اقتباس
مِحنةُ "مضايا" السورية التي يُحاصِرُها أعداءُ الملَّة، بتواطُئٍ من القُوَى العالمية، دليلٌ على شريعة الغابِ التي تحكُمُ العالَمَ اليوم. شعبٌ يُذلُّ بسلاحِ التجويعِ والترويعِ، ونساءٌ وشيُوخ، وأطفالٌ وصِغار، يلُفُّهم الخوفُ والجوعُ والمرضُ والبرقُ، بلا دواءٍ ولا غذاء، ولا وِطاءٍ ولا غِطاء. عدِموا الدفاءَ في صِرِّ الشتاء. إن القُوَى العالميَّة بصَمتها وسُكوتها وسُكونها وتخاذُلها، وهي تُشاهِدُ تلك الصُّورَ المُفجِعة المُروِّعة، تُعدُّ شريكةً في هذه الجريمة الإرهابيَّة، وإن البلدات التي تُهدَمُ مساجِدُها ومدارِسُها، ويُقتلُ خِيارُها وكِبارُها، وتُحاصَر ليموتَ أهلُها...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "القصاص .. حِكَم وأحكام"، والتي تحدَّث فيها عن مقاصِد الشريعة وما قدَّمته لعُموم الناسِ من بدائِع ومنافِع، وخصَّ بالذّكر حفظَ النفس البشريَّة، مُتحدِّثًا عن أهمية ذلك في هذه الشريعة الغرَّاء، وبيان عِظَم أمرِ الدماء في الإسلام وإزهاقِها بغيرِ حقٍّ، مُستشهِدًا على ذلك بما فتحَ الله عليه من الآياتِ الكريماتِ، والأحاديث النبويَّة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتقوا الله - عباد الله -، واشكُروه أن هداكم للإسلام، فهو دينُ المناقِبِ والمحامِدِ العِظام، النيِّرُ المَحجَّةِ والأحكام.
وأضاف الشيخ: مقاصِد الشريعةِ الغرَّاء بديعةٌ في حقائقِها، منيعةٌ في دقائقِها، مُواكِبةٌ لأحداث العُصور، ومُستجِدَّات النوازِل والقضايا في جميعِ الأزمانِ والدُّهور؛ بل هي منجاةٌ من عواصِف الآراء النَّزِقةِ المُضِلَّة، وأمواجِ الأهواءِ الفاتِنةِ المُزِلَّة.
وقال حفظه الله: إن محورَ تلك المقاصِدِ وعنوانَها وجوهرَها بعد حفظِ الدين، حفظُ النفس البشرية التي كرَّمها الله وشرَّفها، ونوَّه بها في عظيمِ خِطابه، فكان تكريمُه وتبجيلُه لها أفضلَ ما عرفَتْه النُّظُمُ من احتِفاءٍ وتأمين، وضنًّا بها أن تُزهَقَ دون حقٍّ مُبين. كيف وقتلُ النفس تحدٍّ لخلقِ الله وحِكمته، وتعدٍّ على قُدرته ومنَّته.
وأكد الشيخ أن الشرائِعُ جاءت كلُّها برعايةِ الأنفُس وصيانتِها؛ لأنه يتوقَّفُ عليها نظامُ العالَم، فقتلُ النفس يتنافَى مع الحِكمة من الخلقِ والإيجادِ، وفي شريعةِ الإسلام قرَنَ ربُّ العزَّة - سبحانه - قتلَ النفسِ بالشركِ بالله، فقال - جل وعلا -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الفرقان: 68]. ولهذا كان أكبرَ الكبائِر بعد أعظم فسادِ الدين الذي هو الكفرُ.
وبيَّن فضيلته أن ربَّ العالمين منح الحياةَ للناس مُترَعًا ربيعًا، وحافظَ على النفس البشريَّة وأحكمَها نظامًا وتشريعًا، وقال في مُحكَم التنزيل: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، ومنعَ كلَّ ما يُؤدِّي إلى إزهاقِ الأنفُس وسدَّ الذرائِعَ إلى ذلك؛ فمنعَ الشِّقاقَ والتناحُر، والخلافَ والتنافُر، وتوعَّد كلَّ من تُسوِّلُ له نفسُه هذا الفعلَ الشَّيع بالخُلُود في العذابِ العظيم. يقول تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وأكَّد الشيخ أن الإسلام دينُ السلام، وما شُرِعَت أحكامُ الشريعة إلا لمصالِح العبادِ في المعاشِ والمعاد، وحيثُما وُجِدَت المصلحةُ المُتيقَّنة فثَمَّ شرعُ الله؛ فشريعتُنا إعمارٌ لا دمار، بناءُ ونماءٌ لا هدمٌ وفناءٌ، إشادةٌ لا إبادة. وما تعمَدُ إليه فِئامٌ مارِقةٌ ضالَّةٌ آبِقة تعمَدُ إلى سَفكِ الدمِ الحرامِ، والعُتُوِّ في الأرضِ والإجرام، ومُحاولة طمسِ مُكتسَبَاتِ هذه الديار المُبارَكة، وتدمير مُنشآتِها ومُقدَّراتها، التي هي رمزُ قوَّتها، وتقتيل الأبرياء والعُزَّل. بل والأدهَى والأمَرُّ: التطاوُلُ على بيوت الله، والإضرارُ بالمساجِد ودُور العبادة، وانتِهاكُ حُرماتها، وترويعُ الساجِدين الآمِنين. كلُّ ذلك وأقلُّ منه يتنافَى مع مقاصِد شريعتِنا السامِية.
وأضاف الشيخ: فهذا هو العدلُ والإنصافُ لمن أراد أن يُفرِّقَ جمعَ الأمةِ أو يحرِقَ وحدَتها. كيف بمن يقتُلُ ويصنعُ المُتفجِّرات، ويعملُ على ترويجِها، ويسعَى جاهدًا إلى زعزعَةِ الأمن وعدم استِقراره، ونشرِ الذُّعرِ بين أفرادِ المُجتمع، وتهُونُ عليه أرواحٌ مُعلَّقةٌ بالمساجِد، ما بين راكعٍ وساجِد، وعابِدٍ قائِمٍ وهاجِد. وشريعةُ الرحمن البديعة لا يمرُقُ عن حُدُودِها مارِق، ولا يُفارِقُ جماعتَها غالٍ مُفارِق إلا تلَّ الحقُّ للحدِّ خدَّه، وأنصفَ العدلُ هزْلَه وجِدَّه.
وقال وفقه الله: العدلُ فرضٌ مطلوب، وحقٌّ مرغوب، وإن بلغَ الظُّلمُ مداه فأودَى من أحياه الله، فتمامُ العدل أخذُ النفسِ بالنفسِ، والله أعلمُ بما يُصلِحُ خلقَه. ولقد جعلَ الله في القِصاص ردعًا، وبذلك تتحقَّقُ الحياةُ للجميع، من همَّ ومن سِيمَ به. وهذا وجهٌ من أوجُه الإعجاز التشريعيِّ في شريعتِنا الغرَّاء؛ حيث بلغَت الأحكامُ التشريعيَّةُ من الدقَّةِ والعدلِ والإنصافِ ما يُبهِرُ العُقلاء، كما أنها جمعَت بين الاعتِدال والوسطيَّة، والمُلاءَمة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.
وبيَّن فضيلته أن تطبيقَ الحُدود والتعزيرات الشرعيَّة زواجِرُ وجوابِر، وإشاعةٌ للأمنِ والطُّمأنينةِ في المُجتمعات.
وهو راجِعٌ إلى تحقيقِ مقاصِد الشريعة لا إلى هوَى الأنفُسِ ورغبَاتها، وهي رحمةٌ بالخلقِ، وإحقاقٌ للحقِّ، وتوَخٍّ للعدلِ، ورفعٌ للظُّلم. فلا يُعقَلُ أن يتسَاوَى المُحسِنُ والمُسِيءُ، والمُستقيمُ والمُجرِمُ، ومتى علِمَ القاتلُ أنه سيُقتلُ كفَّ عن القتلِ. وفي تطبيقِ الحُدود رفعٌ لمنارِ الشريعةِ، وحفظٌ وتمكينٌ للأمةِ.
وأكد الشيخ أنه لما كانت المُجتمعاتُ سُفُنَ نجاةٍ، تصِلُ بأهلِها إلى برِّ الأمانِ وشاطِئ السلام، وجبَ منعُ المُجرِمين والمُخرِّبين من خَرْقِها، ووجَبَ ألا يُسمَحَ للمُفسِدين والعابِثِين بثَقبِها. كما يجِبُ الأخذُ على أيدِيهم بما يردَعُهم ويكُفُّ شرَّهم، ويمنَعُ بغيَهم. ولهذا شرعَ الله قتالَ البُغاةِ والخوارِج من أجل حفظِ الكلمة، وصِيانةِ البَيضَة، والمُحافَظة على اللُّحمَة، والبقاءِ على الجماعةِ، وصِيانةِ الأمن، وكفِّ الفوضَى.
وأشاد الشيخ بجهود المملكة في الدفاع عن الإسلام ومعاونة المسلمين، فقال: إن من فضلِ الله - سبحانه - وعظيمِ آلائِه التي تلهَجُ بها الألسُنُ ابتِهالاً، ودُعاءً وشُكرًا وثناءً: ما منَّ الله به على هذه البلادِ المُبارَكة من تطبيقٍ لهذه الشريعةِ، وإقامةٍ لحُدودِها، في قضاءٍ نَزيهٍ مُستقيم، لا سُلطانَ لأحدٍ عليه غيرَ سُلطانِ الشَّرعِ الحَنيف، وعنايةٍ بمقاصِدِها وأهدافِها، والعملِ على نشرِ قِيَمها السَّامِية في العالَم أجمَع. وما وُفِّق إليه وُلاةُ أمرِها من أخذِ التدابِير الواقِية، والقراراتِ الحازِمة لصدِّ سَلبيَّات هذه الأزمَات عن هذه البلاد المحرُوسة، بخُصوصيَّةٍ مكِينةٍ ثابِتة، وهوِيَّةٍ واقِعيَّةٍ راسِخة.
وقال وفقه الله: ومن أجدرُ من بلاد الحرمين الشريفين، وهي التي تتمتَّعُ - بفضل الله - بالعُمق الدينيِّ والثِّقَل العالميِّ، والمكانةِ الدوليَّة المرمُوقة، وهي المُؤهَّلةُ دينيًّا وتأريخيًّا وحضاريًّا من حملِ الرايةِ في الأزَمَات الخانِقة، وذلك بإبرازِ النَّموذج الإسلاميِّ الحضاريِّ المُوفَّق، بإشراقاتِه وجماليَّاته في كلِّ مجالٍ من المجالات.
وختم الشيخ خطبته بالدعاء بالحفظ للمملكة وأهلها منددًا بما تعرضت له بلاد الحرمين، وأنها قد اكتوَت بحوادِثِ مُتكرِّرة، كان آخِرُها الجريمةَ النَّكراء في مُحافظَة الأحساء، في حلقةٍ سَوداء، ضمنَ سلسلةٍ دَهمَاء، من أعمال الإرهابِ العَميَاء، والفِتَنِ السَّحمَاء، والمِحَن الدَّهيَاء، التي ستتهَاوَى من خِلالِها أسَلاتُ الأعداء، على صخرةِ التلاحُم وقُوَّة البناءِ. ألا فلتسْلَم بلادُ الحرمين الشريفين، ولتَهنَأْ موئِلُ العقيدة ومأرِزُ الإيمان، فلقد أثبتَت - بفضلِ الله - الخروجَ من الأزَمَات أكثر تماسُكًا، وأشدَّ تلاحُمًا وثقةً وإصرارًا على استِئصالِ شأفَةِ الإرهاب واجتِثاثِ جُذورِه، في كفاءَةٍ أمنيَّةٍ مُميَّزةٍ، يضطَلِعُ بها رجالُ أمنِنا الأشاوِس، في إنجازاتٍ مُبارَكة، واستِباقاتٍ مُوفَّقة.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من الغلُوِّ والانحراف"، والتي تحدَّث فيها عن الجماعة ووجوب لزومها، وحُرمة مُفارقتها والخروج عليها، مُوجِّهًا نصائحَه للآباء والأولياء بضرورة المحافظة على أولادهم من انحراف الشُّبهات والشَّهوات، والانجِرار خلفَ التيَّارات المُخالِفة للنَّهج الحقِّ القويم، والصراط المُستقيم، كما لم ينسَ الشبابَ الصِّغار بالنصائِح والتنبيهات المهمة في هذا الصَّدَد.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: من اتَّقَى ربَّه فازَ وما ابتأسَ، (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].
وأضاف الشيخ: الجماعةَ منَعَة، والفُرقةَ مضيَعة. الجماعةُ لُبُّ الصواب، والفُرقةُ أُسُّ الخراب، الفُرقةُ بادِرةُ العِثار، وباعِثةُ النِّفار، تُحيلُ العمارَ خرابًا، والأمنَ سرابًا. وهي العاقِرةُ والحَالِقة، ولم يمشِ ماشٍ شرٌّ من واشٍ، ورأسُ الأشرار كلُّ مُحرِشٍ شنَّار.
وقال حفظه الله: لقد خرجَت على الأمة عُصبةٌ غاوِية، وحفنَةٌ شاذَّةٌ، وسُلالةٌ ضالَّة، لا هدفَ لها سوى اقتِداح شرارة الفوضَى، وشقِّ العصَا، فأظهَروا مكنُون الشِّقاق، وشهَرُوا سيوفَ الفتنة، وجاهَدوا بالمُحادَّة والمُضادَّة، بعقيدةٍ مدخُولةٍ، وأفهامٍ كليلَة، وأبصارٍ عليلَة. توَّهَت بهم الآراءُ المُغوِية في مهامِهَ مُضِلَّة، وسُبُلٍ مُختلِفة، فكفَّروا وروَّعُوا وأرعَبُوا، وقتَلُوا وفجَّروا وخانُوا وغدَرُوا. فلا عن المُعاهَدين كفُّوا، ولا عن المُسلمين عفُّوا.
وأضاف وفقه الله: رمَوا أنفسَهم في أتُّون الانتِحار بدعوَى الاستِشهاد، ودرَكَات الخروجِ بدعوَى الجِهاد. همَجٌ رَعاع، يتبَعُون كلَّ ناعِق، ويسيرون خلفَ كلِّ ناهِق، يُقابِلُون الحُجَج باللَّجَج، والقواعِدَ بالأغالِيط، والمُحكَمات بشُبَهٍ ساقِطة، لا تزيدُهم إلا شكًّا وحيرةً واضطِرابًا. قومٌ باغُون، من جادلَ عنهم فقد جادلَ عن الباطِل، ومن أعانَهم فقد أعانَ على هدمِ الإسلام. فراشُ نار، وحُدثاءُ أغرار، وسُفهاءُ أشرار، خالَفُوا ما درَجَ عليه السَّلَف، وانتهَجَه بعدَهم صالحُو الخلَف، وفارَقُوا ما نقلَتْه الكافَّةُ عن الكافَّة، والضَّافَّةُ عن الضَّافَّة، والجماعةُ عن الجماعة.
وبيَّن الشيخ أن هؤلاء جماعةٌ ضالَّة، وقلوبٌ حاقِدة، وصدورٌ حاسِدة. كان من آخر شنائِعِهم الفِعلةُ النَّكراء جريمةُ التفجير في الأحساء، التي نفَّذَتها يدُ الغدر والخِيانة. نبتَةُ سُوءٍ سوف تُجتثُّ وتُقلَع، وعروقُ باطلٍ لا تُمهَلُ أن تُقطَع. المتالِفُ لهم راصِدة، والعزائِمُ لهم حاصِدة.
وأشار الشيخ إلى بعض مثالبهم فقال: الفتاءُ والصِّغرُ وحداثةُ السنِّ قرينةُ الطهارة والغرارة، والشابُّ الحدَث قليلُ الفِطنة والحِنكَة والتجرُبة، ومتى صاحبَ الحدَثُ من لا يُوثَقُ بمودَّته وعقيدتِه، وأمانتِه وديانتِه ختَلَه الخبيثُ من حيث لا يعلَم، وأطعمَه الباطلَ من حيث لا يدرِي، وسقَاه السُّمَّ من حيث لا يحتسِب، وجنَّدَه ضدَّ دينِه ووطنِه وأهلِه وعشيرتِه وهو لا يشعُر.
وحذر الشيخ الآباء والمربين فقال: ومن تركَ ولدَه يقطعُ وادِيَ السِّباع، ويلهُو بين الوُحوشِ الجِياع، ويسيرُ في الظُّلَم، ويعبُرُ المفاوِزَ في السَّحَم، فقد باعَه وأضاعَه، وجعلَه نهبًا لشِرار الخلقِ، وهدفًا لمآربِهم الخبيثَة. ومن تركَ أولادَه يضرِبون في غَمرة اللَّهو والإثمِ، ويتسكَّعون في مراتِع الفتن، ويقتحِمون غُمارَ الناسِ، وينغَمِسُون في زَحمةِ الخلقِ وكثرتِهم. يُصاحِبُون من شاءُوا دون رقابة، ويَبيتُون خارِج البيوت دون تحفُّظ، ويمكثُون بعيدًا دون مُساءَلة، فقد عقَّهم وظلمَهم. احذر على أبنائك من خُطَب المُرجِفين، وكُتُب الغُلاة المُبطِلين، وفتاوى الخوارِج الحاقِدين، وأدوات التنظيمات السريَّة، والجماعات التكفيريَّة الإرهابيَّة، والتيَّارات الحِزبيَّة التي تزرعُ الأحقاد في قلوبِ شبابِنا ضدَّ وُلاتِنا وعلمائِنا وبلادِنا.
وأكد الشيخ وصيته قائلاً: حاذِروا التساهُلَ والتشاغُل، والتراخِيَ والتغافُل. اغرِسُوا في نفوسِ أولادِكم المحبَّةَ لدينِهم وبلادِهم، والولاءَ لوُلاة أمرهم، ورجالِ أمنِهم، وعلمائِهم وأئمَّتهم. ولن يتحقَّقَ ذلك إلا بفَيضٍ من الحُنُوِّ والحبِّ، والعطاءِ والإحسان، والمُصاحبَة والمُعايَشَة بالحُسنى، والتعليمِ والتحصيل.
وأضاف الشيخ: الخوارِجُ عُصاةٌ لله ورسولِه - صلى الله عليه وسلم -، خالَفُوا الكتابَ والسنَّة. وهما قِسمان قرنَا شيطان: القَعَدَة، والخدَمُ الحفَدَة. فقعَدَةُ الخوارِج يُزيِّنُون للأغرار الثورات، ويأمُرونهم بالخُروج على الوُلاة، ويُبيحُون لهم العمليَّات الانتِحاريَّة، ويخدَعونهم بالغُفران ودخولِ الجِنان، ويُحسِّنون لهم بفتاوى خبيثَةٍ حملَ الأحزِمةِ الناسِفة، وقيادةَ السيَّارات المُفخَّخة، وتفجيرَ النفسِ في المساجِد ودُور العبادة، والأسواق التجمُّعات. والخدَمُ الحَفَدة حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يُنفِّذون تلك المُخطَّطات الشيطانيَّة، يُشعِلون النيرانَ بكُسارِ العِيدان.
وحذر الشيخ الشباب قائلاً: يا أيها الشابُّ الطَّرير! لا يخدعنَّك القولُ المُزيَّنُ بترقيشِ الكذِب، وزخرَفَة الباطِل. فلو كان من دعاك مُجاهِدًا وناصِحًا، لسارَعَ إلى تفجير نفسِه قبل أن يدعُوَك لتفجيرِ نفسِك، ولكن أغواكَ وأهواكَ، فاختارَ لنفسِه المُتعَةَ والمالَ والحياةَ والبقاءَ، واختارَ لك الموتَ والهلاكَ والفناءَ. فاصْحُ من غفلَتِك، وارجِع عن ضلالَتِك، وعُدْ إلى رُشدِك، ولا تكُن وبالاً على نفسِك وأهلِك.
وأضاف: يا من تمسَّكتَ بالشِّراد، وأخذتَ بالعِناد، ولجَجتَ في البغيِ والفساد. يا من قُلتَ ما يُستفظَعُ في السَّمع، وتفوَّهتَ بما يُستبشَعُ في الطَّبع. يا من خلَعتَ الطاعة، وشقَقتَ عصَا الجماعة. يا من أُخِّرتَ وأُنظِرتَ، وأُجِّلت وأُمهِلتَ، فما زادَك الإنظارُ إلا اعوِجاجًا، ولا التنفيسُ إلا ارتِدادًا. أقصِر وأبصِر، وراجعِ الحقَّ قبل أن تُؤخَذ وخدُّك عافِر، وتُوقَفَ للقضاءِ العادلِ وأنت صاغِر. فتُب وبادِر قبل أن ينزِل بك ما تُحاذِر، وإن لم تتُب مُختارًا، فانتظِر البتَّارا.
وختم الشيخ خطبة بالإشارة إلى استمرار محنة السوريين فقال: مِحنةُ "مضايا" السورية التي يُحاصِرُها أعداءُ الملَّة، بتواطُئٍ من القُوَى العالمية، دليلٌ على شريعة الغابِ التي تحكُمُ العالَمَ اليوم. شعبٌ يُذلُّ بسلاحِ التجويعِ والترويعِ، ونساءٌ وشيُوخ، وأطفالٌ وصِغار، يلُفُّهم الخوفُ والجوعُ والمرضُ والبرقُ، بلا دواءٍ ولا غذاء، ولا وِطاءٍ ولا غِطاء. عدِموا الدفاءَ في صِرِّ الشتاء. إن القُوَى العالميَّة بصَمتها وسُكوتها وسُكونها وتخاذُلها، وهي تُشاهِدُ تلك الصُّورَ المُفجِعة المُروِّعة، تُعدُّ شريكةً في هذه الجريمة الإرهابيَّة، وإن البلدات التي تُهدَمُ مساجِدُها ومدارِسُها، ويُقتلُ خِيارُها وكِبارُها، وتُحاصَر ليموتَ أهلُها. ستظلُّ دليلاً قاطعًا على الاستِهداف المُشترَك، وعلى سياسة التقسيم والتَّهجير من أجل التغيير، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة: 253].
التعليقات