مختصر خطبتي الحرمين 3 من شوال 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن المُسلم حقًّا من تكونُ تقوَى الله شِعارَه طِيلَة عُمره، ودِثارَه مُدَّة حياته، ويكونُ عملُه بالطاعات واجتِنابُه المعاصِي والخطيئَات ديدَنًا له ومنهَجًا وسُلوكًا، يغتنِمُ الأوقاتِ والمواسِمَ الفاضلةَ في التعبُّد والتقرُّب، ويُعوِّدُ نفسَه الخيرات حتى تُصبِحَ له عادةً حميدةً، وخُلُقًا وسجِيَّة، فإذا انقضَت مواسِمُ الخير لم تجِده بعدَها غافلاً لاهِيًا، أو ناقِضًا عزمَ الجِدِّ والاجتِهاد ساهِيًا...

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ خالد الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "حال المسلم بعد رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وانقضاءِ أيامه، وما يحصُلُ لكثيرٍ من المُسلمين من حالَة الفُتور والكسَل والخُمول، مُبيِّنًا أن هذه الحالَة تحصُلُ للعابِدين العاملين مع تمسُّكهم بطاعةِ الله تعالى وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، أما من يعبُدون الله تعالى في المواسِمِ فهم يجِدون في انقِضاء المواسِم بوابةً ينفُذُون منها إلى التخفُّف من الواجِبات والفرائِض، والتساهُل في المُحرَّمات.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - وراقِبُوه، واعلَموا أن تقوَى الله أكبرُ وأجلُّ أسباب النصر والتمكين والتوفيقِ الإلهيِّ.

 

وأضاف الشيخ: ها نحن قد فارَقنا عن قريبٍ أيامًا من أعظمِ أيام الله المشهُودة، وشهرًا هو خيرُ شهور السنة، وقد كنا من قبلُ نُهيِّئُ النفوسَ لاستِقبالِه والإعدادِ له، ثم في سرعةٍ عجيبة انقضَت أيامُه وليالِيه المُبارَكة بما حمَّلنَاها من أعمالٍ، خُتِم عليها فلا تُفتَحُ صحائِفُها إلا بين يدَي العليمِ الخبيرِ يوم العَرضِ الأكبرِ عليه -سبحانه-؛ فمن وجدَ خيرًا فليحمَد الله، وهنيئًا له القبولَ والرِّضا، والدخولَ من بابِ الريَّان إلى جناتِ النعيم؛ حيث يُوفَّى الصائِمون الصابِرون أجرَهم بغير حسابٍ، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلُومنَّ إلا نفسَه.

 

وقال حفظه الله: إن من أهم الأمور عند المُسلم بعد انتِهائِه من العبادات والأعمال: أن يتقبَّلها الله منه، فتراه يعملُ ويتقرَّبُ إلى الله بصدقٍ وإخلاصٍ، لا رياءَ ولا سُمعةً، ولا حُبًّا في مدحٍ أو ثناءٍ، ثم هو يخافُ ألا يتقبَّلَ الله منه؛ لأن الله طيبٌ لا يقبلُ إلا طيبًا، والله - سبحانه وتعالى - يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]، ولذلك كان من وصفِ عبادِ الله المُؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60]. قال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله -: "يعمَلون ما عمِلوا من أعمال البرِّ، وهم يخافُون ألا يُنجِّيَهم ذلك من عذابِ ربِّهم، إن المُؤمن جمعَ إحسانًا وخشية، وإن المُنافِقَ جمعَ إساءةً وأمنًا".

 

وأكد الشيخ أن المُسلم الصادقَ يمشِي في دُروبِ الحياة سائرًا إلى الله على جناحَي الرجاء والأمل، والخوفِ والحذَر، فيعملُ الصالحات، ويرجُو من الله القَبول، ويأمَلُ في رحمةِ أرحم الراحِمين وكرمِه، وهو مع ذلك يخشَى عذابَ الله وسخَطَه، ويخافُ من تقلُّب الأحوال، وفُجاءَة النِّقَم، وزوالِ النّعَم، وأن يحُولَ الله بينَه وبين قلبِه فلا يقبَلُ منه أعمالَه. ورُبَّ صائِمٍ ليس له من صيامِه إلا الجُوعُ والعطَش، ورُبَّ قائِمٍ وقارِئٍ للقُرآن ليس له إلا التعبُ والسهر، ورُبَّ مُلبٍّ يُقال له: لا لبَّيكَ ولا سعدَيك. فقَبولُ الأعمال عند الله ورِضاه عنها، وإثابتُها عليها هو أُمنيةُ الصالِحين، وبُغيةُ العابِدين.

 

وبيَّن فضيلته أن من أخطَر الآفات التي تعترِضُ المُسلمَ في سَيرِه إلى الله: أن يُصابَ بداءِ الفُتور والكسَل، ويُبتلَى بآفَة الخُمول والانقِطاعِ عن العمل، وقد نعَى الله - سبحانه - على قومٍ أنهم لا يأتون الصلاةَ إلا وهم كُسالَى، ولا يُنفِقُون إلا وهم كارِهون. فكيف بمن تفتُرُ همَّتُه عن العبادة وينقطِعُ عنها؟!

 

وأشار سماحته إلى أن: الفُتورَ والانقِطاعَ يُصيبُ العابِدين والعامِلين أثناءَ العمل والعبادة وبعدَها، وهو اختِبارٌ من الله، وابتِلاءٌ لعبادِه، حتى يعلمَ الصادقَ المُحبَّ من غيرِه، ويتبيَّن من يعبُدُ الله على حرفٍ؛ فإن أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابَته فتنةٌ انقلَبَ على وجهِه. والسعيدُ المُوفَّق هو من يكونُ فُتورُه عارِضًا مُؤقَّتًا، وهو في أثناءِ ذلك مُقيمٌ على السنةِ والطاعةِ والاتباعِ، يُسدِّدُ ويُقارِبُ، ويُعالِجُ نفسَه بحكمةٍ وبصيرةٍ، حتى يعودَ مرةً أخرى إلى العمل والطاعاتِ والقُرُباتِ بانشِراحِ صدرٍ، وقوةٍ وثباتٍ.

 

وأضاف الشيخ: وأما الهالِكُ حقًّا فهو الذي كان فُتورُه وانقِطاعُه عن العبادة والعمل بوابةً نفَذَ منها إلى التخفُّف من الواجِبات والفرائِض، والتساهُل في المُحرَّمات، قد نقَضَ ما بناه، وانهدَمَ عُراه، وتفسَّخَت عزائِمُه، واعتوَرَته شياطينُ الإنس والجنِّ، واتبَعَ هواه، فمالَت به الدنيا ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، فإما أن يقَعَ في بدعةٍ أو تبديلٍ وتحريفٍ، أو غلُوٍّ وتطرُّفٍ، أو تفريطٍ وتساهُل.

 

وقال وفقه الله: إن المُسلم حقًّا من تكونُ تقوَى الله شِعارَه طِيلَة عُمره، ودِثارَه مُدَّة حياته، ويكونُ عملُه بالطاعات واجتِنابُه المعاصِي والخطيئَات ديدَنًا له ومنهَجًا وسُلوكًا، يغتنِمُ الأوقاتِ والمواسِمَ الفاضلةَ في التعبُّد والتقرُّب، ويُعوِّدُ نفسَه الخيرات حتى تُصبِحَ له عادةً حميدةً، وخُلُقًا وسجِيَّة، فإذا انقضَت مواسِمُ الخير لم تجِده بعدَها غافلاً لاهِيًا، أو ناقِضًا عزمَ الجِدِّ والاجتِهاد ساهِيًا.

 

وأضاف الشيخ: إن من أشنَع الفُجور، وأكبَر الكبائِر عند الله: أن يتورَّط المرءُ عن عمدٍ وإصرارٍ في سَفكِ دماءٍ طاهرةٍ بريئةٍ، وأنفُسٍ معصُومة، وينتهِكَ حُرمةَ الزمان والمكان، بتفجيرٍ وتخريبٍ مُتعمَّد، يُرادُ منه إهلاكُ الحَرثِ والنَّسل، وإحداثُ الفوضَى والعبَثُ بالأمن، وزعزَعةُ الاستِقرار لتحقيق مآرِب سيئة، ومقاصِدَ خبيثة، وأهدافٍ تخريبيَّة.

 

وبيَّن فضيلته أنه يقِفُ من وراء ذلك كلِّه عِصاباتٌ مُجرِمة، وتنظيماتٌ إرهابيةٌ طائِفيَّة، وأعداءٌ حاقِدون، اتَّخَذوا من أغرارٍ جهَلَةٍ سُفهاءِ الأحلام، حُدثاءِ الأسنان أدواتٍ ووقودًا لإشعالِ حريقِ الطائفيَّة، والخرابِ والفوضَى، وعدمِ الاستِقرار في بلاد المُسلمين، وفي مُقدِّمتها حاميةُ الحرمين الشريفين: المملكةُ العربية السعودية.

 

وأكد الشيخ أن ما حدَثَ في هذه البلادِ المُبارَكة - حرسَها الله - خلال أيام رمضان المُبارَك وفي آخره على وجه التحديد، من تفجيرٍ وسَفكٍ للدماء، وترويعٍ للآمِنين، حتى وصلَ الأمرُ إلى حرَمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لهُو فاجِعةٌ بكل المقايِيس لكل مُسلمٍ غَيورٍ مُحبٍّ للحرمَين الشريفَين، وداهِيةٌ مُحزِنةٌ مُؤلِمةٌ، ومُحيِّرةٌ مُقلِقة في آنٍ واحدٍ. مُحزِنةٌ ومُؤلِمةٌ لأنها حصلَت في بلاد الحرمَين، مأرِز الإيمان ومهبِط الوحي. وكل العُقلاء يتساءَلون: من أين أتى هؤلاء المُعتَدون الجهلَة، الذين لا يرقُبُون في مُؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّة، وانتهَكُوا الحُرُمات والمُقدَّسات والأزمِنة الشريفة.

 

وأكَّد الشيخ أن هذه الظاهِرة غريبةٌ كلَّ الغرابَة عن مُجتمعاتِ المُسلمين، وعن بلادِ الحرمَين على وجه الخُصوص، تلك البلادُ المُبارَكة التي عاشَت وما تزالُ - بحمدِ الله - في ظلِّ منهَج الاعتِدال والوسطيَّة وسماحَة الإسلام، حُكَّامًا ومحكُومين. مما يُؤكِّدُ تأكيدًا بالِغًا على أن هذه الظاهِرة تقومُ على أفكارٍ ضالَّةٍ مُتطرِّفة، وتصوُّراتٍ مُنحرِفة، بعيدةٍ كل البُعد عن مُجتمعِنا المُسلم، يتولَّى نشرَها وبثَّها أعداءٌ حاقِدون هم في الحقيقةِ حامِلُو لواءِ الفساد والإفساد والإجرام.

 

وأكَّد الشيخ على أنه يجب أن نقِفَ بحزمٍ وعزمٍ ضدَّ هذه الظاهِرة المُؤلِمة المُحزِنة، وذلك من خلال التكاتُفِ والترابُطِ ووحدةِ الصفِّ والكلِمة، ونبذِ النِّزاعاتِ والخلافاتِ الجُزئيَّةِ، والتراشُقِ بالتحزُّباتِ والتصنيفاتِ المَقيتَة، وأن يتداعَى كل من له قُدرة على التأثير والإصلاح والتوجيهِ، من العُلماء، والمُفكِّرين، والسياسيين، ورجال الثقافة والإعلام الفضائيِّ، والتواصُل الاجتماعيِّ إلى تحصينِ المُجتمع وأبنائِه، وفَضحِ هذه الشُّبُهات والأفكار والتحذير منها، والوقوفِ مع وُلاة الأمر، وأن يكون الجميعُ على قَدرٍ عالٍ من الوعيِ والمسؤوليَّة، وفهمِ خُطورة المرحَلة.

 

وختم الشيخ خطبته بالتأكيد على أهمية حماية الحرمين الشريفين، فقال: إن الدفاعَ عن بلاد الحرمَين ومُقدَّسات المُسلمين وعقيدتِهم ودينِهم لهُو من مقامات الجهادِ العليَّة على الحقيقة، ومن أوجَبِ الواجِبات المرعيَّة، وأجلِّ القُرُبات الشرعيَّة. ألا فلتخسَأْ قُوى الشرِّ الحاسِدة الحاقِدة، التي تسعَى لزعزَعَة الأمن والفوضَى والفسادِ والإفساد، ألا فليموتوا بغيظِهم وحقدِهم الدَّفين المورُوث. فوالله الذي لا إله غيرُه؛ إن دينَ الله منصُور، وبلادَ الحرمَين محفُوظةٌ بحفظِ الله ورعايتِه، والحرمَان الشريفَان ومُقدَّساتُ المُسلمين وحُرماتُهم بأيدٍ أمينةٍ حازِمة، ستضرِبُ بقوةٍ وعزمٍ وبلا هوَادَة، وستقطعُ كلَّ يدٍ تسعَى للتخريبِ والفوضَى، وانتِهاكِ حُرُمات المُسلمين ومُقدَّساتهم.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ماذا بعد شهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان والتذكير بمُضيِّ أيامه وليالِيه بما تحمَّلَتها من أعمالنا خيرها وشرِّها، وما يجبُ على المُسلم من إتباع الحسنة بالحسنة، وذكرَ الأحداث الدامية التي وقعَت في بلاد الحرمَين، مُرشِدًا الآباء والعلماء والمفكرين والإعلاميين لتعليم الشباب وتوجيههم إلى شرع الله تعالى.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

 

وأضاف الشيخ: ما أسرعَ ما تنقضِي الأيام وتمرُّ الشهورُ، والعاقلُ المُوفَّقُ من يتَّخِذُها ميدانًا للتقرُّب إلى المولَى - جل وعلا -، والحِفاظِ على طاعته سرًّا وجَهرًا. وإن الواجِبَ على المُسلم في هذه الحياة: أن يُحقِّقَ الغايةَ من وُجودِه في دهرِه كلِّه، بالاستِقامة على توحيدِ الله - جل وعلا - وتقوَاه، وعلى طاعةِ مولاه؛ فالحياةُ كلُّها غايتُها العُظمى التِزامُ الأوامرِ الإلهيَّة، وتحقيقُ العبوديَّة له - سبحانه -.

 

وقال حفظه الله: لئن وُفِّق المُسلم على استِثمار وقتِه في رمضان بالمُسارَعة إلى الخيرات، والتقرُّب بسائرِ المُستحبَّات، فعليه أن يحمدَ الله - جل وعلا - على ذلك، وأن يجتهِدَ في عامِه كلِّه بأنواعِ الطاعاتِ حسبَ الاستطاعةِ ووفقَ المُمكِنات، فرسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ» (متفق عليه). وسُبُل الخيرات، وطُرقُ كسبِ الحسنَات في شريعَة السماحَة واليُسر والرحمةِ والفضلِ كثيرةٌ مُتنوِّعةٌ في الأقوال والأفعال.

 

وقال وفقه الله: الشأنُ الأعظمُ أن يستقيمَ العبدُ على فعلِ الواجِبات والبُعد عن السيئات والمنهيَّات والقبائِح، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) [هود: 112]. ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم -: «قل: آمنتُ بالله، ثم استقِم»؛ فحافِظوا على حسناتِكم، واحذَروا من تكديرِ ما أنعمَ به الله عليكم؛ فالمُفلِسُ الحقيقيُّ في الاصطلاحِ الشرعيِّ، كما دلَت عليه النصوصُ، هو من يبني حسناتٍ عِظام، ثم يهدِمُ ذلك بإطلاقِ جوارِحِه في ظُلم الخلقِ، والتعدِّي عليهم بالمقالِ والفِعالِ.

 

وأضاف الشيخ: وفي خِتامِ رمضان وفرَح المُسلمين بإتمام الصيام والقيام، وبعد التوفيقِ لإكمالِ تلاوةِ كلامِ الحَكيم العلاَّم، يُفاجَأُ أهلُ الإسلام بثلاثةِ تفجيراتٍ إجراميَّةٍ دمويَّة، وحوادِثَ إرهابيَّةٍ في بلادِ الحرمَين، جمعَت من القبائِحِ أعظمَها، ومن الجرائِمِ أشنعَهَا، ومن الكبائِرِ أعظمَها، من فئةٍ انحرَفَت عن تعاليمِ الوحيَين، وخرجَت عن جماعةِ المُسلمين، وأحدثَت في بلادِ المُسلمين ما جرَّ الفسادَ الكبيرَ، والشرَّ المُستطيرَ الذي لا يفرحُ به إلا أعداءُ الدين.

 

وتساءل فضيلته: ألا يخشَى أولئك من الجبَّار - جل وعلا -؟! ألا يتَّقون العزيزَ الغفَّار؟! أين هم حينما يسألُهم ربُّهم عن سَفك دماءِ المعصُومين؟! ما موقِفُهم من خالقِهم وهم يسعَون فسادًا عريضًا بترويعِ الآمنين العابِدين المُصلِّين، بقتلِ الأبرِياء الصائِمين، لاسيَّما بجوار مسجِدِ رسولِه الأمين، وفي شهرٍ عظيمٍ، والناسُ في قيامٍ خاضِعين لربِّ العالَمين.

 

 

وأكد الشيخ أن أعظم وسيلةٍ لشياطين الجنِّ والإنسِ لإفساد العقول، وإخراجها عن الهديِ المُستقيم، أعظم ذلك: البُعد عن جماعة المُصلِّين، وهديِ العابِدين، وسبيل المُؤمنين، (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 168]. وما أرشدَنا القرآنُ والسنةُ إلا إلى ما يُصلِحُ به أوضاعَنا، وحينما نبتعِدُ عن ذلك يحصُلُ الفسادُ العريضُ.

 

وبيَّن فضيلته أن أعظمَ سلاحٍ ينهَجُه أعداءُ الإسلام، ينهَجُه أعداءُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لهَتك سِياجِ الدين، ولمُحاربَة مُجتمعات المُسلمين، أعظمُ سلاحٍ هو تغذِيةُ عوامِلِ التفرِقة، وإخراجُ الشبابِ عن جماعَة المُسلمين بحُجَجٍ ظاهِرُها الرحمة، وباطِنُها العذابُ، بحُجَّة نصرة الدين وخدمةِ قضاياه. وذلك لا يكونُ منهم إلا حينما يُبعِدُون الشبابَ عن العلماء الربانيِّين، والفُقهاء المُحقِّقين، والأئمةِ المُصلِحين.

 

وأكد الشيخ أن بلادَكم مُستهدَفة في خدمتِها للحرمَين، وفيما أنعمَ الله به عليها من نعمٍ مُتعدِّدة. فاتَّحِدوا على الخير، احذَروا الانقِسامات بشتَّى أشكالِها، تحرَّسُوا من أحابيلِ الأعداء وشِراكِ المُتربِّصين الذين يبغُون لكم ولمُجتمعاتِكم ولأجيالِكم الفناءَ والهلاكَ والدمار. إن وسائلَ الإعلام عليها تصحيحُ مسارِها، وأن تكون مُوجّهةً لاستِقرار المُجتمعات وحفظِ الأجيال، وإن على جميعِ المُسلمين أن يحذَروا من سلاحٍ فتَّاكٍ جِراحُه نازِفة، إنه سلاحُ الإشاعات المُغرِضة، والأكاذِيب المُرجِفة.

 

وحث الشيخ على الاتحاد والترابط فقال على: أهل بلاد الحرمَين أن يتلاحَموا مع قادَتهم، وأن ينهَلُوا من عُلمائِهم الربانيِّين المشهُود لهم بالعلمِ والديانةِ والورَع، والحكمةِ والتجربة، على الجميعِ أن يُغلِّبُوا المصالحَ العامَّة على الخاصَّة، وأن يتفانَوا في خدمةِ بلادِهم بصدقٍ وإخلاصٍ، ابتِغاءَ الأجر والمثُوبَة، فهي بلادُ الحرمَين التي تخدمُ الدين وتخدمُ المُسلمين جميعًا. عليهم أن يجتهِدُوا في ذلك مُنطلِقين من توجُّهات دينهم ومقاصِد شريعتهم.

 

وأشار إلى دور الأسر فقال: وعلى الأُسر أن تُراعِي شبابَها، وأن يتفقَّدُوا أحوالَهم، وأن ينظُروا في أوضاعِهم، وأن يلحَظُوهم في توجُّهاتهم، مع الابتِهالِ لله - جل وعلا - أن يحفظَ أولادَهم من كل فتنةٍ ومحنةٍ وفكرٍ ضالٍّ، فالدعاءُ من الوالدَين أعظمُ أسبابِ الصلاحِ.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على المداومة على الطاعات بعد رمضان فقال: إن من فضلِ الله -جل وعلا- على الأمة: ما شرعَه لهم من أفعالِ الطاعاتِ المُستمرَّة التي تُكسِبُهم عظيمَ الحسنات، فكُونوا مُستلهِمين من شهر رمضان ما يحدُوكم إلى عظيمِ الفضائلِ، وجمائِلِ الأخلاق، مُتَّصِفين بالجُودِ بأنواعه دومًا، وبالفضلِ والإحسان والرحمةِ سرًّا وجهرًا؛ فالأمةُ المُحمديَّةُ أمةٌ يجبُ أن تعيشَ في العالَم بالأخلاقِ الفُضلَى، والمحاسِنِ العُظمى، فهذه من أنبَلِ مقاصِدِ دينِنا، وأعظمِ أهدافِ شريعَةِ ربِّنا، من فرضِ الفرائِضِ وإيجابِ الواجِبات.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life