عناصر الخطبة
1/دعوة الإسلام إلى رعاية المعاقين والوقوف إلى جانبهم 2/فضل الصبر على البلاء وثمرته 3/من عظماء المعاقين 4/عناية الدولة بالمعاقين.

اقتباس

لقدِ استطاعَ المعاقونَ أنْ يُسجِّلُوا أسماءَهُمْ فِي سجِلِّ عظماءِ التَّاريخِ, ويتركُوا بصماتٍ واضحةً, تُبرهِنُ علَى أنَّ الإعاقةَ لاَ تُشكِّلُ حاجزاً بينَ الإنسانِ وبينَ الرُّقِيِّ والإبداعِ والتَّميُّزِ, ومِنْ هؤلاءِ العظماءِ الصَّحابِيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ ابنُ أُمِّ مكتومٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- الَّذِي لَمْ يَمْنَعْهُ فَقْدُ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الَّذِي كرَّمَ الإنسانَ بالتَّقوَى, وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ الدَّاعِي إلَى تكريمِ أهلِ العطاءِ والإحسانِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ، أمَّا بعدُ:

 

فأوصيكُمْ -عبادَ اللهِ- ونفسِي بتقوَى اللهِ تعالَى وطاعتِهِ، يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ -: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 128].

 

أيُّها المسلمونَ: إنَّ اللهَ تعالَى خلَقَ الخلْقَ, وجعَلَهُمْ مُتفاوتينَ فِي القوَّةِ والضَّعفِ، والصِّحةِ والمرضِ, والغِنَى والفقرِ، وكلُّ ذلكَ لحكمةٍ أرادَها اللهُ -جلَّ فِي علاهُ-, ومِنْ فضلِهِ -سبحانَهُ- أنَّهُ جعَلَ التَّفاضُلَ علَى أساسِ التَّقوَى والعملِ الصَّالِحِ الَّذِي ينفَعُ الخلْقَ, قالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" (رواه مسلم)؛ فقِيمةُ الإنسانِ وعظمَةُ مكانتِهِ عندَ ربِّهِ وعندَ النَّاسِ تكمُنُ فِي الأعمالِ الخيِّرَةِ والنَّافعَةِ؛ فكَمْ مِنْ إنسانٍ مُعاقٍ تَميَّزَ بِهمَّتِهِ العاليةِ علَى الصَّحيحِ القوِيِّ؛ فقدَّمَ لِمُجتمعِهِ منَ الخيرِ ما يعجزُ عنْهُ بعضُ الأقوياءِ الأصحَّاءِ.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ الإسلامَ ينظرُ إلَى المعاقينَ كالأعمَى والأعرَجِ والأصمِّ والأبكمِ وغيرِهِمْ نظرةَ تكريمٍ, ويدعُو إلَى رعايتِهِمْ والوقوفِ بجانبِهِمْ, وتنميةِ طاقاتِهِمْ وقدراتِهِمْ ومهاراتِهِمْ, وتطويرِ إبداعاتِهِمْ, وقدْ حثَّنا دينُنَا الحنيفُ علَى ذلكَ, قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "وَعَوْنُكَ الضَّعِيفَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ صَدَقَةٌ، وَبَيَانُكَ عَنِ الأَرْتَمِ صَدَقَةٌ" (أبو داوود)؛ فمَنْ أرادَ القُربَ مِنَ اللهِ -تعالَى-, ومنْ أرادَ الأجرَ العظيمَ والثَّوابَ الكبيرَ فليكُنْ قريباً مِنْ هؤلاءِ, يأخذُ بأيدِيهِمْ ويشجِّعُهُمْ ويقُومُ علَى تربيتِهِمْ وتعليمِهِمْ ورعايتِهِمْ, ويُساهِمُ فِي الإنفاقِ علَى المشاريعِ التِي تُعنَى بِهِمْ، فالمعاقونَ مُكْرَمُونَ بصبرِهِمْ, وينالونَ بذلكَ الأجرَ العظيمَ, قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: "مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ -أيْ عَيْنَيْهِ- فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ" (رواه الترمذي)، وهذَا الجزاءُ العظيمُ الَّذِي أعدَّهُ اللهُ تعالَى لِلْمعاقِ وأهلِهِ ومَنْ يقومُ علَى رعايتِهِ يكونُ حافزًا علَى بذْلِ الجهدِ والتفَوُّقِ، ويدفَعُ بأهلِ المعاقِ إلَى التَّكيُّفِ معَ هذهِ الإعاقةِ لجعلِهِ فرداً؛ فاعلاً فِي المجتمعِ, ومتميِّزاً في عطائِهِ وإبداعِهِ.

 

أيُّها المؤمنونَ: لقدِ استطاعَ المعاقونَ أنْ يُسجِّلُوا أسماءَهُمْ فِي سجِلِّ عظماءِ التَّاريخِ, ويتركُوا بصماتٍ واضحةً, تُبرهِنُ علَى أنَّ الإعاقةَ لاَ تُشكِّلُ حاجزاً بينَ الإنسانِ وبينَ الرُّقِيِّ والإبداعِ والتَّميُّزِ, ومِنْ هؤلاءِ العظماءِ الصَّحابِيُّ الجليلُ عبدُ اللهِ ابنُ أُمِّ مكتومٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- الَّذِي لَمْ يَمْنَعْهُ فَقْدُ بصرِهِ مِنْ طلَبِ العلْمِ, ومِنْ أَنْ يكونَ مؤذِّناً لرسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وقَدْ أنزلَ اللهُ تعالَى فِي حقِّهِ آياتٍ قرآنيةً يأمُرُ اللهُ -عزَّ وجلَّ - فيهَا نبيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-بِمُراعاةِ حالتِهِ الخاصَّةِ؛ فكانَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-يُكْرِمُهُ, ويبسطُ لهُ رداءَهُ إذَا أقْبَلَ إليهِ, وقدِ استخلفَهُ -صلى الله عليه وسلم- علَى المدينةِ المنورةِ عندَمَا سافرَ مرَّتينِ، وكانَ الإمامُ التِّرمذيُّ -رحمهُ اللهُ- أعمَى, ولكنَّهُ أُوتِيَ مِنَ المواهبِ والإبداعاتِ مَا جعلَهُ مِنْ أكابرِ العلماءِ, فبرَعَ فِي علمِ الحديثِ وحفظَهُ وأتقنَهُ وطافَ البلادَ وسمِعَ مِنْ كبارِ العلماءِ, وألَّفَ وصنَّفَ، وترَكَ وراءَهُ ثروةً عظيمةً دائمةً، وهذَا أبانُ بنُ عثمانَ بنِ عفَّان -رضيَ اللهُ عنهُ- كانَ بهِ صَمَمٌ, ومعَ ذلكَ كانَ مِنْ فقهاءِ التابعينَ ومِنْ فقهاءِ المدينةِ وعلمائِها العشرةِ, يقولُ عنْهُ أحدُ الفقهاءِ: "مَا رأيتُ أعلمَ منْهُ بالحديثِ والفقهِ".

 

عبادَ اللهِ: إنَّ دولةَ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ تَرْعَى المعاقينَ رعايةً لاَ نظيرَ لَهَا، وفِي هذَا دلالةٌ واضحةٌ علَى مَا تبذلُهُ القيادةُ الرَّشيدةُ لهؤلاءِ المعاقينَ؛ فقَدْ بَنَتْ لَهُمْ مؤسساتٍ ينعَمُونَ فيهَا بالرِّعايةِ الصِّحيَّةِ والتَّغذيةِ السَّليمةِ والتَّأهيلِ البدَنِيِّ والتَّعليمِ, وأعدَّتْ لَهُمْ مواقفَ خاصَّةً بسيَّاراتِهِمْ ومداخلَ خاصَّةً بِهِم إلَى المؤسساتِ والدَّوائِرِ الحكوميَّةِ والمساجدِ, وقدْ قدَّرَ المعاقونَ هذهِ الرِّعايةَ حقَّ قدْرِهَا, وردُّوا الجميلَ لِهَذَا الوطنِ, فكانَ منْهُمُ المبدعونَ الَّذِينَ تركُوا خلفَهُمْ آثاراً طيِّبةً نافعةً تدُلُّ علَى هِمَمِهِم العاليةِ ونفوسِهِم الكبيرةِ, وفازَ الكثيرُ منْهُمْ بالجوائزِ وخاصةً فِي مجالِ الرياضةِ، ورفعُوا رايةَ الدولةِ فِي المسابقاتِ العالميةِ، وحقَّقُوا إنجازاتٍ لَمْ يحقِّقْهَا غيرُهُمْ، وقدْ قالَ اللهُ -عزَّ وجلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف: 30].

 

اللهمَّ وفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرْتَنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِكَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59].

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَستغفرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانيةُ:

 

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرِينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعِينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أمَّا بعدُ:

 

فاتقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التَّقوى, واعلمُوا أنَّ تارِيخَنَا قدْ سجَّل اهتماماً بالمعاقينَ وتكريمًا لَهُمْ وعنايةً بِهِمْ, فقدْ أعطَى الوليدُ ابنُ عبدِ الملكِ كلَّ مُقْعَدٍ خادماً، وقدْ أمَرَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمهُ اللهُ- لكُلِّ أعمَى بقائدٍ.

 

ودولةُ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ قَدِ اهتمَّتْ بالمعاقينَ اهتمامًا بالغًا فأنشأَتِ دُوراً لرعايتهِمْ, وأحضَرَتِ المتخصصينَ الذِينَ يقومُونَ بتعليمِهِمْ، ووفَّرَتْ لَهُمْ كُلَّ سُبُلِ الرعايةِ الصحيةِ والاجتماعيةِ، وأوجدَتْ لَهُمْ فُرصَ العملِ التِي تناسِبُهُمْ، وأَمَّنَتْ لَهُمْ المساكنَ اللاَّئِقةَ بِهِمْ, فجَزَى اللهُ القيادةَ الحكيمةَ علَى كلِّ مَا تبذُلُهُ مِنْ عطاءِ لأفرادِ هذَا الوطنِ المعطاءِ, وجَزَى اللهُ كلَّ المؤسساتِ التِي ترْعَى المعاقينَ, وتسعَى فِي خدمتِهِمْ, قالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) [النساء: 127].

 

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلَاةَ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

المرفقات
معاقون-مبدعون.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life