عناصر الخطبة
1/سوء الظن دمار للأسر والمجتمعات 2/سوء ظن الزوجة بزوجها 3/النساء أمانة في الرجال 4/سوء الظن كبيرة من الكبائر وتؤدي إلى كبائر أخرىاقتباس
إن تأخَّر الزوج عن البيت قليلاً أساءت الظنَّ به, إن رأته يتحدَّث على الهاتف بصوت منخفض أساءت الظن به, إن رأته متطيِّباً متعطِّراً أساءت الظن به, إن رأته شارداً بذهنه أساءت الظن به, إن سافر مع صديق له أساءت الظن به, إن ذهب بنزهة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن أشدَّ الآفات فتكاً في الأسرة والمجتمع: سوء الظن, بسوء الظن يُقضى على روح الألفة، وتُقطع المودَّة, وتتولَّد الشحناء والبغضاء, وتنقلب الأسرة والمجتمع إلى جحيم وشقاء.
سوء الظن لا يصدر إلا من مرضى القلوب, الذين لا ينظرون إلا بمنظار أسود, الكلُّ عندهم مُدان ومتَّهم, وكما قالوا: يظنون بالآخرين كما يظنون بأنفسهم.
هؤلاء أسوتهم ذاك الرجل الذي بلغ به سوء الظن إلى أن يظنَّ بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ظناً سيئاً, عندما قال بعد تقسيم الغنائم: "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ الله"(رواه البخاري عن عبد الله -رضي الله عنه-).
هذا شأن وحال مرضى القلوب, أما القلوب السليمة الصافية النقيَّة هي التي تُحسن الظنَّ, وتلتمس الأعذار لغيرها, كما قال بعضهم: "إني لألتمس لأخي المعاذير من عُذرٍ إلى سبعين, ثم أقول: لعلَّ له عذراً لا أعرفه".
حسن الظن من شيم الكرام, من شيم أصحاب القلوب النقيَّة, أما سوء الظن فهو من شيم اللئام, من شيم أصحاب القلوب المريضة التي ابتدأت بسوء الظن بالله, حتى وصلت إلى سوء الظن بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
والأخطر من هذا كلِّه: سوء الظن بالله -والعياذ بالله تعالى من ذلك-.
أيها الإخوة الكرام: ما زال حديثنا عن المشاكل الأسرية التي تكون المرأة فيها سبباً.
من أسباب الشقاق والخلاف بين الزوجين: سوء ظنِّ الزوجة بزوجها, إن تأخَّر الزوج عن البيت قليلاً أساءت الظنَّ به, إن رأته يتحدَّث على الهاتف بصوت منخفض أساءت الظن به, إن رأته متطيِّباً متعطِّراً أساءت الظن به, إن رأته شارداً بذهنه أساءت الظن به, إن سافر مع صديق له أساءت الظن به, إن ذهب بنزهة أساءت الظن به, وهكذا...
وعندما يكون هكذا حالها, فإنها تجعل المشاكل في الأسرة, بل تقلب الحياة الأسرية إلى شقاء وجحيم, وربما أن يصل الأمر إلى الطلاق, ويتيتم الأطفال بعد أن تُرَمِّل نفسها.
أيها الإخوة الكرام: إن النساء أمانة في أعناقنا, يجب علينا أن نتعلَّم الكتاب والسنة, وأن نعلِّم هذا لبناتنا وأخواتنا, ونسائنا ومحارمنا, روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" وعدَّ منهم: "وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
جهل نسائنا طامَّة عليهنَّ وعلينا, وربنا -عز وجل- يقول: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)[الأنفال: 25].
أيها الإخوة الكرام: خاطبوا نساءكم, وقولوا للواحدة منهنَّ: أيتها الزوجة الكريمة, تعالي واسمعي كلام الله -تعالى- وكلام سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-:
أولاً: يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات: 12] اتركوا الظن الكثير حتى لا تقعوا في الظن السيء الذي يوقعكم في الإثم.
ثانياً: يقول تبارك وتعالى-: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)[النجم: 28].
لا يجوز للمسلم ولا للمسلمة أن يبني قراراته وأحكامه على أساس من الظن السيء, كم من امرأة حكمت واتخذت القرار السيء بناء على ظنٍ سيئ؟
ثالثاً: روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ, فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ, وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا تَبَاغَضُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا".
سوء الظن يفسد العلاقة الزوجية، ويفسد علاقة الآباء بالأبناء، ويفسد علاقة الإخوة بالأخوات, ويفسد علاقة الأفراد بالأفراد.
رابعاً -يا أختاه-: الإسلام جاء ليعلِّمنا حسن الظن؛ لأن فيه سلامتنا دنيا وأخرى, روى البخاري ومسلم عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ, فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ, قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ, قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ".
انظروا -أيها الإخوة- كيف عالج الإسلام هذه المشكلة؛ لأنَّ كلام الرجل هذا كلامٌ مُبَطَّنٌ, فيه اتهام للزوجة بطريق غير مباشر, ولا دليل عنده ولا برهان.
لقد ردَّه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- إلى حسن الظن الذي فيه سلامة دينه وآخرته, وذلك بضرب المثل الواقعي, ولا غرابة أن يكون هذا السواد الذي أصاب الولد هو من أصول أبيه, أو أصول أمه.
أيها الإخوة الكرام: علِّموا نسائكم ومحارمكم: أنَّ سوء الظن بشكل عام, وبالزوج خاصةً من قبل الزوجة, كبيرةٌ من الكبائر, وهذه الكبيرة توقع المرأة في كبائر أخرى, منها:
أولاً: بسوء الظن تحتقر المرأة زوجها -والعياذ بالله تعالى-, واحتقار المسلمين بشكل عام لا يجوز, فكيف بالمرأة التي تحتقر زوجها, وهي تعلم قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا يَسْجُدُ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"(رواه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-)؟
ثانياً: بسوء الظن تقصِّر المرأة في واجباتها نحو زوجها, وهذا ما يفسد العلاقة بينهما, وكم من امرأة قصَّرت في حق زوجها بسبب سوء ظنها, فبات زوجها عليها غضبان, وبذلك تلعنها الملائكة ومن في السماء؟
ثالثاً: بسوء الظن يطول لسان الزوجة على زوجها بالإيذاء له, وكلُّنا يعلم حديث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, عندما ذُكرت عنده المرأةُ التي تُكثر من الصلاة والصيام, إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها, فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "هي في النار" (رواه الإمام أحمد).
هذا إذا كان في حق جيران المرأة, فكيف بمن تؤذي زوجها بلسانها؟
رابعاً: بسوء الظن تقع المرأة في التجسُّس على زوجها, وتتبُّع عوراته, والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- حذَّر من هذه الكبيرة بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ, لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ, وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ"(رواه الإمام أحمد عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه-).
انظروا -أيها الإخوة الكرام- إلى هذه الكبيرة التي جرَّت من ورائها كبائر وموبقات ومهلكات, وقد يؤدي هذا إلى إفلاس العبد يوم القيامة.
لو أحسنت المرأة ظنها لكان خيراً لها؛ لأن حسن الظن تؤجر عليه يوم القيامة, وإن كانت الحقيقة خلاف ذلك, أما سوء الظن فقد يوقعها في الإثم يوم القيامة إذا كانت الحقيقة خلاف ذلك, وصدق الله القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات: 12].
أيها الإخوة الكرام: طوبى للمرأة لو اشتغلت بعيوب نفسها فأقبلت على إصلاحها, ورحم الله من قال: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الآخرين".
طوبى للمرأة التي تقرأ القرآن بتدبُّر, وكذلك أحاديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- التي تحضُّ على حسن الظن بالآخرين, وطوبى للمرأة التي استحضرت الوقوف بين يدي الله -عز وجل-, وهي تتذكَّر قول الله -تعالى-: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين)[المطففين: 4 - 6].
وإذا وقعت المرأة في سوء الظن نحو زوجها فعليها أن تتفكَّر في هذه الكلمات التي ذكرناها, فإن لم تستطع على حسن الظن فلا أقل في أن لا تعمل بسوء الظن, وذلك باتخاذ القرارات وإصدار الأحكام على زوجها, حتى لا تقع في الإثم الذي يجعلها -لا قدَّر الله -تعالى- في نار جهنم إذا لم يسامحها زوجها, ولم يغفر لها ربنا -عز وجل-.
أسأل الله -تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يرزقنا حسن الظن بالله -تعالى-, وحسن الظن بالناس.
أقول هذا القول، وكلٌّ منا يستغفر الله العظيم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات