مختصر خطبتي الحرمين 28 من ذي الحجة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

والاجتِماعُ على الأخذ بالكتابِ والسُّنَّة أصلٌ من أُصول أهل السنَّة والجماعة، فيتَّبِعون الكتابَ والسنَّةَ، ويجتنِبُون الشُّذُوذَ والخلافَ والفُرقةَ، ويحرِصُون على اجتِماع كلمةِ المُسلمين دون تضييعٍ للحقِّ بكِتمانٍ أو لَبسٍ بباطلٍ، ويُعامِلُون مُخالِفيهم بالعدلِ والرحمةِ دون بَغيٍ أو جَورٍ. ومن رُزِقَ العلمَ النافعَ، والعملَ الصالحَ، وابتعدَ عن الشُّبهات والشَّهوات، كان من عبادِ الله الفائِزين.

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الرحمة بالضعفاء والفقراء"، والتي تحدَّث فيها عن الضعفاء والفقراء والعجَزة، وفضلُ الرحمةِ بهم، والاعتِناء بهم، مُبيِّنًا من خلال الآيات والأحاديث أن الله ينصُرُ سائرَ المُسلمين ويرزُقُهم بهؤلاء الضعفاء والفقراء، مما يستلزِمُ مزيدَ اهتِمامٍ بهم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوَى الله، فاتقُوا الله - رحمَكم الله -؛ فالدنيا دارُ ممَر، والآخرة هي القرارُ والمقرُّ، فتزوَّدُوا من مَمرِّكم إلى مقرِّكم.

 

وأضاف الشيخ: في ختامِ عام واستِقبالِ آخَر، يُستعذَبُ الوقوفُ من أجلِ المُحاسَبَة، والنظرِ في حسابِ المكسبِ والخسارة، من أحسنَ فليحمَد الله وليستزِد، فخيرُ الزاد التقوى، ومن قصَّرَ فليستدرِك، فلا يزالُ في الأجلِ فُسحَة، ويتوبُ الله على من تابَ. وحديثُ المُحاسَبة طويلٌ، ولكنه يسيرٌ حين تصِحُّ العزائِم، وتخلُصُ النوايا.

 

وهذه وقفةٌ مع صُورةٍ من أحوالِ الأمة، ووضعِ بعضِ فِئاتِها، والنظرِ في حُقوقِها؛ بل هذه الفِئة هي - بإذنِ الله - بابُ النصر، ومُستجلَبُ الرزق، كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن النبيِّ المُصطفى المختار - عليه الصلاة والسلام -.

يقولُ نبيُّكم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كما في "صحيح البخاري" - رحمه الله -: «وهل تُنصَرُون وتُرزَقون إلا بضُعفائِكم».

 

وأكد الشيخ أن الضعف حالةٌ مُلازِمة لكل البشر، فالإنسانُ خُلِق من ضعفٍ، وهو إلى الضعفِ صائِر، فلقد قضَت سنةُ الله في الطبيعةِ البشرية أن كل إنسانٍ في هذه الدنيا، لا بُدَّ أن يمُرَّ بحالاتٍ من الضعفِ، ووَهنِ القُوَى، والحاجةِ إلى الآخرين. ويكفِي العاقل النظرُ في حالِ الإنسان، وتدرُّجه ونموِّه، فهو يُولدُ ضعيفًا مُحتاجًا إلى من يهتمُّ به ويرعَاه، ثم يكبرُ فيمنَحهُ الله القوةَ، ليرُدَّ الجميلَ إلى من اهتمَّ به ورَعَاه، ثم يُردُّ إلى حالِ إلى الضعفِ مرةً أخرى.

 

وقال حفظه الله: وإذا كان ذلك كذلك، فإن حقًّا على العاقلِ اللبيبِ أن ينظُرَ فيمن ابتُلُوا بضعفٍ دائِم، وعجزٍ مُقيمٍ في صُروف الدهر، وظُروف الأحوال. ومن أرادَ استِحضارَ بعض حالات الضعف وصُور العَجز، فليستذكِر وليستحضِر حالةَ صِبيةٍ صغارٍ، وذُريةٍ ضُعفاء، ساعةَ احتضارَ وليِّهم، ودُنوِّ أجلِه، يترُكُهم هذا المُحتَضَر يخشَى عليهم تقلُّبَاتِ الأيام، وقسوةَ الحياة، وجفاءَ من يرجُوه، وصُدودَ من يُؤمِّلُه، يتمنَّى لهم وليًّا مُرشِدًا يُعوِّضُهم مكانَه، ويُوالِي عليهم بِرَّه وإحسانَه.

 

وبيَّن الشيخ أن الضعَفَة والضِّعاف والضُّعفاء أسماءٌ وألقابٌ لصُورٍ غير محصُورة، وفِئاتٍ غير محدودة، الضُّعفاءُ والمُستضعَفُون والضعَفَة هم ذوو الحاجات غيرُ القادِرين، من الفقراء، والمساكين، والمرضَى، والغُرباء، وأبناء السبيل، واليتامَى والأرامِل والأيامَى، والموقوفِ عليهم في الأوقافِ، والمُوصَى لهم وبهم في الوصايا، والمظلومين، وأصحابِ الحقوق من العمال، والأسرَى، والأُجَراء، وذوي الاحتياجات الخاصَّة، والواقِعين في الكوارِث والنَّكَبات، والمُشرَّدِين والمُهجَّرين، صِغارًا وكِبارًا، رِجالاً ونِساءً، ممن لا يستطيعُ الوصولَ إلى حقِّه بنفسِه، إما لعَجزِه، وإما بسببِ قوةِ الظالمِ وجَبَروتِه من أصحابِ الولايات، والوظائِفِ في السلطات، والأوقاف والوصايا وغيرها.

 

ونوَّه الشيخ إلى أنه من أجل أن تنتَصِرَ الأمة، ويُبسَط لها رزقُها، ويُبارَك لها في أعمالِها، وتجتمِع كلمتُها، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ابغُوني في ضُعفائِكم؛ فإنما تُرزَقُون وتُنصَرون بضُعفَائكِم»، "أي: اطلُبُوا محبَّتِي وقُربِي ورِضايَ في ضُعفائِكم، وتفقَّدُوا أحوالَهم، واعتَنُوا بهم، واحفَظُوا حُقوقَهم، وأحسِنُوا إليهم قولاً وفعلاً، واجبُرُوا قلوبَهم؛ ذلك أن نبيَّكم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو حامِلُ الكلِّ، وكاسِبُ المعدُوم، والمُعينُ على نوائِبِ الحقِّ.

 

وأشار الشيخ إلى أن في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فإنما تُرزَقُون وتُنصَرون بضُعفائِكم». وفي روايةِ البخاري: «وهل تُرزَقُون وتُنصَرون إلا بضُعفائِكم». ترجمَ لذلك الإمامُ البخاري في "صحيحه" فقال: "بابُ من استَعانَ بالضعفاء والصالحين في الحروب". وقال أهلُ العلم: "لا ينبَغي الاستهانةُ بشأن الضعفاءِ والعاجِزِين في أمورِ الجهادِ والنُّصرة، ولا في مواردِ الرزقِ والمكاسب". لماذا كان النصرُ يُستنزلُ بالضعفاء، والرزقُ يُستجلَبُ بالمُستضعَفِين؟ لأن النصرَ والرزقَ كليهما من عند الله، لا تجلِبُهُما الأسبابُ الماديةُ وحدَها؛ بل للأسبابِ المعنوية عظيمُ الأثر، وبالغُ التأثير.

 

وقال وفقه الله: والضعفاءُ الذين لا حولَ لهم ولا قوةَ لا يركَنُون إلى مالٍ، ولا يأوُون إلى جاهٍ، يعلَمُون حقَّ العلم، ومُوقِنُون حقَّ اليقين أن كفايتَهم ورزقَهم ونصرَهم من عند الله، وأنهم في غايةِ العَجز، فتنكسِرَ قلوبهم، وتتوجَّه إلى الله ثِقتُهم، ويصدُقَ على الله اعتِمادُهم، ويكونَ بالله طمَعُهم، فيُنزِلُ الله من نصره ورِزقِه ما لا يُدرِكُه القادرون؛ بل يفتحُ الله للقادرين بسببِهم من أسباب النصرِ والرزقِ والصلاحِ والطمأنينةِ والبركات، ما لم يخطُر لهم على بالٍ، ولم يدُر لهم بخيالٍ، ولله جنودُ السماوات والأرض، الملكُ مُلكُه، والأمرُ أمرُه، والتدبيرُ تدبيرُه، والكلُّ تحت قَهره، لا إله إلا هو.

 

وأشار الشيخ إلى أنه إذا كان الناسُ لا يُشاهِدُون إلا الأسبابَ الحسِّيةَ، من القوةِ والشجاعةِ القولية والفعلية، والقُدرة الظاهرة على المكاسِب، وتحصيلِ الأرزاقِ فهذا قُصورٌ في النَّظر، ونظرٌ للأمورِ على غير حَقائِقِها، ذلك أن ثمَّة أسبابًا معنويةً عظيمة؛ من قوةِ التوكُّل على الله، وكمالِ الثقةِ به، وصدقِ التوجُّه والطلبِ منه. وهذه الأمور تَقوَى وتظهرُ عند الضعفاء والعاجِزِين، فيُنزِلُ الله من نصره ورِزقِه، ومن دَفع المكارِه، وجَلبِ المنافعِ والخيرات والبركةِ والفتحِ ما لا يُدرِكُه القادرون.

 

وأكد الشيخ أن النصر بالضُّعفاء، والرزق بالمُستضعَفين عُدَّةٌ تُدَّخَر، ووَعدٌ لا يَخيبُ، بنصرهم وحفظِ حُقوقهم، وحُسنِ إيمانهم، وتوكُّلهم يُدفع البلاءُ، وتتَّسِعُ الأرزاق، ويُبارَك في الأموال والأعمال والأعمار والأوقات، وتنتصِرُ الأمة، وتُرفَع الغُمَّة - بإذن ذي الجَبَرُوت والعِزَّة -. فمن راضَاهم واستَرضَاهم، وقامَ على خِدمتهم، وقضَى حوائِجَهم، وسعَى في شُؤونِهم، ورَفعِ الحَرجِ والمُعاناة والظُّلمِ عنهم، رزَقَه الله وأعانَه، ونصَرَه وأيَّدَه، وحفِظَه ووفَّقَه وسدَّدَه، وأنزَلَ عليه برَكتَه، وزادَه من فضلِه؛ فالضعفاءُ ليسُوا عِبئًا على الأمة؛ بل هم سَنَدُها، ومصدرُ عِزِّها، وقوَّتها ونصرِها ورخائِها.

 

وقال وفقه الله: دينُ الإسلام يُولِي كلَّ من يُعاني أي حالٍ من أحوالِ الضعفِ اهتمامًا كبيرًا، وإنَّ الأمة التي يشعرُ فيها الضعفاءُ من الفقراء، والمساكين، والعَجَزة، والمظلومين، والمكلُومين من الأرامِلِ، واليتامَى، والأيامَى، والغُرباء، وأبناء السبيلِ، الضَّعَفةُ الذين يشعُرُون بمكانتهم في الأمة، وأهميَّتِهم، واهتِمام أصحابِ المسؤوليَّات بهم، هي أمةُ الرحمة والعِزَّة، والتكافُل والإنسانية، وهي المرزُوقةُ المنصورةُ المحفُوظة، الخيرُ والبركةُ والنصرُ وسَعةُ الرزقِ، واجتِماعُ القلوبِ لا يحِلُّ في الأمةِ إلا حين تحفَظُ حُقوقَ ضُعفائِها، وتستجلِبُ رِضاها.

 

وأشار الشيخ إلى جهود المملكة في نصرة المستضعفين فقال: وإن هذه البلاد المُبارَكة لها مكانُها، وعظيمُ أثرها في نُصرةِ قضايا الإسلام والمسلمين، والوقوفِ مع المُضطهَدين والمُستَضعَفين في إغاثاتٍ، وإمداداتٍ، ومواقِف في المحافِلِ الدوليةِ والإقليمية، وسَعيٍ لجمعِ كلمةِ المسلمين على المنهج الحقِّ والوسَط، والتعايُش مع الأممِ والشعوبِ، انطِلاقًا من مبادِئ هذا الدينِ الحَنيف.

 

وختم الشيخ خطبته بالإشارة إلى القرارات الاقتصادية الجديدة، وحث على التكافل الاجتماعي فقال: ويأتي - معاشر المسلمين - ويأتي في هذه السياساتِ الحكيمة، والتوجُّهات المُبارَكة: التوجيهاتُ المالية في تنظيمٍ، من أجلِ الترشيدِ المالي والإصلاحِ الاقتصادي، ينتظِمُ الصغيرَ والكبيرَ. فليس تقشُّفًا، ولا ضَعفًا في الموارِدِ - ولله الحمد -، ولكنَّه من أجلِ تنميةِ رُوح المسؤولية، وحماية النَّزَاهة، ومُكافَحةِ الفساد، ورَفع كفاءَة الأداء، في رُؤيةٍ تتعامَلُ مع الحاضِرِ، وتستشرِفُ المستقبل، من أجل التوجُّه نحو تنوُّعِ مصادِرِ الدَّخلِ، ومزيدٍ من الإسهام والمُشارَكة في البناء من الجميع.

 

ألا فاتَّقُوا الله - رحمكم الله -، واعرِفُوا فضلَ الله عليكم يحفَظكم، واشُكُروا نِعَمَه يزِدكم، والحَذرَ الحَذرَ من خِذلانِ المُستضعَفين وأصحابِ الحقوق، أو استِنقاصِهم واحتِقارهم، أو السُّخريةِ منهم، «بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلم». فكيفَ إذا كان ضعيفًا مُستضعفًا؟! «والمسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ولا يحقِرُهُ».

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "فضلُ الاجتماع والائتِلاف"، والتي تحدَّث فيها عن الاجتِماع والائتِلاف والاعتِصام بالكتاب والسنَّة، مُبيِّنًا فضلَه وعِظَم آثاره، وأنه سببٌ لنجاةِ الأمة من الفتَن، ومُحذِّرًا من الفُرقة والاختِلاف والتنازُع؛ لما يُسبِّبُه من نزول المِحَن والبلايا بالمُسلمين، وافتِراق كلمتِهم وصفوفهم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى.

 

وأضاف الشيخ: دينٌ عظيمٌ من أهم أصُولِه وخصائِصِه وقواعِدِه العِظام: حثُّه على جمعِ أهله على الحقِّ والتأليفِ بين قلوبِهم، وهي نعمةٌ عظيمةٌ امتَنَّ الله بها على عبادِه، والمُجتمِعُون على كلمة الإسلام، المُتَّبِعون للكتابِ والسُّنَّةِ هم المُؤمنون حقًّا، وإن كثُر أو قوِيَ مُخالِفُهم، وقد اتَّفقَ الرسلُ على جمعِ أُممهم على الحقِّ؛ فأمَرَوا بإقامة الإسلام والاستِقامة عليه علمًا وعملاً، عقيدةً وسُلوكًا، والاجتِماع على ذلك، وكلُّهم دعا قومَه للاجتِماع على عبادةِ الله، وبُعِثَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قومٍ مُتفرِّقين، مُتنازِعين فأمرَ بالاجتماع، فاستقامَ أمرُ المِلَّة، وذهبَت الجاهليةُ، وصلَحَ أمرُ الناس باجتِماعهم على الدين.

 

وأكد الشيخ أنه لا تتمُّ مصلحةُ العباد في الدنيا والآخرة إلا بالاجتِماع على الإسلام الخالصِ والتعاوُن والتناصُر، ولكَون ذلك ضرورة من ضرورات الدين، كان أصلاً مُتَّفقًا عليه بين جميعِ الرسالات، ومقصَدًا كبيرًا في جميعِ التشريعات، وهو أيضًا ضرورةٌ دُنيويَّةٌ لا صلاحَ للحياة إلا به، ولا استِقرار دونَه. ولا يتمُّ أمرُ العباد فيما بينهم، ولا تنتظِمُ مصالحُهم إلا بذلك، وهو سبيلُ استِعادة الأمة مجدَها، ولَمِّ الشَّمل، وعِزَّة الجَنابِ، وتحصينِ المُجتمعات، وهو السبيلُ الأمثلُ لتحقيقِ آمال المُسلمين ودفع آلامهم، وهو الرابطةُ الحقُّ بين المُسلمين، وبه حِفظُ بيضَة الإسلام.

 

وأشار الشيخ إلى أنه في الاجتِماع على الهُدى حُلولُ الرحمة، ولذا من صفاتِ المُؤمنين أنهم رُحماءُ بينهم، وهو نعمةٌ امتَنَّ الله بها على عبادِه، وكما أمَرَ الله المُؤمنين بالاجتِماع، نهاهُم عن الاختِلاف والفُرقة، وأخبرَهم أنهم إنما هلَكَ من كان قبلَهم بالمِراء والخُصومات في دينِ الله.

 

وأكد الشيخ أن الاستِقامة على الدين والأُلفةُ عليه هو طريقُ المُرسَلين، من سلَكَه نجا، ومن حادَ عنه كان من الهالِكين، وفي لُزوم جماعة المُسلمين العِصمةُ والنجاةُ من الفتَن، ومن النصيحةِ للمُسلمين: لُزومُ جماعتِهم بمُوافقتهم في الاعتِقاد الصحيحِ والعمل الصالح، والسعيُ في تأليف قلوبهم. وأطهرُ الناس قلبًا ألزَمُهم للحقِّ مع جماعةِ المُسلمين.

 

وأكد الشيخ أن المُتمسِّكين بالإسلام من مَعينِه الصافِي - الكتابِ والسُّنَّة - باقُون ومنصُورون، وهم أسعَدُ الناس بائتِلافِ قلوبِهم، والتراحُم والأُلفة فيما بينهم، والوسطيَّةُ منهجُهم فلا إفراطَ ولا تفريطَ، ولا غلُوَّ ولا جفاء، وهم الناجُون من البِدَع والضلال والفُرقة في الدنيا، ومن الهلاكِ والعذابِ في الآخرة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «وإن هذه المِلَّة ستفترِقُ على ثلاثٍ وسبعين، ثِنتان وسبعون في النار، وواحدةٌ في الجنة، وهي الجماعة» (رواه أبو داود).

 

وأضاف الشيخ: وبتثبيتِ الله لهم هم ثابِتُون على الحقِّ، فلا اختِلافَ في منهَجهم وإن تطاوَلَت بهم السِّنين، ومن طالَعَ كُتبَهم وأقوالَهم، وعرَفَ سِيَرهم من سابِقِيهم ولاحِقِيهم، وجَدَهم على صِراطٍ واحدٍ، كأنَّما خرجَت أقوالُهم من قلبٍ واحدٍ، وكأنَّ أفعالَهم صدرَت من جسدٍ واحدٍ، خلافًا لما عليه غيرُهم، فطرائِقُهم بعيدةٌ عن العلمِ والبُرهان، وحُجَجُهم ضعيفةٌ واهِية، وأقوالُهم مُتناقِضةٌ مُتضارِبةٌ، ومن تركَ الحقَّ اضطربَ أمرُه والتبَسَ عليه دينُه.

 

ويوم القيامة يفوزُ المُتَّبِعون للكتابِ والسنَّة، قال تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [آل عمران: 106، 107]. قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "تبيَضُّ وجوهُ أهل السنَّة والجماعة، وتسوَدُّ وجوهُ أهل الفُرقةِ والخِلافِ".

 

وقال وفقه الله: فكفَى بالجماعةِ شرفًا أن يدَ الله على الجماعة، وأن الله يرضَاها، وفيها الصلاحُ والخير، وفي الفُرقةِ الفسادُ والشَّتاتُ والهلاكُ، والعاقلُ لا يُفرِّطُ في الجماعةِ المُتَّبِعةِ للكتابِ والسنَّة وما عليه سَلَفُ الأمة، وإن تراءَت له في تركِها مصالِح، وهي ليست سِوَى مصالِح مرجُوحة أو مُتوهَّمة؛ بل يفرَحُ بهدايةِ الله له لهذا الدين القَوِيم، ويلزَمُ جماعةَ المُسلمين، ويدعُو غيرَه إلى ذلك.

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على التمسك بالجماعة وعدم الفرقة وبيان صفات أهل السنة والجماعة، فقال: السُّنَّةُ مقرونةٌ بالاجتِماع، والمُتمسِّكُون بها هم أهلُ الجماعة، ونَهجُهم واحدٌ وهو: إفرادُ الله بالعبادةِ، وإخلاصُ الدينِ له، وإثباتُ أسمائِه وصفاتِه كما وصفَ الله به نفسَه في كتابِه، ووصفَه به رسولُه - صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ، وتحقيقُ رُكن الإيمان بالقضاء والقدَر: من الإيمان بسابقِ علمِ الله لما هو كائِنٌ، وكتابةِ ذلك في اللَّوح المحفُوظ، وخلقِه له، ولا يكونُ شيءٌ في الكَون إلا بمشيئتِه.

 

ومن نَهجِهم: تحقيقُ المُتابعَة للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، واتِّباعُ هَدي أصحابِه - رضي الله عنهم -، واقتِفاءُ آثار سلَف هذه الأمة، مع صِدقِ الاعتِصام بالكتابِ والسُّنَّة، والإقبال على العلمِ بهما والعملِ بما فيهما.

 

والاجتِماعُ على الأخذ بالكتابِ والسُّنَّة أصلٌ من أُصول أهل السنَّة والجماعة، فيتَّبِعون الكتابَ والسنَّةَ، ويجتنِبُون الشُّذُوذَ والخلافَ والفُرقةَ، ويحرِصُون على اجتِماع كلمةِ المُسلمين دون تضييعٍ للحقِّ بكِتمانٍ أو لَبسٍ بباطلٍ، ويُعامِلُون مُخالِفيهم بالعدلِ والرحمةِ دون بَغيٍ أو جَورٍ. ومن رُزِقَ العلمَ النافعَ، والعملَ الصالحَ، وابتعدَ عن الشُّبهات والشَّهوات، كان من عبادِ الله الفائِزين.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life