اقتباس
تمرُّ أمةُ الإسلام اليوم بمرحلةٍ تاريخيَّةٍ غير مسبُوقة؛ حيث تتوالَى الأحداثُ الضِّخام والمُتغيِّراتُ السريعة التي تدَعُ الحليمَ حيران. ويزدادُ كيدُ الأعداء وتربُّصُهم، مما جعلَ اليأسَ والوهَنَ يسرِي في قلوبِ كثيرٍ من أبناءِ الأمة، ودبَّ إلى بعضِهم الحُزنُ والشعورُ بالإحباطِ والعجزِ، وهم يرَون مكرَ الحاقِدين وقوَّتهم وجلَدَهم، ويُشاهِدون صُورَ القتل والدمار والتشريد، مع تلبُّسِ نفَرٍ من أبناءِ الأمة بأفكارِ الخوارِج والتفجير والتكفير...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ خالد الغامدي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "خصائص وفضائل الأمة المحمدية"، والتي تحدَّث فيها عن حالة اليأس والإحباط والهزيمة النفسيَّة التي دبَّت في قلوبِ كثيرٍ من المُسلمين، مُبشِّرًا لهم بأن العاقبةَ للمُتَّقين، وأن النصرَ والتمكينَ لهذه الأمة لا محالةَ مهما تكالبَ عليها الأعداء، وكادُوا لها المكائِد، وقد ذكرَ العديدَ من الخصائص والفضائل لهذه الأمة في الدنيا والآخرة، في ضوءِ الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن المُتَّقين هم أكرمُ الخلقِ على الله وأحبُّهم إليه، وأولاهُم بالنصر والتأييد الإلهيِّ والعطاءِ الربَّانيِّ.
وأضاف الشيخ: تمرُّ أمةُ الإسلام اليوم بمرحلةٍ تاريخيَّةٍ غير مسبُوقة؛ حيث تتوالَى الأحداثُ الضِّخام والمُتغيِّراتُ السريعة التي تدَعُ الحليمَ حيران. ويزدادُ كيدُ الأعداء وتربُّصُهم، مما جعلَ اليأسَ والوهَنَ يسرِي في قلوبِ كثيرٍ من أبناءِ الأمة، ودبَّ إلى بعضِهم الحُزنُ والشعورُ بالإحباطِ والعجزِ، وهم يرَون مكرَ الحاقِدين وقوَّتهم وجلَدَهم، ويُشاهِدون صُورَ القتل والدمار والتشريد، مع تلبُّسِ نفَرٍ من أبناءِ الأمة بأفكارِ الخوارِج والتفجير والتكفير. حتى تكوَّنَت عند فِئامٍ من الناسِ صُورةٌ قاتِمةٌ كئيبةٌ لحالِ الأمة الإسلامية ومُستقبلِها، وأحاطَت بهم خيالاتُ الوهمُ المُحبِط والهزيمة النفسيَّة.
وقال حفظه الله: ولقد حذَّرَنا الله -سبحانه وتعالى- من الوقوع في حالةِ الوهَن هذه، والشعورِ باليأسِ والحُزن؛ وأخبرَنا - سبحانه وتعالى- أن سُنَّته التي لا تتبدَّلُ، وعادتَه التي لا تتغيَّر أنه يُديلُ على عبادِه المُؤمنين بالابتِلاء والضَّعفِ، ثم تكونُ لهم العاقِبةُ والنصرُ والتمكينُ، ويُهلِكُ أعداءَهم ببأسِه الشديد وعذابِه المُهِين. فأين هي عادٌ الأولى، وثمودُ، وقومُ إبراهيم، وقومُ لُوط، وفرعونُ، وأصحابُ الأيْكَة، وصنادِيدُ الكفر في قريش؟! أبادَهم العزيزُ الجبَّار، ونصرَ عبادَه المُؤمنين وأنبياءَه ورُسُلَه.
وقال وفقه الله: نحن أمَّةُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - من شرقِها إلى غربِها لا يجوزُ لها أن تيأَسَ ولا أن تبتَئِس، ولا ينبغي لها أن تقعَ فريسةَ الإحباطِ واليأسِ المُهلِك الذي يشُلُّ تفكيرَها ويُعطِّل طاقاتِها وقُدراتِها، ويُفقِدُها الأملَ والرجاءَ بسببِ ما يفعلُه الكائِدُون والطُّغاةُ المُجرِمون، وبسبب ما تُشاهِدُه وتسمَعُه كلَّ يومٍ من مشاهِد الأسَى والألَمِ والقتلِ، التي تُساهِمُ وسائلُ الإعلام المُختلفة والتواصُل الاجتماعيُّ مُساهمةً فاعلةً في نشرِها، لتزيدَ من مُعاناةِ المُسلمين إرجافًا وإرهابًا وإضعافًا.
وأكد الشيخ كلامه قائلاً: نعم، لا يجوزُ أن تشعُر الأمةُ باليأسِ وقد بشَّرَها الله تعالى بالعزَّة والنصرِ والتمكين، وخصَّها بخصائِصَ كُبرى وفضائِلَ عُظمَى ليست لأحدٍ من الأُمَم، مما يجعلُها تفتخِرُ بتكريمِ الله لها، وتُباهِي الأُممَ، وترفعُ الرأسَ عاليًا، وهي التي اختارَها الله واصطفاهَا، فتبوَّأَت عنده - سبحانه - شرفًا عظيمًا، ومكانةً وفضلاً. هذا، وإنه لمن المُفيد جدًّا نشرُ هذه الفضائلِ الربَّانيَّة، والخصائِصِ الشريفةِ العليَّة، وإظهارِها لكلِّ من يشُكُّ في نصرِ الله لهذه الأمة، أو يُصابُ بالإحباطِ وفقدِ الأمل.
وبيَّن الشيخ أن هذه الخصائص الشريفة للأمة المُحمديَّة ثابتةٌ بنُصوص القرآنِ والسنَّة، وهي كثيرةٌ ومُتنوِّعة، وإن أعظمَها قدرًا وأثرًا: أن جعلَ الله مُحمَّدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - هو نبيَّها ورسولَها، فهو أعظمُ الرُّسُل وأجلُّهم، وأمَّتُه أعظمُ الأُمم قدرًا ومنزلةً ومكانةً، وهي وإن كانت آخرَ الأُمم عددًا، إلا أنها تأتي أولَ الأُمم يوم القيامة، وهي خيرُها وأكرمُها على الله - سبحانه -.
وأشار الشيخ إلى أن من كرامةِ هذه الأمةِ على الله - سبحانه وتعالى -: أنه عصمَها من أن تجتمِع على ضلالةٍ، وحفِظَ عليها دينَها وقُرآنَها وسُنَّةَ نبيِّها - صلى الله عليه وآله وسلم -، فصمَدَت صمودًا عجيبًا في مُجملِها أمام كلِّ مُحاولات الغَزوِ الفكريِّ والثقافيِّ والأخلاقيِّ، ولم يستطِع أحدٌ أبدًا على مرِّ العُصور والدُّهور أن يتمكَّنَ من تحريفِ القُرآن والسنَّة لا لفظًا ولا معنًى، ومن حاولَ ذلك فضَحَه الله وردَّه يائِسًا بائِسًا.
وأكَّد أن من عنايةِ الله بهذه الأمةِ ورعايتِه لها: أنه يبعَثُ لها على كلِّ رأسِ مائةِ سنةٍ من الحُكَّام، والعلماءِ، والمُصلِحين من يُجدِّدُ لها دينَها، ويُذكِّرُها بما اندرَسَ من أُصول الملَّة والشريعةِ. أما غيرُنا من الأُمم فلا يأبَهُ الله بهم، فلذلك وقعُوا في التحريف والتبديلِ والضلال.
وأضاف الشيخ: قدرُ الله تعالى على هذه الأمةِ أن تكون أقلَّ الأُمم عُمرًا في هذه الدنيا وبقاءً فيها، لكنَّها الأعظمُ بركةً في عُقولِها وفُهومِها وتجاربِها، والله - سبحانه وتعالى - يرزقُها من حقائِق الإيمان والعلومِ والمعارِفِ في فترةٍ وجيزةٍ ما تُدرِكُه الأُممُ الأخرى في أزمانٍ ودُهورٍ. ومن أجلِ ذلك صارَت حضارةُ الإسلام أعظمَ الحضاراتِ بركةً وخيراتٍ وعِمارةً للأرضِ، وأزكاها وأنفعَها للبشريَّةِ من حضارَة المادَّة والشهوات والخواءِ الرُّوحيِّ.
وبيَّن الشيخ أنه بسببِ قِصَر أعمارِ أفرادِ هذه الأمة - فهي ما بين الستِّين إلى السبعين في الغالِب - قبِلَ الله منها القليلَ من العمل، وأثابَها عليه الثوابَ الكثيرَ المُضاعَفَ الذي تفوقُ به الأُممَ قبلَنا الأطولَ أعمارًا؛ كالأُجور المُضاعفَةِ المُرتَّبة على الصلاةِ والحجِّ، وقراءة القرآن، وليلة القدر، وصيام النوافِل، والصلاة في الحرمين الشريفين وفي المسجِد الأقصَى، وغير ذلك.
وقال حفظه الله: ومن تمامِ حفظِ الله لهذه الأمةِ والعنايةِ الإلهيَّةِ بها: أنه - سبحانه - حماها من الهلاكِ العام بالغرق أو بالسنين والقَحط، ولن يُسلِّطَ الله على هذه الأمة عدوًّا من غيرها فيتمكَّن منها ويستبيحَ أصلَها وجماعتَها، ولو اجتمعَ عليها من بأقطارِها. وحفِظَ - سبحانه وتعالى - هذه الأمةَ من عذابِ الاستِئصال، وليس عليها عذابٌ في الآخرة، إنما عذابُها في الدنيا بالفتن والزلازِل والمصائِب.
وقال وفقه الله: وقضَى الله - سبحانه وتعالى - أن تكون الكعبةُ البيتُ الحرام قيامًا للناسِ، وأمانًا لهم، وهُدًى للعالمين، وجعلَ مسجِد نبيِّها - صلى الله عليه وآله وسلم - منارةً للعلمِ والنور، وتكفَّل الله بالشام وأهلِها، وأورثَ - سبحانه - هذه الأمة المسجِد الأقصَى وبيتَ المقدِس، وجعلَه حقًّا مشروعًا لها، وفتحَ - سبحانه وتعالى - للأمة كنوزَ الأرضِ وخيراتِها، وجعلَها تَفيضُ بالنِّعَم الظاهرة والباطِنة، فهي أمَّةٌ مُبارَكةٌ كثيرةُ الخيرات، كالغَيثِ لا يُدرَى أولُه خيرٌ أم آخرُه.
وأشار الشيخ إلى أنه من آثارِ التيسير والسماحَة لهذه الأمة: أن الله - سبحانه وتعالى - تجاوزَ عن هذه الأمة ما حدَّثَت بها أنفُسُها، ووسوسَت به صُدورُها، ما لم تكلَّم أو تعمَل، وعفا عنها - سبحانه - الخطأَ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه، ويسَّر لها أمرَ طهارتها وعباداتها، وفضَّلها بالتيمُّم، وجعلَ لها الأرضَ مسجدًا وطهورًا، وخفَّف عنها الصلاةَ؛ فهي خمسٌ في الفعلِ وخمسُون في الأجر، وجعلَ صُفوفَها في الصلاةِ كصُفوفِ الملائِكةِ، وفضَّلَها وخصَّها بالتأمين خلفَ الإمام، والسلام، وصلاةِ العِشاء فلم يُصلِّها أحدٌ من الأُمم قبلَنا.
وختم الشيخ خطبته بذكر شيء من فضائل الأمة المسلمة، فقال: إن العبدَ ليدهَشُ من كثرةِ الفضائِل والخصائِصِ التي تفضَّلَ الله بها على هذه الأمة المُبارَكة، ويعجَبُ من تنوُّعها وشُمولِها للعبادات والمُعاملات وشُؤون الحياةِ العامَّة والخاصَّة، حتى إن من ماتَ يوم الجُمعة أو ليلتَها وقاه الله عذابَ القبر، ومن ماتَ وهو مُرابِطٌ في سبيل الله أجرَى الله عليه أجرَه إلى يوم القيامة، وحمَاه من فتنةِ الفتَّان في القبرِ. وهذا فيه تسلِيةٌ وبِشارةٌ لإخواننا المُجاهِدين المُرابِطين على الحُدود والثُّغور، فهم في جهادٍ عظيمٍ وثوابٍ جَزيلٍ.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحقوق الزوجية وأسباب الطلاق"، والتي تحدَّث فيها عن الزواج وأنه عقدٌ وميثاقٌ غليظٌ، ورِباطٌ من أقوى الروابِط في الحياة، مُبيِّنًا أن فيه مصالِح ومنافِع تعودُ على الزوج والزوجة والأولاد والمُجتمع بأسرِه، ثم ذكرَ أبرزَ أسباب دوام الزواج، وفي المقابِل ذكرَ بعضَ أسباب وقوع الطلاق، وبيَّن بعضَ أهم حقوقِ الزوج على زوجتِه والزوجةِ على زوجِها، كما حثَّ المسلمين لا سيَّما الشباب على عدم التساهُل في الطلاق دون النظر إلى عواقبِه الوخيمة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله في السرِّ والعلانية؛ فما فازَ أحدٌ في حياته وبعد مماتِه إلا بالتقوَى، وما خابَ أحدٌ وخسِر إلا باتباعِ الهوَى.
وأضاف الشيخ: اذكرُوا مبدأَ خلقِكم وكثرةَ رِجالِكم ونسائِكم من نفسٍ واحدة، خلقَ الله منها زوجَها، ثم جرَت سنَّةُ الله -تعالى- وشريعتُه أن يقترِنَ الرجلُ بالمرأة بعقد النِّكاح الشرعيِّ، ليبنِيَا بيتَ الزوجيَّةِ، تلبيةً واستِجابةً لمطالِبِ الفِطرة والغريزَة البشريَّة، من طريقِ النِّكاح لا من طريقِ السِّفاح.
وأكد الشيخ أن طريق الزواجِ هو العفافُ، والبركةُ، والنماءُ، والطُّهرُ، والرِّزقُ، وصحَّةُ القلوب، وامتِدادُ العُمر بالذريَّة الصالِحة. وطريقُ السِّفاح والزِّنا هو الخُبثُ، وأمراضُ القلوب، وفسادُ الرَّجُل والمرأة، وذلُّ المعصِية، وآفاتُ الحياة، والذَّهابُ ببركتِها، والخلَلُ في الأجيال، والعذابُ في الآخرة.
وبيَّن أن الزوجيَّةَ بيتٌ يحتضِنُ الذريَّة، ويحنُو عليهم ويرعاهم ويُعلِّمُهم، وأبُوَّةٌ وأُمومةٌ تُعِدُّ الأجيالَ للقيامِ بأعباءِ الحياة، ونفعِ المُجتمع ورُقِيِّه في كل شأنٍ، وتُوجِّهُ إلى كلِّ خُلُقٍ كريمٍ، وتمنعُ من كلِّ خُلُقٍ ذَميمٍ، وتُربِّي على الصالِحات للدار الآخرة والحياةِ الأبديَّة. ويبتدِي الصغيرُ بما يرى، فيتأثَّرُ بما يُشاهِدُ ويسمَع، حيث لا قُدرةَ له على قراءة التاريخ وأخذ العِبَر منه والقُدوة.
وأشار إلى أن عقدَ الزواج ميثاقٌ عظيم، ورِباطُ قويم، وصِلةٌ شديدةٌ بين الزَّوجين، وهذا العقدُ اشتملَ على مصالِح ومنافِع للزوجَين، ومنافِع ومصالِح للأولاد، ومصالِح ومنافِع لأقرباءِ الزَّوجَين، ومنافِع ومصالِح للمُجتمع، ومنافِع ومصالِح للدُّنيا والآخرة، لا تُعدُّ هذا المنافِعُ ولا تُحصَى.
وأكَّد أن نقضَ هذا العقد، وإبطالَ هذا الميثاق، وقطعَ حبل الزوجيَّة بالطلاقِ يهدِمُ تلك المصالِح والمنافِع كلَّها، ويقعُ الزوجُ في فتنٍ عظيمةٍ تضرُّه في دينه ودُنياه وصحَّته، وتقعُ المرأةُ بالطلاقِ في الفتن بأشدَّ مما وقعَ فيه الزوجُ، ولا تقدِرُ أن تُعيدَ حياتَها كما كانت، وتعيشُ في ندامةٍ، لا سيَّما في هذا الزمان الذي قلَّ فيه المُوافِقُ لحالِها.
وبيَّن بعض عواقب الطلاق فقال: ويتشرَّدُ الأولادُ ويُواجِهون حياةً شديدةَ الوطأَة تختلفُ عما كانت عليه وهم في ظلِّ اجتماع الأبوَين، ويفقِدون كلَّ سعادةٍ تبتهِجُ بها حياتُهم، ويكونون مُعرَّضين للانحِرافِ بأنواعه المُختلفة، ومُعرَّضين للأمراض بأنواعها المُختلفة، ويتضرَّرُ المُجتمعُ بالآثار الضارَّة التي تكون بعد الطلاق، وتستحكِمُ القطيعةُ للأرحام. ومهما أُحصِيَ من مفاسِد الطلاق فهي أكثرُ من ذلك.
وقال وفقه الله: وقد استخفَّ بعضُ الناس بالطلاقِ، فاستسهلَ أمرَه، ووقعَ في أمورٍ خطيرةٍ، وشُرورٍ كثيرةٍ، وأوقعَ غيرَه فيما وقعَ فيه. وقد كثُر الطلاقُ في هذا الزمان لأسبابٍ واهيَةٍ، ولعللٍ واهِمةٍ، وأسبابُ الطلاق في هذا الزمان كثيرة، ومن أكبرِها: الجهلُ بأحكام الطلاق في الشريعة، وعدمُ التقيُّد بالقرآن والسنَّة.
وأكَّد الشيخ أن الشريعةَ الإسلاميَّةَ قد أحاطت عقدَ الزواجِ بكل رعايةٍ وعنايةٍ، وحفِظَته بسِياجٍ من المُحافَظةِ عليه، لئلا يتصدَّع وينهدِم، ويتزعزَعَ أمام عواصِف الأهواء؛ لأن سببَ الطلاق قد يكونُ من الزوج، وقد يكونُ من الزوجةِ، وقد يكونُ منهما، وقد يكونُ من بعضِ أقاربِهما. فعالجَت الشريعةُ كلَّ حالةٍ قد تكونُ سببًا في الطلاقِ.
وبيَّن الشيخ أن على الرجلِ العِشرةَ بالمعروف والإحسان، وإذا كرِهَها صبَرَ عليها لعلَّ الحالَ تتبدَّل إلى أحسن منها، أو لعلَّه يُرزقُ منها بأولادٍ صالحين، ويُؤجَرُ على صبرِه عليها، وعلى الزوجِ والزوجةِ أن يُصلِحا أمورَ الخلاف في بدايتها؛ لئلا تزدادَ خلافًا، وعلى الزَّوجَين أن يعرِفَ كلٌّ منهما صاحبَه، فيأتي كلٌّ منهما ما هو أرضَى لصاحبِه، ويجتنِبُ كلٌّ منهما ما لا يحبُّ الآخر. فهذا ميسورٌ لا يخفَى.
وأشار الشيخ إلى أن من أسباب دوامِ الزَّواج وسعادته: الصبرَ والتسامُح؛ فمرارة صبرٍ قليل يعقبُه حلاوةُ دهرٍ طويل، وما استُقبِلَت المكروهات بمثلِ الصبرِ، والتسامُح والعفوُ تزينُ به الحياة، ويكسُوها البَهجَة والسُّرور والجمال، وتندمِلُ به جِراحُ العِشرة. والتسامُحُ والعفوُ أمرٌ ضروريٌّ للحياة، ولا سيَّما بين الزوجَين. وإذا كان في أمورٍ كماليَّة، أو في أمورٍ قابلةٍ للتأخير، فالتسامُح هنا خيرٌ للزوجَين. وفي هذا الزمان أُرهِقَ كثيرٌ من الأزواجِ بمطالِبِ الحياةِ وإنجازها حتى وإن كانت كماليَّة، واستِقصاءُ كلِّ الحُقوق، وعدمُ التسامُح والعفوِ في بعضِها يُورِثُ النُّفرةَ والتباغُض بين الزوجَين.
وأضاف الشيخ: إن من أسبابِ الطلاق: التتبُّع للمُسلسلات الفضائيَّة التي تهدِمُ الأخلاق، أو المواقِع المُحرَّمة في الجوَّال، التي تنشُر الفساد. ومن أسباب الطلاقِ: خروجُ الزوجةِ بغير إذنِ الزوجِ، ولا يحلُّ لها أن تخرُج إلا بإذنِه، وهو الذي يُقدِّرُ الأمورَ. وإذا تعذَّرَت أسبابُ بقاءِ الزوجيَّة فقد أحلَّ الله الطلاقَ.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الاستخفاف بالطلاق فقال: صارَ الطلاقُ جارِيًا على ألسِنةِ بعضِ الشبابِ من دون مُراعاةٍ لحقوقِ ولدٍ ولا قريبٍ ولا اعتبارٍ لأحد، وقد يقعُ بتكرَاره في أزمِنةٍ مُتباعِدة، أو تَكرَراه في مجلسٍ واحدٍ، ثم يتلمَّسُ الفتاوى، وقد يحتالُ، وقد تنسَدُّ عليه الطرُقُ ويندمُ ندامةً لا تنفعُه، والله -تعالى- يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].
التعليقات