اقتباس
خيرَ ما يقَعُ به الشُّكرُ لله ربِّ العالمين المُنعِم بهذا الإمدادِ والفُسحةِ في الأجل: أن يبدأُ المسلمُ عامَه بالصيام التي تُرَوَّضُ فيه النفسُ على كبحِ جِماحِها إزاءَ الشهوات المُحرَّمة، والنَّزَواتِ والشطَحَات، وتسمُو به لبلوغِ الكمالاتِ الروحية، وتغدُو به أقربَ إلى كلِّ خيرٍ يُحبُّه الله ويرضَاه، وأبعَدَ عن كلِّ شرٍّ حذَّر منه ونهى عنه.
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "شهر المُحرَّم ويوم عاشوراء"، والتي تحدَّث فيها عن نعمِ الله تعالى على عبادِه بتكرار مواسِم الخيرات، ووجوبِ شُكر العبدِ ربَّه على إدراكِه هذه المواسِم أعوامًا عديدة، ومما يُعيدُه الله على عبادِه: صيام يوم عاشوراء، فذكرَ ما له من فضائل، وبيَّن السُّنَّة في صيامِه.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقُوا الله - عباد الله -، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
وأضاف الشيخ: إنَّ إشراقَ شمسِ شهرِ اللهِ المُحَرَّم هو مطلعُ عامٍ جديدٍ، وبدايةُ مرحلةٍ من مراحِلِ العمر، تبعثُ على السعادةِ والغِبطَة، وتُشيعُ السُّرورَ في جنَبَاتِ النفس، أن منَّ الله على عبده، فأمدَّ له في أجَلِه، وأطالَ في عُمُره، حتى أدرَكَ ما قعَدَ بغيره الأجلُ عن إدراكِه، وحظِيَ بما حُرِمَ منه من أمسى رَهِينَ قبره، من أهلِه وإخوانِه وأحبَّته وعُشرائِه.
وتلكَ نعمةٌ ما أجلَّها، ومنَّةٌ ما أعظَمَها، وما أعظمَ حقَّ المُنعِم بها - سبحانه - في وجوبِ الشُّكرِ له عليها، باغتِنام فُرصَتها لاستِصلاحِ ما فسَد، وتدارُكِ ما فاتَ، واستِكمالِ ما نقَص، بالسعيِ إلى التَّرقِّي في مدارجِ الباقياتِ الصالحات، واستِباقِ الخيرات.
وأكد فضيلته أن خيرَ ما يقَعُ به الشُّكرُ لله ربِّ العالمين المُنعِم بهذا الإمدادِ والفُسحةِ في الأجل: أن يبدأُ المسلمُ عامَه بالصيام التي تُرَوَّضُ فيه النفسُ على كبحِ جِماحِها إزاءَ الشهوات المُحرَّمة، والنَّزَواتِ والشطَحَات، وتسمُو به لبلوغِ الكمالاتِ الروحية، وتغدُو به أقربَ إلى كلِّ خيرٍ يُحبُّه الله ويرضَاه، وأبعَدَ عن كلِّ شرٍّ حذَّر منه ونهى عنه.
وبين الشيخ أنَّ للصيام في هذا الشهر مزِيَّةً وفضلًا عظيمًا، أخبَرَ عنه رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -، بقوله في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلمُ بن الحجاج - رحمه الله - في "صحيحه"، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضان: شهرُ اللهِ المُحَرّم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضة: صلاةُ الليل».
وأشار الشيخ إلى أن الصوم حين يقعُ في شهرٍ حرامٍ فإن الفضلَ يقترِنُ فيه بالفضلِ، فيتأكَّدُ فعلُه بشرفِه في ذاتِه، وبشرفِ زمانِه، وإن آكَدَ الصيامِ في هذا الشهرِ: صومُ يومِ عاشوراء، ذلك اليوم الذي نصرَ الله فيه موسى - عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام -، ومن معه من المؤمنين، على الطاغيةِ فرعون الذي عَلَا في الأرض، وجعلَ أهلهَا شِيعًا يستضعِفُ طائفةً منهم، يُذبِّحُ أبناءَهم، ويستحيِي نساءَهم. فكان عاقِبتَه الإهلاكُ بالغرَقِ في اليَمِّ جزاءَ استِكبارِه، واستِكبارِ جنوده في الأرض بغيرِ الحقِّ.
وأضاف الشيخ: إن يومَ عاشوراء، مع كونِه يومَ النصرِ لموسى وقومِه، على الطاغيةِ فرعون وقومِه، فإنه مع ذلك من أيامِ الله التي جعلَ لها من الفضل العظيم ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمامُ مُسلم بن الحجاج - رحمه الله - في "صحيحِه"، عن أبي قتادةَ - رضي الله عنه -، أن رجُلًا سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلمَ - عن صيامِ يومِ عاشوراء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إني أحتسِبُ على الله أن يُكفِّر السنةَ التي قبلَه».
وختم الشيخ خطبته ببيان مراتب صيام يوم عاشوراء والحث عليها، فقال وفقه الله: ومن السُّنَّة أن يُصامَ يومٌ قبلَه، أو يومٌ بعدَه. فمراتِبُ صومِه ثلاثةٌ: أكمَلُها: أن يُصامَ قبلَه يومٌ وبعده يوم، ويلِي ذلك: أن يُصامَ التاسعُ والعاشرُ، وعليه أكثرُ الأحاديث، ويلِي ذلك: إفرادُ العاشرِ وحدَه بالصوم". اهـ كلامُه - رحمه الله -. فاتَّقُوا الله - عباد الله -، واغتنِمُوا هذا الفضلَ العظيم، واحرِصُوا على إدراكِ هذا الخير العَمِيم، وخُذُوا منه بأوفرِ النصيبِ تفُوزُوا بالأجرِ الكريمِ، والثوابِ الجزيل، من الجوادِ الكريم، ذي الإجلالِ والإكرام، والطَّولِ والإنعام.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الله البعيجان - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "العام الجديد .. وشهر الله المُحرَّم"، والتي تحدَّث فيها عن العام الجديد الذي حلَّ على الناسِ، وضرورةِ التذكُّر والاعتِبار، واغتِنام أيامِه وشهوره في مرضاةِ الله تعالى، مُبيِّنًا بدايةَ التأريخ الهجريِّ، كما ذكرَ فضلَ صيام شهر المُحرَّم، وفضلَ صيام يوم عاشوراء خصوصًا.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - عبادَ الله - ونفسي بتقوَى اللهِ - جلَّ وعلا - في السرِّ والنجوَى؛ فهي وصيَّةُ اللهِ للأولِين والآخِرِين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
وأضاف الشيخ: اعلَمُوا - رحِمَكم الله - أن الزمانَ سيَّار، وقد أدبَرَ عامُه واستدَار، وما مضَى فلن يعُود، وكلُّ لحظةٍ تمرُّ تزُفُّك - عبدَ الله - إلى يومٍ موعود، وشاهِدٍ ومشهودٍ، وإلى فِراقٍ ولُحُودٍ. فاغتنِمُوا الفرصةَ، وحاسِبُوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبُوا، وتزيَّنوا للعرضِ الأكبرِ، وإنما يخِفُّ الحسابُ يومَ القيامةِ على من حاسَبَ نفسَه في الدنيا.
وقال حفظه الله: قد دخَلتُم في عامٍ جديد، بدايتُه شهرٌ حرام، ونهايتُه شهرٌ حرام. طِبتُم في غُرتِّه وسائرِ أيامِه، وبُورِكَ لكم في أوقاته وأزمانه. وشهرُ محرَّم من الأشهُرِ الحُرمِ، فحرِيٌّ بالمسلم أن يستقبِلَ عامَه الجديدَ بطاعةِ اللهِ - عز وجلَّ -، والانقِيادِ لأوامرِه، والاستِعدادِ للقائِه، وأن يستشعِرَ ويعرِفَ للأشهر المُحرَّمة حُرمَتَها وفضلَها ومكانتَها، وتلك طاعةٌ يُلتمَسُ ثوابُها، ويُحذَرُ من عقابِها. قال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "إن الله افتَتَحَ السنةَ بشهرٍ حرامٍ، واختَتَمَها بشهرٍ حرامٍ، فليس شهرٌ في السنة بعد شهرِ رمضان أعظمَ عند الله من المُحرَّم، وكان يُسمَّى: "شهرُ الله الأصمُّ"، من شدَّة تحريمه".
وقال وفقه الله: وقد رغَّبَ الشارِعُ في صيام شهر المُحرَّم تطوُّعًا، فاحرِصُوا على أن يكون لكم أكثر نصيبٍ من فضلِه. فعن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضان: شهرُ اللهِ المُحَرَّم، وأفضلُ الصلاةِ بعدَ الفريضة: صلاةُ الليل» (رواه مسلم).
وأشار الشيخ إلى أنه قد رجَّحَ كثيرٌ من أهلِ العلم أن شهرَ مُحرَّم أفضلُ الأشهُرِ الحُرُم، ولعِظَمِ مكانتهِ في نفوس الصحابة، استأنَفُوا به تقويمَ السنةِ الهجريةِ. ففي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، جمَعَ الناس واستشارَهم: من أين يُبدأُ التاريخ؟ فقيل: يُبدأُ من مولدِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وقيلَ: من بِعثتِه، وقيلَ: من هِجرتِه، وقيلَ: من وفاتِه، وترجَّحَ في رأيِه - رضي الله تعالى عنه - أن يُبدأَ من الهجرة؛ لأنَّ الله فرَّقَ بها بين الحقِّ والباطلِ، ولأنها هي التي كان فيها قيامُ كِيانٍ مُستقِلٍّ للمسلمين.
ثم شاورَ عمرُ الصحابةَ - رضي الله تعالى عنهم - من أيّ شهرٍ يبدؤُون السنةَ، فقيلَ: من ربيعٍ الأول؛ لأنه الشهر الذي قدِمَ فيه النبي - صلى الله عليه وسلم – مُهاجِرًا إلى المدينة، وقيلَ: من رمضان، ثم اتَّفقَ عمرُ وعثمانُ وعليٌّ - رضي الله تعالى عنهم - على البدءِ بشهرِ الله المُحرَّم، وتلقَّت الأمةُ بأَسْرِها ذلكَ بالقبول؛ لأنه شهرٌ حرامٌ، ويلِي ذي الحجَّةِ شهرٍ حرامٍ، ويلِي الشهرَ الذي بايَعَ فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأنصارَ على الهجرة، فكان أَولَى الشهور بالأولوية.
وحذر فضيلته من الغفلة عن كر الأيام فقال: لا للَّهو خُلِقتَ ولا للَّعِبِ ولا للهَزَل .. ولا للنومِ ولا للطعامِ ولا للكسلِ. فبادِر وبادِر ودَع عنك العِلَل .. واغتَنِمِ الفُرصةَ قبل فواتِ الأمَلِ، ولا تكُن كمن نعَاه الحادِي:
قَطَعْتَ شُهورَ العامِ لهوًا وغفلةً *** ولم تَحْتَرِم فيما أتَيْتَ المُحَرَّمَا
فلا رجَبًا وافَيْتَ فيه بِحَقِّهِ *** ولا صُمتَ شهرَ الصَوْمِ صومًا مُتَمَّمَا
ولا في ليَالي عشرِ ذي الحجَّةِ الذي *** مضَى كُنْتَ قَوَّامًا ولا كُنْتَ مُحْرِمَا
فَهَل لك أن تمحُو الذُّنوبَ بِعَبرةٍ *** وتبكِي عليهَا حسرةً وتنَدُّمَا
وتستقبِلَ العامَ الجديدَ بِتَوبةٍ *** لعلَّك أن تمحُو بِهَا ما تَقَدَّمَا
وأكد الشيخ أن يوم عاشوراء يومٌ عظيم، وفضلُه قديم، قد اختصَّ بخصائِصَ تاريخيةٍ ودينيَّة؛ منها: مشروعيَّةُ صيامِه، فقد كان نبيُّ الله موسى - عليه الصلاة والسلام - يصومه، وكانت قريشٌ تصومه، فلما قدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم – المدينةَ وجَدَ اليهودَ يصومونَه، فلما كان في العام القابِلِ صامَه وأمَرَ بصيامِه، ثمَّ فُرضَ شهرُ رمضانَ ذلك العام، فنُسِخَ وجوبُ صومِ عاشوراء، وبقِيَ صومُه مُستحبًّا على الراجِح.
واستدل الشيخ بما صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيرِه، إلا هذا اليومَ يومَ عاشوراء، وهذا الشهرَ - يعني: شهر رمضان -" (رواه البخاري). وبما ثبت في "صحيح مسلم" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيامُ يومِ عرفةَ أَحتسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه والسنةَ التي بعده، وصيامُ يومِ عاشوراءَ أَحتسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه».
وأشار الشيخ إلى أنه قد بلَغَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر عُمُره أن اليهود يتَّخِذُون عاشوراء عيدًا، فهَمَّ أن يصومَ التاسعَ والعاشرَ من العامِ المُقبل، فحالَتْ دونَه المنيَّة. فالأفضلُ - عباد الله - أن يُصام يومٌ قبلَه، خلافًا لليهود، ومن غُلِب فلا يُغلبنَّ على صيام اليوم العاشر.
وبيَّن الشيخ أن من خصائص هذا اليوم: أنَّه يومٌ نجَّى الله فيه موسى وأهله، وأهلَك فرعون وقومه، ولهذا صامَه موسى وبنو إسرائيل شكرًا لله - عزَّ وجل -، ثم صامه النبي - صلى الله عليه وسلم – شكرًا لله -عزَّ وجل-.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير ومن الابتداع في يوم عاشوراء فقال: فهذا ما في هذا اليوم من الخصائص، وقد انتَحَلَ الوضَّاعُون في شأنه وأمره مُفترياتٍ كثيرة، لم تصِحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن الصحابةِ الكرام، وعلى عن أئمَّةِ السلف، فجعلَ بعضُ الناس يغلُو فيه فيبتدِعَ عباداتٍ لم تُشرَع، ويتشبَّثَ بأوهامٍ وضلالاتٍ لم يُوفَّق للخيرِ في مُلابسَاتِها.
فاتَّقُوا الله - عباد الله - في أنفسكم وفي دينِكم، لا تبتدِعُوا ولا تُحرِّفُوا شريعةَ الله؛ فقد ائتُمِنتُم وأنتم خيرُ أمةٍ أُخرِجَت للناس، وحُذِّرتُم وأنتم أمةٌ وسَطًا، وقد ترَكَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على مثل البيضاء، ليلُها ونهارهُا سواء، «ومن أحدَثَ في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ»، «ومن عمِلَ عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».
والله لا يُتعبَّدُ إلا بما شرعَ على لسان نبيِّهِ - عليه الصلاة والسلام -، وفيه كفاية، الزيادةُ عليه إفراطٌ وغلوٌّ وتنطُّع، والتقصيرُ فيه تفريطٌ وتساهُل، وحسبُنا قولُ ربِّنا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
قال حذيفةُ - رضي الله تعالى عنه -: "كل عبادةٍ لم يتعبَّدها أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فلا تعبَّدُوها؛ فإن الأولَ لم يدَعْ للآخرِ مقالًا. اتَّقُوا الله وخُذُوا طريقَ من كان قبلَكم، فواللهِ لئِن استَقمتُم لقد سبقتُم سَبقًا بعيدًا، ولئِن تركتمُوه يمينًا وشمالًا، لقد ضللتُم ضلالًا بعيدًا".
التعليقات