مختصر خطبتي الحرمين 29 صفر 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

إن خسارةَ الدنيا وإن عظُمَت، فإن خسارةَ الآخرة أعظَم، والمُجازفةَ بالمصير الأُخرويِّ فاجِعةٌ ليس لها استِدراكٌ ولا تلافِي، فآياتُ الله وأحاديثُ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - جليَّةٌ في مصير المُنتحِر، وقاتل المُسلم. فلِم الحيدةُ عن المُحكَم إلى الضلال، ولِم التهوُّك في الأموال والأرواح؟! ولم يزَل من شباب المُسلمين من هانَت عليه نفسُه وآخرتُه ووطنُه ومُواطِنوه فأسلَمَها لعصابةٍ يغلِبُ على الظنِّ عداؤُها لدين المخدُوع نفسِه ووطنه، وهُزئِها بأهله ومُعتقَده. فتزهَق روحُه هباءً في الدنيا، ويستحقَّ الوعيد الشديد في الأُخرى..

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "وصايا للأمة"، والتي تحدَّث فيها عن أحوال المسلمين وواقعهم، وتكالُب الأعداء عليهم والمُؤامرات ضدَّهم، ثم ذكر عدة وصايا للنهوض بالأمة ونُصرتهم وتمكينهم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكُم - أيها الناس - بما وصَّى الله به الأُمم الغابِرة، كما وصَّى الأمةَ الحاضِرة: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) من تنبَّه سلِم .. ومن غفَلَ ندِم.

 

وأضاف الشيخ: إننا في هذا العالَم المُلتهِب في كل نواحِيه، وزمن المُتغيِّرات المُتسارِعة حوله وفيه، لنحن أحوجُ من أي زمنٍ إلى التشبُّث بمُكتسبَاتنا تديُّنًا ووطنًا وأمنًا وائتلافًا؛ فإنه سُرعان ما تحلُّ الأقدار، وتتغيَّر الأحوال. وليس لنا وعدٌ عند ربِّنا ولا عهد بأن يُديمَ لنا النعم، ويدفَع عنا النِّقَم إلا ما جرَت به سَنَنُه، ونطقَ به كتابُه العزيز. وقد جرَت سُنَّةُ الله بأنه لا يُغيِّرُ ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفُسهم، كما جرَت سُنَنُه بأنه لا يُصلِحُ عملَ المُفسِدين.

 

وقال حفظه الله: إننا وفي هذه الأيام، والتي تتربَّصُ فيها بالأمة قُوًى لا طاقةَ لنا بها بمقاييس الخلق، فإننا أحوجَ ما نكونُ لتقوية الحبل بالخالق، فهو العاصِمُ من كل ما سِواه، ولا عاصِمَ لأحدٍ منه مهما بلغَت قُواه. حبلُ الله الذي يُخلِفُ ظنَّ اليائِس، وتتغيَّرُ به القُوى والموازين .. حبلُ الله الذي بردَت به النارُ على إبراهيم، ويبَسَ البحرُ لموسى، وبه انسابَ لُطفُ الله على نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعلى المُسلمين معه، مُذ كانوا قلَّة وأذلَّة، وحتى بلغَ حكمُهم المُشرقَين. لُطفُ الله الذي صحِبَ من طلبوه بحقِّه، وتلمَّسُوا أسبابَه، فأورثَهم تأييدًا وعزًّا وغنًى.

 

وأكّد الشيخ أن: قوتَنا المادية كعربٍ ومُسلمين مُتفرِّقين في هذه الأزمِنة لا تُقارَنُ بقوة غيرنا، وقد بدَت مطامِعُ الأعداء تكبُر، وتربُّصهم بالأمة يظهَر، وليس لنا حامٍ بحقٍّ إلا الله. وإننا في الوقت الذي يجبُ علينا أن نمتثِلَ قولَ الله - عز وجل -: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60]، فنبنِي قوةً ماديةً تردَعُ الطامِعين، فإنه يجبُ علينا في الوقت نفسِه أن نُعنى بالقوة المعنوية، وهي المُحافظةُ على مُكتسَب الدين وتقويته، فإنه السلاحُ الذي لم يخِب، والدرعُ الذي لم يخذُل.

 

وشدّد الشيخ على أن أيَّ هتكٍ لستر الدين في مُجتمعنا، وفي هذا الوقت بالذات، لهي خيانةٌ للوطن، ومُحاولةٌ لرفع يد الله ولُطفه عنَّا، خصوصًا ما كان مُعلنًا منه ومُجاهَرًا به. إن دينَ الإسلام ليس ضمانًا للآخرة فحسب؛ بل هو سببُ بقاء الأمة في الأرض وإثباتُ هويَّتها، وإلا فليست بشيءٍ دونَه. ومن خيانة الأمة أن تبرُد عاطفتُها تجاهَ حقوق الله، وأن تجعلَ حبَّها وبُغضَها مُرتبطًا بمصالِحِها لا بمبادِئِها. ولم يُفلِح الأعداءُ في النَّيل من الأمة إلا حين تفرَّقَت وتمزَّقَت، وتجافَت عن ربِّها وغفلَت.

 

وأضاف حفظه الله: إننا نرى العالَم البعيد، ومهما أوغلَ في علمانيَّته أو إلحاده، فإنه يستحضِر دينَه عند أزماته وكُروبه، ويتحدَّثُ عن مُبارَكة الربِّ لجيوشِه وحُروبه. وفي الوقت نفسِه فإن مخذُولين من بيننا كلما ضاقَت بنا الدوائِر، واستحكمَت الأزمات، نشَطوا في جعل قبضة الدين تسترخِي في حياتنا، ومظاهر التديُّن تقلُّ في مُجتمعاتنا، وروَّجُوا لأسباب الشهوات حتى تستسلِم النفوسُ لخدَرها، وتلهُو عن مخاطِر ما في غدِها. وإن الأمة التي نزل بها البلاء، واستُهدِفَت في دينها وأراضيها، يجبُ أن تكون أبعدَ الناس عن اللهو والترَف، وأن تصرِف جهودَها وطاقاتها للتقرُّب لخالِقها وبارِيها، وأن تُخلِصَ لله الدين، وتُقلِع عن المعاصي والشهوات، وتهجُر الذنوبَ والمُنكرات، وأن تأخذ على يد السفهاء، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات: 50].

 

وأكد الشيخ أن: من أعظم مُكتسباتنا: نعمةُ الاجتماع والائتِلاف.. ومع التفرُّق لا يمكن التمتُّع بأيِّ نعمة. وقد رأينا ولم نزَل نرى ديارًا شاسعةً تجري الأنهارُ فوقها، وتستبطِنُ الكنوزَ أرضُها ما زادَتهم الأيام إلا فقرًا، ولا الليالي إلا ذُعرًا، حتى هاجروا من بلادهم وهجروها، وفضَّلوا العيش بذلٍّ في غير ديارهم، نُشدانًا للأمن وطلبًا للسكون. عافاهم الله وكشفَ بلواهم. ومن تربَّى في العافية قد لا يعلم ما يُقاسِيه المُبتلَى، ولا يعرفُ مقدارَ النعمة التي هو فيها. وحتى تبقى لنا النِّعم فلا بُدَّ من المُحافظة عليها بأسبابها، وخاصَّةً ما يكونُ سببًا رئيسًا هذه الأزمان، ومُفرِّقًا للجماعة ومُمزِّقًا للأوطان، وأعني بذلك: الكتابةَ واللسان.

 

وقال وفقه الله: ومما يُؤسَفُ له: أن بعضًا من المُتديِّنين فيما بينهم لهم حظٌّ من هذا الخِصام، في تتبُّعٍ للزَّلَل، وتصيُّدٍ للعثرات، وإسقاطٍ للشخصيات. ونجِد التناحُر والتعيير حاضرًا في البُعدَين القبليِّ والمناطقيِّ، ويلتهِبُ أكثر في الميدان الرياضيّ، وقد صّرنا نرى أثرَه السلبيَّ يكبُر يومًا بعد يوم.

 

وأضاف الشيخ: إن أكثر خلافاتُكم تلك ترفٌ لا يليقُ بكم وقت السِّلم، فكيف وأنتم في حال حرب؟! إن أكثر ما يُخاصِم ويُشيعُ الكراهيةَ في المُجتمع بخِصامه مكفيٌّ بحُكَّام ومسؤولين وعلماء وهيئات شرعىية ومُؤسسات دولة، فلِم التخوين والتبديع؟! ولمَ الاتهام في الولاءات وسَلب المُواطَنة؟! يتولَّى كِبر ذلك أناسٌ لا صفةَ لهم ولا رُسوخ، وإنما لأجل اللَّجَج في الخصومة، أو طلب الشُّهرة وتصفية الحسابات، وإلا فإن النصيحة معروفة السبيل، وتبليغ رجال الأمن عن خطرٍ حقيقيٍّ مُتاحٌ ومُمكن.

 

وأوصى الشيخ المسلمين عامَّةً، وفئةَ الشباب خاصَّة فقال: اشتغِلوا بما ينفعُكم، وتذكَّروا نعمةَ الله عليكم، وحاذِروا زوالَها وأسباب زوالها، والزَموا الجديَّة في كل شُؤونكم، فإن الرخاءَ لا يدُوم إلا بالعمل الجادِّ، وسُلوك سبيله، والتجافِي عن المُعوِّقات والمُهلِكات، ومن أهمها: طاعةُ الشيطان، وخيانةُ الأوطان. والوفاءُ للأوطان مبدأٌ زالَ من نفوس الجاحِدين، وفَت وهَجُه في نفوس بعض المُتوهِّمين؛ حيث ظنُّوا أن الوفاءَ للوطن القريب وحبِّه يُؤثِّر على عالمية الإسلام وكون المُسلمين إخوة.

 

وأضاف وفقه الله: إننا نُخاطِبُ هنا مُختطَفي العقول من قِبَل عصاباتِ "داعش" وقياداتها،.. قال ابن تيمية - رحمه الله -: "الدينُ كلُّه يدورُ على الإخلاص للحقِّ ورحمةِ الخلق". يا أيها المخدُوعون، وتحسَبون أنكم على رُشد! إن خسارةَ الدنيا وإن عظُمَت، فإن خسارةَ الآخرة أعظَم، والمُجازفةَ بالمصير الأُخرويِّ فاجِعةٌ ليس لها استِدراكٌ ولا تلافِي، فآياتُ الله وأحاديثُ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - جليَّةٌ في مصير المُنتحِر، وقاتل المُسلم. فلِم الحيدةُ عن المُحكَم إلى الضلال، ولِم التهوُّك في الأموال والأرواح؟! ولم يزَل من شباب المُسلمين من هانَت عليه نفسُه وآخرتُه ووطنُه ومُواطِنوه فأسلَمَها لعصابةٍ يغلِبُ على الظنِّ عداؤُها لدين المخدُوع نفسِه ووطنه، وهُزئِها بأهله ومُعتقَده. فتزهَق روحُه هباءً في الدنيا، ويستحقَّ الوعيد الشديد في الأُخرى.

 

وختم الشيخ خطبته بالتذكير بأحوال المسلمين وبالحث على الأمل والعمل والتفاؤل بنصر الله للمستضعفين فقال: في هذه الأيام وحيث بلغَ الكيدُ ببلاد الشام والشاميين ذروتَه وكذا في فلسطين واليمن، في تآمُرٍ على الأرض والدين والشعب، نتلمَّسُ نورًا من هنا، من حيث اجتمعَت وفودٌ تُمثِّلُ أهلَها هناك، فإن رجاءَنا أن يجعل الله في اجتماعهم البركة لأهليهم، وأن يكونوا فألاً ومفاتيحَ خيرٍ لمُواطنيهم. ومع أن الأمةَ تشهَدُ مخاضًا صعبًا، ومُكابدةً قاسِية، فإني أرى خلالَها تباشيرَ الصباح، والرصاصُ يشتدُّ ويتماسَكُ بحرارة الذوبان، والذهبُ لا يخلُص إلا بمسِّ النار، وإذا اشتدَّت ظُلمةُ الليل طلعَ الفجرُ وأشرقَ الصباح. وكم في الحياة من ألمٍ يُخفيه الأمل! (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فوائد الزواج وأحكامه"، والتي تحدَّث فيها عن الزواج وأنه سُنَّة من سُنن الله تعالى في خلقه، وسُنَّة من سُنن الأنبياء والمُرسلين، مُبيِّنًا منافعه وفوائده وفضائله، كما شجَّع على إعانة الشباب في تزويجهم، وذكر بعضَ أبرز الأحكام التي تهم كل مسلم ومسلمة.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله كما أمَر، وانتَهوا عما نهَى عنه وزجَر.

 

وأضاف الشيخ: إن ربَّكم أرادَ عمارةَ هذا الكون شرعًا وقدرًا إلى أجلٍ مُسمًّى، وهذا العُمرانُ لا يكونُ إلا بالتعاوُن والتوافُق، والاجتماع وبناء الحياة على السُّنن العادلة الحكيمة النافعة. والإنسان مُستخلَفٌ في هذه الأرض ليُصلِحَها ويعمُرَها، ويعبُدَ اللهَ عليها، وسعادتُه في طاعة الله، وشقاوتُه في معصية الله.. ومن أول خُطوات الإنسان ومراحِله في هذه الحياة: اقتِرانُه بزوجةٍ على سنَّة الله ورسولِه، يتمُّ بينهما التعاوُن والتراحُم والتآلُف، وتشابُك المنافِع والمصالِح، وتتحقَّقُ بينهما مُتعةُ الغرائِز البنَّاءة النبيلة، والسعيُ إلى الأهداف والغايات الفاضِلة، والمكاسِبُ المُبارَكة، والذريَّةُ الطيبة.

 

وقال حفظه الله: الزوجيَّةُ محضَنُ الأجيال، ومدرسةُ المولود الأولى، ومُوجِّهةُ الشباب إلى الصلاح والإصلاح والتعمير. الأبُ والأم لهما الأثرُ الدائِمُ على أولادهما، وهما لبِنَةُ المُجتمع الصالِح - إن كانا صالِحَين -، ومسكَنُ العطف والرحمة والشفقَة والرعاية، والإحسان للناشئِين، وأصلُ الرَّحِم والقرابة التي يكونُ بها التناصُرُ والتراحُم والتكافُل، والتواصُل والتوادُّ، والحمايةُ من عاديات الحوادِث. الزواجُ من السُّنن الماضِية التي لا حصرَ لمنافعِه، ولا نهايةَ لبركتِه، ومن السُّنن الباقية الدائِمة التي لا تنقطِعُ خيراتُها. والزواجُ من سُّنة الأنبياء والمُرسَلين؛ قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) [الرعد: 38].

 

وقال وفقه الله: وقد أمرَ الله بالزواج فقال: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النور: 32]. فالإسلامُ أوجبَ الزواجَ لمن رغِبَ فيه مع القُدرة، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «تزوَّجُوا الوَدود الوَلُود؛ فإني مُكاثِرٌ بكم الأُمم يوم القيامة» (رواه أحمد وصحَّحه ابن حبان من حديث أنس - رضي الله عنه -).

 

وبيّن الشيخ ثمرات الزواج وفوائده فقال: الزواجُ طهارةٌ وعفَّةٌ للزوجين، وصلاحٌ للمُجتمع، وحفظٌ لهم من الانحِراف.. الزواجُ أمانٌ للمُجتمع من تفشِّي الزنا وعمل قوم لُوط، فما انتشَرَ الزنا في بلدٍ إلا ضربَه الله بالفقر والذِّلَّة، وظهر فيه الأمراضُ والوباء الذي لم يكُن في أسلافِه الماضِين، مع ما للزُّناة في الآخرة من الخِزيِ والعذاب.. وما قارَفَ أحدٌ عملَ قوم لُوط إلا فسَدَ قلبُه، وانتكَسَت فِطرتُه، وخبُثَت نفسُه، وانحرَفَت أخلاقُه، وعُوقِبَ في الدنيا والآخرة بأشدِّ العُقوبات.

 

وأضاف الشيخ: ويُشرعُ أن يتخيَّر الزوجُ الزوجةَ الصالِحةَ، بالخُلُق والدين وحُسن المنبَت، وأن تختارَ المرأةُ ذا الدين والخُلُق، ولا تُكرَهُ الفتاةُ على خاطِبٍ لا تقبلُه، بل يُؤخَذُ رِضاها، وإذا جاء الخاطِبُ الكُفؤُ، وكانت الفتاةُ أهلاً للزواج، فلا يُؤخِّر وليُّها زواجَها؛ لأنها أمانةٌ عنده يُسألُ عنها يوم القيامة. ولا يرُدَّ الخاطِبَ بحُجَّة مُواصَلَة الدراسة؛ فالأمرُ يَعنِيها مع زوجِها، ويُعينُها على الدراسة إن أحبَّا، ولا يجوزُ للوليِّ أن يرُدَّ الخُطَّابَ ليأكُلَ مُرتَّب وظيفتها، فتضيعَ الفتاةُ بهذا الجَشَع والاستِغلال، وتُحرَم من الذرِّيَّة، فهذا ظلمٌ وجِنايةٌ على المرأة. وقد تدعُو عليه فلا يُفلِحُ ولا ينفعُه المالُ في قبرِه.

 

وبيّن الشيخ أنه: يُشرعُ للخاطِبِ والمخطوبةِ صلاةُ الاستِخارة والدعاءُ بعدها بما ورَد. ويُشرعُ التوسُّط في المهر بما ينفعُ الزوجةَ، ولا يُرهق الزوج؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ الصَّداق أيسرُه» (رواه أبو داود والحاكم من حديث عُقبة بن عامر - رضي الله عنه -).

 

وأكد الشيخ أن على الزوج: أن يقوم بحُقوق المرأة بإعداد السكَن الذي يصلُحُ لمثلِها، وبذل النَّفَقة، ولا يترُكُها تُنفِقُ من مالِها ولو كانت غنيَّة أو مُوظَّفة، إلا أن تشاء. وإذا أعانَت زوجَها فهي مأجورةٌ مُثابةٌ وسيُخلِفُ الله عليها فيما تُنفِق. وأن يُوفِّيَها العِشرةَ كامِلةً، ويُحسِن إليها، ولا يُسيءَ إليها بالأقوال ولا بالأفعال، وعلى المرأةِ أن تقوم بحُقوق الزوج، وأن تُحسِنَ عِشرتَه، وأن تُطيعَه في المعروف، ولا تُؤذِيَه، وأن تُحسِنَ لولدِه بالتربية، وإلى والدَيه وقرابتِه، وتحفظ مالَه وغيبتَه.

 

وأشار إلى أن على الزوجَين: إصلاح الأمور في بدايات الخلاف؛ لئلا يتعاظَمَ الشِّقاقُ والشرِّ، فيُؤدِّي إلى الطلاق الذي يفرحُ به الشيطان أشدَّ الفرَح، وتضيعَ الأُسرةُ معه، ويتشرَّد الأولاد وينحرِفوا. وعلى الزوجين: أن يصبِرَ كلٌّ منهما على الآخر؛ فما أُصلِحَت الأمور بمثلِ الصبر، فعواقِبُه محمودة.

 

ونصح الشيخ من تعسَّر عليه الزواج في أول الأمر أن يُلزِم نفسَه العفَّة والصبر، وليحفَظ نفسَه من العادة السريَّة ومضارِّها، والزنا، والانحِراف، والمُخدِّرات، حتى يُيسِّرَ الله له الزواج؛ وليقتصِد الناسُ في ولائِم الزواج ولا يُسرِفُوا فيها؛ وإذا بقِيَ من الولائِم شيءٌ في الزواج أو في غير الزواج، فلا يحِلُّ أن يُرمَى ويُهدَر؛ بل يُعطَى لمن ينتفِعُ به ويأكُلُه، وما أكثرهم.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على مساعدة الراغبين في النكاح، فقال: إن أبوابَ الخير كثيرة، وطُرق الجنة يسيرة، والمُوفَّقُ من أقبلَ يطرُقُ كلَّ بابٍ من الخير، والمحرومُ من زهِدَ في الحسنات، واقترَفَ السيئات. ومن أحسنَ إلى نفسِه وإلى المسلمين من مالِه؛ بارَكَ الله له فيه، وأخلَفَ له خيرًا، فما أنفَق سيُخلِفه الله - تبارك وتعالى -، وإن من أبوابِ الخير: إعانةَ الراغِبين في الزواج، من الأثرياء، وممن يُحبُّون الإحسان، بتقديم القُروض لهم والتبرُّعات المُرشَّدة، وإنشاء الصناديق الخيرية لهذا السبيل الخيريِّ، وتثميرِها والعنايةِ بها، وتسهيل منافِعِها لكلِّ مُستحقٍّ؛ فكثيرٌ من الشباب لا يتأخَّرُ زواجُه إلا من قِلَّة ذات يدِه، وعلى الوالِد تزويجُ أولاده قيامًا بحقِّهم، وحِفظًا لهم.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life