اقتباس
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جاوَزَ الستِّينَ من عُمرِه، ومعه جميعُ أهل بيته، وهو قائِمٌ بشُؤونهِم، راعٍ لأحوالهم. فكان -صلى الله عليه وسلم- برًّا رحيمًا، رفيقًا مُحسِنًا، يُعلِّمُ الناسَ أحكامَ مناسِكِهم، ويُفقِّهُ جاهِلَهم. كم في حجَّة الوداعِ من دُروسٍ وعِبَر، وكم فيها من مواعِظَ بليغة، ومشاهِدَ جليلة، حرِصَ فيها - صلى الله عليه وسلم - على بيانِ الإخلاص، فقال: «اللهم حجَّةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعةٌ».. أهلَّ بالتوحيد: «لبَّيكَ اللهم لبَّيكَ، لبَّيكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيكَ»؛ إهلالٌ بتوحيدِ الله - جلَّ جلالُه-، فلا يُدعَى غيرُ الله، ولا يُعبَدُ سِواه، فلا مَجالَ في الحجِّ للشِّعارات الطائفِيَّة، ولا للدعواتِ السياسيَّة...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ ماهر المعيقلي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحجُّ والمُساواة بين المسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن مناسِك الحجِّ وما يتجلَّى فيها من معاني المُساواة بين المُسلمين؛ فلا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لأعجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بتقوَى الله تعالى، كما أوردَ تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغلوِّ في الدين في خُطبة حجَّة الوداع.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: اتَّقُوا الله حقَّ التَّقوى، واشكُرُوه على نعمهِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى.
وأضاف الشيخ: في السنةِ العاشرةِ من الهجرةِ النبويَّة، نُوديَ في الناسِ بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُريدُ الحجَّ هذا العام، فقدِم إلى المدينةِ بشَرٌ كثيرٌ، كلُّهم يلتَمِسُ أن يأتمَّ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَجِّه، ويعملَ مثلَ عملِه، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤكِّدُ ذلك في يومِ النحرِ بقوله: «لِتَأْخُذُوا مناسِكَكُمْ، فإِنَّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعدَ حَجَّتي هذِهِ» (رواه مسلم).
وقال حفظه الله: وكان - صلى الله عليه وسلم - قد جاوَزَ الستِّينَ من عُمرِه، ومعه جميعُ أهل بيته، وهو قائِمٌ بشُؤونهِم، راعٍ لأحوالهم. فكان - صلى الله عليه وسلم - برًّا رحيمًا، رفيقًا مُحسِنًا، يُعلِّمُ الناسَ أحكامَ مناسِكِهم، ويُفقِّهُ جاهِلَهم.
كم في حجَّة الوداعِ من دُروسٍ وعِبَر، وكم فيها من مواعِظَ بليغة، ومشاهِدَ جليلة، حرِصَ فيها - صلى الله عليه وسلم - على بيانِ الإخلاص، فقال: «اللهم حجَّةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعةٌ» (رواه ابن ماجه).
وبيَّن فضيلته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أهلَّ بالتوحيد: «لبَّيكَ اللهم لبَّيكَ، لبَّيكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لبَّيكَ، إِنَ الحمدَ والنعمةَ لَكَ والمُلكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ»؛ إهلالٌ بتوحيدِ الله - جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤه -، فلا يُدعَى غيرُ الله، ولا يُعبَدُ سِواه، فلا مَجالَ في الحجِّ للشِّعارات الطائفِيَّة، ولا للدعواتِ السياسيَّة، فما جُعِل الطوافُ بالبيت - يا عباد الله -، ولا رميُ الجِمار، ولا الوقوفُ بعرفة، ولا المبيتُ بمُزدلِفة، ولا السعيُ بين الصفا والمروة، إلا لذكرِ الله وحدَه لا شريكَ له.
وأشار الشيخ إلى حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجَّةِ الوداع على تعليمِ الناسِ أمرَ دينهم، وما جاء به - صلى الله عليه وسلم - من الوسطيَّةِ والاعتِدال، وتحذيرهِم من الغلوِّ في الدين. ففي "سنن ابن ماجه"، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غداةَ العقَبَة وهو على ناقَتِه: «القُطْ لي حصًا»، فلقَطتُ لهُ سبعَ حصَيَاتٍ هُنَّ حصَى الخَذْفِ، فجَعَلَ ينفضُهنَّ في كفِّهِ ويقولُ: «أمثالَ هؤلاءِ فارمُوا»، ثمَّ قالَ: «أيُّها النَّاسُ! إيَّاكم والغلوَّ في الدِّينِ؛ فإنَّه أهلَكَ من كانَ قبلَكم الغلوُّ في الدِّينِ». فبسببِ الغُلوِّ - يا عباد الله - سُفِكَت الدماءُ، واعتُدِيَ على الأموالِ والأعراض، وقد عَظَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك في حجَّه.
وأكد الشيخ أن من دُروسِ حجَّةِ الوداع: بيان رحمةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ورِفقِه بالناس؛ ففي يوم عرفة، والناس كلُّهم يطلُبون النَّفرَة، سمِعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهم، وقالَ: «أيُّها الناسُ! عليكم بالسَّكِينَةِ؛ فإنَّ البرَّ ليس بالإيضَاعِ» (رواه البخاري).
ورأَى - صلى الله عليه وسلم - عُمَر يُزاحِمُ على الحَجر، قال: «يا عُمر! إنَّكَ رجلٌ قويٌّ، لا تُزاحِم على الحجرِ فتُؤذِي الضَّعيفَ، إن وجدتَ خلوةً فاستلِمْهُ، وإلَّا فاستقبِلْهُ وهلِّل وكبِّر» (رواه أحمد).
فحرِيٌّ بحُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرام امتِثالُ أمرِ نبيِّهم. فالسكينةَ السكينةَ، والوسطيةَ الوسطيةَ، والرِّفقَ الرِّفقَ، وفي "صحيح مسلم": «إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه».
وبيَّن الشيخ فضائل عشر ذي الحجة فقال: إن من فضلِ الله تعالى علينا أن بلَّغنا أيامَ العشر، التي أقسمَ بها في كتابِه فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1، 2]، فخصَّها - سُبحانه - بمزيدٍ من الفضل والأجر. ففي "صحيح البخاري"، من حديث ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما العملُ في أيامِ أفضلَ منها في هذه - يعني: أيام العشر -»، قالوا: ولا الجهادُ؟ قال: «ولا الجهادُ، إلا رجلٌ خرجَ يُخاطِرُ بنفسِه ومالِه، فلم يرجِعْ بشيءٍ».
قال ابنُ حَجَرٍ - رحمه الله تعالى -: "والذي يظهرُ أن السببَ في امتِياز عشر ذي الحجَّة: لمكان اجتماعِ أمَّهات العبادةِ فيه، وهي: الصلاةُ، والصيامُ، والصدقةُ، والحَجُّ، ولا يتأتَّى ذلك في غيرِه".
ويتأكَّدُ في هذه الأيام: صيامُ يومِ عرفة لغيرِ الحاجِّ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صيامُ يومِ عرفةَ أَحتَسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه، والسنةَ التي بعده» (رواه مسلم).
وختم الشيخ خطبته منوهًا بفضل خدمة الحجيج، فقال: وإن من الأعمالِ الصالحةِ الجليلةِ في هذه الأيام: خدمةَ حُجَّاج بيت الله الحرام، فهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم النَّحر، لما رأَى بني عُمومَته يعمَلُون على سَقي الحُجَّاج من بئر زمزم، قال لهم: «اعمَلُوا، فإنَّكم على عملٍ صالحٍ، ولولا أن تُغلَبُوا لنَزَلتُ حتى أَضَعَ الحبلَ على هذهِ» - يعني: عَاتِقَهُ -، وأشارَ إلى عَاتِقِهِ - صلى الله عليه وسلم - (رواه البخاري).
فخدمةُ وَفدِ الرحمن - يا عبادَ الله - دليلٌ على شرفِ الاصطِفاء، وعظيمِ الاجتِباء، وقد خصَّ الله به بلادَ الحرمَين: المملكةَ العربيةَ السعودية، فقامَتْ به خيرَ قيام؛ من تهيئةٍ للمشاعِر، وعمارةٍ للمسجد الحرام، ليُؤدِّي الحُجَّاجُ مناسِكَهم في أمنٍ وأمان، وراحةٍ واطمئنان. فجزَى الله خيرًا كلَّ من عمِل في خدمةِ ضيوف الرحمن، وباركَ فيه ووفَّقَه، وأعانَه وسدَّدَه.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "دروس وعِبر من حجَّة الوداع"، والتي تحدَّث فيها عن حجَّة الوداع وبعض ما يُستنبَطُ منها من دروسٍ وعِبَرٍ؛ من أهمها: التحذيرُ من الشركِ، وإقرارُ مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام، وإزالة العصبيَّات الجاهليَّة التي كانت بين الناسِ قبل البِعثة النبويَّة، وغير ذلك من المعاني الجامِعة، والمبادئ البليغَة التي تضمَّنَتها هذه الخُطبة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
وأضاف الشيخ: كلما جاءَ شهرُ ذي الحجَّة، وهلَّت مواقيتُ الحجِّ، تألَّقَت صفحةٌ من تاريخ الإسلام، ووقفةٌ من وقفَات الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وقال حفظه الله: ومن أهم معالم رحلةِ الحج، إلى جانبِ أداءِ المناسكِ العِباديَّة: تلك المعاني الجامِعة، والمبادئ البلِيغَة، التي خاطَبَ بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المُسلمين في حجة الوداع. مبادِئُ سُكِبَت مع عباراتِها دموعُ الوداع، ومن أجلِ ذلك سُمِّيَت: "خطبة الوداع".
وفيها حذَّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من الشِّرك، ذلك الداءُ الوَبيلُ الذي يَفتِكُ بالإنسانية، ويُحطِّمُ أصالَتَها، ومن الشِّرك: ادّعاءُ عِلمِ الغيب، وتلَقِّي الوحيِ من السَّماء، والابتِداعُ، وتقديسُ الأفراد، واتِّخاذُ البشرِ وسائطَ عند الله، بهم تُقضَى الحاجات، وتُغفَرُ الزلاَّت.
وفي خُطبةِ الوداع، يقول رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ دماءَكُمْ وأموالَكُم حرَامٌ عليكُمْ، كحُرْمَةِ يومِكُمْ هذَا، في شهرِكُم هذَا، في بلَدِكُم هذَا».
وأكد الشيخ أن هذه مبادِئُ خالِدةٌ لحقوقِ الإنسان، وأن الإسلام يَبنِي الأمنَ في نفسِ المسلم، ويَبنِي العلاقاتِ الكريمةَ بين الناس في روابطَ إيمانية، أُخُوَّةٌ في الله لها حقوقٌ وعليها مسؤوليَّات، أرحامٌ تُوصَل، برٌّ لوالدَين، حسنُ جِوَار، صُحبةٌ وسَكَنٌ وزواجٌ.
ومن مبادِئ حقوقِ الإنسانِ في الإسلام: أنه لا يجوزُ أن يُؤذَى إنسانٌ حضرةَ أخيه، ولا أن يُهانَ في غَيبَته، سواءٌ أكانَ الإيذاءُ للجسمِ أو للنفسِ، بالقولِ أو بالفعلِ، حرَّمَ الإسلامُ ضربَ الآخرين بغيرِ حقٍّ، ونهَى عن التنابُزِ والهمزِ واللمز، والسخرية والشَتم.
وأشار الشيخ إلى أم الإسلام كفَلَ الاحترامَ للمسلمِ بعد مماته، ومن هنا أمَرَ بغَسلِه وتكفِينه، والصلاةِ عليه ودَفنِه، ونهَى عن كسرِ عظمِه، أو الاعتِداءِ على جُثَّتِه وإتلافِها. روى البخاريُّ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تسُبُّوا الأمواتَ؛ فإنَّهم قد أفضَوْا إلى ما قدَّموا».
وأضاف الشيخ: وقال - صلى الله عليه وسلم - في خُطبةِ الوداع: «ألا كلُّ شيء من أمرِ الجاهلية تحت قدمَيَّ موضوع». لقد كانَت الدماءُ في الجاهليةِ رخيصةً، وكانت النفسُ الإنسانيةُ هيِّنةً، فجاء الإسلامُ ليضَعَ للحياةِ أُسُسًا تُحتَرمُ بها النفسُ الإنسانية، وتجعَلُ قتلَها دونَ مُبرِّرٍ جريمةً في حقِّ البشريَّة.
وحذر الشيخ من عودة التعصب الجاهلي فقال: لقد كانت العصبِيَّاتُ قبلَ البِعثة عميقةَ الجذور، قويَّةَ البُنيَان، فاستطاعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَجتَثَّ التمييزَ العُنصرِيَّ بكلِّ صُوَرِه وأشكالِه، من أرضٍ كانت تُحيِي ذِكرَه، وتهتِفُ بحمده، وتتفاخَرُ على أساسِه، فقال: «يا أيُّها النَّاسُ! ألا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعَجميٍّ على عربِيٍّ، ولا أحمرَ على أسود، ولا أسودَ على أحمرَ إلاَّ بالتَّقوَى».
وحين كانت تتسلَّلُ إلى الصفِّ المسلمِ في إحدَى الغزوات بِذرةٌ غريبةٌ في مُجتمعٍ طاهِرٍ، قال الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يرعَى المسيرَة: «ما بالُ دعوَى الجاهلية؟!».
وقال وفقه الله: لم يرضَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أن تظهرَ بينهم بوادِرُ التمييزِ العنصرِيِّ ولو كان في الألفاظِ، فهذا أبو ذَرٍّ يُعَيِّرُ رجُلاً بأمِّه، ويُنادِيه: يا ابنَ السوداء! فيغضَبُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ويقول: «أعيَّرتَه بأمِّه؟! إنكَ امرؤٌ فيكَ جاهلية». وهذا لا يسلِبُ أبا ذرٍّ فضلَه بإسلامه وجهاده.
ومن انبَرَى لإحياء العصبيَّات والهُتافِ بها، والتفاخُرِ على أساسِها، فيقول لهم الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -: «دعُوها فإنَّها مُنتِنة».
وبيَّن الشيخ أن مما جاء في خُطبةِ الوداع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأولُ رِبًا أضعُ: رِبانا رِبَا عباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، فإنه موضوعٌ كلُّه». حرّمَ الإسلامُ الرِّبَا لضَرَرِه، وكثرةِ مَفاسِدِه، فهو يُفسِدُ ضميرَ الفرد، ويُفسِدُ حياةَ الإنسانية بما يُشيعُ من الطمعِ، والشَّرَهِ، والأنانيةِ، يُمِيتُ روحَ الجماعةِ، ويُسبِّبُ العداوةَ ويزرَعُ الأحقادَ.
وأشار فضيلته إلى الاهتمام بقضية المرأة في الإسلام، فقال: وفي خُطبة الوداع، يقول رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فاتَّقوا اللَّهَ في النِّساءِ، فإنَّكم أخذتُمُوهنَّ بأمانِ اللَّهِ». لقد حَفِظَ الدينُ للمرأةِ حقوقَها، وكرَّمَها أمًّا وزوجةً وبِنتًا، جعَلَ جَسَدَها حُرمةً لا يجوز النظرُ من أجنبِيٍّ إليه، بعد أن كان للجميعِ حقًّا مُشاعًا، أعطاها حقَّ الإرثِ، وحقَّ العلمِ، سوَّى بينها وبين الرجلِ في الأجرِ والثوابِ، وفي التكاليفِ العِباديَّة.
وقال حفظه الله: وفي خُطبةِ الوداع، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ترَكتُ فيكم ما لن تضِلُّوا بعدَه إن اعتَصمتُم به: كتابَ الله». كتابُ الله يهدِي للتي هي أقوَم، في شُؤونِ المُعاملات، والقضاء والحُكم، والمالِ والاقتصاد، والمعرفةِ والتربيةِ والتعليم، والأخلاق، والأمن والسلام، والرَّخاء الاقتصاديِّ. وحين تخلَّى المسلمون عن هَدي القرآن، صارُوا شِيَعًا وأحزابًا، يضرِبُ بعضُهم رقابَ بعض.
وختم الشيخ خطبته بالتذكير بفضل العشر من ذي الحجة وأبرز الأعمال المستحبة فيها، فقال: لله تعالى في بعضِ الأيامِ المباركةِ نفَحَاتٌ ينالُها المُوفَّقُون من عبادِ الله، ومن تلكَ الأيام: أيامُ عشرِ من ذي الحجَّة التي قال فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما العملُ في أيامٍ أفضلَ منها في هذه»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرَجَ يُخاطِرُ بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ بشيءٍ».
هذه أيامُ العشرِ من ذي الحجَّة، مَيدانُ سِباقٍ في البرِّ والطاعة، والاجتِهادِ في الذِّكرِ والدعاءِ وتعظيمِ الله.
ومما هو مشرُوعٌ في هذه الأيام: الإكثارُ من صلاةِ النافلة، والتهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ, وقراءةِ القرآن، والصدقةِ على الفقراءِ والمُحتاجِين، وإغاثةِ الملهُوفين، وبرِّ الوالدَين، وقيامِ الليل، إلى غيرِ ذلك.
ومن الأعمال: صومُ غير الحاجِّ ما تيسَّرَ له من أيامِ العشر، خاصَّةً يوم عرفة، لما في "صحيح مسلم" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أَحتسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه، والسنةَ التي بعده».
ومما يُشرَع: تكبيرُ الله وتعظيمُه، فالتكبيرُ المُطلَق يكونُ في جميعِ الأوقات، من ليلٍ أو نهارٍ إلى صلاةِ العيد، أما التكبيرُ المُقيَّد فهو الذي يكونُ بعد الصلوات المَكتوبة التي تُصلَّى في جماعةٍ، ويبدأُ لغيرِ الحاجِّ من فجر يوم عرفة، وللحاجِّ من ظُهر يوم النَّحر، ويستمِرُّ إلى صلاةِ عصرِ آخر أيام التشريق.
كما تُشرَعُ الأُضحِية، ومن أراد أن يُضحِّيَ ودخَلَ شهرُ ذو الحجَّة، فلا يأخُذ شيئًا من شَعره أو أظفَاره حتى يذبَحَ أُضحيته.
التعليقات