اقتباس
إن على المُجتمعات الإسلامية -حُكَّامًا ومحكُومين- أن يُحقِّقُوا ما أرادَ الله منهم، من العمل بشريعةِ الإسلام، والتمسُّك بهذا الدين، والتعاوُن على البرِّ والتقوَى، والحرصِ الكاملِ على طاعةِ الله - جل وعلا - وامتِثالِ أوامرِه وأوامرِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، في جميعِ الأمور، وشتَّى الأحوال ونواحِي الحياة، وأن يعتزَّ المُسلمون بدينِهم، وأن يتمسَّكُوا بثوابتِهم، وأن يقِفُوا صفًّا واحدًا منيعًا في وجهِ كل عُدوانٍ وبغيٍ من أعداء المُسلمين ينشُدُ هدمَ دينهم وخرابَ دُنياهم...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "المبادرة إلى فعل الخيرات"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة المُسارعة والمُبادرة إلى الخيرات؛ حيث كان ذلك دأبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام - رضي الله عنهم -، مُمثِّلاً ببعضِ النماذِج المُشرِقة من أحوالِ الرَّعيلِ الأول، ومُثمِّنًا المُبادرات العصريَّة الرائِعة؛ ليحتَذِيها الشبابُ ويقتَدُوا بها.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، واعلَموا أن تقوَاه -تبارك وتعالى- هي السِّراجُ الهادي لمن رامَ الهدى والنجاة، والفائزُ وحدَه من اتَّقى اللهَ مولاه.
وأضاف الشيخ: من أطلقَ بُنيَّات أفكاره، وتمعَّن بعينِ بصيرتِه وإبصارِه، وأنعمَ النظرَ في أصول شريعتنا الغرَّاء، توسَّم من غير مشقَّةٍ وعناءٍ أنها دأَبَت على تزكية المُسلم والسُّمُوِّ به إلى أعلى المراتِب، بأسنَى الشِّيَم والمناقِب؛ ليُحقِّق السُّؤدَد والازدِهار، والآمال الكِبار. وذلك من خلال الحثِّ على فعلِ الخيرات، والمُسارعة إلى اكتِسابِ المكرُمات، والدلالةِ عليها بالرُّؤى والمُبادرَات.
وأكد الشيخ أن شريعة الإسلام قد جاءت بتدبيجِ هذه الخَصيصة السنيَّة، وتتويجها وإعلاء صَرحها؛ فكم مدحَت السابِق، وقدَّمتها على الدابِق، فيا لله! كم في المُبادرَة والمُسارَعة من ثناءٍ عاطِر، وتحضيضٍ ماطِر؟! وكم مدحَ القرآنُ الكريمُ الإسراعَ في الخيرات والسبقَ إليها؟! يقولُ تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة: 148].
وقال حفظه الله: ومن آلَق الرُّؤَى وأسناها، وأشرفِ المُبادَرات وأجلاها: ما كان من خير البريَّة فخارًا ومجدًا، وأزكاها صدَرًا ووِردًا؛ فعن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناس، وأجودَ الناس، وأشجعَ الناس. ولقد فزِعَ أهلُ المدينة ذاتَ ليلةٍ، فانطلَقَ الناسُ قِبَلَ الصوت، فاستقبلَهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبقَ الناسَ إلى الصوتِ وهو يقول: «لن تُراعُوا، لن تُراعُوا»، وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُرْيٍ - ما عليه سَرْج -، في عُنقه سيف. فقال - رضي الله عنه -: "لقد وجدتُّه بحرًا أو إنه لبحرٌ" بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -. فمُبادرَةُ الإمام سُنَّةٌ سنَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال وفقه الله: ولقد نهَلَ الصحابةُ - رضي الله عنهم - من هذا المشرَع الروِيِّ، حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه - عن أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وكانوا أحرصَ شيءٍ على الخير". ومن في الناسِ مثلُ أبي بكرٍ في مُبادراته وعطاءاتِه؟! وقد خرجَ من مالِه مرتين، وأنفذَ جيشَ أُسامة، وحاربَ جيشَ الرِّدَّة. وأنَّى يُدرَكُ الفاروقُ عُمر، وقد فرَّ منه الشيطان؟! ومن يلحَق بذي النورَين عُثمان، وقد نسخَ صحائِفَ القرآن؟! وعليٍّ ذي السُّؤدَد العليِّ، والشرفِ الجلِيِّ، وكان من السابِقين الأولين. وكم من عِذقٍ رَداح في الجنةِ لأبي الدَّحداح؟!
وأضاف الشيخ: يُساقُ ذلك كلُّه في زمنٍ كثُر فيه قراصِنةُ العقول، ومُروِّجُو الإرهاب الفِكريِّ من خلالِ بعضِ القنواتِ الفضائِيَّة والشبكَات المعلُوماتيَّة؛ لابتِزاز عقولِ الناسِ في مآرِب أدناس، وانخدعَ الأغمارُ بها على غيرِ قياسٍ، ظنًّا منهم أنهم من أهل الورَعِ والقِسطاس. والمُسلمُ الحَصيفُ الأحوَذِيُّ ينشُزُ بنفسِه عن تلك السَّفاسِفِ والأغالِيط التي لا تتقحَّمُ إلا عقولَ الدَّهماء والرَّعاع، ولا تتَّطِنُ إلا النفوسَ العقيمة والأرواحَ السَّقيمة.
وأشار الشيخ إلى أنه ما أجملَ أن ينشغِلَ أبناءُ الأمة وشبابُها بما فيه صلاحُ أنفسهم وأوطانهم، من خلال تبنِّي الرُّؤى والمُبادرَات التي تكون مدرجةً متينةً لتأصيلِ الوعيِ المُزدهِر في الأمة، والفِكرِ البصير الناقِد، والرأيِ المُحنَّك الراجِح، وتُسهِمَ في تقدُّم الأوطان والمُجتمعات، في تغييرٍ إيجابيٍّ يتمثَّلُ قولَ الحقِّ - تبارك وتعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
وأضاف فضيلته: واليوم هيهاتَ هيهاتَ! أن تنتظِمَ شُؤون الأُمَم، وتسلُك السبيلَ الأَمَم إلا برُؤًى فكريَّةٍ وحضاريَّةٍ تلتزِمُها في كافَّة مجالاتها وميادينها، وتُربِّي النشءَ وتبنِي الأجيالَ عليها. وحينئذٍ ترتقِي الأُمةُ علياءَ عزِّها، ومدارَات مجدِها، وتقطعُ على أعدائِها نُهَزَّ كيدِها، لتفريقِ شَملِها، وإفساد وُدِّها، وتسُدُّ الكُوَى أمامَ الكذَبَة الأفَّاكين ممن يُرهِقُون المُجتمعَ عُرَرًا، ويجعَلونَه نهبًا وغرَضًا.
وحث الشيخ الشباب على التمسك بالجماعة والحذر من الأفكار الهدامة، فقال: فيا شبابَ الأمةِ وعِمادَ حياتها .. قلوبَها النابِضة .. عقولَها المُتلألِئة .. بُناةَ الحضارة .. صُنَّاع الأمجاد .. ثمرات الفُؤاد .. فلَذَات الأكباد! اللهَ اللهَ! تمسَّكُوا بقِيَم الدين، ومنهج أسلافِنا الصالِحين، وتفاعَلُوا إيجابيًّا مع مُبادرَات الخير والتنمية. وإن أمَّتَكم الإسلاميَّة لفي لهَفٍ إلى وثبَتكم الرَّشيدة، لإقالتها من هذه الوِهادِ الشديدة. خاصَّةً بعدما اعتادَ الصهاينةُ المُجرِمون المُعتَدون رفعَ عقيرتهم في انتِهاك حُرمةِ المسجِد الأقصَى المُبارَك، وتدنيسِ أكنافِ بيتِ المقدِس، واستِفزازِ مشاعِرِ المُسلمين.
وأشار فضيلته إلى أحداث الشام، فقال لقد: جُنَّ جُنونُ طاغِية الشام، ولم يكتَفِ بقتلِ الأطفال والنساء، حتى هدمَ عليهم المدارسَ والمشافِي، ودمَّر مُستودعَات الأدوية في حلب الصامِدة. فالله المُنتقِمُ طلِيبُه، والديَّانُ حسيبُه. عاملَه الله بما يستحقُّ جزاءَ بغيِه وطُغيانه، وتمرُّده وعُدوانه. فاللهم عليك بأهل الظُّلم والطُّغيان والعِناد كما أخذتَ قومَ نوحٍ وعادٍ وفرعون ذي الأوتاد.
وبيَّن الموقف الشرعي من هذه الأحداث قائلاً: وإزاءَ تلك العواظِم القواصِم، والويلات الحواطِم تتوهَّجُ في الأفئِدة أقباسُ الغضب والحمِيَّة، التي قد تخرُجُ ببعضِ الشبابِ عن هديِ الوحيَين الشريفين. وإن العزَّة المنشُودة المرُومة، الزاكِية الأصول والأرُومة، التي تكون وفقَ ضوابِط الدين ورُسُوخ اليقين، وتتبنَّى البناءَ والتعمير، البناءَ الفكريَّ والعقديَّ، والتعميرَ العُمرانيَّ والحضاريَّ. ولا تلتفِتُوا إلى المُزايِدين والمُغرِضين، ولا الانتِهازيِّين المُساوِمين، ولا المُحرِّضين والمُتشنِّجين، بلْهَ الحاسِدين الحاقِدين.
وأضاف فضيلته: وليعلَم أربابُ الطُّموحات والمُبادرَات أن هناك قعَدَةً مُحبِطين، ويائِسِين قانِطين، مُعوِّقين مُثبِّطين، أعداءَ التميُّز والإبداع، يغتالُون كلَّ مُبادرَةٍ، ويقطَعون الطريقَ على كل واثِقٍ ناجحٍ طَمُوح. ألا فلا يلتفِتُوا إلى بُنيَّات الطريق، وليبذُلُوا الهمَّة ليبلُغُوا القمَّة، مُستعينين بالله تعالى، مُتوكِّلين عليه؛ ليُحقِّقُوا خيرَي الدنيا والآخرة.
وختم الشيخ خطبته بالإشارة إلى مبادرة المملكة في رسم مستقبل الوطن، فقال: في الوقتِ الذي يمُوجُ فيه العالَمُ بالاضطِراباتِ والتحوُّلات، وتعصِفُ به المخاوِفُ والتحديَّات، تنبلِجُ في الآفاقِ رُؤًى ومُبادرَاتٌ مُوفَّقة من هذه البلاد المُبارَكة، ومن أجدَرُ من بلاد الحرمين الشريفين بالرُّؤَى الصائِبَة والمُبادرات الثاقِبَة؟! فقد قدَّمت مُبادراتٍ تأريخيَّةً مُوفَّقة في مُختلِفِ قضايا الأمة الإسلامية، بما يُحقِّقُ وحدةَ الصفِّ واجتِماعَ الكلمة. يأتي في الطَّليعَة منها: "عاصفة الحَزم"، و"رعد الشمال"، و"التحالُف الإسلاميُّ العسكريُّ". وقد توَّجَتها برُؤيةٍ مُبارَكة، اقتِصاديَّةٍ وثقافيَّةٍ وحضاريَّةٍ عِملاقة، مبنيَّةٍ على التوحيد والعقيدة الصافِية، والمُنطلَقات والثوابِت الشرعية الوافِية، فهي المُرتكَزُ الأساسُ والاستِثمارُ الأمثَل، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96].
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "سورة العصر .. توجيهات وعِبر"، والتي تحدَّث فيها عن سورة العصر وما حوَته من توجيهاتٍ عظيمةٍ، ونصائِح مهمَّة لكل مُسلم، ومنهجٍ ثابتٍ يجبُ على المُسلمين سُلوكَه، مُبيِّنًا ما يجبُ على كل مسلمٍ حاكمًا كان أو محكومًا تجاهَ قضايا أمَّته للنهوضِ بها من كبوَتها، وللوقوفِ أمام أعدائِها وما يحيكُونَه من مُؤامراتٍ للإسلام والمُسلمين.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: أُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله - جل وعلا - وامتِثال طاعته؛ فذلك سبيلُ السعادة والفلاح والفوز.
وأضاف الشيخ: إن الأمةَ الإسلاميَّةَ تُواجِهُها تحدِّيات مُتنوِّعة، تُعانِي مصائِب شتَّى، تُقاسِي مِحَنًا عُظمَى. وإن دينَ الإسلام الذي هو عُمدةُ عزِّنا، ومركزُ فلاحِنا، وأساسُ صلاحِنا، وأصلُ سعادتنا في آخرتنا ودُنيانا، إن هذا الدينَ رسمَ لنا قواعدَ عظيمةً تُنظِّمُ حياتَنا، وتُصلِحُ أحوالَنا، وتحفظُ مُجتمعاتنا، وتُوحِّدُ صفَّنا وتُؤلِّفُ بيننا، وتنصُرُنا على أعدائِنا.
وقال حفظه الله: أساسُ هذه القواعِد: مثلُ قولِ الله - جل وعلا -: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3]، سورةٌ عظيمةٌ من كتابِ الله - جل وعلا -، متى عمِلَت بها الأمةُ هدَت ورشدَت، وفازَت وأفلحَت. سُورةٌ تضمَّنَت أصولَ النجاة وقواعِد السلام دُنيًا وأُخرى.
وقال وفقه الله: سورةٌ كريمةٌ أوضحَت المنهجَ الصحيحَ الذي يجبُ أن يسيرَ على ضوئِه المُجتمعُ المُسلم، بمُختلَف مُستوياته وشتَّى مسؤوليَّاته، فرسمَت للمُسلمين طريقَ النجاة، ومسالِك الصلاح، وأسبابَ السعادة والفلاح. إنه المنهجُ الذي يستلزِمُ تحقيقَ التعبُّد لله الأحَد، والاستِقامة على شرعِه والسيرَ وفقَ مرضاته، ومُجانبَة ما يُوجِبُ غضبَه وسخَطَه وعذابَه.
وأكد الشيخ أنه المنهجُ الذي يُلزِمُ المُجتمعَ المُسلمَ التواصِيَ بالحق والبرِّ والتقوَى، يُلزِمُهم التعاونَ على نشر العدل والخير والصلاح، وإشاعة الفضائل المُثلَى والقِيَم العُليا في حياتهم. وبمُنطلَق هذه الهداياتِ العظيمة، فإن على المُسلمين جميعًا أن يتواصَوا بالخير والهُدى، وأن يتعاوَنوا على البرِّ والتقوَى في مصالِح الدين والدنيا؛ وإن على المُسلمين أن يستلهِموا رُشدَهم وصلاحَهم في مُجتمعاتهم.
وأشار الشيخ إلى أنه لا خيرَ في أمةٍ لا تتناصَحُ ولا تتحاوَرُ وتتناقَشُ، لما يُصلِحُ أحوالَها ويُرضِي ربَّها، وتسعَدُ به دُنياها وأُخراها. ولهذا كان بعضُ الصحابة وهم في مدرسةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إذا التقَى بعضُهم قرأَ بعضُهم على بعضٍ هذه السورةَ، وتعاهَدوا على العمل بها. قال جريرُ بن عبدالله - رضي الله عنه -: "بايعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصحِ لكل مُسلم".
وبيَّن الشيخ سمات هذه النصيحة فقال: إنها النصيحةُ الصادقةُ المُخلِصة الهادِفةُ المُتَّزِنة، المُرتبِطة بالحكمة أسلوبًا وعرضًا وزمانًا ومكانًا، المُتمشِّيةُ مع مقاصِد الإسلام في سُلوكِ مسلَك اللِّين والرِّفقِ والرحمةِ والعطفِ. إنها الصيحةُ البعيدةُ عن العُنفِ القوليِّ والفعليِّ، والصَّلَف في الألفاظِ والأقوال، المُجانِبة لما يُثيرُ فتنةً أو يجلِبُ شرًّا على المُجتمع، وفقَ قواعِد الشريعة وأصولِه وضوابِطِه.
وقال وفقه الله: وفي إرشادات هذا المنهَج ما يُوجِبُ على الرعيَّة التلاحُم والتعاوُن مع وليِّ الأمر، فيما يُحقِّقُ خيرَي الدنيا والآخرة، مع بذلِ النصيحة الصادِقةِ، والدعاءِ الخالِصِ، والحرصِ على كل ما يُوحِّدُ الصفَّ ويجمعُ الكلمةَ، ويُؤلِّفُ القلوبَ، ويُوجِبُ المودَّةَ والمحبَّة. وفي المُقابِل: على الحاكِم أن ينهَجَ منهجَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يُسدَى إليه من نصيحةٍ وإرشادٍ.
وبيَّن الشيخ بعض دلالاتِ المنهَج الذي رسمَته هذه السورة، فقال: ما يفرِضُ على أبناء المُجتمع - خاصَّةً حملَة الأقلام وأصحاب الإعلام - أن يحفَظوا لعلماء الشريعة مكانتَهم، وأن تُعرفَ لهم سابقتُهم، وأن تُصانَ حقوقُهم، وألا يكونُوا مُستهدَفين من أقلامٍ حاقِدةٍ وألسِنةٍ مُغرِضةٍ، تهدِفُ هدمَ الدين وزعزعةَ الثوابِت. فمن مقاصِد تصويبِ السهام المسمُومة لعُلماء الإسلام: النَّيلُ من هذا الدين وثوابِته وأُسُسه.
وأضاف الشيخ: وفي سِياقِ منهَج التواصِي بالحقِّ ما يُوجِبُ على شبابِ الأمةِ البُعدُ عن الاجتِهادات الخاصَّة، التي تُمهِّدُ للعدوِّ عُدوانَه، وتُعطِيهِ الذَّريعةَ لتحقيقِ مآربِه، مهما كنتَ - أيها الشاب - حسَنَ النوايا، فليكُن العملُ صالحًا خالِصًا صادقًا، مع منهَج القرآن والسنة. فالأصلُ المُعتبَر: أن كل ما يُزعزِعُ المُجتمعَ، ويُحدِثُ الخلَلَ في الصفِّ هو هديةٌ ثمينةٌ تُقدَّمُ إلى أعداءٍ لا يرقُبُون في المُسلمين إلاًّ ولا ذِمَّة، وسدُّ الذرائِع في الشريعةِ أصلٌ من أصولِها.
وأكد فضيلته على أن على المُجتمعات الإسلامية -حُكَّامًا ومحكُومين- أن يُحقِّقُوا ما أرادَ الله منهم، من العمل بشريعةِ الإسلام، والتمسُّك بهذا الدين، والتعاوُن على البرِّ والتقوَى، والحرصِ الكاملِ على طاعةِ الله - جل وعلا - وامتِثالِ أوامرِه وأوامرِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، في جميعِ الأمور، وشتَّى الأحوال ونواحِي الحياة، وأن يعتزَّ المُسلمون بدينِهم، وأن يتمسَّكُوا بثوابتِهم، وأن يقِفُوا صفًّا واحدًا منيعًا في وجهِ كل عُدوانٍ وبغيٍ من أعداء المُسلمين ينشُدُ هدمَ دينهم وخرابَ دُنياهم.
وبيَّن الشيخ أنه ليس كل من نصحَ فأخطأَ في الأسلوبِ حاقِدًا، كما يُصوِّرُه بعضُ وسائل الإعلام المُغرِضة. ليس كل من نصحَ في مُجتمع الإسلام صادقًا ولكن أخطأ، أن يكون مُغرِضًا، أو أن يكون صاحبَ هوًى. لكن مُجتمعُ الإسلام مُجتمعٌ راقٍ يجبُ عليه أن يتعاوَنَ على طرحِ القضايا بإنصافٍ وعدلٍ، وتجرُّدٍ وصدقٍ، وإخلاصٍ للوصولِ للحقِّ، بالكلمة الهادِفة، والنصيحة الصادِقة، مع المُحاورَة التي تسيرُ وفقَ تصحيحِ الاستِدلال، وكشفِ الحقائِق، وبيان الخطأ من الصوابِ، والنافعِ من الضارِّ، حسبَ المناهِج العلميَّة الشرعيَّة، والطرق المنطقيَّة السليمة. أما الترامِي بالألفاظ النابِية، والدخولُ في النوايا، فليس ذلك من منهَج الإسلام، ولم يُقِرَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأكد الشيخ على: أن على المُسلمين أن يقِفُوا أمام تلك العاتِيات بالتمسُّك بالإسلام، والاعتِزازُ به، والحرصُ على طاعة الملكِ العلاَّم، وتطبيق شريعة الإسلام في كل شيءٍ، والدعوة إلى الإسلام، وعدم الاغتِرار بالدعاوَى الهدَّامة، والمُصطلحات البرَّاقة التي تنالُ الدينَ والدنيا معًا، وتزرعُ الشرَّ العريض، والفسادَ الوَبيلَ في مُجتمعات المُسلمين.
وختم الشيخ خطبته ببيان دور كل من الحكام والشعوب في نصرة قضايا المستضعفين، فقال: أيها الحكام! اتَّقُوا الله - جل وعلا - قبل أن تُعرَضُوا عليه. إن مسؤوليَّتكم عظيمةٌ أمامَ الله -جل وعلا-، إن هذه الدنيا فانِيةٌ، وإن مسؤوليَّتكم أمام ربِّكم أن تجتمِعَ كلمتُكم، وتتَّحِدَ سياستُكم في ردعِ العُدوان، ودفعِ الظُّلم، ونصرِ المظلُوم، وإيقافِ حمَّام الدماء. والواجبُ العظيمُ على علماء الأمة: الدعوةُ للَمِّ صفِّ الأمة، وجمع كلمتِها، ووجوبِ نُصرةِ الضعيفِ، والوقوف أمام قُوًى العُدوان والشرِّ. الواجبُ عليهم أن يطرَحوا النِّقاشَ والحوارَ في مسائل هامشيَّة، قضايا الأمةِ أعظمُ وأعظمُ. والواجبُ عليهم أن يسعَوا إلى ما يُؤلِّفُ القلوبَ وفقَ سُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى ما يسيرُ بهم لتحقيقِ ما أمرَ الله به - جل وعلا - في كتابِه. وعلى كافَّة المُسلمين أن يرفَعوا الأيادِي إلى الباري - جل وعلا - في كل وقتٍ وحينٍ أن يرفعَ الله الغُمَّة، وأن يكشِفَ الكُربةَ عن المُسلمين.
التعليقات