اقتباس
ومن بركَات هذه العاصِفة: أن سقَى ماءُ الأمل قلوبًا طالَ صَداهَا، وأوشكَ ظلامُ اليأس أن يطوِيَها. فقد رأوا ليلةً بدَت كواحدةٍ من ليالي القهر واليأس، لكنها لم تنتصِف حتى دخلَت تلك الليلةُ التاريخ، بما حمَلَت من بُشرى، وأزالَت من ذُلٍّ، وما قلبَتْه من موازين، وغيَّرَت من سياسات. فوثَبَاتُ الأمة أقربُ مما يتصوَّرُ اليائِسُون، وسُرعةُ انعِطافها بعد انصِرافِها أيسرُ مما يظنُّ المُحبَطون، إلا أن لله آجالاً لا بُدَّ من تمامها، وشروطًا يجبُ تحقُّقُها واستيفاؤُها، حتى تتسيَّدَ أمَّتُنا وتعلُو رايتُنا...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "اليمن الجديد السعيد"، والتي تحدَّث فيها عن بلاد اليمن بعد انتهاء "عاصفة الحزم"، مُسترشِدًا بآياتٍ من القرآن بتوجيهها لعموم المسلمين حُكَّامًا ومحكومين، تُبيِّن فضلَ الله تعالى على عبادِه في هذه المعركة، وما حباهم - سبحانه - إياه من النصر، كما وجَّه النصائح والإرشادات والدعوات لكل من بذلَ نفسَه ومالَه في سبيل الله تعالى.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتَّقوا الله تعالى وراقِبُوه، أطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه.
وأضاف الشيخ: قادَت المملكةُ التحالُف المُبارَك لإحقاق الحقِّ ودحر الباطِل؛ حراسةً للمُقدَّسات، وحمايةً لبيضَة المُسلمين، وانتِصارًا لأهل اليمَن المُضامِين. فحقَّق الله المُراد، وبارَك في الرجال وفي العَتَاد، والحمدُ لله رب العالمين. أعلنَت المملكةُ بدءَ العاصِفة وأعلنَت وقفَها، وملكَت - بتدبير الله - زِمامَ الأمر، ورفعَت رايةَ التوحيد والنصر. قوةٌ في الموقف .. وعزَّةٌ في القرار، (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ) [الجمعة: 4].
وقال وفقه الله: ومن بركَات هذه العاصِفة: أن سقَى ماءُ الأمل قلوبًا طالَ صَداهَا، وأوشكَ ظلامُ اليأس أن يطوِيَها. فقد رأوا ليلةً بدَت كواحدةٍ من ليالي القهر واليأس، لكنها لم تنتصِف حتى دخلَت تلك الليلةُ التاريخ، بما حمَلَت من بُشرى، وأزالَت من ذُلٍّ، وما قلبَتْه من موازين، وغيَّرَت من سياسات. فوثَبَاتُ الأمة أقربُ مما يتصوَّرُ اليائِسُون، وسُرعةُ انعِطافها بعد انصِرافِها أيسرُ مما يظنُّ المُحبَطون، إلا أن لله آجالاً لا بُدَّ من تمامها، وشروطًا يجبُ تحقُّقُها واستيفاؤُها، حتى تتسيَّدَ أمَّتُنا وتعلُو رايتُنا.
وقال حفظه الله: ومع النصر المُبين، والعلوِّ المَكين، فإن موقفَ المؤمن لا يتجاوزُ نهجَ سيِّد المُرسَلين، والذي شرَّفَنا الله باتباع سُنَّته، وتحكيم شِرعَته. وأخرجَ الحافظُ البيهقيُّ عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: "دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مكةَ يوم الفتح ودَقَنه على راحِلَته مُتخشِّعًا".
وأضاف فضيلته: إن المؤمن لا يكتفِي بالانتِصار في وقعةٍ واحدةٍ؛ بل يجبُ أن تكون حياتُه كلُّها نصرًا وعزًّا، وغايةُ النصر الثباتُ على المبادئ، والدوامُ على مُراد الله. وإلا فإن سُنَّة المُدافَعَة قائمةٌ إلى يوم الدين، وصِراعَ الحق والباطِل دائِمٌ ما دامَت الدنيا.
وقال وفقه الله: ولقد أمرَنا - سبحانه - في كتابِه الكريم بآيةٍ جمعَ فيها تدبيرَ الحروب بأحسن تدبير؛ فأمرَ المُجاهدين بخمسة أشياء، ما اجتمَعت في فئةٍ قطُّ إلا نُصِرَت، وإن قلَّت وكثُر عدوُّها، وهي: الثبات، وكثرةُ ذكر الله تعالى، وطاعتُه وطاعةُ رسوله، واتفاقُ الكلمة وعدم التنازُع الذي يُوجِبُ الفشل والوَهْن، والخامسُ الصبر. فهذه خمسةٌ تُبنَى عليها قُبَّةُ النصر، ومتى زالَت أو زالَ بعضُها زالَ من النصر بقدر ما نقصَ منها، ولما اجتمَعَت في الصحابة - رضي الله عنهم - لم تقُم لهم أمةٌ من الأُمم، وفتَحوا الدنيا، ودانَت لهم البلادُ والعباد.
وقال حفظه الله: وأمَّتُنا تمرُّ بمعركةٍ مُستمرَّةٍ مع الباطل، تُدافِعُ فيها عن دين الله الحق، وتدفعُ عن أراضِيها المُقدَّسة، وتحمِي حِمَى المُسلمين. ومع ما أنعمَ الله به علينا من القوة في العُدَّة والعَتَاد، والكفاءَة في الرأي وعزم الرجال، إلا أننا لا ننسَى أننا لله وبالله أمةٌ تسيرُ على نهج نبيِّها الخاتِم، تتمسَّكُ بكتابِ الله وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، حرِيٌّ بها أن تقترِبَ من ربِّها أكثرَ من ذي قَبل، وأن تُحقِّق أسبابَ النصر الشرعية.
وأضاف سماحته: إن من أسباب الذِّلَّة التي يضربُها الله على المُسلمين، وإن نأَت بهم الديار، وتباعَدَت الأقطار: ما يُشهِرُه بعضُهم من مُنكرات، ويدعُون لها بلا مُنكِر عليهم أو ناصِح. وهذا للأسف في بلاد المُسلمين كثير، وبه يطُولُ ليلُ الذلِّ على المُسلمين، وتتأخَّرُ نُصرةُ ربِّ العالمين، ويرفعُ الله عنا ألطافَه وأفضالَه.
وقال وفقه الله: والوصيةُ لعامَّة المُسلمين: بالالتِفافِ حول وُلاة الأمر من الأمراء والعلماء، اليوم هو يوم اجتماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]. الوحدةُ والتماسُك في نسيجِ المُجتمع الواحِد، وبين الشعوبِ المُسلِمة. يجبُ أن نترفَّع عن كل الخلافات، وأن نتَّحِدَ على ما نحن بصدَدِه، وأن نحذَرَ كل ما يُؤدِّي إلى الخلاف والتضعضُع، وتفتيتِ الداخِل. أجِّلُوا خلافاتكم، وتناسَوا خصومَاتكم .. كفَى تخوينًا لبعضِكم بعضًا على رأيٍ أو آراء .. كل فردٍ منكم هو رجُلُ أمنٍ وعلى ثغر.
وأوصى الشيخ في ختام خطبته بالحذر من الشائعات فقال: والحذَرَ ثم الحذَرَ من الإشاعات والأخبار المُلفَّقة، لا تدفعَنَّكم شهوةُ السبق في نقل الأخبار إلى الإشاعة دون تثبُّت. فكم من خبرٍ مصدرُه العدوُّ، تبرَّع الضحايا في إذاعته بينهم ليفُتَّ في عضُدِهم. أنتم الرِّدءُ لجنودكم .. ادعُوا لهم وثبِّتُوهم .. أسعِدوا وأيِّدوا الجنودَ الذين هم في الرِّباط وعلى حدود البلاد، واخلُفُوهم في أهلهم خيرًا.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أسباب دفع العقوبات"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن والمِحن التي تمُرُّ بها أمةُ الإسلام اليوم، مُؤكِّدًا أن الذنوب والمعاصِي أعظمَ الأسباب في الحال التي وصلَت إليه الأمة، ثم ساقَ أهم أسباب دفع العقوبات والنَّكبَات، مُحذِّرًا في ختام خُطبته من الشائِعات وترويجها.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا .
وأضاف الشيخ: إن أمة المسلمين تمُرُّ بفتنٍ شديدة الخطر، عظيمة الضرر. مِحنٌ تمُوج، وبلايا ترُوج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ألا وإنه واجبٌ علينا جميعًا أن نتعامَلَ مع هذه المصائب بمُنطلق سُنن الله - جل وعلا -، التي لا تتبدَّل ولا تتغيَّر.
وقال وفقه الله: ما أعظمَه من توجيهٍ يُبيِّن سنةَ الله - جل وعلا - في خلقه، ويُوضِّح أسبابَ النجاة من الأخطار، وعوامِل الوقايةِ من الأضرار. إنه المنهجُ الربَّانيُّ الذي يرسُمُ للأمة العلاجَ الواقِيَ لرفع العقوبات، والدواءَ الشافِي لدفع البليَّات، والسببَ الأوحدَ لحفظِ نعمة الأمن لجميع المخلوقات.
وقال حفظه الله: من الأصول القطعيَّة: أن الذنوب والمعاصِي سببُ حلول المصائِب، وفنون النِّقَم، ووقوع النَّكبات لجميع الأُمم. وأن بالطاعة والتوبة تحصُلُ جميعُ النِّعم، يقول ربُّنا - جل وعلا -: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 3، 4].
وأضاف فضيلته: أعظمُ أسباب دفع العذاب قبل وقوعه، ورفعه بعد حُلوله: التضرُّع إلى الله - جل وعلا - في كل وقتٍ وحين، والافتِقارُ إليه - سبحانه -، والانكِسارُ إليه لاسيَّما عند البلاء والإحَن، واشتِداد المِحَن والفِتَن، يقول ربُّنا - جل وعلا -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام: 42]، ويقول - عزَّ شأنُه -: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94].
وقال فضيلته: إن الالتِجاء إلى الله - جل وعلا -، والتضرُّع إليه ظاهرًا وباطنًا، قلبًا وقالَبًا، هو منهجُ الأنبياء - عليهم أفضل الصلاة والتسليم -، وهو منهجُ عباد الله الصالِحين. فلا غرْوَ، فكلنا يعرفُ في كتاب الله - جل وعلا - قصةَ أيوب، وقصة يونس - عليهما أفضل الصلاة والتسليم -، ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم المُتضرِّعين، وأفضل المُتقرِّبين، يظلُّ ليلةَ بدرٍ داعيًا مُتضرِّعًا، مُنكسِرًا إلى خالقِه - جل وعلا -. وهكذا هو في كل حالٍ من أحواله.
وأضاف الشيخ: مما يُنذِرُ بالخطر: أن يمُرَّ المسلمون بالخُطوب والكوارِث، فلا يستكِينُون لرب العالمين ولا يَستجِيبُون، ولا بطاعته يعملون؛ بل في المعاصِي مُنهمِكون، وعن شرع الله مُعرِضون... لأنهم أعرضُوا عن التضرُّع إلى الله - جل وعلا - بعد حُلول البأساء، ولم تعُد النعمُ تُشكَر، ولا الكُروب تزجُر، ولا حُسن البيان يُرقِّق. حينئذٍ تأتي سُنَّةُ الله - جل وعلا -.
وأضاف فضيلته: نعم، وإن كانت الأمةُ المحمديةُ أمةٌ مرحومة، لا تُعذَّبُ بالاستِئصال الكامِل كالأُمم السابقة، إلا أنها تُعاقَب حينما تُعرِضُ عن هذه السنَّة الإلهية، تُعاقَبُ بما يحصُلُ من الشقاء والعناء والتفرُّق والاختِلاف، حتى يكون بعضُهم يقتُلُ بعضًا، ويسبِي بعضُهم بعضًا، كما أخبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في كثيرٍ من الأحاديث. إن الواجب على الحُكَّام في مُؤتمراتهم، والواجب على الإعلاميين في إعلامهم، والواجب على المُحلِّلين في تحليلاتهم للواقع أن يصدُروا عن هذه السنَّة الإلهية، وألا ينظُروا إلى الأمور المادية، إنما ينظُروا إلى سُنَّة الله - جل وعلا - التي سطَّرها في كتابه، فهي التي فيها النجاةُ والسلامةُ والفوزُ لهذه الأمة دُنيًا وأخرى.
وختم الشيخ خطبته بالحث على الوحدة والاتحاد والحذر من الشائعات، فقال: الواجبُ على أهل الإسلام: الاتِّحادُ والتعاوُن، الاتِّحادُ على الحقِّ، والتعاوُن على دَحر الباطِل، وأن يتعاوَنوا على ردِّ المكائِد التي تُحاكُ لبلاد المُسلمين، وعلى المُسلمين جميعًا في مثلِ هذه الظُّروف أن يقِفُوا صفًّا واحدًا لكشف دسائِس الأعداء في الإفساد والتدمير، ودحضِها وإبطالِها وردِّها، والواجبُ على المسلمين جميعًا: الحَذَر من الشائعات، التي هي سبيلُ المُنافقين والكفار في تفتيتِ الصفِّ الإسلاميِّ إبَّان عصر النبوَّة. فكيف بهذا العصر؟! إن الشائِعات مسلَكٌ مذموم، ومنهَجٌ يسلُكُه الأعداءُ والمُتربِّصون، لحصول تحصيل الهزيمة المعنوية في قلوب المُؤمنين، والوقوع في الفتنة والأمور المشينة للتأثير على المعنويات والعزائِم.
التعليقات