اقتباس
إن أعظمَ نعمة، وأكبر خيرٍ ينالُه العبدُ هو الفهمُ الصحيح في كتاب الله -تعالى-، وفي سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع العمل على مِنهاج السلف الصالح الذين هم خيرُ القرون. فلا ينفعُ الفهمُ والعلمُ بلا عملٍ صالحٍ، ولا ينفعُ العملُ بلا سُنَّةٍ وقُدوةٍ ونورٍ ودليلٍ من الوحي...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الأذان فضائل وأحكام"، والتي تحدَّث فيها عن الأذان وفضائله وفضل المُؤذِّن وما أُعدَّ له من الجزاء والأجر يوم القيامة، مع بيان فضل إجابة الأذان، ثم ذكر أبرزَ الأحكام المُتعلِّقة بالأذان.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
وأضاف الشيخ: قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فبنَى المسجِد وأقام الصلاة، ولم يكن هذا الأذان؛ بل كان المُسلمون يتحيَّنون وقت الصلاة فيجتمِعون في المسجِد، فاهتمَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يجمعُ الناسَ للصلاة، واهتمَّ لهمِّه المُسلِمون..إنه الحِرصُ على تميُّز هذه الأمة في شعائِرها ومظاهر دينِها.
وقال حفظه الله: قال عبدُ الله بن زيدٍ -رضي الله عنه-: فانصرفتُ إلى أهلي وأنا مهمومٌ لهمِّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فطافَ بي من الليل طائِفٌ وأنا نائِمٌ، رجلٌ عليه ثوبان أخضران، وفي يدِه ناقوسٌ يحمِلُه، فقلتُ: يا عبد الله! أتبيعُ الناقوس؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلتُ: ندعُو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
ثم استأخرَ عني غير بعيدٍ، ثم قال: وتقولُ إذا أقمتَ الصلاة: "الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامَت الصلاة قد قامَت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
وقال وفقه الله: قال عبدُ الله بن زيدٍ -رضي الله عنه-: فلما أصبَحتُ أتيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: "إنها لرؤيا حقّ إن شاءَ الله"، فقُم مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيت فليُؤذِّن به، فإنه أندَى صوتًا منك. فقمتُ مع بلالٍ فجعلتُ أُلقِيه عليه ويُؤذِّنُ به.
وقال حفظه الله: كلماتُ الأذان إعلانٌ بتوحيد الله وتكبيره وتهليله، والشهادة بوحدانيته وبالرسالة، ودعوةٌ للصلاة ودعوةٌ للفلاح. كلماتُ الأذان تغسِلُ درَنَ النفس في كل يومٍ خمسَ مرات، فهل يبقى من درَن النفوس شيءٌ بعد ذلك؟! كلماتُ الأذان تشتاقُ إليها الأفئدة، وتطمئنُّ إليها الأرواح، وتتهادَى إلى الأسماع مُعلنةً أنه لا إله إلا الله، وأنه لا أكبر من الله.
وقال وفقه الله: كلماتُ الأذان تهتِفُ - أيها المؤمن - إن كنتَ أصبتَ في الساعات التي مضَت فاجتهِد للساعات التي تتلُو، وإن كنتَ أخطأتَ فكفّر، وامحُ ساعةً بساعة؛ فالعمل يُغيِر العمل، ودقيقةٌ باقيةٌ في العُمر هي أملٌ كبيرٌ في رحمة الله. بين ساعاتٍ وساعاتٍ من اليوم يعرِضُ كل مؤمنٍ حسابَه، فيقوم بين يدي الله ويرفعُه إليه. وكيف يكون من لا يزالُ ينتظرُ طول عمره فيما بين ساعاتٍ وساعاتٍ نداء: الله أكبر؟!
وأضاف فضيلته: وكم تفوتُ الفضائلُ العظيمةُ من يسمعُ المُؤذِّن ولا يُجيبُ النداء، ولا يُردِّدُ كلمات الأذان. روى مسلم في "صحيحه" عن سعد بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه -، عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قال حين يسمعُ المُؤذِّن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا؛ غُفِر له ذنبُه".
وقال حفظه الله: فهذه - أيها المسلمون - أربعُ سُنن وأربعُ فضائل:
السنةُ الأولى: أن تقول مثلَ ما يقولُ المُؤذِّن، إلا في الحيعلتين.
والثانية: الرضا بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام دينًا.
والثالثة: الصلاةُ على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والرابعة: سُؤال الله له الوسيلة.
وأما الفضائلُ الأربع:
فالأولى: وجبَت له الجنة.
والثانية: البراءةُ من النار.
والثالثة: غُفر له ذنبُه.
والرابعةُ: حلَّت له الشفاعة.
وخامسةٌ أيضًا، وهي: أن الدعاء بين الأذان والإقامة مُستجابٌ.
وقال وفقه الله: المُؤذِّنون أطولُ الناس أعناقًا، كما أخبرَ بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم؛ ولك كنايةً عن السُؤدد والشرف، والتطلُع إلى ثواب الله تعالى. وهم أطولُ الناس أعناقًا إذا ألجمَ الناسَ العرقُ يوم القيامة.
وأضاف الشيخ: ومن أحكام الأذان: أنه سُنَّةٌ في حق الرجال دون النساء، ويُشرعُ في الحضر والسفر للجماعة والمُنفرِد، للصلاة المُؤدَّاة والمقضيَّة. والسنةُ أن يكون المُؤذِّن رفيعَ الصوت حسنَه، أمينًا عالمًا بالوقت. والسنةُ أيضًا أن يُؤذِّن قائمًا مُتطهِّرًا مُستقبِل القبلة، يلتفِتُ في الحيعلتين، مُترسِّلاً في أذانه مُتمهِّلاً، حادِرًا في الإقامة مُسرعًا.
وختم الشيخ خطبته بالتذكير بمآسي المسلمين في الشام، فقال: ففي أرضٍ من الإسلام عزيزة لم يزَل مُجرمُ الشام وعدوُّها يرتكِبُ المجازِر تلوَ المجازِر، على نحوٍ يخجلُ أن يفعلَه الأعداءُ الغُرباء في أهل بلدٍ غريب. وآخرُها ما فعلَه المُجرِم في دُوما، من قتلِه وحرقِه العشرات من الأطفال والمساكين في سوقٍ ليس بمكان حربٍ أو نزال، ولكنه الغلُّ والخُبث الذي امتلأ به جوفُه وحزبُه على العرب والمسلمين، خصوصًا وقد أسلمَ عُنقَه الذليل لعقرب المنطقة، وجمعَهم كلَّهم عداوة الملَّة والعرق والتاريخ على أهل الشام. ولا زال العالَم يتفرَّج، ولا ناصِر إلا الله.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "اتّباع الكتاب والسنة لا ابّتداع الخوارج"، والتي تحدَّث فيها عن اتباع الكتاب والسنة وفضلُه وأهميته وحذر من التأويل الفاسد، كما تحدَّث عن الخوارج ومذهبهم الخبيث، ومدى جهلهم بالكتاب والسنة وتأويلاتهم الباطلة لنصوصهما، وما ترتَّب على ذلك من سفكٍ للدماء ونهبٍ للأموال المعصومة، كما بيَّن آثار ذلك على المُجتمع المُسلم سابقًا وفي العصر الحالي.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله بالاعتصام بكتابِه، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فمن اعتصمَ بهما نجا من الفتن والبدع والضلالات، وفازَ برضوان ربِّه والجنات، وسعِد وأفلحَ في الحياة وبعد الممات.
وأضاف فضيلته: إن أعظمَ نعمة، وأكبر خيرٍ ينالُه العبدُ هو الفهمُ الصحيح في كتاب الله -تعالى-، وفي سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع العمل على مِنهاج السلف الصالح الذين هم خيرُ القرون. فلا ينفعُ الفهمُ والعلمُ بلا عملٍ صالحٍ، ولا ينفعُ العملُ بلا سُنَّةٍ وقُدوةٍ ونورٍ ودليلٍ من الوحي.
وقال حفظه الله: فالناجي من المُهلِكات والفائز بالخيرات من سعَى باكتِساب العلم النافع، والعمل الصالح.. فالعلمُ النافعُ، والعملُ الصالحُ يجمعُ الله بهما للعبد كل خيرٍ، ويحفظُه من كل شرٍّ، ويُثبِّتُ الله بذلك الأقدامَ على الصراط المُستقيم. والضلالُ الأكبرُ هو في الإعراض عن علم القرآن والسنة، والإعراض عن العمل بهما.
وقال وفقه الله: فالإعراضُ هو الخُسرانُ المُبين، والتأويلُ الفاسِد للقرآن والسنة من الإعراض عما أنزل الله -تعالى-، وهذا التأويلُ الباطلُ هو الذي أفسدَ العقولَ، وفرَّق الأمة، وأضعفَ المُسلمين، وغيَّر القلوب، وأدخلَ البدعَ على الإسلام، وأورثَ العداوة والبغضاءَ بين هذه الملَّة السَّمحة. والانحرافُ الفكريُّ والبدعُ والمُحدثات بُنِيَت على التأويل الفاسِد، والتفسير الباطل للقرآن والحديث؛ فالفِرقُ الإسلامية المُخالفةُ للصحابة والتابعين ضلُّوا في التأويل، ولم يختلفوا في التنزيل إجمالاً، فالتأويلُ الباطلُ أساسُ البدع والضلال.
وتساءل فضيلته مستنكرًا: فهل قُتِل عُثمان - رضي الله عنه - إلا بالتأويل الفاسِد؟! وهل قُتل عليٌّ - رضي الله عنه - إلا بالتأويل الفاسِد؟! وهل استحلَّ الخوارِجُ دماءَ الصحابة وأموالَهم إلا بالتأويل الفاسِد؟! وهل أنكرَ ذو الخُويصِرة قسمةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الغنائِم إلا بالتأويل الفاسِد؟!
وقال حفظه الله: ومنذ ظهر التأويل والتفسيرُ الباطل لنصوص القرآن والسنة في أواخر عهد الصحابة، تصدَّى الصحابةُ -رضي الله عنهم- لهذه البدعة، فردُّوا على الخوارِج وقاتَلوهم، وكلما ظهرَت بدعةٌ بالتأويل الفاسِد والتفسير الخاطِئ تصدَّى لها وقامَ بإطفائِها العلماء من التابعين ومن بعدَهم في كل عصرٍ، بالحُجَّة والبيان، وقامَ بردع وتأديب أصحابها ذوو السلطان؛ حمايةً لعقيدة الأمة، وحفظًا لمصالح دُنياها، ورعايةً لأمنها واستِقرارها، وحقنًا لدمائِها، وصيانةً لأعراضها، وتأمينًا للسُّبُل والعبادة.
وقال وفقه الله: ولكل بدعةٍ ومُبتدعةٍ ورثةٌ، وورثةُ البدع في هذا الزمان شرٌّ من أسلافهم، لبُعد العهد من النبوة، ولردِّهم نُصحَ أهل العلم، ومُقاطعتهم للجلوس في حِلَق تعليمهم، وعدم الأخذ منهم في المدارِس والجامِعات، ولاتخاذهم رُؤساء جُهَّالاً ضالِّين مُضلِّين، يُفتونَهم بغير علم، فيُضلُّونَهم عن السبيل. فمن سلَفَ من الخوارِج لم يكونوا يغدِرون ولا يكذِبون ولا يخونون، وكانوا يُعظِّمون المساجِد. وخوارِجُ العصر يغدِرون ويخونون ويقتُلون الرُّكَّع السُّجود في المساجِد بيوت الله، ويسفِكون دماءَ المُسلمين من رجال الأمن وغيرهم، ويُكفِّرون المُسلمين. وخوارِجُ العصر يجعلون البراءَ من الرُّكَّع السُّجود، ويقتلونَهم في المسجد أو في أي مكان، ويُكفِّرون المُسلمين.
وأضاف فضيلته: فما أعظمَ جُرمَ من يُفتي باستِحلال الدم الحرام والمال الحرام، ويُكفِّرُ المُسلمين، فضلالُ الفِرَق الإسلامية في تفسير النصوص المُخالف لتفسير السلف، والسلفُ الصالحُ.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الفتن، فقال: واحذَروا الفتنَ المُضلَّة ودُعاتَها؛ فقد أخبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمة ستختلِف، وحثَّ على لُزوم هديِه، وليحذَر شبابُنا من دُعاة النار والبدع، ومن الأسماء التي يُخدعُ بها الشباب، .. والعصمةُ من دُعاة النار والفتن لُزوم الكتاب والسنة، ومعرفةُ ما يُرادُ بهما من مأثور أهل العلم؛ قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7].
التعليقات