إن شهر رمضان قد عزم على الرحيل فمن كان منكم أحسن فعليه بالتمام، ومن كان منكم فرّط فيه فليختمه بالحسنى، فالعمل بالخِتام، وبادروا رحمكم الله أوقات شهركم الباقية واستدركوا ما مضى منه بالحسرة والندم واختموه بالتوبة النصوح والرجوع إلى صالح العمل.
1- فوات الدّين أعظم من فوات الدّنيا
خلق الله الإنسان ضعيفاً، وسلط عليه الشيطان فتنة، فلا إنسان إلا ويفوته من فعل الخيرات أمور كثيرة، بل قد يقع في المنكرات قلَّت أو كثرت، لكن السلف كانوا يستدركون ذلك، ويبحثون عن خير القربات للتعويض، ولا ييأسون لكبر عمر أو ضعف جسم أو قلة ذات اليد.
ومن نظر في دينه إلى من هو دونه ونظر في دنياه إلى من هو فوقه فأسف على ما فاته منه، لم يكتبه الله شاكراً ولا صابراً، وقد تولى الله علاج الألم النفسي الذي يترتب على الفوات، تولى الله علاج ما حصل من ذلك في نفوس الصحابة في غزوة أحد، فقال الله تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [آل عمران:153].
فقوله تعالى: (فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ) [آل عمران:153] أي: فجزاكم غماً على غم، وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "الغم الأول بسبب الهزيمة، والغم الثاني حين قيل: قتل محمد صلى الله عليه وسلم، كان ذلك عندهم أشد وأعظم من الهزيمة، فإذاً: كان ألماً عظيماً بالهزيمة والقتل والجراح".
لما قيل: قُتل محمد صلى الله عليه وسلم، كان غم غطى على الغم الأول فنسوا الغم الأول، ثم تبين أن محمداً صلى الله عليه وسلم حي، فسروا وكان الغم الأول قد نسي في غمرات الغم الثاني، وهذه حكمة إلهية بديعة قدرها الله تعالى في أحداث هذه الغزوة.
(لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ) [آل عمران:153] أي: على ما فاتكم من الغنيمة، والظفر بعدوكم، ولا ما أصابكم من الجراح والقتل.
إذاً.. فوات الدين في نفوس المؤمنين هو الأعظم، ويحصل الهم لفوات الدنيا لأنهم بشر، فأي إنسان إذا فاته شيء من الدنيا ربما يتألم؛ لكن ينبغي أن يعلم أن فوات الدين أعظم بكثير من فوات الدنيا.
لكلّ شيءٍ إذا ضيّعتَه عوضٌ *** وما من الله إن ضيّعتَه عوض
ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تجعلْ مُصِيبَتَنا في دينِنا ولا تجعلِ الدنيا أكبرَ همِّنا) [ 1 ]
2- استدراك السّلف لبعض الطّاعات الّتي فاتتهم:
كان بعض الصّحابة يفوتهم أشياء لعذرٍ ويتأسفون عليها يريدون التّعويض، ونحن تفوتنا أشياء لغير عذرٍ وربّما لا نحزن ولا نتألّم، ولا نسعى للتّعويض؛
عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ - يَعْنِي أَصْحَابَهُ - وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، - يَعْنِي المُشْرِكِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ»، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ»، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ: " كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}) [الأحزاب:23] [ 2 ]
-بحث الصحابة عن الأجور المضاعفة:
روى عبد الله بن حبشي الخثعمي أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سُئِلَ أيُّ الأعمالِ أفضَلُ ؟ قالَ : إيمانٌ لا شَكَّ فيهِ، وجِهادٌ لا غلولَ فيهِ، وحجَّةٌ مبرورةٌ. قيلَ : فأيُّ الصَّلاةِ أفضلُ؟ قالَ: طولُ القنوتِ. قيلَ فأيُّ الصَّدقةِ أفضلُ؟ قالَ: جُهْدُ المُقِلِّ. قيلَ فأيُّ الهجرةِ أفضلُ؟ قالَ: من هجرَ ما حرَّمَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ. قيلَ فأيُّ الجِهادِ أفضلُ؟ قالَ: من جاهدَ المشرِكينَ بمالِهِ ونفسِهِ. قيلَ: فأيُّ القتلِ أشرفُ؟ قالَ: من أُهَريقَ دمُهُ وعُقِرَ جوادُهُ.) [ 3 ]
3- محاسبة النّفس:
لابد من وقفة محاسبة جادة ننظر فيها ماذا قدمنا في شهرنا من عمل؟ وما هي الفوائد التي استفدناها منه؟ وما هي الأمور التي قصرنا فيها؟ فمن كان محسناً فليحمد الله وليزدد إحسانا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران، ومن كان مقصراً فليتب إلى مولاه قبل حلول الأجل.
تذكر أيها الصائم وأنت تودع شهرك سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين قال عز وجل: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور:44].
والناظرُ في حالِ الناسِ اليوم، يرى رُخص النفوسِ عند أهلِـها، ويرى الخسارةَ في حياتِـها لعدمِ مُحاسبتِها، والذين فقدوا أو تركوا محاسبةَ نفوسِهم سيتحسرون في وقتٍ لا ينفعُ فيه التحسر، يقول جل شأنه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56].
وبتركِ محاسبة النفس تَسلَّطَ الشيطانُ الذي دعا إلى المعصية، وحذّر من الطاعة، وزينَ الباطل، وثبطّ عن العَملِ الصالح وصدّ عنه.
وبتركِ محاسبة النفس تمكنت الغفلةُ من الناسِ، فأصبحَ لهم قلوبٌ لا يفقهونَ بها ولهم أعينٌ لا يبصرونَ بها، ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها، أولئكَ كالأنعامِ بل هم أضل، أولئكَ هم الغافلون.
يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -: "وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواها "
وقالَ رحمه الله في إغاثةِ اللهفان : "وتركُ المحاسبة والاسترسالُ وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُـها، فإنَّ هذا يؤولُ بهِ إلى الهلاكِ، وهذه حالُ أهلِ الغرور، يُغْمضُ عينيهِ عن العواقبِ ويُمَشّي الحال، ويتكلُ على العفو، فيهملُ محاسبة نفسهِ والنظرُ في العاقبة، وإذا فعلَ ذلكَ سَهُلَ عليه مواقعةُ الذنوبِ وأنِسَ بها وعَسُرَ عليه فِطامُها ولو حَضَرَه رُشْدَه لعلِم أنّ الحميةَ أسهلُ من الفِطام وتركُ المألوف والمعتاد".
- وكان الأحنفُ بن قيسٍ يجيءُ إلى المصباحِ فيضعُ إصبَعهُ فيه ثم يقول: يا حُنيف، ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا؟ ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا؟.
4- الاستغفار والتّوبة:
من أعظم نعم الله على عباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذاً آميناً، وملجأً حصيناً، يلجه المذنب، معترفاً بذنبه، مؤملاً في ربه، نادماً على فعله، ليجد في قربه من ربه ما يزيل عنه وحشة الذنب، وينير له ظلام القلب، وتتحول حياته من شقاء المعصية وشؤمها، إلى نور الطاعة وبركتها.
فقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما عظمت ذنوبهم وجلَّت سيئاتهم، وأمرهم بها ورغبهم فيها، ووعدهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات رحمة ولطفاً منه بالعباد.
ورمضان من أعظم مواسم التوبة والمغفرة وتكفير السيئات، ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّلواتُ الخَمسُ والجمُعةُ إلى الجمُعةِ ورمَضانُ إلى رمَضانَ مُكَفِّراتٌ لما بينَهُنَّ إذا اجتُنِبَتِ الكبائرُ) [4] .
كيف وقد جعل الله صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر على وجه الخصوص إيماناً واحتساباً مكفراً لما تقدم من الذنوب؟!
والعبد يجد فيه من العون ما لا يجده في غيره، ففرص الطاعة متوفرة، والقلوب على ربها مقبلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، ودواعي الشر مضيقة، والشياطين مصفدة، وكل ذلك مما يعين المرء على التوبة والرجوع إلى الله.
يا أيها الصائم القائم المحتسب صيامه وقيامه عند الله عز وجل, هنيئاً لك صيامك وقيامك وإخلاصك, ولكن أقول لك: أكثر من الاستغفار في هذه الأيام المتبقية, لأن المُخلِص بحاجة إلى كثرة استغفار, لأن الله عز وجل يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر].
بعد أن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء ما كُلِّف به من أداء الرسالة على أكمل وجه, وطبَّق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67].
أحسَنَ تطبيق, فبلَّغ ما أُنزل إليه من ربه, وحان وقت الرحيل إلى الإله الذي قام بهذا العمل من أجله, فجاء الخطاب من الله لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}, أمره بالتسبيح والاستغفار بعد أداء العبادة على أتمّ وجه مع الإتقان ظاهراً والإخلاص باطناً. تدبَّروا هذا أيها الإخوة.
وقال لنا جميعاً بعد أداء كل طاعة مهما كان نوعها مع إخلاصنا فيها, قال عز وجل: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}[المزمل:20].
وقد كان بعض السلف إذا صلى استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف بمن حسناته كلها سيئات وطاعاته كلها غفلات.
لذلك أيها الصائمون, لنكثر من الاستغفار، لا أقول قبل أن تغرب شمس رمضان, بل قبل أن تغرب شمس عمرنا, ومن منا يدري متى ينتهي أجله؟ والله هو القائل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].
5- العبرة بالخواتيم:
(إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ). [5]
العمر فرصة لا تمنح للإنسان إلا مرة واحدة، فإذا ما ذهبت هذه الفرصة وولت، فهيهات أن تعود مرة أخرى، فاغتنم أيام عمرك قبل فوات الأوان ما دمت في زمن الإمكان،
قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
وتذكر دائماً أن العبرة بالخواتيم، فاجعل ختام شهرك الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة، وقد قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر عمره: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة النصر].
وأمر سبحانه الحجيج بعد قضاء مناسكهم وانتهاء أعمال حجهم بالاستغفار فقال جل وعلا: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ? إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:199].
كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، كما وصف الله عباده المؤمنين بأنهم
{يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى? رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60]،
فهل شغلك أخي الصائم هذا الهاجس وأنت تودع شهرك؟، قال علي رضي الله عنه: "كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]،
وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري! من هذا المقبول منَّا فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك".
عن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل منى مثقال حبة من خردل أحب إلى من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].
عباد الله:
قال ابن كثير رحمه الله: "إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت".
فإن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها. فمن كان مقيماً على طاعة الله عز وجل بدا ذلك عليه في آخر حياته ذكراً وتسبيحاً وتهليلاً وعبادة وشهادة.
فهلموا ننظر كيف كانت ساعة الاحتضار على سلفنا الصالح الذين عاشوا على طاعة الله وماتوا على ذكر الله، يأملون في فضل الله ويرجون رحمة الله، مع ما كانوا عليه من الخير والصلاح.
وهذا عبد الله بن جحش عندما خرج لمعركة أحد دعا الله عز وجل قائلاً: (يا ربِّ يا إذا لقيتُ العدوَّ، فلقِّني رجُلًا شديدًا بأسُهُ شديدًا حردُهُ فأقاتلُهُ فيكَ ويقاتلُني، ثمَّ يأخذُني فيجدَعُ أنفي وأذُني، فإذا لقيتُكَ غدًا قلتَ: يا عبدَ اللَّهِ من جدعَ أنفَكَ وأذنَكَ؟ فأقولُ فيكَ وفي رسولِكَ، فتقولُ: صدقتَ)
وبعد المعركة رآه بعض الصحابة مجدوع الأنف والأذن كما دعا.
ولما احتضر عمر بن عبد العزيز قال لمن حوله: "أخرجوا عني فلا يبق أحد. فخرجوا فقعدوا على الباب فسمعوه يقول: مرحباً بهذه الوجوه، ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قال: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]}، ثم قُبض رحمه الله.
خاتمة:
"يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق. عسى وقفة للوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترفو من الصيام ما تخرق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق عسى من أسير الأوزار يطلق عسى من استوجب النار يعتق عسى وعسى من قبل وقت التفرق إلى كل ما يرجو من الخير تلتقي فيجبر مكسور ويقبل تائب ويعتق خطاء ويسعد من شقى" (لطائف المعارف لابن رجب).
----
1 - الترمذي/3502،وغيره وحسنه الألباني.
2 - رواه البخاريّ/2805.
3 - رواه النسائي/2526 وغيره، وصححه الألباني.
4 - رواه مسلم
5 - البخاري/6607
التعليقات