: إخوة الإيمان: إنّ الأخلاق والآداب والمروءَة وحسن التعامل، تُكْتَسَب كما يُكْتَسَب العلم.
وكلّ من سعى في اكتساب مكارم الأخلاق وهجر سيّئها من مصادرها الصحيحة، وصبر على ذلك، فإنه سيتحقق له ما أراد بمشيئة الله وعونه.
فجاهِد نفسك كثيرًا، وامنعها كثيرًا من رغباتها وأهوائها في الانتقام والتشفي والغضب والبخل والشح، فستجدها تنقاد لك ولو بعد حين.
نسأل الله أنْ يهدينا ويسددنا، وأن يستعملنا في مرضاته ولا يستبدلنا، إنّ ربنا رؤوف رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات