عناصر الخطبة
1/ شدة الحر والبرد تذكران بِحر جهنم وزمهريرها 2/ اعتبار المؤمن بتقلبات الدنيا 3/ فرح السلف بدخول الشتاء لمزاياه في العبادة 4/ أحكام المسح على الخفين
اهداف الخطبة

اقتباس

ومن مزايا الشتاء أنه يدل على قوة الإيمان لدى أولئك النفر الذين فارقوا فرشهم الدافئة وهبوا للتهجد أو لصلاة الفجر يقاسون البرد الشديد وماء الوضوء الذي يلذع الأطراف؛ فالمؤمن الذي يقاسي البرد ويخرج لصلاة الفجر متلفعًا بأكسيته قد استحق إن شاء الله أن يوصف بالصدق، وأنه لبى نداء ربه، مع كثرة الصوارف والمغريات بتركه ..

 

 

 

 

أما بعد:

أيها الناس: فإن الله تعالى خلق هذه الدار وجعلها دار عمل وسعي وابتلاء، ورتب على عمل أهلها الجزاء، فجعل دارين للجزاء لا تبليان ولا تفنيان: دار السرور والحبور، ودار النار والسعير والزمهرير.

ومن حكمته تبارك وتعالى أن جعل في دار الدنيا ما يذكّر بالآخرة، فجعل سرور العبد وفرحه بنعمة ربه مذكرًا له جنته وفضله، بينما تذكّر أحزانُ الدنيا ضيقَ المقام يوم القيامة، وتذكر نار الدنيا نار الآخرة دار الخزي والندامة، (نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ) [الواقعة:73].

ومما يُذكِّر بالله وبجزائه تعاقب الأزمان، فشدة الحَرِّ والبرد تُذكِّر بما في جنهم من الحر والزمهرير. أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب، أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحرّ من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم".

إن المسلم العاقل هو ذلك الذي جعل من الدنيا عِبَرًا، ومن تقلباتها عظات وفِكَرًا، فلا يكاد يمرّ عليه موقف من مواقف الحياة إلا ربطه بطاعة ربه، وأوجب له محاسبة نفسه، والعمل على إبلاغها غاية ما تستطيعه من الاستعداد ليوم المعاد.

وللمؤمن من دخول الشتاء واشتداد البرد، للمسلم من ذلك فوائد وعبر كثيرة، فكان عليه أن لا يفوته هذا الموسم إلا وقد استفاد مما فيه، وتقرب إلى ربه بما يرضيه.

ولقد كان سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- يفرحون بدخول الشتاء؛ إذ يجدونه مُعينًا لهم على طاعة ربهم؛ إذ إن فيه من المزايا ما ليس في غيره.

فمن ذلك طول ليله بحيث ينامون فيه بُغْيتهم، ثم يقومون لمناجاة ربهم وتهجدهم، قد اطمأنت نفوسهم وأخذت مقدارها من النوم، مع بقاء وقت كاف للتهجد والقيام ومناجاة الحي القيوم.

ومن مزايا هذا الموسم قصر نهاره وبرودته، مما يعين على صيامه، قال الإمام ابن رجب رحمه الله: المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش، فإن نهاره قصير بارد، فلا يحس فيه بمشقة الصيام.

ويروى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: مرحبًا بالشتاء؛ تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام.

وعن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال: يا أهل القرآن! طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصر النهار لصيامكم فصوموا.

ومن مزايا الشتاء أنه يدل على قوة الإيمان لدى أولئك النفر الذين فارقوا فرشهم الدافئة وهبوا للتهجد أو لصلاة الفجر يقاسون البرد الشديد وماء الوضوء الذي يلذع الأطراف؛ فالمؤمن الذي يقاسي البرد ويخرج لصلاة الفجر متلفعًا بأكسيته قد استحق إن شاء الله أن يوصف بالصدق، وأنه لبى نداء ربه، مع كثرة الصوارف والمغريات بتركه.

ومما يعظم أجره ويجزل جزاؤه في هذا الموسم إسباغ الوضوء، فإن النفس تجد من التكاسل عن إسباغ الوضوء أو تجديده من جرَّاء البرد ما لا تجده في غير الشتاء؛ ولذلك رغَّبَ حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- في إسباغ الوضوء وإكمال التطهر ولو عانى المتوضئ من ذلك شدة، أو أحسّ بصعوبة.

ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط".

وفي حديث معاذ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه -يعني في المنام- فقال له: "يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقال: في الدرجات والكفارات. قال: والكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات، ونقل الأقدام إلى الجمعات -وفي رواية: الجماعات-، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، من فعل تلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئة كيوم ولدته أمه" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح.

فيا لها من أجور! ويا لها من درجات عاليات! فالسعيد من شمر وجاهد وسابق إلى فضل الله، والله ذو الفضل العظيم.

إخوة الإسلام، ومما ينبغي أن ننتبه له أن للصدقة في هذا الموسم أهميةً بالغةً، ففيه تعظم الحاجة وتكثر الفاقة، ويشتدّ البؤس؛ وإن بين أظهرنا وفي بلادنا أقواما من المسلمين لا يكادون يتلذذون بنوم، ولا يهنؤون برقاد، وذلك مما يصيبهم من البرد الشديد، حيث لا يجدون ما يلبسون، ولا ما به يكتسون، فيبيتون ليالي شديدة يقاسون فيها البرد والعراء.

ومن أولئك الفقراء كثير من العمال الذين يعملون لدينا ويعيشون قريبًا منا من أصحاب الرواتب الزهيدة، فلا يدري أحدهم هل ينفق راتبه على نفسه أم يبعث به إلى أسرته التي تتقطّع جوعًا وعطشًا وعريًا.

فيا أيها المسلم، أيسرّك أن تنام تحت أطباق الفُرُش هادئًا دافئًا مطمئنًا وأن كثيرًا من إخوانك يعانون ما يعانون؟! إن كان لا يسرك هذا فهب لمساعدتهم ونجدتهم بالفراش والكساء وبما تجود به نفسك.

إن كثيرًا من بيوت المسلمين تمتلك من الفرش المستعملة كمًا كبيرًا، فلماذا تظلّ حبيسة الخزائن والناس في أمَسّ الحاجة إليها؟! (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) [البلد:11-18].

اللهم اجعلنا ممن رحم عبادك ففتحت لهم أبواب رحمتك وجناتك، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبِعون أحسَنَه يا رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

أما بعد: فمن نعم الله تبارك وتعالى وواسع فضله وكرمه أنْ جعل الشريعة الإسلامية شريعة ميسرة لا حرج فيها ولا ضيق، ولا تشديد ولا مشقة، فلم يكلّف عباده ما لا يطيقون، بل شرع ما بوسعهم فعله، وباستطاعتهم إتيانه.

ومع تسهيل الله لهذه الشريعة ورفعه المشقة والحرج فقد جعل لعباده حالات تسهل معها الأوامر، وتكون أكثر تيسيرًا من أصلها الميسَّر، وذلك كحالات السفر والمرض ووجود الحرج، وغير ذلك كثير.

ومن ذلك تيسيره على من لبس الخفاف أو الجوارب بأن يخلعها عند كل صلاة، بل يكتفي بالمسح عليها فتحصل بذلك الطهارة الكاملة فضلاً من الله ونعمة.

وطريقة هذا المسح أن يلبس الإنسان الخفين وهو على طهارة، فإذا مسح عليها لأول مرة بدأت مدة المسح من ذلك الوقت الذي مسح فيه.

مثال ذلك أن يلبسهما في الصباح وهو على طهارة، فإذا جاء وقت الظهر ومسح عليهما بدأ وقت المسح عليهما من أول مسحة، فيستمر يمسح عليهما العصر والمغرب والعشاء والفجر فإذا جاء الظهر من الغد وجب عليه عند إرادة الوضوء خلعهما وغسل رجليه، ثم يلبسهما إن شاء ويفعل كما فعل بالأمس.

وإذا كانت الجوارب مخرقة أو فيها شقوق ولم تكن الشقوق فاحشة بحيث تخرج عن مسمى الجوارب فإنه يحوز المسح عليها؛ وكذلك يجوز المسح على الخفيف من الجوارب.

أيها المسلمون: قد يخفى على الإنسان حكم من الأحكام، أو يعرض له سؤال أو استفتاء، فعليه أن يسارع إلى أهل العلم ويسألهم عما أشكل، فهذا ديننا إن تعلمنا أحكامه وشرائعه سعدنا في الدنيا والآخرة، وإن أهملناه وغفلنا عنه فإن الله غني كريم.

اللهم وفقنا لطاعتك، ودلنا على سبيل مرضاتك، واهدنا صراطك المستقيم.

 

 

 

 

 

 

المرفقات
مع دخول الشتاء.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life