مناقب وفضائل الحسين بن علي رضي الله عنه

أحمد بن عبدالله الحزيمي

2023-08-02 - 1445/01/15
عناصر الخطبة
1/ولادة الحسن رضي الله عنه ونشأته 2/منزلة الحسن والحسين عند جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/منزلة الحسن والحسين عند صحابة رسول الله وخلفائه الراشدين 4/من مآثر وفضائل الحسين رضي الله عنه.

اقتباس

فلا تَسَلْ بعد ذلكَ عَن مَرارةِ الحُزنِ وزَفرَاتِ الأَشجانِ، التي كان يُدَافِعُها ذلكَ القَلبُ البريءُ… لقد سَمِعَ الصحابةُ الكِرامُ نبيَّهُم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يُثنِي الثَّناءَ العَطِرَ، على سِبطَيْهِ الحَسنِ والحسينِ -رضي اللهُ عنه-ما، ورَاقبُوهُ وهو يَنزِلُ مِن على مِنبرِه خوفاً عليهِمَا مِنَ التَّعثُّرِ والسُّقوطِ، رَأوهُ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ، تفرَّدَ سبحانه بصفاتِ الكَمالِ، خَالقِ الجبالِ، ومحصِي الأعمالِ، أَحمدُه جلَّ شأنُه وأشكرُه على نِعمِهِ العظيمةِ ونَسألُه حُسنَ المآلِ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا نِد، تفرَّدَ سبحانه بالعزةِ والجمالِ والجلالِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وحبيبنَا محمداً عبدُ اللهِ ورَسولُه صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تَسلِيماً كثيراً.. أما بعدُ:

 

فهذَا ربُّكم -يا عبادَ اللهِ- يوصيكُم فاسمعوا لوصيةِ ربِّكم إذ يقولُ: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).

 

معاشرَ المسلمينَ: في شهرِ شَعبانَ المباركِ، لسنةِ أربعٍ من الهجرةِ النبويةِ الشَّريفةِ، ها هو رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينةِ المنوَّرةِ، يجرُّ إزارَهُ مُسرِعاً نحوَ بَيتِهِ؛ فقد جَاءتْه البُشرَى لقد وَلدَتْ ابنتُه السيدةُ فاطمةُ بنتُ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طِفلاً… فدخلَ الجدُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها وحَمَلَ الوليدَ المبارَكَ بينَ يَديهِ، ثُمَّ أَتى بتَمرةٍ، فَلاكَهَا برِيقِه الشريفِ، وحنَّك الطفلَ بِهَا، وأذَّنَ في أُذنِه ودَعا لَه، ثمَّ التفتَ إلى ابنِ عَمِّهِ وزَوجِ ابنتِه عَليِّ بنِ أبي طَالبٍ -رضي اللهُ عنه-، وقالَ له: (مَا أَسميْتَه؟)، قال عليٌّ: جَعفراً، فاختار النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهذا المولودِ الجميلِ اسماً لَم يَكن للنَّاسِ بهِ عَهدٌ مِن قَبلُ، فقالَ لعليٍّ: "بلْ سَمِّهِ الحُسَين".

 

ولَمَّا بلغَ الحُسينُ يَومَه السابعَ مِن عُمُرِهِ، عقَّ عنهُ جَدُّه محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّم- بشَاتَيْنِ…

 

نَشأَ الحَسنُ والحُسينُ في بيتِ أَبوَيْهِمَا في المدينةِ المنورةِ، وكانَ النبيُّ محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّهمَا ويأَخذُهُما معه إلى المسجدِ النبوي في أوقاتِ الصلاةِ حينَ يُصلِّي بالنَّاسِ، فكانَ إذَا سجدَ وَثَبَ الحسنُ والحسينُ على ظَهرِهِ؛ فإذا أرادَ أنْ يَرفعَ رَأسَهُ أَخذهُمَا بيدِهِ فوضعهُمَا وَضعاً رَفيقاً. فإذا عادَ عَادَا. حتى إذا صَلَّى صَلاتَه وَضعَ وَاحِداً على فَخِذٍ والآخرَ على الفَخِذِ الأُخرَى، وكان يُركبهُمَا بغلتَه الشَّهبَاءَ؛ أَحدَهُمَا أمَامَه والآخرَ خَلفَه، وكان إذا سَمِعَ الحُسينَ يَبكِي قال لأُمِّه: "أَلَمْ تَعلَمِي أنَّ بُكاءَهُ يُؤذِينِي".

 

أيها المؤمنونَ: وخَطبَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابِهِ يَوماً، فدخلَ الحَسنُ والحُسينُ، عليهِمَا ثَوْبَانِ أَحمرانِ يَعثُرَانِ مِنَ المَشيِ، فلم يَصبِرِ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمامَ هذا المَنظَرِ وهو بَشَرٌ مِنَ البَشَرِ، فقَطعَ خُطبَتَهُ ونَزَلَ مِن فَوقِ مِنبَرِهِ، فأقبلَ نَحوَهما وضَمَّهُمَا إليهِ، فصَعَدَ بهِمَا المِنبَرَ، ثمَّ قالَ: صَدقَ اللهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) ثُمَّ قَال: "نظرتُ إلى هَذَينِ فلَم أَصبِرْ"، ثمَّ شَرَعَ في خُطبتِهِ وأَكملَهَا. رواه أَصحابُ السُّننِ.

 

بل رُبَّما دخلَ الحُسينُ -رضي الله عنه- مَسجدَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فامتَطَى ظهرَ الرَّسولِ -عليهِ السلامُ- وهو سَاجدٌ، فيُطِيلُ هذِه السجدةَ؛ كَراهيةَ أن يُعْجِلَهُ.

 

 أيها المسلمونَ: كانَ الإمامُ الحسينُ -رضي الله عنه- سَيدًا وَسِيمًا جَمِيلاً فَصِيحًا عَالمًا عَاقلاً رَزِينًا مُحتَشِمًا جَوادًا كَرِيمًا كَثِيرَ الخَيرِ دَيِّنًا وَرِعًا كَبيرَ الشَأنِ عَظيمَ القَدرِ، يُشبِهُ بخِلقَتِهِ جَدَّهُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فعن عَليٍّ -رضي اللهُ عنه- أنه قال: الحُسينُ أَشبَهُ برسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مِن صَدرِهِ إِلى قَدَمَيْهِ.(رواه أحمدُ والترمذيُّ).

 

وكانَ عالمًا مُبجَّلاً وسيدًا معظَّمًا محترمًا يُجلُّه الناسُ وكُبراءُ أَصحابِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعرفون ما للحُسينِ مِن قَدرٍ ومَقامٍ.

كيفَ لا؟! وهُو كَريمُ الأصلِ شَريفُ النَّسبِ ذَا مَرتبةٍ عَاليةٍ ورِفعةٍ بالغةٍ، تَعلَّمَ وسَمِعَ مِن جَدِّهِ الرسولِ -عَليهِ الصلاةُ والسَّلامُ-.

 

نَعم.. إنه سَيدُنا وابنُ نَبيِّنا، نُحبُّهُ ونَتولاَّهُ، ونَعتَقِدُ أنَّ حُبَّه -رضي اللهُ عنه- وعَن أبيهِ- مِن أَوثَقِ عُرَى الإيمانِ، وأَعظمِ مَا يُتقَرَّبُ به إلى الرَّحمنِ، مِصدَاقاً لقولِ جَدِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المَرءُ مَع مَن أَحبَّ"(متفقٌ عليه).

 

وأنَّه مَن أَحبَّه فقد أَحبَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومَن أَبغضَهُ فقد أَبغضَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ"، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا"، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(أخرجَ الثلاثةَ الترمذيُّ وقالَ: حديثٌ حَسنٌ)، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا"(أخرجهُ البخاريُّ).

 

أيها الإخوةُ: وقبلَ أَن يُفارِقَ النبيُّ -صلوات اللهُ عليهِ- هذه الدنيا بلحَظاتٍ يسيراتٍ، لَم يَنْسَ أن يودِّعَ الحسينَ وأخاه الحسنَ -رضي اللهُ عنهما- بقُبُلاتٍ حَارَّاتٍ، ثم أَوصَى بِهمَا خَيراً.. تَألَّم الحُسينُ -رضي اللهُ عنه- وهو في رَبيعِهِ السَّادسِ لوفاةِ جَدِّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحَزِنَ عليهِ حُزناً شديداً؛ فقد كانَ الجَدُّ في حَياتِهِ والداً رحيماً، ومُربِّياً عَظيماً، ولَم يَمْضِ مِنَ الأيامِ سِتةُ أَشهُرٍ إلاَّ والأحزانُ تَتجدَّدُ في قلبِ ذلكَ الصبيِّ الصَّغِيرِ، لقد فُجِعَ بفاجِعةٍ عَظيمةٍ؛ تُوفِّيتْ أمُّه فَاطمةُ الزَّهراءُ سَيدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ -رضي اللهُ عنها- وأرضَاها.

فلا تَسَلْ بعد ذلكَ عَن مَرارةِ الحُزنِ وزَفرَاتِ الأَشجانِ، التي كان يُدَافِعُها ذلكَ القَلبُ البريءُ… لقد سَمِعَ الصحابةُ الكِرامُ نبيَّهُم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يُثنِي الثَّناءَ العَطِرَ، على سِبطَيْهِ الحَسنِ والحسينِ -رضي اللهُ عنه-ما، ورَاقبُوهُ وهو يَنزِلُ مِن على مِنبرِه خوفاً عليهِمَا مِنَ التَّعثُّرِ والسُّقوطِ، رَأوهُ وهوَ يَحنُو عَليهِمَا، ويُظلِّلُهُمَا بعطفِه الأَبويِّ، فماذَا تُرَاهُم سَيفعلونَ معَ الحسنِ والحسينِ -رضي الله عنهما-.

 

نعم يا عبادَ اللهِ: لقَد عَاشَ الحُسينُ -رضي اللهُ عنه- معَ أَخيهِ الحَسنِ بعدَ وَفاةِ الجدِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياةَ الحُبِّ والإكرامِ وَاقعاً محسوساً، فكانَ الأصحابُ -رضي اللهُ عنهم-، يُكرِمُونَهُ إكراماً للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويحبونَه محبةً للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.. كيفَ لاَ؟! وقد كانَ أَشبهَ النَّاسِ بالحبيبِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد كانَ مُحَيَّاه يُذِّكِّرُ الأصحابَ بمحمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

لقَد وَفَّى الصدِّيقُ -رضي اللهُ عنه- بصاحبِهِ في الغَارِ، فكانَ أبو بَكرٍ وهو ابنُ السِّتينَ عَاماً، يَعطِفُ ويحنُو على الحسينِ الشيءَ الكثيرَ؛ كان إذا رَآهُ يُقْبِل عليهِ ويَبُشُّ له، كانَ رضي الله عنه يقولُ للناسِ: ارقُبُوا محمداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آلِ بَيتِهِ. أَي ارْعَوْهُ واحترِمُوهُ وأَكرِمُوهُ.

 

أيها المسلمونَ: أمَّا الفاروقُ عُمرُ بنُ الخطَّابِ -رضي اللهُ عنه- فقدْ كانَ يُجِلُّ الحسينَ ويُوقِّرُهُ ويُحبُّه.. كيفَ لاَ؟! والحسينُ صِهْرُ الفاروقِ -رضي اللهُ عنهم-؟! فقد تزوَّج عمرُ أختَ الحسينِ، أمَّ كُلثُومٍ بنتِ عليٍّ -رضي اللهُ عنهم-.

 

ولما أَنشَأَ عمرُ -رضي اللهُ عنه- الدِّيوانَ، كان يَفرِضُ للحسنِ والحسينِ العطايا كمَا يَفرِضُ لأَهلِ بَدرٍ؛ محبةً وإكراماً للسِّبْطَينِ الجليلينِ.. وذَاتَ يَومٍ كسَا عمرُ بنُ الخطابِ -رضي اللهُ عنه- أبناءَ الصحابةِ ولم يكن في ذلكَ مَا يَصلُحُ للحسنِ والحسينِ، فبعثَ إلى اليمنِ فأتَى بكِسوَةٍ لهُمَا ثم قالَ: الآنَ طَابتْ نَفسِي.

 

عبادَ اللهِ: فَتحَ المسلمونَ بِلادَ الفُرسِ، وجِيء ببنتِ يَزْدَجِرْد (كسرَى أنوشروان) ملِكِ الفُرسِ إلى عُمرَ -رضي اللهُ عنه- وكانتْ مِن أَجملِ النِّساءِ، فلم يَستأثِرهَا عُمرُ لنفسِه ولا لذُريَّتِه وأَقارِبِه، وإنما أَهدَاهَا إلى أحبِّ الناسِ إليهِ، أهدَاهَا للحسينِ بنِ عَليٍّ -رضي الله عنهما- فتزوَّجَهَا وأنجَبتْ له عَليَّ بنَ الحُسينِ زَينَ العَابدِينِ، وهو الوحيدُ الذي بَقِيَ مِن نَسلِ الحُسينِ -رضي اللهُ عنهم جميعا-.

 

ثم جاءَ ذُو النورينِ عُثمانُ بنُ عَفَّانٍ -رضي الله عنه- فحَفظَ للحسينِ فَضلَهُ ومَكانَتَه، وكانَ قَريباً مِن قَلبِ عُثمانَ لقَرابتِهِ مِنهُ؛ فقد كان عثمانُ زوجَ خالتَيِ الحسينِ بنِ عَليٍّ: رُقيَّةَ وأمِّ كُلثومٍ؛ بنتيْ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

وقد كانَ الحُسينُ -رضي اللهُ عنه- بطلاً شُجاعاً مجاهداً في سبيلِ اللهِ، حيثُ شاركَ في فتوحاتِ أَفريقيا وخُراسَانَ وطَبرستانَ في عهدِ الخليفةِ الراشدِ عثمانَ بنِ عَفانَ -رضي اللهُ عنه-.

 

وعاشَ الحُسينُ -رضي اللهُ عنه- حياةَ الإكرامِ -أيضاً- في زَمنِ مُعاويةَ -رضي اللهُ عنه-؛ فكانَ مُعاويةُ يَبعثُ للحسنِ والحسينِ مِنَ العطاءِ الشيءَ الكثيرَ، وكانَ للحسينِ شَرَفُ المشاركةِ مع الجيش الذي بعثَه مُعاويةُ لفتْحِ القُسطنطينيةِ، الذين قالَ عنهم النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ"(رواه البخاريُّ).

 

ورَأَى عَمرُو بنُ العاصِ الحسينَ بنَ عليٍّ يمشِي بجوارِ الكَعبةِ، فقالَ: هَذَا أَحَبُّ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ.(رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ).

 

وكانَ -رضي الله عنه- كَثيرَ العبادةِ والطاعةِ، حتى رُويَ أنَّه حجَّ خَمسةً وعشرينَ مرةً ماشياً على قَدَمَيْهِ، وقد شَهدَ بيعةَ أَبيهِ للخلافةِ، وقاتلَ مَعهُ الخَوارجَ، وكانَ في جَيشِه في مَوقعةِ الجَملِ.

 

وكانَ على مَا له مِنَ القدرِ كَثيرَ التواضعِ عَطوفاً على المساكينِ، رُوي عنه أنّه مرَّ في أَحدِ الأيامِ رَاكباً على مساكينَ يَأكلونَ الخُبزَ، فسلَّم عَليهِم، فدعوهُ للطعامِ، فقرَأَ قولَ اللهِ -تعالى-: (لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا)، ثم نَزلَ فَأكلَ مَعهُم، ثم قالَ لهم: "قَد أَجبتُكُم فأَجيبُونِي"، فذهبوا معه إلى مَنزِلِه، حيثُ أَطعمَهُم وكَساهُم، ثمَّ انصرَفُوا.

 

نسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يَجمعَنَا به مع سَيدِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وآلِهِ الطيبينَ الطَّاهرينَ، معَ النَّبيينَ والصدِّيقينَ والشهداءِ والصَّالحينَ، إنه خيرُ مَأمولٍ وأَكرَمُ مَسئولٍ.

 

نفعني اللهُ وإيّاكم بالقرآنِ العظيمِ، وبهديِ سيدِ المرسلينَ، أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكُم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانيةُ:

 

الحمدُ للهِ وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَّ بعدَه، أما بعدُ:

 

أيها الإخوةُ الفضلاءُ.. تأمَّلوا هذا النسبَ الشريفَ: لَمَّا مَرِضَ الحسنُ قُبيلَ وَفاتِه، دَخلَ عليهِ أخوهُ الحُسينُ، -رضي الله عنه- فقال لهَ: يا أبا مُحمدٍ، ما هذا الجَزعُ؟ ما هو إلا أنْ تُفارِقَ رُوحُكَ جَسدَكَ، فتَقدُمُ علَى أَبويكَ عليٍّ وفَاطمةَ، وعلى جَدَّيْكَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وخديجة، وعلى أَعمامِكَ حمزةَ وجَعفرٍ، وعلى أَخوالِكَ القَاسمِ الطَّيبِ ومُطهرٍ وإبراهِيمَ، وعلى خَالاتِك رُقيةَ وأمِّ كُلثومٍ وزَينبَ. فقال الحسن: يا أخي إني أَدخُلُ في أَمرٍ مِن أَمرِ اللهِ لم أَدخُلْ في مِثلِه، وأرى خَلقاً مِن خَلقِ اللهِ لَم أَرَ مِثلَهُم قَطُّ، فبكى الحُسينُ.

 

أيها الإخوةُ: وأمَّا عن مَقتلِ الحسينِ وما حصلَ مِن أَحداثٍ مُؤلمةٍ مُحزِنةٍ، فهو حَديثُنا الأسبوعَ القادمَ إن شاء اللهُ.

 

اللهمَّ إنَّا أحببنَا الحسنَ والحسينَ وأمَّهمَا وأبَاهُمَا وعِترَتَهُمَا الصالحةَ؛ لحبِّنا لنبيِّكَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فاجعلْنا يومَ القيامةِ معَ مَن أَحبَبْنا. اللهمَّ ارزقنا حُبَّك وحبَّ نبيِّكَ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحبَّ آلِ بيتِه الطيبينَ الطاهرينَ، وحبَّ أصحابِه الغُرِّ الميَامِينِ، واحشرْنا معهم تحتَ لواءِ سيدِ الأولينَ والآخرينَ، وأدخلْنا الجنةَ معَ الأبرارِ مع النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينِ وحَسُنَ أولئك رفيقاً..

 

اللهم وارضَ عن خلفاءِ نبيِّك الراشدينَ، ذَوِي المقامِ العَلي، والفَخرِ الجَلي، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن جميعِ الصحابةِ والتابعينِ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وعنا معهُم بعفوِكَ وكرمِك وإحسانِك، يا ذَا الجلالِ والإكرامِ.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم اجعلْ كَلِمَتَك هي العُليا إلى يومِ الدِّينِ، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

 

اللهم آمنَّا في أوَطانِنا، ووفِّق ولاةَ أمورِنا لما تحبُّ وترضَى

عباد الله: إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسان....

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life