اقتباس
ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح، ويقولون: مرد ذلك إلى الشرع وحده، وهذا رد فعل مغال لقول البراهمة والمعتزلة: إن العقل يوجب حسن الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب من الأصول الفاسدة على قولهم: أن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل، فإلغاء دور العقل بالمرة أسلم من نسبة القبح إلى الشرع! ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157]..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
فغالب من رأيت من إخواني طلبة العلم ظنه بالأشاعرة أنهم لا يفارقون أهل السنة إلا في مسألة الصفات، وهو على غير الواقع من حالهم، فكانت هذه الكلمات ملخصا لما علمته في هذا الباب، وقد استفدتها من مقالات وأبحاث عدة منتشرة على الشبكة، وبعضها بطولها على الموقع ذاته، وإنما قمت بنوع اختصار لها فحسب، فمن أراد التوسع له أن يرجع لها.
الأول: مصدر التلقي
مصدر التلقي عند الأشاعرة هو العقل، وقد صرح الجويني والرازي والبغدادي والغزالي والآمدي والإيجي وابن فورك والسنوسي وشراح الجوهرة وسائر أئمتهم بتقديم العقل على النقل عند التعارض، وعلى هذا جرى المعاصرون منهم، ومن هؤلاء السابقين من صرح بأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة أصل من أصول الكفر وبعضهم خففها فقال: هو أصل الضلالة!!
- صرح متكلموهم "أن نصوص الكتاب والسنة ظنية الدلالة، ولا تفيد اليقين إلا إذا سلمت من عشرة عوارض. منها: الإضمار والتخصيص والنقل والاشتراك والمجاز... إلخ، وسلمت بعد هذا من المعارض العقلي، بل قالوا: من احتمال المعارض العقلي.
ج- موقفهم من السنة خاصة أنه لا يثبت بها عقيدة، بل المتواتر منها يجب تأويله وآحادها لا يجب الاشتغال بها حتى على سبيل التأويل، حتى إن إمامهم الرازي قطع بأن رواية الصحابة كلهم مظنونة بالنسبة لعدالتهم وحفظهم سواء، وأنه في الصحيحين أحاديث وضعها الزنادقة.. إلى آخر مالا أستجيز نقله لغير المختصين، وهو في كتابه أساس التقديس والأربعين.
الثاني: إثبات وجود الله
معلوم أن مذهب السلف هو أن وجوده تعالى أمر فطري معلوم بالضرورة، والأدلة عليه في الكون والنفس والآثار والآفاق والوحي أجل من الحصر، ففي كل شيء له آية وعليه دليل؛ أما الأشاعرة فعندهم دليل يتيم هو دليل: الحدوث والقدم.
الثالث: التوحيد
التوحيد عند أهل السنة والجماعة معروف بأقسامه الثلاثة، وهو عندهم أول واجب على المكلف.
أما الأشاعرة -قدماؤهم ومعاصروهم- فالتوحيد عندهم هو نفي التثنية أو التعدد، ونفي التبعيض والتركيب والتجزئة.
الرابع: الإيمان
الأشاعرة في الإيمان مرجئة جهمية وتجد في أغلب كتبهم أن الإيمان هو التصديق القلبي.
الخامس: القرآن
فمذهب أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى يتكلم بكلام مسموع تسمعه الملائكة وسمعه جبريل وسمعه موسى عليه السلام ويسمعه الخلائق يوم القيامة.
ومذهب المعتزلة أنه مخلوق.
أما مذهب الأشاعرة فمن منطلق التوفيقية -التي لم يحالفها التوفيق- فرقوا بين المعنى واللفظ.
فالكلام الذي يثبتونه لله تعالى هو معنى أزلي أبدي قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بالخبر ولا الإنشاء.
السادس: القدر
أراد الأشاعرة هنا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية فجاءوا بنظرية الكسب وهي في مآلها جبرية خالصة لأنها تنفي أيَّ قدرة للعبد أو تأثير. أما حقيقتها النظرية الفلسفية فقد عجز الأشاعرة أنفسهم عن فهمها فضلاً عن إفهامها لغيرهم ولهذا قيل:
مما يقال ولا حقيقة تحته *** معقولة تدنو إلى الأفهام
الكسب عند الأشعري والحال *** عند البـهشمي وطفرة النظام.
السابع: السببية وأفعال المخلوقات
ينكر الأشاعرة الربط العادي بإطلاق، وأن يكون شيءٌ يؤثر في شيء، وأنكروا كل "باء سببية" في القرآن، وكفروا وبدعوا من خالفهم. ومأخذهم فيها هو مأخذهم في القدر، فمثلاً عندهم من قال: إن النار تحرق بطبعها أو هي علة الإحراق فهو كافر مشرك؛ لأنه لا فاعل عندهم إلا الله مطلقاً، حتى إن أحد نحاة الأندلس من دولة الموحدين التومرتية الأشعرية هدم [نظرية العامل] عند النحاة مدعياً أن الفاعل هو الله!!
الثامن: الحكمة والغائية
ينفي الأشاعرة أن يكون لشيء من أفعال الله تعالى علة مشتملة على حكمة تقضي إيجاد ذلك الفعل أو عدمه، وهذا نص كلامهم تقريباً، وهو رد فعل لقول المعتزلة بالوجوب على الله؛ حتى أنكر الأشاعرة كل لام تعليل في القرآن، وقالوا: إن كونه يفعل شيئاً لعلة ينافي كونه مختاراً مريداً. وجوزوا بذلك أن يدخل الملائكة والنبيين النار، وأن يدخل إبليس والمجرمين الجنة، وهذا لازم قولهم، إلا من التزمه منهم.
التاسع: التحسين والتقبيح
ينكر الأشاعرة أن يكون للعقل والفطرة أي دور في الحكم على الأشياء بالحسن والقبح، ويقولون: مرد ذلك إلى الشرع وحده، وهذا رد فعل مغال لقول البراهمة والمعتزلة: إن العقل يوجب حسن الحسن وقبح القبيح، وهو مع منافاته للنصوص مكابرة للعقول، ومما يترتب من الأصول الفاسدة على قولهم: أن الشرع قد يأتي بما هو قبيح في العقل، فإلغاء دور العقل بالمرة أسلم من نسبة القبح إلى الشرع! ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157].
بل الصواب: أن العقل قد يدرك حسن او قبح الشيء قبل ورود الشرع، وإنما ترتب الثواب والعقاب فهو مرده للشرع.
العاشر: التأويل
وهو أصل منهجي من أصول الأشاعرة، وليس هو خاصاً بمبحث الصفات بل يشمل أكثر نصوص الإيمان خاصة ما يتعلق بإثبات زيادته ونقصانه وتسمية بعض شعبه إيماناً ونحوها، وكذا بعض نصوص الوعد والوعيد وقصص الأنبياء خصوصاً موضوع العصمة، وبعض الأوامر التكليفية أيضاً.
الحادي عشر: السمعيات
يقسم الأشاعرة أصول العقيدة بحسب مصدر التلقي إلى ثلاثة أقسام:
1.قسم مصدره العقل وحده وهو معظم الأبواب ومنه باب الصفات ولهذا يسمون الصفات السبع "عقلية" وهذا القسم هو "ما يحكم العقل بوجوبه"، دون توقف على الوحي عندهم.
2.قسم مصدره العقل والنقل معاً كالرؤية -على خلاف بينهم فيها- وهذا القسم هو"ما يحكم العقل بجوازه" استقلالاً أو بمعاضدة الوحي.
3.قسم مصدره النقل وحده وهو السمعيات أي المغيبات من أمور الآخرة كعذاب القبر والصراط والميزان وهو عندهم: ما لا يحكم العقل باستحالته لكن لو لم يرد به الوحي لم يستطع العقل إدراكه منفرداً، ويدخلون فيه التحسين والتقبيح والتحليل والتحريم.
والحاصل أنهم في صفات الله جعلوا العقل حاكماً، وفي إثبات الآخرة جعلوا العقل عاطلاً وفي الرؤية جعلوه مساوياً.
الثاني عشر: الصفات
والحديث عنها يطول، وتناقضهم وتحكمهم فيها أشهر وأكثر، وكل مذهبهم في الصفات مركب من بدع سابقة، وأضافوا إليه بدعاً أحدثوها فأصبح غاية للتلفيق المتنافر.
للمزيد:
الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم.
موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود.
التعليقات