مفاتيح الأمل والسعادة

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/قصة مؤثرة لمريضين في أحد المستشفيات 2/إسعاد الآخرين من أعلى مقامات العبادة 3/حال الأنبياء مع أقوامهم وفتحهم باب الأمل والسعادة 4/دور أتباع الأنبياء في نشر الأمل والسَّعادة 5/سهر وتعب الآباء والأمهات في سبيل راحة الأبناء

اقتباس

كَانَ الْرَّجُلُ يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَدِيْقَةِ: هُنَاكَ بُحَيْرَةٌ كَبِيْرَةٌ يَسْبَحُ فِيْهَا الْبَطُّ، وَالْأَوْلَادُ قَدْ صَنَعُوَا زَوَارِقَ مِن مَوَادٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَخَذُوا يَلْعَبُوْنَ فِيْهَا دَاخِلَ الْمَاءِ، وَهُنَاكَ رَجُلٌ يُؤَجِّرُ الْمَرَاكِبَ الْصَّغِيْرَةَ لِلْنَّاسِ، فَيُبْحِرُونَ بِهَا فِي الْبُحَيْرَةِ، وَالْنِّسَاءُ قَد أَدْخَلَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ ذِرَاعَهَا فِي ذِرَاعِ زَوْجَهَا، وَالْجَمِيْعُ يَتَمَشَّى حَوْلَ حَافَةِ الْبُحَيْرَةِ، وَآَخَرُونَ جَلَسُوْا فِي ظِلَالِ الْأَشْجَار،ِ وَبِجَانِبِ الْزُّهُوْرِ ذَاتِ الْأَلْوَانِ الْجَذَّابَةِ، وَمَنْظَرُ الْسَّمَاءِ كَانَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ لا عِزَّ إلا بطاعتِه، ولا سَعادةَ إلا بتقواهُ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، لا ربَّ لنا سِواهُ، ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه ومُصطفاهُ، وخليلُهُ ومُجتباهُ، اللهم صلِّ وسلِّم وباركْ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ إلى يومِ أنْ نلقاهُ.

 

أمَّا بَعدُ: أُوصيكم ونفسِي بِتقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فلا سعادةَ ولا فَوزَ ولا نَجاةَ إلاّ بإتِّباعِ هُداهُ، قالَ تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

فِي أَحَدِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ كَانَ هُنَاكَ مَرِيِضَانِ فِي غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ! كِلَاهُمَا مُصَابٌ بِمَرَضٍ عُضَالٍ! أَحَدُهُمَا: كَانَ مَسْمُوحٌ لَه بِالَجِلُوْسِ فِي سَرِيْرِه لِمُدَّةِ سَاعَةٍ يَوْمِيَّاً بَعْدَ الْعَصْرِ. أَمَّا الْأَخَرُ فَكَانَ مُجْبِرَاً عَلَى الْتَّمَدُّدِ طِيْلَةَ أَيَّامِهِ، وَلِحُسْنِ حَظِ الْمَسْمُوْحُ لَه بِالَجِلُوْسِ، فَقَد كَانَ سَرِيْرُه بِجَانِبِ الْنَّافِذَةِ الْوَحِيدَةِ فِي الْغُرْفَةِ.

 

كَانَ الْمَرِيَضَانِ يَقْضِيَانِ وَقْتَهِمَا فِي الْكَلَامِ دُوْنَ أَن يَرَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ لِأَنَّ كَلَّا مِنْهُمَا كَانَ مُسْتَلْقِيا عَلَى ظَهْرِه نَاظِرَاً إِلَى الْسَّقْفِ، وَفِي كُلِّ يَوْم ٍبَعْدَ الْعَصْرِ كَانَ الْأَوَّلُ يَجْلِسُ فِي سَرِيْرِهِ كَمَا أَمَرَ الْطَّبِيْبُ، فَيَنْظُرُ فِي الْنَّافِذَةِ، وَاصِفَا لِصَاحِبِهِ الْعَالَمَ الْخَارِجِيَّ، وَكَانَ الْآَخَرُ يَنْتَظِرُ هَذِهِ الْسَّاعَةَ كَمَا يَنْتَظِرُهَا الْأَوَّلُ، لِأَنَّهَا تَجْعَلُ حَيَاتَه مُفْعَمَةً بِالْحَيَوِيَّةِ وَهُو يَسْتَمِعُ لِوَصْفِ صَاحِبِه لِلْحَيَاةِ فِي الْخَارِجِ.

 

كَانَ الْرَّجُلُ يَقُوْلُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَدِيْقَةِ: هُنَاكَ بُحَيْرَةٌ كَبِيْرَةٌ يَسْبَحُ فِيْهَا الْبَطُّ، وَالْأَوْلَادُ قَدْ صَنَعُوَا زَوَارِقَ مِن مَوَادٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَخَذُوا يَلْعَبُوْنَ فِيْهَا دَاخِلَ الْمَاءِ، وَهُنَاكَ رَجُلٌ يُؤَجِّرُ الْمَرَاكِبَ الْصَّغِيْرَةَ لِلْنَّاسِ، فَيُبْحِرُونَ بِهَا فِي الْبُحَيْرَةِ، وَالْنِّسَاءُ قَد أَدْخَلَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ ذِرَاعَهَا فِي ذِرَاعِ زَوْجَهَا، وَالْجَمِيْعُ يَتَمَشَّى حَوْلَ حَافَةِ الْبُحَيْرَةِ، وَآَخَرُونَ جَلَسُوْا فِي ظِلَالِ الْأَشْجَارِ وَبِجَانِبِ الْزُّهُوْرِ ذَاتِ الْأَلْوَانِ الْجَذَّابَةِ، وَمَنْظَرُ الْسَّمَاءِ كَانَ بَدِيْعَاً يَسُرُّ الْنَّاظِرِيْنَ.

 

وَفِيْمَا يَقُوْمُ الْأَوَّلُ بِعَمَلِيَّةِ الْوَصْفِ يُنْصِتُ الْآَخَرُ فِي ذُهُوْلٍ لِهَذَا الْوَصْفِ الْدَّقِيْقِ الْرَّائِعِ، ثُمَّ يُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَبْدَأُ فِي تَصَوُّرِ ذَلِك الْمَنْظَرِ الْبَدِيْعِ لِلْحَيَاةِ خَارِجِ الْمُسْتَشْفَى، وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ وَصْفَ لَه عَرْضَاً عَسْكَرِيَّاً، وَرَغْمَ أَنَّه لَم يَسْمَعْ ضَرْبَ الأَقْدَامِ وَأَهَازِيجَ الجُنُودِ، إِلَا أَنَّه كَانَ يَرَاهَا بِعَيْنَي عَقْلِهِ مِن خِلَالِ وَصْفِ صَاحِبِه لَهَا.

 

وَمَرَّتْ الْأَيَّامُ وَالْأَسَابِيعُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَعِيْدٌ بِصَاحِبِهِ، وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، جَاءَتْ الْمُمَرِضَةٌ صَبَاحَاً لِخِدْمَتِهِمَا كَعَادَتِهَا، فَوَجَدَتْ الْمَرِيضَ الَّذِي بِجَانِبِ الْنَّافِذَةِ قَد قَضَى نَحْبَهُ خِلَالَ الْلَّيْلِ، وَلَم يَعْلَم الْآَخَرُ بِوَفَاتِه إِلَا مِن خِلَالِ حَدِيثِ الْمُمَرِضَةِ عَبْرَ الْهَاتِفِ وَهِي تَطْلُبُ الْمُسَاعَدَةَ لِإِخْرَاجِهِ مِن الْغُرْفَةِ، فَحَزِنَ عَلَى صَاحِبِه أَشَدَّ الْحُزْنِ، وَعِنْدَمَا وَجَدَ الْفُرْصَةَ مُنَاسِبَةً طَلَبَ مِن الْمُمَرِضَةِ أَن تَنْقُلَ سَرِيرَهُ إِلَى جَانِبِ الْنَّافِذَةِ، وَلَم يَكُنْ
هُنَاكَ مَانِعٌ فَأُجِيبَ طَلَبُهُ، وَلَمَّا حَانَتِ سَاعَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ تَذَكَّرَ الْحَدِيثَ الْشَّيِّقَ الَّذِي كَانَ يُتْحِفَهُ بِه صَاحِبُه، وَطَلَبَ مِن الْطَّبِيبِ أَن يَسْمَحَ لَه بِأَن يَنْهَضَ مَرَّةً وَاحِدَةً كُلَّ يَوْمٍ لِيَنْظُرَ مَن الْنَّافِذَةِ، فَوَافَقَ لَه تَعَاطُفَاً مَعَه.

 

عِنْدَمَا جَاءَتْ الْسَّاعَةُ تَحَامَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَهُو يَتَأَلَّمُ وَرَفَعَ رَأْسَهُ رُوَيْدَاً رُوَيْدَاً مُسْتَعِينَاً بِذِرَاعَيْهِ، ثُم اتَّكَأَ عَلَى أَحَدِ مِرْفَقَيْهِ وَأَدَارَ وَجْهَه بِبُطْءٍ شَدِيدٍ تُجَاهَ الْنَّافِذَةِ لِيَنْظُرَ الْعَالَمَ الْخَارِجِيَّ، وَهُنَا كَانَت الْمُفَاجَأَةُ: حَيْثُ لَم يَرَ أَمَامَه إِلَا جِدَارَاً أَصَمَّاً مِن جُدْرَانِ الْمُسْتَشْفَى، فَقَد كَانَتْ الْنَّافِذَةُ عَلَى سَاحَةٍ دَاخِلِيَّةٍ، نَادَى الْمُمَرِضَةَ وَسَأَلَهَا إِن كَانَت هَذِه هِي الْنَّافِذَةُ الَّتِي كَانَ صَاحِبُهُ يَنْظُرُ مِن خِلَالِهَا، فَأَجَابَت: إِنَّهَا هِي، وَقَالَتْ لَه: إِنَّ الْغُرْفَةَ لَيْسَ فِيْهَا سِوَى نَافِذَةً وَاحِدَةً، ثُم سَأَلَتْهُ عَن سَبَبِ تعَجُّبِه؟ فَقَصَّ عَليهَا مَا كَانَ يَرَى صَاحِبُه عَبْرَ الْنَّافَذَةِ وَمَا كَانَ يَصِفُه لَهُ، كَانَ تَعَجُّبُ الْمُمَرِضَةِ أَكْبَرَ، إِذ قَالَتْ لَه: وَلَكِنَّ الْمُتَوَفَّى كَانَ أَعْمَى، وَلَم يَكُنْ يَرَى حَتَّى هَذَا الْجِدَارَ الْأَصَمَّ، ثُمَّ قَالَتْ له: لَكِنَّه قَدْ يَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَجْعلَ حَيَاتَكَ سَعِيْدَةً، وَحَتَّى لَا تُصَابَ بِالْيَأْسِ فَتَتَمَنَّى الْمَوْتَ.

 

أيُّها الأحبَّةُ: هناكَ صِنفٌ من النَّاسِ يرونَ أنَّ أعظمَ مقاماتِ العبادة: أن يكونوا مفاتيحَ للأملِ والسَّعادةِ، سعادَتُهم أن يروا النَّاسَ سُعداءَ، وحياتُهم في المُساعدةِ والخيرِ والعطاءِ، يواسونَ النَّاسَ بجاهِهم ومالِهم بل وابتسامتِهم، وتسمعُ التَّفاؤلَ والأملَ والحبَّ في كلماتِهم، يفرحونَ إذا رأوا ابتسامةَ المحزونينَ، ويسعدونَ إذا سمعوا رجاءَ البائسينَ، يفعلونَ ذلكَ رغبةً وحُبَّاً وسُروراً، حتى ولو وجدوا من النَّاسِ صَدَّاً وإعراضاً وشُروراً، وشعارُهم: إنما نُسعدُكم لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا.

 

وتأملوا في حالِ الأنبياءِ مع أقوامِهم وما يجدونَه مِنهم من الأذى والاستهزاءِ، وهم يُريدونَ لهم السَّعادةَ في الدُّنيا وفي دارِ البَقاءِ، ولِسانُ حالِهم: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)[هود: 3].

 

واسمعوا إلى هذا الموقفِ والمُسلمونَ في قمَّةِ البلاءِ كيفَ يبقى مفتاحُ الأملِ والسَّعادةِ بيدِ الأنبياءِ: في غزوةِ الخندقِ عندما قَدمَتْ قريشُ وحاصَرتْ المدينةَ بعشرةِ الآفِ مُقاتلِ، في موقفٍ رهيبٍ كما وصفَهُ اللهُ -تعالى- بقولِه: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)[الأحزاب: 10].

 

وكانَ حالُ أهلِ الإيمانِ؛ كما قالَ سُبحانَه: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[الأحزاب: 11] أمرَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بحفرِ الخَنْدَقِ لتحصينِ المدينةِ، فعَرَضَتْ لهم صخرةٌ لا تأخذُ فيها المَعَاوِلُ، فاشتَكَوا ذلك إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فجاءَ فأخذَ المِعْوَلَ، فقالَ: "بسمِ اللهِ"، فضربَ ضربةً فكَسرَ ثُلُثَها، وقال: "اللهُ أكبرُ! أُعْطِيتُ مَفاتيحَ الشامِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصورَها الحُمْرَ السَّاعة، ثم ضَربَ الثانيةَ فقطعَ الثلُثَ فَقالَ: "اللهُ أكبرُ، أُعْطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ"، ثُّمَ ضَربَ الثالثةَ وقَالَ: "بسمِ اللهِ"، فقَطعَ بَقِيَّةَ الحَجَرِ فَقالَ: "اللهُ أكبرُ! أُعْطِيتُ مَفاتيحَ اليَمَنِ، واللهِ إني لَأُبْصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا السَّاعةَ" فأيُّ أملٍّ وسعادةٍ تتوقعونَ قد سَرَتْ في قلوبِ أولئكَ المؤمنينَ المُحاصرينَ؟

 

وهكذا أتباعُ الأنبياءِ في العلمِ والعبادةِ لهم دورٌ عظيمٌ في نشرِ الأملِ والسَّعادةِ، فها هو مؤمنُ آلِ فِرعونَ وهو ينصحُ لقومِه بكلماتِ الصِّدقِ والإخلاصِ التي خلَّدَها اللهُ -تعالى- في كتابِه إلى يومِ القيامةِ، فيقولُ لهم: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ)[غافر: 28]، (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاء)[غافر: 29]، (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ)[غافر: 32]، (يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر: 38]، (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر: 39].

 

ثُمَّ يوضِّحُ لهم إنما أرادَ لهم النَّجاةَ والسَّعادةَ في الدُّنيا والآخرةِ: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ)[غافر: 41].

 

أنا مسلمٌ أَسعى لإنقاذِ الوَرى *** للنُّورِ للإيمانِ للإسعادِ

 

أقولُ ما تسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ وخطيئَةٍ، فاستغفِروه إنَّه كانَ للأوَّابينَ غَفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ العَليمِ الخَبيرِ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَليُّ الكَبِيرُ، ونَشهَدُ أنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ والسِّرَاجُ المُنِيرُ، اللَّهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَارِك عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهجِهم إلى يَومِ المَصيرِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: من مفاتيحِ السَّعادةِ والأملِ في حياتِنا هو ما رأيناهُ من آبائنا وأُمَّهاتِنا يتعبونَ لنرتاحَ، ويسهرونَ لننامَ، ويجمعونَ لنصرفَ، ويذبِلونَ لنحيا، يُخفونَ آثارَ تجاعيدِ الزَّمانِ، وما كانَ من أيامِ الفقرِ والحرمانِ، ويكتمونَ الهمَّ والأحزانَ، لنَشعرَ بالدِّفءِ والأمانِ، أمنيتُهم أن يروا أبناءَهم في خيرٍ وصلاحٍ، ويدعونَ لهم بكلِّ فوزٍ ونجاحٍ، سعادتُهم عندما يرونَ إشراقةَ ابتسامَتِنا، وعندما يسمعونَ جميلَ أُمنياتِنا، كأنَّهم خُلقوا لأجلِ راحتِنا وسعادتِنا، فلا نملكُ إلا أن نُردِّدَ ما علَّمنا ربُّنا ليلاً ونهاراً: (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].

 

فكنْ -أيُّها الحبيبُ- مفتاحَ أملٍ وسعادةٍ واطمئنانٍ، فالصُّدورُ يكفي ما فيها من الهمومِ والأحزانِ، فلا تزيدُ همَّ النَّاسِ همَّاً، ولا تُضاعفُ غمَّهم غمَّاً، بل بكلمةٍ طيِّبةٍ، وابتسامةٍ مُشرقةٍ، وأملٍّ بديعٍ، وحُسنِ صَنيعٍ، واسمع وتأملْ هذا الحديثَ العظيمَ: "أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ".

 

وأفضَلُ الناس ِما بين الوَرَى رَجُلٌ *** تُقْضَى على يَدهِ للنَّاس ِحَاجَاتُ

لا تَمنعَـنَّ يدَ المعــروفِ عن أَحــَدٍ *** ما دُمـْتَ مُـقْتَدِرًا فالسَّــعْـدُ تاراتُ

واشْكُرْ فَضَائِلَ صُنعِ اللهِ إذْ جَعَلَتْ *** إليكَ، لا لكَ، عِـنْدَ النَّاسِ ِحاجَاتُ

قد ماتَ قـومٌ ومَا مَاتَتْ مـكارِمُهم *** وعَاشَ قومٌ وهُم فِي النَّاس ِأمْواتُ

 

اللهمَّ اجعلنا من مفاتيحِ الخيرِ مغاليقِ الشَّرِّ.

 

اللهمَّ إنا نسألُك الأمنَ في البلادِ، والنَّجاةَ يومَ المَعادِ، آمنا في الأوطانِ والدُّورِ، وأصلحْ الأئمةَ وولاةَ الأمورِ.

 

اللهم من أرادَ الإخلالَ بأمنِ هذه البلادِ فأذقهُ العذابَ في الدُّنيا قبلَ الآخرةِ، اللهمَّ من أرادَ بلدَك هذا بسوءٍ فأشغله في نفسِه، واجعلْ كيدَه في نحرِه، اللهمَّ من أرادَ أمنَنا وإيماننَا بسوءٍ، اللهمَّ إنا نسألُكَ أن تحولَ بينَه وبين ما أرادَ، وأن تردَّه على عقبيه خَاسراً يا ربَّ العالمينَ، انصر الإسلامَ والمسلمينَ، واحم حوزةَ الدِّينِ، وأقم لواءَ السُّنةِ في العَالمينَ.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وسَلامٌ على المرسلينَ * والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ)[الصافات: 180-182].

 

المرفقات
مفاتيح-الأمل-والسعادة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life