اقتباس
لا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية، ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها، تسابقا إلى تعلمها، وحرصا عليها، فالمقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالإبقاء على اللغة لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن...
من كتاب خطبة الجمعة في الكتاب والسنة
1- هل يصلي بالناس الجمعة غير الخطيب؟
السنة أن من يتولى الخطبة يتولى الصلاة كذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما بنفسه وكذلك خلفاؤه من بعده. وإن خطب رجل وصلى آخر لعذر جاز ذلك، نص على ذلك الإمام أحمد.
2- إذا قرأ الخطيب آية تشتمل على سجدة وهو يخطب فهل يسجد سجود التلاوة؟
قال العلماء -رحمهم الله-: إن شاء سجد وإن ترك السجود فلا حرج، فعله عمر وترك، على أن سجود التلاوة ليس بواجب في الأصل.
3- ما حكم الموالاة في الخطبة والموالاة بينها وبين الصلاة؟
الموالاة لا بد منها في الخطبة فلا يترك الخطبة إلا لأمر مهم يقضيه في وقت وجيز وبعد ذلك يبنى على ما مضى من خطبته، وكذلك تلزم الموالاة بين الخطبة والصلاة إلا لأمر مهم كالطهارة ونحوها.
4- ما حكم استقبال الإمام الناس والعكس؟
استقبال الإمام الناس مستحب عند جمهور أهل العلم، ومن لازمه استدباره القبلة ولكن هذا يغتفر لئلا يستدبر القوم الذين يقوم بوعظهم، وكذلك يستقبل الناس الإمام والقبلة معا.
ومن حكمة استقبالهم للإمام: التهيؤ لسماع كلامه، وسلوك الأدب معه، فالمأموم إذا استقبل الخطيب بوجهه، وأقبل عليه بجسده كان ذلك أدعى إلى استقباله بقلبه، وتفهم موعظته.
5- كلمة: "أما بعد":
يشرع للخطيب أن يأتي في خطبته بهذه الكلمة: "أما بعد" فقد ورد في الحديث عن المسور بن مخرمة قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته حين تشهد يقول: "أما بعد" (رواه البخاري)، قال العلامة سيبويه -رحمه الله-: "معناها مهما يكن من شيء بعد"، وقال الزجاج: "إذا كان الرجل في حديث فأراد أن يأتي بغيره قال: أما بعد"، والدال مضمومة فهو مبني على الضم، واختلف في أول من قالها، فقيل: داود، وقيل: يعقوب -عليهما السلام-، وقيل: يعرب بن قحطان، وقيل: كعب بن لؤي، وقيل: سحبان وائل، وقيل: قس بن ساعدة، والأول أشبه.
6- ما حكم الإتيان بالشعر في خطبة الجمعة؟
وللإجابة عن هذا السؤال أنقل فتوى سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ/ عبد العزيز بن باز -حفظه الله-، حيث ورد إليه سؤال جاء على النحو الآتي:
سائل يقول: هل الاستشهاد ببعض الشعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق والجهاد في سبيل الله أمر مشروع؟
الجواب: لا شك بذلك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من الشعر لحكمة"، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد ينشد معهم عليه الصلاة والسلام:
والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سـكينة علينا *** وثبـت الأقـدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينـا
كان رافعا بها صوته يقول: "أبينا"، أبينا، أبينا".
كما أن عليه الصلاة والسلام أنشدهم وهم يحفرون الخندق.
فالمقصود أن إنشاء الشعر الحق الطيب في الخطب والمواعظ والمحاضرات وخطب الجمعة والأعياد لا بأس به لأنه يؤثر ويحصل به خير عظيم.
7- إذا كان أكثر المصلين لا يتكلمون العربية فما حكم ترجمة الخطبة باللغة التي يعرفها المصلون؟
وإليك -أخي القارئ- هذا السؤال الموجه لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز مع جوابه، نشر السؤال وجوابه في مجلة الدعوة السعودية - العدد 1020 القارئ وحيد الدين أحمد بعث إلينا سؤالا يقول فيه: س- حصل خلاف بيننا حول جواز ترجمة الخطبة بلغتنا الوطنية، فبعضنا يرى الجواز وبعضنا يرى المنع فما الحكم الشرعي في ذلك؟ أفيدونا -أفادكم الله-.
ج: قد تنازع العلماء -رحمة الله عليهم- في جواز ترجمة الخطب المنبرية في يوم الجمعة والعيدين باللغات العجمية، فمنع ذلك جمع من أهل العلم رغبة منهم رضي الله عنهم في بقاء اللغة العربية والمحافظة عليها والسير على طريقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- في إلقاء الخطب باللغة العربية في بلاد العجم وغيرها تشجيعا للناس على تعلم اللغة العربية والعناية بها.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى جواز ترجمة الخطب باللغة العجمية إذا كان المخاطبون أو أكثرهم لا يعرفون اللغة العربية نظرا للمعنى الذي من أجله شرع الله الخطبة، وهو تفهم الناس ما شرعه الله لهم من الأحكام، وما نهاهم عنه من المعاصي، وإرشادهم إلى الأخلاق الكريمة، والصفات الحميدة، وتحذيرهم من خلافها.
ولا شك أن مراعاة المعاني والمقاصد أولى وأوجب من مراعاة الألفاظ والرسوم، لا سيما إذا كان المخاطبون لا يهتمون باللغة العربية ولا تؤثر فيهم خطبة الخطيب بها تسابقا إلى تعلمها وحرصا عليها، فالمقصود حينئذ لم يحصل، والمطلوب بالإبقاء على اللغة لم يتحقق، وبذلك يظهر للمتأمل أن القول بجواز ترجمة الخطب باللغات السائدة بين الخاطبين التي يعقلون بها الكلام ويفهمون بها المراد أولى وأحق بالاتباع، ولا سيما إذا كان عدم الترجمة يفضي إلى النزاع والخصام، فلا شك أن الترجمة والحالة هذه متعينة لحصول المصلحة بها وزوال المفسدة.
وإذا كان في المخاطبين من يعرف اللغة العربية، فالمشروع للخطيب أن يجمع بين اللغتين، فيخطب باللغة العربية ثم يعيدها باللغة الأخرى التي يفهمها الآخرون، وبذلك يجمع بين المصلحتين، وتنتفي المضرة، وينقطع النزاع بين المخاطبين.
ويدل على ذلك من الشرع المطهر أدلة كثيرة منها ما تقدم، وهو المقصود من الخطبة نفع المخاطبين وتذكيرهم بحق الله ودعوتهم إليه، وتحذيرهم مما نهى الله عنه، ولا يحصل ذلك إلا بلغتهم، ومنها: أن الله -سبحانه وتعالى - إنما أرسل الرسل -عليهم السلام- بألسنة قومهم ليفهموهم مراد الله –سبحانه- بلغاتهم كما قال عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) [إبراهيم: 4]، وقال عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [إبراهيم: 1]، وكيف يمكن إخراجهم به من الظلمات وهم لا يعرفون مراد الله منه؟ فعلم أنه لا بد من ترجمة تبين المراد وتوضح لهم حق الله -سبحانه- إذا لم يتيسر لهم تعلم لغته والعناية بها.
ومن ذلك: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود ليكاتبهم بها ويقيم عليهم الحجة، كما يقرأ كتبهم إذا وردت ويوضح للنبي -صلى الله عليه وسلم- مرادهم.
ومن ذلك: أن الصحابة -رضي الله عنهم- لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بواسطة المترجمين، ولما فتحوا البلاد العجمية دعوا الناس إلى الله -سبحانه وتعالى- باللغة العربية، وأمروا الناس بتعلمها، ومن جهلها منهم دعوه بلغته وأفهموه المراد باللغة التي يفهمها، فقامت بذلك الحجة، وانقطعت المعذرة.
ولا شك أن هذا السبيل لا بد منه ولا سيما في آخر الزمان، وعند غربة الإسلام، وتمسك كل قبيل بلغته، فإن الحاجة للترجمة ضرورية ولا يتم للداعي دعوة إلا بذلك.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين أينما كانوا للفقه في دينهم، والتمسك بشريعته، والاستقامة عليها، وأن يصلح ولاة أمورهم، وأن ينصر دينه، ويخذل أعداءه، إنه جواد كريم.
التعليقات