عناصر الخطبة
1/الجنة لا يدخلها إلا طيب 2/تمحيص الذنوب يكون في الدنيا والقبر والقيامة وبيان ذلك 3/التمحيص في النار بقدر كثرة الخبث وقلته 4/التحذير من استدراج الله للعبد 5/المبادرة إلى التوبة والتكفير عن السيئات.اقتباس
التمحيص إما أن يكونَ في الدنيا بأربعة أشياء، أو يكونَ في القبر بثلاثة أشياء، أو يكونَ في الموقف -بأرض المحشر في يوم مقداره خمسين ألف سنة- بأربعة أشياء, وإذا لم تفِ تلك الأمور لا يبقى سوى النَّار -عياذا بالله- لدخولها؛ للتمحيص...
الخطبة الأولى:
الحمدلله على نعمه وآلائه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
أَمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤَمِّنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ-, فَبِالتَّقْوَى تُنَالُ الرّحمات وَيَفُوزُ المُتّقُونَ بِالجَنَّاتِ.
عبادَ الله: من المعلوم أن الجنَّة طيبة، لا يدخلها إلا طيب, كما قال -تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[النحل: 32], وقوله -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر: 73], والذي يقترف الذنوب والمعاصي لا يكون طيباً, وإنما يلزم تمحيصه وتطييبه من تلك الذنوب والآثام؛ لكي يدخل الجنَّة ممحصاً من الذنوب كتمحيص الذهب والفضة من خبثهما.
وهذا التمحيص إما أن يكونَ في الدنيا بأربعة أشياء، أو يكونَ في القبر بثلاثة أشياء، أو يكونَ في الموقف -بأرض المحشر في يوم مقداره خمسين ألف سنة- بأربعة أشياء, وإذا لم تفِ تلك الأمور لا يبقى سوى النَّار -عياذا بالله- لدخولها؛ للتمحيص من تلك الذنوب، كإدخال الذهب في الكير لتمحيصه من الشوائب.
أما التمحيص الذي يكون في دار الدنيا فهو بأربعة أشياء: بالتوبة، والاستغفار، وعمل الحسنات الماحيات، والمصائب المكفرة, فإن محّصته هذه الأربعة كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وإن لم تفِ هذه الأربعة بتمحيصه وتخليصه من ذنوبه، حيث لم تكن التوبة نصوحاً مثلاً, ولم يكن الاستغفار كاملاً تاماً, وهو المصحوب بمفارقة الذنب والندم عليه, ولم تكن الحسنات وافية بالتكفير، ولا المصائب كذلك؛ فإنه سيُمحص في القبر بثلاثة أشياء:
أحدها: صلاة أهل الإيمان عليه, واستغفارهم له, وشفاعتهم فيه، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ"(رواه مسلم).
الثاني: تمحيصه بفتنة القبر، وروعة الفتان، والعصرة، والانتهار، وتوابع ذلك من أنواع عذاب القبر.
الثالث: ما يُهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال؛ من الاستغفار, والدعاء له, والصدقة عنه, والحج والصيام عنه, ونحو ذلك وجعل ثواب ذلك له.
فإن لم تفِ هذه بالتمحيص مُحص بين يدي ربه -عز وجل- في الموقف بأربعة أشياء: أهوال يوم القيامة، وشدة الموقف، وشفاعة الشفعاء، وعفو الله -عز وجل-.
فإن لم تُفدْ هذه الثلاث مراحل بتمحيصه –وهي: مرحلة الدنيا, ومرحلة البرزخ, ومرحلة المحشر- فلابد له من دخول الكير رحمةً في حقه؛ ليتخلص ويتمحص ويتطهر في النَّار، فتكون النَّار طُهرة له وتمحيصاً لخبثه، ويكون مكثه فيها على حسب كثرة الخبث وقلته، وشدته وضعفه وتراكمه، فإذا خرج خبثه وصفي ذهبه وصار خالصاً طيباً أُخرج من النَّار وأُدخل الجنَّة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا طيب, قال -تعالى-: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر: 73].
فمن اقترف ذنبا -يا عباد الله- فليبادر إلى التوبة؛ ليُكفر عنه ما اقترفته يداه، وإلا فإن عقوبة ذلك الذنب سوف يلاحقه في الدنيا, أو في البرزخ, أو في يوم القيامة, إلا أن يعفو الله -تعالى- عنه؛ ولذلك أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضرورة المبادرة إلى التوبة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن"(رواه أبو داود والترمذي).
والسعيد من يعاقبه الله -تعالى- بذنبه في الدنيا؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة, حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا, وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ؛ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه الترمذي), وروى عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه- قال: أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية, فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها, فقالت: مهٍ؛ فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام، فتركها وولى فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها؛ حتى أصاب الحائط وجهه، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأمر فلم يوبخه على فعله, ولم يشمت به, وقد جاءه ووجهه يسيل دما كما في رواية أخرى، وإنما قال له -: "أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللهُ بِكَ خَيْرًا، إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا، عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا، أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ"(رواه الطبراني وصححه الألباني).
فمن عاقبه الله -عز وجل- في الدنيا بحد شرعي أو مصيبة أو نحوها، فإنه لا يعاقب في الغالب في الآخرة، حيث روى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا, وَلا تَزْنُوا وَلا تَسْرِقُوا, وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ, وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ, وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ؛ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ, وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ"(رواه البخاري ومسلم).
وهذا الحديث لا يفيد أن يتمنى المسلم أن يعاقب في الدنيا على ذنوبه، بل يسأل الله دائما العافية؛ لذلك لا يجوز الدعاء بتعجيل العقوبة على النفس في الدنيا؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ, فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -عليه الصلاة والسلام-: "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟", قَالَ: نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "سُبْحَانَ اللَّهِ لا تُطِيقُهُ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ! أَفَلا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ"(رواه مسلم).
لذلك فإن الله -عز وجل-كثيرا ما يعجل عقوبة بعض الصالحين في الدنيا, ليتوبوا وليمحصهم ببلاء الدنيا عوضا عن عذاب الآخرة, نظر أحد العباد إلى صبي فتأمل محاسنه، فأُتي في المنام وقيل له: لتجدن عاقبتها بعد حين، وبعد أربعين سنة نسي حفظ القرآن, وقال بعض السلف: "إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي".
إننا نرى كثيرا من الناس يغالط نفسه ويقول: ها أنا عملت ذنوبا، ولم أرَ لها تأثيرا عليّ وعلى حياتي، وما علم المسكين أن الذنب لا ينساه الله -عز وجل-, وسيرى أثره ولو بعد حين في الدنيا أو في قبره أو في محشره أو أنه مستدرج، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "اعْبُدُوا اللَّهَ كَأَنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، وَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ قَلِيلًا يُغْنِيكُمْ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ يُلْهِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْبِرَّ لَا يَبْلَى، وَأَنَّ الْإِثْمَ لَا يُنْسَى"(مصنف ابن أبي شيبة).
ومن ناحية أخرى ليس كل من أذنب عاقبه الله -عز وجل-في الدنيا، إذ لو فعل ذلك -سبحانه وتعالى- لأهلك من في الأرض جميعا, ألم تسمعوا قول الله -عز وجل-: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)[فاطر: 45].
فينبغي أن نعلم سنن الله -عز وجل- في عباده، فقد يكون هذا العبد مستدرج، وماذا نعني بمستدرج؟ هذا ما سنعرفه بعد قليل بإذن الله -تعالى-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحليم البصير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى واحذروا الاستدراج؛ فإنه سنة ربانية يجهلها أو يغفل عنها كثير من الناس، فإذا رأيت نفسك ترفل في نعم الله وأنت مقيم في معصية الله فاعلم أنك مستدرج, فقد روى عُقْبَةُ بْن عَامِرٍ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 44]"(رواه الإمام أحمد).
إن بعض الناس قد يعمل معصية أو يقصّر في عمل فيقول طالما أنه لم تأتني مصيبة أو رؤيا في المنام؛ فهذا يدل على رضا الله عني أو تغاضيه عن جرمي، ومنهم من يقول: لو كنت قد ارتكبت جرما عظيما يغضب الله -عز وجل-؛ لرأيت على سبيل المثال من ينهاني أو ينبهني إلى ذلك ولو في المنام, أو لأصابني الله -تعالى- بالمصائب ونحو ذلك، وقد يستدل هذا الجاهل بحديث ضعيف غير صحيح, روي عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا عاتبه في منامه"؛ فهذا أولا حديث غير صحيح فلا يستدل به، كما ينبغي أن تعلم بأنك لست بنبي أو ولي؛ حتى يعاملك الله بما أردت أو تمنيت، إذ قد تكون مستدرجا -عياذا بالله- بذنبك، أو أن عقوبة ذنبك لا زالت مدخرة لك إلى حينٍ، في الدنيا أو في البرزخ أو في الموقف.
لذلك إذا وقعت في معصية فبادر إلى التوبة منها وعمل الحسنات الكثيرات, قال -تعالى-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114], فإن لم تفعل فإن ذلك الذنب سيلاحقك لا محالة؛ إما في الدنيا أو في القبر أو في أرض المحشر كما فصلنا ذلك في أول الخطبة، إلا أن يعفو الله عنك.
وتفكر في كثير من السلف الذين وقعوا في بعض المعاصي؛ كيف كفَّروا عنها بكثرة العتق والصيام, والصدقة والاستغفار؛ خوفا أن يلاحقهم ذلك الذنب في قبورهم أو آخرتهم, انظر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صلح الحديبية عندما عارض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرأي، فقد غضب عندما أحس بأن الصلح الذي عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قريش فيه إجحاف وعدم إنصاف للمسلمين, وتنازل عن حقوقهم, فجاء إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قائلا له: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى, قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ, قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي"(متفق عليه), فكفَّر عن مقولته تلك بالشيء الكثير، حيث قال: "مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ".
وتأمل -يا عبد الله- إلى فعل عائشة -رضي الله عنها- عندما حلفت ألا تكلم ابن أختها عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-, فتوسط بعض الصحابة وأكثروا عليها التذكير والتحريج, فقالت: "إِنِّي نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا"(رواه البخاري).
فبادروا إلى التوبة من الذنوب قبل الممات لئلا تذوقوا عاقبتها؛ فإن للذنوب عواقب في الدنيا وفي البرزخ وفي أرض المحشر.
أسأل الله -عز وجل- أن يطهر قلوبنا من النفاق, وأعمالنا من الرياء, وألسنتنا من الكذب, وأعيننا من الخيانة، اللهم إنا نسألك العافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وارزقنا الثبات حتى الممات.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَمَ-:"مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
التعليقات