عناصر الخطبة
1/مشاهد عظيمة قرب أبواب الجنة 2/صور من نعيم أهل الجنة 3/وصف الجنة وبيان شيء من عظمتها.اقتباس
فها هي أبوابُ الجنَّةِ تُفتحُ،.. ها هي الجنَّةُ تَفتَحُ أبوابَها بعدَ صبرٍ طويلٍ، وبعدَ شوقٍ جَليلٍ، كم تحرَّكتْ القلوبُ عندما كانتْ تسمعُ نعيمَها!، وكم ذرفتْ العيونُ عندما كانتْ تقرأُ وصفَها!، فاليومُ يومَ الرَّاحةِ الذي لا تعبَ بعدَه، ويومَ الأمنِ الذي لا خوفَ بعدَه، ويومَ النَّعيمِ الذي لا بؤسَ بعدَه، ها هي الأبوابُ تُفتحُ، والأعناقُ مُشرئبةٌ والأبصارُ شاخصةٌ تنظرُ إلى داخلِ الجنَّةِ، نعيمٌ لا يستطيعُ أن يصفَ جمالَه وروعتَه أحدٌ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ المبدئِ المعيدِ، ذي العرشِ المجيدِ، الملكُ ملكُه، والخلقُ خلقُه، يحكمُ ما يشاءُ ويفعلُ ما يُريدُ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه وأتوبُ إليه وأستغفرُه وأسألُه من فضلِه المزيدِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له وهو على كلِّ شيءٍ شهيدٌ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن سَارَ على نهجِه من العبيدِ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ حقَّ تقاتِه، وتسابقوا بتقواه إلى جنتِه ومرضاتِه، فالجنةُ ما أُعدَّتْ إلا للمتقينَ، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران:133].
ها هم وفدُ المَلكِ يأتونَ راكبينَ، مُكرَّمينَ مُعزَّزينَ مُبشَّرينَ بالخيرِ، (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا)[مريم:85]، تُساقُ مراكبُهم إلى دارِ الكرامةِ والرِّضوانِ، (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)[الزمر:73]، جماعاتٍ كما كانوا في الدُّنيا، فالمُقرَّبونَ مع المقرَّبينَ، والأبرارُ مع الأبرارِ، وأهلُ الصَّلاةِ، وأهلُ الصِّيامِ، وأهلُ الصَّدقةِ، يَفرحُ بعضُهم ببعضٍ، ويَأنسُ بعضُهم ببعضٍ، وكانوا قد حُبِسوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لِيَقْتَّصَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، لئلا يكونَ في القلوبِ شيءٌ فيُعكِّرَ نعيمَ الجنَّةِ، (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)[الحجر:47].
فإذا وصلوا إلى الجنَّةِ وجدوا الأبوابَ الثَّمانيةَ مُقفلةً، فإذا برجلٍ يتقدَّمُ النَّاسَ فيقرعُ بابَ الجنَّةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟، فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ"، مقامٌ محمودٌ آخرُ، كما شفعَ في الموقفِ لفصلِ القَضاءِ.
فها هي أبوابُ الجنَّةِ تُفتحُ، فلا إلهَ إلا اللهُ، ما أعظمَه من منظرٍ مَهيبٍ!، ها هي الجنَّةُ تَفتَحُ أبوابَها بعدَ صبرٍ طويلٍ، وبعدَ شوقٍ جَليلٍ، كم تحرَّكتْ القلوبُ عندما كانتْ تسمعُ نعيمَها!، وكم ذرفتْ العيونُ عندما كانتْ تقرأُ وصفَها!، فاليومُ يومَ الرَّاحةِ الذي لا تعبَ بعدَه، ويومَ الأمنِ الذي لا خوفَ بعدَه، ويومَ النَّعيمِ الذي لا بؤسَ بعدَه، ها هي الأبوابُ تُفتحُ، والأعناقُ مُشرئبةٌ والأبصارُ شاخصةٌ تنظرُ إلى داخلِ الجنَّةِ، نعيمٌ لا يستطيعُ أن يصفَ جمالَه وروعتَه أحدٌ، بل لا يُمكنُ التَّعبيرُ عنه إلا كما قالَ الواحدُ الأحدُ: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
تفتحُ الأبوابُ ويبدأُ التَّرحيبُ والحَفاوةُ من الملائكةِ لأهلِّ الجنَّةِ ودعوتُهم للدُّخولِ: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73]، فتنادي ملائكةُ كلِّ بابٍ من الأبوابِ الثَّمانيةِ النَّاسَ للدُّخولِ، "فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ"، وهناكَ من يُدعى من الأبوابِ الثَّمانيةِ كُلِّها.
فيكونُ أولُ من يدخلُ الجنَّةَ من الأفرادِ هو محمدٌ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وأول من يدخلُ الجنَّةَ من الأممِّ هي أمَّتُه، كما جاءَ في الحديثِ: "نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَومَ القِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ"، يدخلونَ في أجملِ صورةٍ وأبهاها، كما قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إنّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءَةً"، يدخلونَ جماعاتٍ، قالَ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ مُتَمَاسِكُونَ، آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ"، فيدخلونَ صفَّاً واحداً مُتماسكينَ بالأيدي لا يتقدَّمُ أحدُهم على الآخرِ، وذلكَ لعِظمِ الأبوابِ كما جاءَ في الحديثِ: "مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيْرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيْظٌ مِنَ الزِّحَامِ"، نسألُ اللهَ من فضلِه.
يدخلونَ على أحسنِ الأشكالِ وفي أفضلِ الأعمارِ، قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "يَدْخُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ جُرْدًا -لا شعرَ في أبدانِهم-، مُرْدًا -ليسَ لهم لُحى-، مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً"، في عُمرِ عيسى، وعلى خَلْقِ آدَم سِتّونَ ذِراعاً، وعلى صورةِ يوسفَ الذي أُعطيَ شَطرَ الحُسنِ، وعلى قلبِ أيوبَ.
فإذا دخلوا الجنَّةَ، استقبلَهم الملائكةُ بالضِّيافةِ والكرمِ، فأولُ ما يُتحفونَهم به هو زيادةُ كَبدِ الحوتِ، ثمَّ يُنحرُ لهم ثورُ الجنَّةِ الذي يأكلُ من أطرافِها، ويشربونَ عليه من عينٍ فيها تُسمى سلسبيلاً، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[الطور:19-20]، ثُمَّ ينطلقونَ إلى مساكنِهم لا يُخطئ أحدُهم مسكنَه، يقولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "فوالذي نَفسُ محمدٍ بيدِه، لأحدُهم بمسكنِه في الجنَّةِ أَدلُّ بمنزلِه كانَ في الدُّنيا"، قالَ -تعالى-: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)[محمد:6].
ها هم يمشونَ على تُربتِها من الزَّعفرانِ، ويطؤونَ الحصباءَ من اللُّؤلؤِ والياقوتِ، وينظرونَ إلى النَّعيمِ في كلِّ مكانٍ تقعُ عليه أبصارُهم، يرونَ العجبَ العُجابَ، الذي يكادُ يذهبُ بالألبابِ، (إِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)[الإنسان:20]، فها هم ينظرونَ إلى شجرةٍ عظيمةٍ، قالَ عنها رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)"، والأعجبُ من ذلكَ أنَّ ساقَها وساقَ جميعِ الأشجارِ من الذَّهبِ الخالصِ، جاءَ في الحديثِ: "مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ"، ولقد نصحَ إبراهيمَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامَ- عندما قالَ: "يا محمَّدُ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ، وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ، عذبةُ الماءِ، وأنَّها قيعانٌ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ".
هذه الأشجارُ لها ظِلالٌ تدنو منهم وتميلُ عليهم حيثُما جلسوا، (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا)[الإنسان:14]، وليسَ هذا لوجودٍ شمسٍ أو حرٍّ، وإنما هو زيادةُ النَّعيمُ، (وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً)[الإنسان:14]، فهم يتناولونَ الثِّمارَ بسهولةٍ قياماً وقعوداً ومضطجعينَ، قالَ ابنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "إذا هَمَّ أن يتناولَ من ثمارِها تَدلَّتْ له حَتى يَتناولَ ما يُريدهُ".
وإذا نظروا هُناكَ رأوا بِحاراً لكنَّها ليستْ كالبِحارِ، قالَ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، ثُمَّ تُشَقَّقُ الْأَنْهَارُ بَعْدُ"، فتتفجَّرُ الأنهارُ منها، قالَ -تعالى-: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)، صفاءٌ لا يتكدَّرُ، (وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ)، لا يحمضُ ولا يَفسدُ، (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ)، لذيذةُ الطَّعمِ ولا تضرُّ البدنَ، (وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى)[محمد:15]، من الشَّمعِ والقَذى، وليسَ لأنهارِ الجنَّةِ أُخدودٌ في الأرضِ، وإنما هي سَائحةٌ على وجهِ الأرضِ، في منظرٍ عجيبٍ، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى اليَاقوتُ، وطِينُه المِسكُ الأذفرِ، قيلَ لأنسٍ بنِ مالكٍ -رضيَ اللهُ عنه-: ما الأذفرُ؟، قالَ: الذي لا خِلطَ له، وقد يسألُ سائلٌ: أليسَ قد قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في الحوضِ: "مَن يَشربْ منه لا يَظمَأُ بعدَها أبدًا"، فكيفَ سيكونُ التَّنعمُ بهذه الأنهارِ؟، فنقولُ: إنَّ شُربَه من هذه الأنهارِ لا يكونُ لأجلِ العطشِ والظَّمأِ الذي أذهبَه اللهُ -تعالى- بشربةِ الحوضِ، وإنما يكونُ الشِّربُ لأجلِ التَّلذُّذِ وزيادةِ النَّعيمِ، فنسألُ اللهَ العظيمَ من فضلِه.
وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلمَ تَسليماً كَثيراً.
أما بَعدُ: عندما يدخلُ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يُنادي منادٍ: "إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا"، فينطلقونَ إلى مساكنِهم سُعداءَ، في جمالِ الأجواءِ، وطِيبِ الهواءِ، فلا داءَ ولا دواءَ، ولا موتَ ولا فناءَ.
فإذا أقبلوا على مساكنِهم، رأوا القُصورَ، البِنَاءُ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، تخيلوا جمالَ هذا البناءِ، مع بريقِ الذَّهبِ ولمعانِ الفِضَّةِ، حتى إنَّ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- اشتاقَ لدخولِ أحدِ هذه القٌصورِ ورؤيتِها من الدَّاخلِ، كما قالَ: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟، فَقَالُوا: لِفَتًى مِنْ قُرَيْشٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِي، قُلْتُ: مَنْ هُوَ؟، قِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قالَ رَسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "يَا أَبَا حَفْصٍ، لَوْلاَ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ لَدَخَلْتُهُ".
وهناكَ غُرفٌ مُرتفعةٌ جميلةٌ يُرى ظاهرُها من باطنِها، ويُرى باطنُها من ظاهرِها، قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟، قَالَ: "بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ"، (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا)[القرقان:75].
وللمؤمنِ في الجنَّةِ خيمةٌ في البساتينِ وعلى ضِفافِ الأنهارِ، كما قالَ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا"، هنا يعجزُ الوصفُ عن هذه المساكنِ، والتي هي ليستْ للوقايةِ من الحَرِّ أو البَردِ، ولَيستْ للرَّاحةِ من التَّعبِ، ولَيستْ للحفظِ والسِّترِ، فإنَّ الجنةَ لا حرَّ ولا بَردَ فيها، ولا تَعبَ ولا انكشافَ فيها، وإنما هي مَساكنُ طَيبةٌ كما أخبرَ اللهُ تعالى، جُعلت للبهجةِ والسُّرورِ، والاستمتاعِ والحُبورِ، تَتغيَّرُ فيها الألوانُ في كلِ آنٍ، وتَبسطُ فيها الوَسائدُ والزَّرابيُّ للتَّكريمِ والإحسانِ، ويَأنسُ فيها وَليُّ اللهِ بالأهلِ والوِالدانِ، وتُمدُّ فيها الموائدُ في كل الأركانِ، (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا)[الإنسان:22].
اللهمَّ إنا نَسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعملٍ، ونعُوذُ بك مِن النَّارِ وما قرَّبَ إليها مِن قولٍ وعملٍ، اللهم إنا نسألُك رِضاكَ والجنَّةَ، ونعوذُ بك مِن سخَطِك والنَّارِ.
التعليقات