اقتباس
وبمعجزة سماوية انقلب اتجاه الرياح الشديدة ناحية الأسطول الصليبي مما ساعد على إدارة المعركة لصالح الأسطول العثماني، الذي شرعت وحداته الرئيسة في قصف السفن الأوربية بقذائف المدفعية بعيدة المدى، في هذه الأثناء كان طرغوت رئيس قد أتم التفافه حول السفن المعادية، وشرع في دك التحالف الصليبي والتركيز على سفنه الثقيلة التي سادها الاضطراب والفوضى، فراحت تنشد النجاة في محاولة يائسة للفرار، فكان من نتيجة هذا الاشتباك أن تم إغراق عدد كبير منها.
صورة العالم في مطلع القرن العاشر الهجري:
كان عهد السلطان سليمان القانوني يمثل ذروة المجد العثماني، فهو بحق العصر الذهبي للدولة الإسلامية العثمانية، فلقد اتسعت الدولة العثمانية حتى شملت أقاليم في ثلاث قارات عالمية، وفي الوقت الذي كانت أوروبا تعاني فيه من صراعات خطيرة على الصعيد السياسي والديني، فلقد كان هناك صراع كبير بين ملك فرنسا (فرانسوا الأول) والملك (شارلكان) ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وكان البابا (ليو العاشر) منافسًا للراهب الألماني (مارتن لوثر) زعيم الطائفة البروتستانتية، وكانت بلجراد تعاني اضطرابات داخلية بسبب صغر سن ملكها (لويس الثاني) وتنازع الأمراء على الوصاية عليه.
هذا التباين السياسي والديني الكبير فتح المجال على مصراعيه للدولة العثمانية للتمدد الاستراتيجي في فضاءات الخلاف الأوروبي، فشن السلطان سليمان القانوني سلسلة من الغزوات الناجحة في قلب أوروبا، وذلك بداية من سنة 937هـ، فقاد (سليمان القانوني) مائة ألف مقاتل إضافة إلى ثمانمائة سفينة انطلقت من نهر الدانوب وفتح بلاد المجر وعين أمير تراتسلفانيا (جزء من رومانيا اليوم) (جان زابولي) ملكًا على المجر، ثم عاد إلى استانبول، ولكن حدثت اضطرابات بالمجر بتحريض من (شارلكان) فعاد إليها سليمان مرة أخرى وحارب الأمير (فرديناند) المتغلب على حكم المجر، وهو بالمناسبة الأخ الشقيق لشارلكان وانتصر عليه، ففر (فرديناند) واحتمى بأسرة (الهابسبرج) وهي الأسرة الحاكمة بالنمسا.
بين فرانسوا وشارلكان:
الصراع السياسي بين فرانسوا ملك فرنسا والإمبراطور شارلكان الجالس على عرش الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بلغ مستويات خطيرة، بسبب طموحات شارلكان وكراهيته لفرانسوا، فأملاك الإمبراطورية التي يحكمها شارلكان تشمل إسبانيا والبرتغال وهولندا وألمانيا وإمارات جنوة وفلورنسا وجزر صقلية وقبرص ورودس ومالطة وكل الأراضي المنخفضة من قارة أوروبا، وهذا يعني أن أملاك شارلكان تحيط بفرانسوا من كل مكان، وللعلم أيضًا كان شارلكان أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين عامة والعثمانيين خاصة، بل إن عداوة شارلكان فاقت سابقيه ولاحقيه.
ضعف موقف فرانسوا ملك فرنسا وعدم قدرته على مواجهة شارلكان، والمواقف الصعبة التي تعرض لها تبعاً بسبب عدائه لشارلكان، دفعه للتفكير في التحالف مع أكبر دولة موجودة في هذا الزمان، ونعني بها الدولة العثمانية، والتي كانت في حالة عداء تام مع شارلكان وكرسي البابوية لأسباب دينية واضحة، وقد بدأت فكرة الدخول في حلف مع العثمانيين بعد معركة بافيا، والتي أُسر فيها ملك فرنسا فرانسوا الأول من جانب جيوش النمسا، هي معروفة تاريخيًا باسم: مملكة أو عائلة الهابسبرج، وذلك سنة 930هـ، فأسرعت والدة فرانسوا الأول والوصية على العرش، وأوفدت مبعوثًا خاصًا من عندها اسمه جون فرانجيباني إلى الدولة العثمانية، ومعه خطاب منها وخطاب من الملك الأسير، يطلبان فيهما من السلطان سليمان القانوني مهاجمة قوات الهابسبرج لفك أسر فرانسوا. وعلى الرغم من أن فرانسوا قد أطلق سراحه بموجب معاهدة تم عقدها في مدريد بين فرنسا والنمسا سنة 939 هـ، إلا أن فرانسوا صمم أن يمضي قدمًا في سياسته التقاربية مع الدولة العثمانية، فأرسل سكرتيره جان دي لافوريه إلى السلطان سليمان لوضع الخطوط الرئيسة للمعاهدة التي عرفت بمعاهدة الامتيازات العثمانية الفرنسية.
آثار التقارب الفرنسي العثماني:
كانت نتائج سياسة التقارب تلك وما تمخضت عنه من معاهدات أن زاد التعاون بين الأسطولين العثماني والفرنسي، وشن الأسطول العثماني هجمات قوية على شواطئ مملكة نابولي التي كانت تابعة لشارلكان، ثم تجمعت وحدات الأسطول العثماني والفرنسي وهاجمت نسير التابعة لولاية سافوي حليف شارلكان، واستفادت فرنسا من هذا التقارب مع الدولة العثمانية عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وارتفع قدرها وسط الدولة الأوروبية جدًا بفضل حماية العثمانيين لقوافل فرنسا التجارية.
كلّف سليمان القانوني قائد الأسطول العثماني (خير الدين بربروسا) البطل العظيم بالتوجه إلى مدينة (مارسيليا) الفرنسية الساحلية وجعلوها قاعدة انطلاق على إسبانيا وإيطاليا حسب المعاهدة مع فرنسا، وهناك انضم الأسطول الفرنسي مع الأسطول العثماني، وكان أول عمل قام به (خير الدين) أن هاجم مدينة (نيس) وطرد حاكمها (دوق سافوا) وانتزاعها من الحكم الإسباني وإعادتها لملك فرنسا، مما جعل فرانسوا يطير فرحًا ويكافئ (خير الدين) بمنحه ميناء (طولون) ليكون قاعدة خالصة للأساطيل العثمانية المسلمة، وأمر سكان المدينة بمغادرتها وتركها في أيدي المسلمين، واتفق فرانسوا مع خير الدين على أن تكون الضربة القادمة ضد البنادقة في جنوب إيطاليا.
انتفاضة البابويه والنصرانية العالمية:
الحلف الفرنسي العثماني وما نجم عليه من آثار سياسية وعسكرية خطيرة في حوض البحر المتوسط الشمالي أدى إلى ثورة وانتفاضة لدى الصليبية العالمية ممثلة في كرسي البابوية. فقد أصدر البابا بول الثالث قرارات حرمان كنسي لفرانسوا وأسرته - باستثناء ابنه الأكبر الذي رفض التقارب مع العثمانيين - وحلت على فرانسوا اللعنات من كل مكان وزاد الضغط الشعبي والدعائي ضده داخل فرنسا وأوروبا، إذ كيف يحالف المسلمين على بني دينه ويمنحهم بلاده، وكان صوت الآذان المرفوع في جنبات نيس وتولون بعد سيطرة العثمانيين عليها، بمثابة كابوس يومي للفرنسيين والأوروبيين، وتحت الضغوط الداخلية والخارجية، وخوفاً من انقلاب ابنه الأكبر عليه بدعم من البابوية، نقض فرانسوا عهده مع العثمانيين، ووقع معاهدة نيس مع شارلكان في المحرم سنة 945هـ، وبموجبها يتخلى فرانسوا عن حلفه مع العثمانيين، على أن يكف شارلكان عن تهديداته له باحتلال جنوب فرنسا، كما ألزم البابا بول الثالث أمراء البندقية لئن ينقضوا اتفاقياتهم التجارية البحرية مع العثمانيين.
لم يكتف البابا بول الثالث وشارلكان بتخريب الحلف العثماني الفرنسي فحسب، بل قررا أن يأخذا زمام المبادرة في السيطرة على البحر المتوسط الذي كان ميداناً واسعاً للصراع بين العالم الإسلامي ممثلاً في الدولة العثمانية، والعالم النصراني ممثلاً في الدول الأوروبية، حيث كان التفوق البحرية العثمانية واضحاً وظاهراً في ظل وجود قادة وأبطال عظام من عينة خير الدين بربروسا وإخوته عروج وإلياس، ومعهم القباطنة الكبار أمثال طرغوت، وحسن الطواشي والريس صالح وقلج علي وغيرهم، ومن ثم قرر البابا وشارلكان الاعداد لتوجيه ضربة حاسمة للقوة البحرية العثمانية في الأبيض المتوسط. وتم إعداد أسطول بحري ضخم مكون من أساطيل عدة دول مثل: إسبانيا، وألمانيا، والبرتغال، والبندقية، بالإضافة إلى الدول الصغيرة كجنوة، ومالطا، وفلورنسا، ولم يتخلف عن هذا الحلف وإنجلترا التي كانت خارجة عن سلطة البابا بول الثالث، كان هدف شارلكان من هذا التحالف الاستفادة من هذا الأسطول للقضاء على القاعدة العثمانية في الجزائر؛ بينما كانت البندقية تهدف إلى استعادة الجزر التي استولى عليها الأتراك في بحر إيجة، بينما يهدف البابا لضرب القوة الإسلامية عامة. وأطلق على هذا الأسطول الصليبي العرمرم اسم (الرابطة المقدسة).
خير الدين في مواجهة أندريا دوريا:
في هذه الفترة كان (خير الدين) يجهز أسطوله للهجوم على الجزر الإيطالية التابعة للبندقية، وكان من المتوقع أن ينضم إليه الأسطول الفرنسي، ولكنه فوجئ بانسحاب الأسطول الفرنسي، وتواردت الأنباء عن تحرك الأسطول الصليبي الضخم باتجاه جنوب إيطاليا.
وهكذا فقد شهدت منطقة غربي اليونان عند جزيرة بروزة أو بريفيزا سنة 1538م / 945 هـ احتشاد أكبر أسطول أوربي في عرض البحر المتوسط، لم يعرف تاريخ الحروب البحرية له مثيلاً منذ معركة أكسيوم التي قادها ولي عهد إمبراطورية روما أوكتافيانوس ماركوس أنطونيوس ضد أسطول كيلوبترا ملكة مصر الفرعونية والتي وقعت في سواحل اليونان سنة 31 قبل الميلاد.
كانت قيادة هذه الحملة قد أسندت من طرف شارلكان إلى البحار الجنوي الشهير أندريا دوريا؛ على الرغم من اعتراضات البنادقة من هذا الأمر، حيث وضع تحت تصرفه أسطولاً مكونًا من أكثر من 600 قطعة بحرية؛ منها 308 سفينة حربية كبيرة، مزودة بـ2500مدفع؛ أما السفن الباقية فقد كانت سفن حرب ونقل صغيرة. كان الأسطول يحمل على متنه 60,000 جندي من جنسيات وأعراق مختلفة، لا يجمعهم سوى غاية النهب والانتقام، كما كانت المنافسة والحسد على أشدها بين قادة الأسطول الصليبي، ولم يتردد قائد الوحدات البابوية، وقائد الوحدات البندقية في التحالف الصليبي في اتهام أندريا دوريا بعد الهزيمة التي مُنُوا به، بأنه غدر بهم وخانهم. وعلى الرغم من ذلك التنافس والتضاغن، فقد كان قادة الأسطول الصليبي على ثقة تامة من كسب المعركة دون عناء يذكر، وذلك اعتمادًا على التفوق العددي والعسكري الكبير الذي كانوا يتمتعون به، حتى إنهم قاموا باقتسام ممتلكات الدولة العثمانية قبل بداية المعركة.
خير الدين كان يمثل خلاصة وقمة الخبرة الإسلامية في المجال البحري، وكذلك أندريا دوريا، وكلاهما تواجها من قبل عدة مرات، انتصر خير الدين في معظمها إلا أن له ثأر عند أندريا دوريا بسبب مقتل أخيه عروج في إحدى المعارك السابقة بينهما، لذلك كان الصدام ليس صداماً عادياً بل كان جولة فاصلة في تاريخ الرجلين، بل قل في تاريخ العالمين الإسلامي والنصراني.
أما الأسطول العثماني فقد كان مكونًا من 122 قطعة بحرية، تقل 20,000 مجاهد، تولى خير الدين القيادة الرئيسية للأسطول، يساعده في ذلك أمهر البحارة العثمانيين الذين أدَّوا دورًا كبيرًا في تثبيت الوجود العثماني في البحر المتوسط وشمال إفريقيا؛ أمثال: صالح رئيس، وطرغوت رئيس، وسيد علي المرادي رئيس، حسن رئيس. ولقب رئيس أو ريس يقابل لقب قبطان السفينة المعروف.
الأسطول العثماني كان متجانسًا من حيث الهدف والغاية التي تحقيقها من هذه المعركة، كما كانت معظم قطعه الحربية تتكون من سفن صغيرة خفيفة تسهل عليهم القيام بالمناورة والالتفاف حول سفن العدو الضخمة المثقلة بالجنود والمعدات، وهكذا ففي الوقت الذي كانت فيه السفن الصليبية الثقيلة تدور بتثاقل كانت القوارب التركية تلف بسرعة خلفه ثم تقوم بتوجيه قذائف مدافعها إليها بسهولة.
ومن الناحية التقنية كان الأتراك يستخدمون مدافع تعتبر أكثر تطورًا من تلك التي يستعملها الأوربيون، التي كان البحار التركي الشهير كمال رئيس الملقب بأبو البحرية العثمانية قد قام بتطويرها قبل نصف قرن من تاريخ هذه المعركة؛ حيث كان الأتراك يملكون المدافع بعيدة المدى؛ بينما لم يكن الأوربيون يستعملون سوى المدافع قصيرة المدى؛ وهكذا فعندما كان الأتراك يقصفون السفن الأوربية من مسافات بعيدة، كانت المدافع الأوربية تسقط في مياه البحر دون أن تبلغ هدفها؛ لكونها لم تستطع الوصول إلى السفن التركية.
معركة بروزة الخالدة:
تحرك الأسطول العثماني بقيادة خير الدين باشا في 25 من سبتمبر 1538 متوجهًا صوب جنوب غرب بحر إيجة؛ حيث رسا بميناء أجريبوز، وفي هذه الأثناء بلغته أنباء قيام أندريا دوريا بمحاصرة وقصف قاعدة بروزة التي كانت تعتبر أحد أهم قواعد الأسطول العثماني على الساحل اليوناني، فأرسل خيرُ الدين طرغوت على رأس طليعة من الأسطول مكونة من 20 قطعة بحرية لمراقبة تحركات الأسطول الصليبي؛ بينما توجَّه هو على رأس بقية الأسطول العثماني إلى قاعدة مودون، الواقعة على السواحل الشرقية لشبه جزيرة المورة.
كان أندريا دوريا على وشك حشد قواته في كورفو، غير أنه عندما بلغه نبأ اقتراب الأسطول العثماني بقيادة خير الدين بربروسا أمر برفع الحصار عن بروزة والانسحاب إلى شمالها؛ وذلك لاستدراج الأسطول العثماني إلى خوض معركة غير متكافئة، بعد أن يحصره في حيز ضيق، ويتمكن بذلك من تدميره بسهولة، والقضاء على الحامية التركية في بروزة. كان أندريا دوريا قد قام بهذه المناورة في ليلة 28 من شهر سبتمبر؛ ولكنه حينما طلع الصباح فوجئ بالأسطول العثماني راسيًا على مسافة قريبة من الأسطول الصليبي؛ ذلك لأن خير الدين كان قام بالمناورة نفسها، وقام بأخذ وضعية الاستعداد للمعركة في عرض البحر.
قبل أخذ وضعية المعركة، بدأ بربروسا بالتشاور مع قادة أسطوله حول أهم الخطط التي يمكن بها مواجهة تفوق الأسطول الأوروبي كبير العدد، وكان رأي قادة جيشه هو انتظار الأسطول الأوروبي ومواجهته على الساحل بمساندة جنود البر في (بروزة)، بينما رأى بربروسا بثاقب بصره أن هذا سيفقد الأسطول العثماني مبدأ المبادرة، إلى جانب صعوبة تطبيق مناورات الحرب البحرية، وكان رأي بربروسا الحاسم أن الحرب البحرية تكون في البحار المفتوحة ولا تكون في الساحل، وأن المدافع بعيدة المدى ستفقد تفوقها عند زيادة اقتراب سفن العدو.
نتيجة لذلك ابتعد بربروسا بأسطوله عن ساحل بروزة مسافة 9 كم، وقام بتنظيم أسطوله البحري على شكلِ هلال، وعيَّن على رأس جناحه الأيمن القائد المجاهد صالحًا رئيسًا، وعلى رأس جناحه الأيسر سيدي علي رئيسًا، وقاد خير الدين الجناحَ الأيسر بنفسه، وأمر القائد الفذَّ طرغوت بأن يقود احتياطي الأسطول ويبقى في الخلف.
وفي يوم 28 سبتمبر 1538 م / 4 جمادي أول 945هـ، باغت بربروسا الأسطول الأوروبي حال رؤيتِه في المياه وقام بالمناورة بأجنحة أسطولِه واستغلال بعد مدى مدافعه الحارقة لضرب أسطول أندريا في مقتل، وأدى عدم مقدرة السفن الصليبية على الاستدارة إلى هزيمة الأوروبيين، وتدمير جزء من سفن التحالف في الهجوم الأول.
وبمعجزة سماوية انقلب اتجاه الرياح الشديدة ناحية الأسطول الصليبي مما ساعد على إدارة المعركة لصالح الأسطول العثماني، الذي شرعت وحداته الرئيسة في قصف السفن الأوربية بقذائف المدفعية بعيدة المدى، في هذه الأثناء كان طرغوت رئيس قد أتم التفافه حول السفن المعادية، وشرع في دك التحالف الصليبي والتركيز على سفنه الثقيلة التي سادها الاضطراب والفوضى، فراحت تنشد النجاة في محاولة يائسة للفرار، فكان من نتيجة هذا الاشتباك أن تم إغراق عدد كبير منها.
الهزيمة السريعة والخطة الذكية المباغتة غير المتوقعة أفقدت القبطان الصليبي والقائد العام للرابطة المقدسة، أندريا دوريا صوابه، فأقدم على عمل مخز لطخ به سمعته البحرية، حيث قام بالانسحاب بشكل مفاجئ وسريع، تاركاً أسطول البندقية وأسطول البابوية يواجهان النيران العثمانية وحدهما، وما إن حل الظلام حتى أعطى أوامره إلى قواته الباقية بأن تطفئ المصابيح، ثم تلوذ بالانسحاب، مسجِّلاً بذلك أكبر وأسرع هزيمة في تاريخ الحروب البحرية حتى ذلك العصر، في معركة لم تزد عن خمس ساعات رغم التفوق العددي الهائل الذين كان بين القوتين المتحاربتين.
فانتهز خير الدين فرصة ارتباك الأسطول الصليبي، وفرار أندريا دوريا من ميدان القتال، فأمر بتعقب السفن الهاربة، فقام البطل الفذ طرغوت رئيس بمطاردتها، والاستيلاء على عدد من السفن التي لم تتمكن من الفرار.
خسائر الصليبيين في هذه المعركة كانت كبيرة وفادحة، فقد بلغت 123 سفينة حربية بين سفن غارقة، وأخرى معطوبة، كما قام العثمانيون بإغراق عدد كبير منها، والاستيلاء على 36 سفينة، بالإضافة إلى 3000 أسير، أما خسائر الأتراك فقد كانت 400 شهيد، و800 جريح، وكانت أهم نتيجة تمخضت عن هذه المعركة هي سيطرة العثمانيين على شرق ووسط البحر المتوسط دون منازع، وانتقال الحروب العثمانية الأوربية من البر إلى البحر.
وأصبح العثمانيون أسياد البحر المتوسط بلا منازع.
التعليقات