اقتباس
أرأيتَ كيف يُجلَبُ كلُّ خيرٍ ويُصرَفُ كلُّ شرٍّ بالتمسُّك بهذا الدين الحقِّ؟ وكيف تنزِلُ البركات وتُصرَفُ عقوبات القدَر بالشرع في الدارَين. وانظُر حالَ المُعرِضين عن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمُنابِذين للشريعة، والمُحارِبين لتعاليم الإسلام، المُناوِئين لأولياء الله. انظُر كيف أحاطَت بهم عقوبات القدَر، فشقِيَت حياتُهم، وأذاقَهم الله الخزيَ والنَّكالَ والذلَّة والقلَّة والصَّغار، والهوانَ والخُسرانَ والشَّقاءَ والشُّرور والآفات في الدنيا. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَت الذلَّةُ والصَّغارُ على من خالَفَ أمري»...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " اليسر بعد العسر"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن والمِحَن التي تمرُّ بها أمةُ الإسلام وبلادُه، وبيَّن أن تلك الفتن لن تدوم طويلاً؛ حيث ذكر الأدلة الدامغة من الوحيَيْن التي تُبيِّن أن بعد العُسر يُسرًا، وأن الفرجَ مع الكرب، وأن الله سيُزيح الهمِّ ويُزيلُ الغمِّ.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، واذكرُوا أن للمتقين في الدنيا حياةً طيبةً، ولهم في الآخرة جناتٍ تجري من تحتها الأنهار.
وأضاف الشيخ: تيسيرُ العسير، وتذليلُ الصعب، وتسهيلُ الأمور أملٌ تهفُو إليه النفوس، وتطمحُ إلى بلوغ الغايةِ فيه والحَظوةِ بأوفى نصيبٍ منه، وإدراكِ أكملِ حظٍّ ترجُو به طِيبَ العيشِ الذي تمتلكُ به أزِمَّةَ الأمور، وتُوجِّهُ إلى خيراتٍ تستبِقُ إليها، وتنجُو من شُرورٍ تحذَرُ سوءَ العاقبة فيها.
وقال حفظه الله: ولذا فإن من الناسِ من إذا أصابَه العُسر في بعض أمره رأى أن شرًّا عظيمًا نزلَ بساحته، وأن الأبوابَ قد أُوصِدَت دونه، وأن السُّبُلَ سُدَّت أمامه، فتضيقَ عليه نفسُه، وتضيقَ عليه الأرضُ بما رحُبَت، ويسوءَ من ظنِّه ما كان من قبلُ حسنًا، ويضطربَ من أحواله ما كان سديدًا مُستقِرًّا، وربما انتهى به الأمرُ إلى ما لا يحِلُّ له ولا يليقُ به من القولِ والعمل.
وقال وفقه الله: أما المتقون الذين هم أسعدُ الناس، فإن لهم في هذا المقام شأنًا آخر، وموقفًا مُغايِرًا بما جاءَهم من البيِّناتِ والهُدى من ربِّهم، وبما أرشدَهم إلى الجادَّة فيه نبيُّهم - صلواتُ الله وسلامه عليه -، إنهم يذكُرون أن ربَّهم قد وعدَهم وعدَ الصدقِ الذي لا يتخلَّف، وبشَّرَهم أن العُسرَ يعقبُه يُسرٌ، وأن الضيقَ تردُفُه سَعَة، وأن الكربَ يخلُفُه فرَجٌ؛ فقال - سبحانه -: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5، 6]، وقال - عزَّ اسمه -: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].
وأضاف فضيلته: وهو موعودٌ مُقترِنٌ بشرط الإتيان بأسبابٍ عِمادُها وأساسُها وفي الطليعةِ منها: التقوى التي هي خيرُ زاد السالكين، وأفضلُ عُدَّة السائرين إلى ربِّهم، ووصيةُ الله تعالى للأولين والآخرين، وهي التي تبعثُ التَّقيَّ على أن يجعل بينه وبين ما نهى الله عنه حاجزًا يحجُزُه، وساترًا يقِيه، وزاجِرًا يزجُرُه، وواعِظًا في قلبه يعِظُه ويُحذِّرُه. فلا عجبَ أن تكون التقوى من أظهرِ ما يبتغي به العبدُ الوسيلةَ إلى تيسير كلِّ شُؤونه، وتذليلِ كل عقبةٍ تعترِضُ سبيلَه أو تحُولُ بينَه وبين بلوغِ آماله، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
وأشار الشيخ إلى أنه مع التقوى يأتي الإحسانُ في كل دُروبِه؛ سواءٌ منه ما كان إحسانًا إلى النفس بالإقبال على الله –تعالى-، والقيام بحقِّه - سبحانه - في توحيده وعبادته بصرفِ جميعِ أنواعِها له وحده - سبحانه -، محبَّةً وخوفًا، تعبُّدًا ورقًّا ورجاءً وتوكُّلاً، وخضوعًا وخشوعًا، وإخباتًا وصلاةً ونُسُكًا وزكاةً وصيامًا وذِكرًا وصدقةً، أو كان إحسانًا إلى الخلق يعمُّ نفعُه، ويعظمُ أثرُه.
وأكد الشيخ أن مَن جمعَ إلى الإحسان الدعاء والتضرُّعَ إلى خالقه ودعاءَه بما كان يدعُوهُ به الصفوةُ من خلقه؛ مُلتزِمًا في ذلك آدابَ الدعاءِ وسُننَه؛ من إخلاصٍ لله، وابتداءٍ بحمده - سبحانه - والثناءِ عليه، والصلاة والسلام على نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، واستِقبالٍ للقبلة، وإلحاحٍ في الدعاءِ، وعدمِ الاستِعجالِ فيه، ومع سُؤال الله وحده، واعترافٍ بالذنبِ، وإقرارٍ بالنِّعمة، وتوسُّلٍ إليه بأسمائه الحُسنى وصفاتِهِ العُلَى، أو بعملٍ صالحٍ سلَفَ له، أو بدعاءِ رجلٍ صالحٍ حيٍّ حاضرٍ.
وبيَّن الشيخ بعض شروط إجابة الدعاء فقال: وبرفعِ اليدين، والوضوءِ إن تيسَّرَ، وإطابةِ مطعمه بأكل الحلال الطيِّب، واجتِنابِ الحرام الخبيثِ، وباجتِنابِ الاعتِداءِ في الدعاءِ بألاَّ يدعُوَ بإثمٍ، ولا قطيعةِ رحِمٍ، وبألاَّ يدعُوَ على نفسه ولا على أهله أو ماله أو ولده، وبعدم رفعِ الصوت فوق المُعتاد والحاجة. فهنالك تُرجَى الإجابة، وتُستمطَرُ الرحمةُ الربانية، ويُرتَقَبُ اليُسرُ، ويُفرَحُ بفضل الله وبرحمته، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
واستشهد الشيخ ببعض أقوال أهل العلم في مدلولِ قولِ الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 5، 6]، فقال: قال بعضُ أهل العلم بالتفسير: "هذه بشارةٌ عظيمةٌ أنه كلما وُجِدَ عُسرٌ وصعوبةٌ؛ فإن اليُسرَ يُقارِنُه ويُصاحِبُه، حتى لو دخلَ العُسر جُحرَ ضبٍّ لدخلَ عليه اليُسرُ فأخرجَه، كما قال تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7]، وفي تعريفِه بالألف واللام الدالَّةِ على الاستغراقِ والعموم دليلٌ على أن كل عُسرٍ وإن بلغَ من الصعوبةِ ما بلغَ، ففي آخره التيسيرُ مُلازِمٌ له". اهـ.
وختم الشيخ خطبته بالحث على الاستبشار بفضل الله ونصره للمنكوبين، فقال: وإنها لَبشارةٌ عظيمةٌ - يا عباد الله - لمن أصابَه العُسرُ، ونزلَ به الضُّرُّ، وأحاطَ به البلاءُ، واشتدَّ عليه الكربُ من أهل الإسلام قاطِبةً، ومن أهل فلسطين والشام، وخاصَّةً من أهل مضايا والفُوعَة الذين سِيموا سُوءَ العذاب، ونالَهم الجوعُ والبردُ والعطشُ، ونقصُ الأنفُس والأموال والثمرات، بسبب الحِصار الظالِم بغيًا وعَدوًا وظُلمًا؛ (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، فليُبشِروا باقترابِ النصرِ، وتنفيسِ الكربِ، وتفريجِ الشدَّة، وكشفِ الغُمَّة، ورفعِ البلاءِ، والعافيةِ من البأساء والضرَّاء إن شاء الله تعالى، وبمعُونة إخوانهم في الدين في كل أمصار الإسلام.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضائل تطبيق شريعة الله تعالى وأحكامه"، والتي تحدَّث فيها عن رحمة الله تعالى بعباده التي تتجلَّى في شرعه المُطهَّر، والذي شرعَ فيه عقوباتٍ على الذنوب في الدنيا رحمةً بالعباد، ولكي يحيا الناسُ حياةً طيبةً في ظلِّ إقامة حدود الله وتشريعاته وأحكامه، وأن هذه العقوبات شرعَها الله لحفظ الضرورات الخمس، مُستدلاًّ على ذلك بما ورد في الكتاب والسنة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله تعالى وتوسَّلوا إليه بتقواه؛ تنالُوا حفظَه ورحمتَه ورِضوانَه، وتنجُوا من غضبِه وعقابِه وهوانِه.
وأضاف الشيخ: أُذكِّرُكم برحمةِ الله تعالى التي بشَّر الله بها العبادَ في بداية كلِّ سُورةٍ من القرآن، بقولِه - سبحانه -: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة: 1]، ووصفَ بهذه الرحمة التامَّة نفسَه في آياتٍ كثيرة، ووصفَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ربَّنا - جل وعلا - بالرحمة في أحاديث كثيرة أيضًا، قال الله - سبحانه -: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156]، وأعظمُ رحمةٍ رحِمَ الله بها العبادَ: بيان الأسباب التي ينالُون بها كلَّ خيرٍ وسعادة وعزَّةٍ في حياتهم وبعد مماتِهم، وهي الاستجابةُ للربِّ الرحيم، ولرسولِه الأمين - عليه الصلاة والسلام -.
وقال حفظه الله: وتشريعُ الربِّ - جل وعلا - ينالُ به المُسلمُ الحياةَ الآمنةَ المُطمئنَّة السعيدة، ويدفعُ الله بهذا التشريعِ العقوبات في الدنيا والآخرة، وما شرعَ ربُّنا - عز وجل - للمُكلَّفين فهو إما أوامر واجبةٌ أو مُستحبَّة، أو نواهِي، أو حدودٌ وزواجِر ووعيد، أو تعزيرات، وكلُّها رحمةٌ من الله - تبارك وتعالى - لعباده، وخيرٌ وبركةٌ، ويُسرٌ وعدلٌ.
وأكد فضيلته أن شريعة الله تُحقِّقُ للإنسان الحياةَ الطيبةَ في دُنياه، ويحيا في آخرته في جنَّات النعيم. ويدفعُ الله بالعقوبات الشرعيَّة وبالحُدود العقوباتِ القدرية الكونية، فإذا أقامَ الناسُ أحكامَ الشرع دفع الله عنهم عقوبات الذنوب، وصرفَ عنهم الكوارِثَ والمُهلِكات في الدنيا، وعافاهم من عذاب الآخرة. وإذا فرَّط الناسُ في أحكام الشرع عُوقِبَ المُفرِّطون بعقابِ القدَر الذي جعلَ الله في عقوبته جزاءً وحسابًا لكل معصِية.
وبيَّن الشيخ أن عقوبات القدَر على الذنوبِ شديدةٌ أليمةٌ، قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]. وفي الحديث: «إن الله ليُملِي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفلِتْه» (رواه البخاري ومسلمٌ من حديث أبي مُوسَى - رضي الله عنه -).
وأضاف الشيخ: ومن رحمةِ الله تعالى بالعباد: أنه - سبحانه - لا يُعاجِلُ الظالمين بالعقوبة، بل يُمهِلُهم إلى أجَل، قال الله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) [الكهف: 58]، وقال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [فاطر: 45].
وقال وفقه الله: وإذا أنزلَ الله - سبحانه - العقوبات القدَريَّة والكونيَّة بمن هو أهلٌ لها، عاقبَ بعقوبةٍ تُذكِّرُ بما هو أشدُّ منها، ليرجِع الخاطِئ، ويتوبَ الواقعُ فيما يُغضِبُ الربَّ - سبحانه -، قال - تبارك وتعالى -: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، فمن تابَ قبِلَه الله - عز وجل -، ومن تمادَى وأصرَّ وعلِم الله أنه لا يرجِع، عاقبَه الله بقضائِه وقدَره بالعقاب الأليم، وأعظمُ عقابٍ في الآخرة هو جهنم وغضبُ الله. وعقوباتُ الشرع وتنفيذُ الحُدود ليست بشيءٍ بجانبِ عقوبات القدَر الدنيوية والأُخروية.
وحث الشيخ العبدَ المسلم على التفكر في لطف الله وكرمه: فتفكَّر -أيها الإنسان- في سعَة رحمة الله ولُطفه كيف شرعَ لك الأوامرَ والنواهِي، والأحكام والحُدود، ليقِيَك الله من عقوبات القدَر، وليدفَع الله بها عنك العذابَ الأليمَ في حياتِك وبعد مماتِك، وليسُوقَ إليك كلَّ خيرٍ بما شرَع، ويصرِفَ عنك بالشرعِ كلَّ شرٍّ. واعتبِر واقتدِ بحال الصحابة - رضي الله عنهم - ومن تبِعَهم بإحسانٍ لما استجابُوا لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأحبُّوا الشريعةَ وأقامُوها، صرفَ الله عنهم عقوبات القدَر في الدنيا والآخرة، فصرفَ عنهم ما حلَّ بالأُمم الخالِية من الخِزيِ، والنّكال، وعقوبات الغرَق، والصَّيحة، والرَّجم، والرِّيح، والخَسف، والمَسخ، والاستِئصال بالهلاك. وأحياهم الله في الدنيا أحسنَ حياة، وأعزَّهم، ومكَّن لهم في الأرض، ونصرَهم على الأعداء، مع قلَّة عددهم، وضعف عُدَّتهم، بتوحيدهم وإخلاصهم وتوكُّلهم وطاعتهم.
وقال حفظه الله: أرأيتَ كيف يُجلَبُ كلُّ خيرٍ ويُصرَفُ كلُّ شرٍّ بالتمسُّك بهذا الدين الحقِّ؟ وكيف تنزِلُ البركات وتُصرَفُ عقوبات القدَر بالشرع في الدارَين. وانظُر حالَ المُعرِضين عن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمُنابِذين للشريعة، والمُحارِبين لتعاليم الإسلام، المُناوِئين لأولياء الله. انظُر كيف أحاطَت بهم عقوبات القدَر، فشقِيَت حياتُهم، وأذاقَهم الله الخزيَ والنَّكالَ والذلَّة والقلَّة والصَّغار، والهوانَ والخُسرانَ والشَّقاءَ والشُّرور والآفات في الدنيا. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَت الذلَّةُ والصَّغارُ على من خالَفَ أمري». فماذا تبغي - أيها المسلم - بعد هذا التكريم؟! وماذا فوقَ رحمة ربِّك الذي يأمرُك بكل خيرٍ وينهاك عن كل شرٍّ، ويرحمك، والذي فصَّل لك الأحكامَ، وسنَّ لك الحُدودَ والزواجِر.
وقال وفقه الله: وأما الحُدودُ فقد شرعَها الله –تعالى- لحفظِ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العِرض، والعقل، والمال، وليست تابعةً لهوى أحد، فحدُّ الردَّة للدين، وحدُّ القِصاص لحفظِ النفس، وحدُّ الزِّنا لحفظ العِرض، وحدُّ المُسكِرات والمُخدِّرات لحفظِ العقل، وحدُّ السرقة لحفظِ المال. فهذه الضرورات الخمس تُحفظُ بالوازِع الديني الذاتي. وأعظمُ ما تُحفظُ به إقامةُ الحُدود؛ لأن الله يزَعُ بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن، وعلماءُ الأصول اعتنَوا بهذه الضرورات الخمس، ومن طعنَ في الحُدود وردَّها بعقلِه فقد افترَى على الله، وتجرَّأ عليه بزعمِه أنها إهدارٌ لحقوق الإنسان. ومن أرحَمُ من الله؟ ومن أعلَمُ من الله؟ ومن أحكَمُ من الله؟ ومن أعدَلُ من الله؟ قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50].
وأضاف فضيلته: والحُدود زواجِرُ عن فعلِ ما يُوجِبُ الحدَّ، وكفَّارةٌ للذنب، وحمايةٌ للحياة من العبَث والعُدوان، والحدُّ كفَّارةٌ للمُسلم، وصلَّى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على من أقامَ عليه حدًّا. والدماءُ المعصُومة، والأموالُ المعصُومة من الضرورات الخمس التي عظَّمَتها كلُّ شريعة، وخاتمتُها شريعةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - سيِّد البشر. وقد استُخِفَّ بهذه النفوس المُحرَّم قتلُها، واعتُدِي عليها بسَفك دمائِها، واعتُدِي على الأموال بإتلافِها، وعلى المساجِد والمُؤسَّسات من خوارِج العصر.
وأكد الشيخ أن إنشاءَ هذا الحِلف الإسلاميِّ العسكريِّ بقيادة دولة الحرمين لصدِّ الإرهاب عن الناس، واستبشرَ الناسُ خيرًا بهذا الحِلف الإسلاميِّ، ورأَوا بوادِر ثماره، ومن حقِّ الدول الإسلامية المُتحالِفة حمايةُ مُجتمعاتها، وتحصينُ شبابها، والحفاظُ على عقيدتهم من الانحِراف، ورعايةُ مصالحِها، وترسيخُ الأمن والاستِقرار، ودراسةُ السُّبُل التي تعودُ بكل خيرٍ ونفعٍ للعباد والبلاد.
وأوصى الشيخ في ختام خطبته الشباب بالوعي والحذر فقال: أقبِلوا على العلمِ النافِع، والعملِ الصالِح، واجتهِدوا لإصلاح دُنياكم وآخرتكم بأنواع العلوم، وبالعمل النافع المُفيد، واحذروا مزالِق الإرهاب ومسلكَ الخوارِج. وإذا دُعيتَ إلى ذلك فانظُر إلى حالِ دُعاتهم في سيرتهم تعلَم بأنهم أصحابُ دُنيا وفتنة، وأن هرمَهم ووسائطَهم إليك مجهُولون يُريدون كلَّ شرٍّ بالأمة، يُريدون منك أن تُحارِبَ مُجتمعَك وأن تُحارِبَ رجالَ الأمن بالسلاح الذين هم في خدمة الأمة، يُريدون أن يخطِفوك من أحضان والدَيك، وأن يُلبِسُوك ثوبَ الخوف والهلاك والذلِّ والتشريد.
التعليقات