محمد بن عبدالله الدويش
الذين يريدون التغيير في المجتمعات يستثمرون الفرص المتاحة، وينطلقون من حاجات الناس ومشكلاتهم.
وقد سار التيار العلماني على هذا المنوال، وأصبح ينطلق من حاجات ومشكلات موجودة في مجتمعات المسلمين، ويستثمر هذه الحاجات في المطالبة بالتغيير؛ فيبدو حينئذ للناس بمظهر الغيور على المجتمع، والساعي للإصلاح، فتلامس مطالبه واقع الناس، ويشعرون بحرصه على مصالحهم.
ومن أمثلة ما يثيره هؤلاء: مشكلة الأقليات الدينية والمذهبية في بلاد المسلمين، والتعامل التجاري مع غير المسلمين، ومخرجات التعليم، والتعليم الشرعي وصلته بسوق العمل، وتمويل المشروعات الاقتصادية.
ومشكلات تتعلق بالمرأة كتعليمها والحاجة إلى التوسع فيه، والحالة الاقتصادية للأسرة التي تتطلب أن تشارك المرأة في تحمل التكاليف، والمشكلات التي تعاني منها المرأة العاملة المتعلقة بالتنقل أو السفر إلى أماكن العمل ونحو ذلك.
ويدرك الغيورون الناصحون سوء مسلك طائفة من هؤلاء؛ فيشعرون أن من واجبهم الشرعي إنكار المنكر، والدفاع عن مجتمعاتهم، والوقوف في وجه المفسدين، فيسعون إلى التصدي لطروحاتهم والمحافظة على سمت المجتمع.
ويصاحب هذه الجهود المشكورة أمور تحتاج إلى تأمل ومراجعة؛ فسلامة نوايانا لا تعفينا من السعي إلى سلوك الأسلوب الصحيح في التعامل مع هذه المشكلات.
إننا بحاجة ماسة إلى مراجعة أسلوبنا في التعامل مع مشكلات المجتمع، ومما يجدر بنا أن نراعيه ما يلي:
1- الاعتراف بالمشكلات الحقيقية الموجودة في مجتمعاتنا، وإن كان ذلك لا يتفق مع ما نحب، وتعويد أنفسنا على أن نفهم الأمور كما هي لا كما نريد.
وقد نرى من المصلحة تلافي الحديث الصريح عن بعض ما قد يسيء الناس فهمه وينزلونه على غير منزلته، أو ما يؤدي إلى استغلال دعاة السوء له؛ لكن ذلك لا ينبغي أن يدعونا إلى نقل هذا التحفظ إلى نقاش أصل المشكلة حتى في الحوارات الشخصية والمجالس الخاصة؛ بل قد يتجاوز الأمر مجرد التحفظ على الصراحة في نقاش المشكلة إلى التصريح بإنكارها في الخطاب العام، وأن ما يثيره الآخر مجرد ضحك على الناس وليس له وجود.
2- التعامل الواقعي مع حاجات الناس والاعتراف بها، وإن كان الآخر قد يوظفها توظيفاً سيئاً؛ فمن المكابرة أن ننكر حاجة الأسر إلى تعزيز مصادر الدخل، وحاجة الناس إلى قدر من الترفيه المباح.. إلخ، وقد راعى الفقهاء هذا الأمر فنزلوا الحاجة العامة منزلة الضرورة، ورُخِّص فيها ما لا يُرخَّص في غيرها.
وفرق بين ما نختاره لأنفسنا من تورع وبُعد عن الشبهات، وبين ما نلزم الناس به، وفرق بين حاجتنا وحاجات الآخرين؛ فأُسَرُنا بمشكلاتها وحاجاتها لا تمثل بالضرورة المجتمع بأسره.
3- الاعتناء بالمنهج العلمي في فهم الظواهر الاجتماعية والتعامل معها، وحين لا نفهم ظاهرة فلنستعن بالمتخصصين فيها؛ فغيرتنا وشعورنا بالمسؤولية الدعوية لا يفي وحده لفهم كل شيء أو تأهيلنا للحديث عن كل مشكلة.
4- البعد عن الحديث عن نوايا الأخر ومقاصده في الإفساد؛ فالنوايا لا يعلمها إلا الله تعالى، وما يبدو لنا من قرائن قد لا يبدو للناس، وقد لا يكفي في إقناعهم. والنقاش الموضوعي للقضايا المثارة أوْلى وأكثر إقناعاً للناس وبناء لهم.
5- الاعتناء بتقديم البديل واقتراح الحلول لمشكلات الناس؛ فالشرع لم يحرم على الناس ما يحتاجون إليه إلا حين تكون مفسدته أعظم، ومع ذلك ففي المباح ما يغني عن الحرام، وليس صحيحاً ألا يعرف المجتمع عنا إلا أننا نقول (لا) دوماً، وأننا نقف وقفة المتوجس من كل جديد.
التعليقات