اقتباس
الاستِبشارُ والتفاؤُلُ من مبادِئ الإسلام، وسِماتِ المُسلمين في كل الأحوال، وهذا الاستِبشار يُولِّدُ الطاقةَ، ويُحفِّزُ الهِمَم، ويدفعُ إلى العمل، ويصنعُ المُستقبَل. وكلَّما تأجَّجَت مآسِي المُسلمين في بعضِ بِقاع الأرض تأكَّدت الحاجةُ لاستِحضار البشائِر، وهذا هديُ رسولِ الأمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فكم قلَبَ بتفاؤُلِه المِحنَةَ مِنحَة، وأيقظَ الأمَلَ في جوفِ الألَم..
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من الإضرار بالمسلمين"، والتي تحدَّث فيها عن ثلاث خِصالٍ جاء ذمُّ من اقترفَ إثمَ واحدةٍ منها، مُبيِّنًا انتِشارَ هذه الخِصال القبيحَة بين بعضِ المُسلمين، ووجوب الحذَر من الوقوعِ فيها؛ لما ترتَّبَ عليها من وعيدٍ شديدٍ لمُرتكبِيها.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فاتَّقُوا الله - عباد الله -، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
وأضاف الشيخ: دَيدَنُ اللَّبيبِ الفَطِن، وشأنُ الأريبِ اليقِظ: الثَّباتُ على الحقِّ، ولُزومُ الجادَّة، واتِّباعُ الصراطِ المُستقيم الذي يستعصِمُ به من الزَّلَل، ويصِلُ به إلى الغايَةِ من رِضوانِ الله ومحبَّته، ونزولِ دار كرامتِه، ويحذَرُ من اتِّباع السُّبُل التي تَحِيدُ به عن هذا الصراط. ومن لوازِمِ ذلك وضروراتِه: النُّفرةُ من رذائِلَ وخِصالٍ مقبُوحةٍ جاء النهيُ عنها، والذَّمُّ لمُجترحِها؛ لأنها من سُبُل الشيطان التي يضِلُّ سالِكُها، ويشقَى بالتردِّي في وَهدَتها.
وقال حفظه الله: وكم للخطيئةِ من دُروبٍ يدأَبُ الشيطانُ على إقامتها، والإغراء بها، والحثِّ عليها؛ لعرقَلَةِ سَير السالِكِ إلى ربِّه، الكادِحِ إليه، المُقبِلِ عليه، يُريدُ بذلك تكثيرَ حزبِه، وتقويَةَ جُندِه، وإهلاكَ عدوِّه ومحسُوده. وإن من دُروب الخطيئة، ومن أشدِّها خطرًا على العبد: ثلاثَ خِصال جاءَ الوعيدُ الشديدُ لمن اقترَفَ إثمَ واحدةٍ منها، يجمعُ بينها مقصودٌ واحدٌ، وذلك: هو الإضرارُ بالمسلمين، والضنُّ بالخيرِ عليهم، وابتغاءُ الشرِّ والفتنةِ لهم.
وهو ما جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يومَ القيامة ولا يُزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: رجلٌ على فضلِ ماءٍ بالطريق يمنعُ منه السبيلَ، ورجلٌ بايعَ إمامًا لا يُبايِعُه إلا لدُنياه، إن أعطاه وفَى له، وإلا لم يَفِ له، ورجلٌ بايَعَ رجُلاً بسِلعةٍ بعد العصر، فحلفَ بالله لقد أُعطِي بها كذا وكذا، فصدَّقها فأخذَها ولم يُعطَ بها».
وتابع الشيخ: أما الأولى: فرذيلَةُ البُخل والشُّحِّ والأثَرَة في أبشَع صُورها، والبخلُ ألوانٌ لا تحدُّها الأمثلة، وله دوافعُ نفسية، تختلِفُ طبيعتها وملابساتُها، فمن ذلك: أن بعض من ابتُلِيَ بالفقر وضيقِ ذاتِ اليد، حين يُنعِمُ عليه ربُّه بالبسطِ في الرزق، يخشَى أن تعودَ به الأيام إلى مرارةِ الفقر وشدَّة الإملاق، فيكون الإمساكُ ديدنَه، حتى لا يكادُ يُنفِقُ نفقةً إلا ويحسِبُ لها ألفَ حساب، فهو يكنِزُ المالَ ويحبسُه، ويضِنُّ به حتى على نفسِه، وعلى من يعولُ من أهلِه وأولادِه. وربما كان باعِثَ هذا الشُّحِّ الرغبةُ في جمع الثرَوَاتِ لعقبِه؛ خشيةَ أن يتركَهم عالةً يتكفَّفُون الناس، وقد كان له في انتهاجِ نهجِ القصدِ الظفَر بما يرغَب، والسلامةُ مما يخافُ ويرهَب.
وأشار الشيخ إلى أن: شرّ البخل - وهو شرٌ كله -: البخلُ بالفاضِلِ من الماء عن الحاجة، كمن يملك بئرًا أو عينًا جاريةً في موضعٍ لا ماءَ فيه، فلا يَضِيرهُ أن يستَقيَ منها ابنُ السبيل، أو يرِدَها حيوانٌ أو طير، ولا خشيةَ من تأثير ذلك عليه.
وأوضح فضيلته: أن الشارعُ أشاعَ الانتفاعَ بمياه العيون والآبار ونحوها، وجعلَ الناسَ فيها شُركاء، كما جاءَ في الحديث الذي أخرجه أبو داود في "سننه"، والإمامُ أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون شُركاءُ في ثلاثٍ: في الكلأ، والماء، والنار». إذ لا غُنيَةَ لأحدٍ عنها، ولا يَضيرُ الباذِلَ بذلُها ما دام الماءُ فاضلاً عن الحاجة، مُستقرًّا في موضعه، لم يُنقَل ولم يَجرِ عليه تصرُّفٌ بتصنيعٍ ونحوه.
وقال وفقه الله: وأما الخَصلةُ الثانيةُ المقبُوحةُ التي جاء الوعيدُ عليها في الحديث فهي: غِشُّ إمام المسلمين والغدرُ به بنَكثِ بيعَته، لمجرَّد الهوى والمطامع الدنيوية، من هِباتٍ ومِنحٍ ومناصِب وغيرها، مما يجعلُه الغاشُّ مُنتهى أمله، وغايةَ مقصده، ولذا جاء هذا الوعيدُ لمن غدَرَ بنَكث البَيعَة، والخروجِ على الإمام؛ لما في ذلك - كما قال أهلُ العلم بالحديث -: "لما فيه من تفرُّق الكلمة، ولما في الوفاءِ بالبَيعَة من تحصينِ الفُرُوج والأموال، وحَقن الدماء.
وأضاف فضيلته: وكفَى بهذا الغَدرِ والنَّكثِ - يا عباد الله -، كفَى به سوءً وقُبحًا، أن أعداءَ المسلمين ما وجَدُوا عليهم سبيلاً إلا من طريقِ الغادِرِين في مُختلَف ضُروبهم وألوانهم ومسالِكِهم في الغَدر، يتَّخِذُون منهم صنائِعَ وأدوات، تهدمُ ولا تبنِي، وتُفرِّق ولا تجمَع، وتُضِلُّ ولا تهدِي، وتُفسِدُ ولا تُصلِحُ، وتُحرِّض على الإثمِ والعدوان، وتنشُرُ الأراجيفَ والبهتان، وتسعَى على كل ما يعودُ على البلاد والعباد بالضررِ والخللِ والفساد، فهم في الحقِّ سُبَّةٌ على أنفسهم أبدَ الدهر.
وقال حفظه الله: ثالث الخِصال المرذُولَة المقبُوحةِ التي جاءت في الحديث: الغِشُّ في البيع والشراء، بإعمال طُرقٍ وحِيَلٍ يحتالُ بها الغاشُّ ليكسِبَ الصَّفقةَ، ويربَحَ المغنَم، ويزيدَ ثروتَه. وأخبَثُ الغِشِّ وأعظمُه جُرمًا: ما كان الحَلِفُ بالله فيه وسيلةً لترويجِ السِّلعَةِ البائِرَة، بأن يحلِفَ البائِعُ أنه أُعطِيَ فيها من المالِ كذا وكذا، وهو في الواقعِ لم يُعطَ شيئًا مما زعَم.
حذر الشيخ من أمثال ذلك من المُغامراتِ التي يلجَأُ إليها بعضُ من رقَّ دينُه، وضعُفَ يقينُه، فتفسُدُ بها دُنياه وأُخراه: أما فسادُ دُنياه: فبزعزَعةِ الثِّقَةِ فيه، وعدم الرُّكونِ إليه، وتركِ مُعاملتِه، فيحِلُّ الفسادُ بتجارتِه، وينزِلُ الإفلاسُ بساحَتِه. وأما فسادُ أُخراه: فدخولُه في زُمرةِ من توعَّدَه الله بهذا الوعيدِ الشديدِ الواردِ في ذلك الحديث، وفي قول نبيِّ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم الله يوم القيامة: المنَّانُ، والمُنفِّقُ سِلعتَه باليمينِ الفاجِر، والمُسبِلُ إزارَه»؛ أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الغش وبيان جرمه فقال: وكفى بالغاشِّ إثمًا أن يقول فيه سيِّدُ ولدِ آدم - صلى الله عليه وسلم -: «من غشَّنا فليس منَّا» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة. وفي رواية: «من غشَّ فليس منَّا».
وليس المقصودُ إخراجُه من الملَّة وتكفيرُه، ولكن المقصود: ليس على هَديِنا، ولا على طريقتِنا، ولا على سُنَّتنِا، وكفَى بذلك إثمًا وضلالاً مُبينًا. فاتَّقوا الله - عباد الله -، وحذارِ من هذه الخِصال الثلاث حذَار، ومن كل خصلَةٍ توعَّد الله صاحبَها بهذا الوعيد الصارِخِ وأمثالِه؛ تكونوا من الفائِزين المُفلِحين.
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "أسباب انتِشار الإسلام"، والتي تحدَّث فيها عن انتشار الإسلام في ربُوع الدنيا وأصقاع الأرض كلِّها، وما هي الأسبابُ التي أدَّت إلى ذلك، كما بيَّن أن المسؤوليَّة تقَع على كاهِلِ كلِّ مُسلمٍ في تبليغِ هذا الدين بشتَّى الصور التي تعارفَ عليها المُسلمون سلَفًا وخلَفًا، بالحكمة والموعظة الحسنة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوَى الله؛ فهي النجاةُ والأمنُ.
وأضاف الشيخ: الاستِبشارُ والتفاؤُلُ من مبادِئ الإسلام، وسِماتِ المُسلمين في كل الأحوال، وهذا الاستِبشار يُولِّدُ الطاقةَ، ويُحفِّزُ الهِمَم، ويدفعُ إلى العمل، ويصنعُ المُستقبَل. وكلَّما تأجَّجَت مآسِي المُسلمين في بعضِ بِقاع الأرض تأكَّدت الحاجةُ لاستِحضار البشائِر، وهذا هديُ رسولِ الأمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فكم قلَبَ بتفاؤُلِه المِحنَةَ مِنحَة، وأيقظَ الأمَلَ في جوفِ الألَم. ومن أعظَم دواعِي الفرح وأسبابِ البِشارة في حياةِ المُؤمن: انتِشارُ دينُ ربِّ العالمين، واهتِداءُ غيرِ المُسلمين بالإسلام.
وقال حفظه الله: الانتشارُ السريع من خصائصِ الإسلامِ الثابِتة، التي تنبُعُ من ذاتِه على مرِّ العصورِ والأزمان، مهما قلَّ أتباعُه، أو تساهَلَ أنصارُه، أو قسَا أعداؤُه. بدأ الإسلامُ في مكة من فئة ٍقليلةٍ مُستضعَفَة عانَت ألوانَ البطشِ والإيذاء، وفي غضُونِ سنواتٍ دخلَ الإسلامُ جزيرةَ العربِ كلَّها، وتشكَّل جيلٌ حملَ رسالةَ الإسلام، ونشرها في السهولِ والمِهاد، والجبالِ والوِهاد، فانتشر صدَاه، واتَّسَع مدَاه، ودخَلَت فيه الأممُ أفواجًا بسرعةٍ لم يُعرف لها نظيرٌ في التاريخ، وهذا من أعظم المعجزات، وتصديقٌ لوَعدِ الله بأن المُستقبَلَ لهذا الدين ينتشرُ الإسلام؛ لأنه الدينُ الذي ارتضَاه الله تعالى للناس ِكافَّة، وتكفَّلَ - سبحانه - بحفظهِ ونشرِه.
وبيَّن الشيخ أن الناس أحبّوا الإسلام؛ لأنه ظاهرُ المعالم، وحقٌ أبلَج مِلائِمٌ للفِطَرِ السليمة، والعقولِ المُستقيمة، أنارَ الظلمات، أسعدَ النفوس، شرحَ الصدُور، ينتشرُ الإسلام؛ لأنه عقيدةٌ إيمانية تُشبِعُ فراغَ القلوب، وتُهذِّبُ حَيرةَ الأرواح، وتملأ خَواء الفِكر، وتُلبِّي حاجات النفوس، وتمنَحُه الأمن، وتُروِي ظمأَه. يدخلُ الناسُ في دينِ الله أفواجًا؛ لأنه الدين الذي حقَّقَ للإنسانِ كرامَته، وسمَا به روحًا وجسدًا، عقلاً وقلبًا، فتحَ له الآفاق، سخَّرَ له الكون، ولم يُحرِّم عليه طيبًا.
وأكَّد فضيلته أن المُستقبل لهذا الدين؛ لما يُرَى من أثَرهِ البديع الذي لا يُوصَف، وفعلِه العظيم الذي لا يُحدُّ؛ فقد نقَلَ الإنسانَ من ذُلِّ المعصيةِ إلى عزِّ الطاعةِ، ومن حدودِ الدنيا إلى سَعةِ الخلود، ومن قسوَةِ القلوب إلى رحابِ الحبِّ وفيُوضِ الرحمة.
ينتشرُ الإسلامُ؛ لأنه يُمجِّدُ العلمَ، ويُكرِمُ العلماء، ويُثنِي على العقلِ والفِكر، وكلما وصلَ الإسلامُ بلدًا من البلدان جلَّلها بالعلم وأضاءَها بالمعرفة، فأسهَمَت الأمةُ في بناءِ الحضارةِ الإنسانية، وغدَت الحضارةُ الإنسانية نواةً ومعبرًا للحضارات المُتعاقبة.
وتابع الشيخ: اطمأنَ الناسُ إلى الإسلام؛ لأنه يُحقِّقُ للبشرية العدالةَ الاجتماعية في جميعِ مظاهر الحياة، قوَّى وشائجَ الأخوَّة، أحيَا مبادئ التعاون، أسَّسَ معانِي الخدمة الاجتماعية. والعدلُ في الإسلام مدلولٌ ناصِع، ومفهومٌ راسِخ، لا يتأثَّرُ ميزانُه بالحسَبِ والنَّسَب، ولا بالجاهِ والمال، ويتمتَّعُ بالعدلِ جميعُ المُقيمين على أرضِه من المسلمين وغيرِهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].
وأوضح الشيخ أنه تقعُ على المسلمين مسؤوليةُ نشرِ الإسلام، وتبليغِه في كلِّ أصقاع الأرض، ابتداءً من نبيِّها - صلى الله عليه وسلم -، قالَ اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة: 67].
وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: «بلِّغُوا عنِّي ولو آية».
وقد بذَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلَّ الأسبابِ للتوسُّعِ في نشرِ الإسلام؛ فلما أسلمَ أبو ذرٍ الغِفاريُّ - رضي الله عنه - طلَبَ منه الإقامةَ في بني غِفار، ودعوتَهم إلى الإسلام. ولما أسلمَ الطُّفيلُ بن عمرو الدَّوسيُّ، طلَبَ منه الإقامةَ في قبيلته دَوسٍ لنشر الإسلام فيها.
وأشار فضيلته إلى أن المسلم مأمورٌ بالعمل على نشر الإسلام، وليس عليه أَطرُ الناسِ على الدين أَطرًا، وحملُهم عليه قَسرًا، قال الله تعالى: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) [الشورى: 48]، وقال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 272].
وتبلُغُ المسؤولية أوجَها في نشرِ هذا الدين على المسلمِ المُغترِب في بلادِ غيرِ المسلمين، سواءٌ كان سفيرًا، أو مُبتعثًا، أو تاجرًا، أو عامِلاً، فمهمةُ نشرِ الإسلام من أعظمِ الفضائل وأجلِّ المراتب. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]. وقالَ - صلى الله عليه وسلم -: «لأَنْ يهدِيَ الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من أن يكونَ لك حُمْر النَّعَم».
وأضاف الشيخ: ونستطيعُ أن نُؤكِّد بأن العُنصر الأبرَزَ في انتشارِ الإسلام على يدِ سلَفِ الأمة سيرتُهم النقيَّة في فتُوحِهم، وعدلُهم في أحكامهم، وسلوكُهم تديُّنًا وورَعًا واستقامةً، وفي مقدمةِ أولئك: قادَةُ الفتحِ الإسلامي وجنودُه، الذين كانوا دُعاةً ولم يكونوا غُزاةً، اتَّصَفَ أولئك الذين نشروا الإسلام بسلامةِ القلب، وطهارةِ النفس، ونُبلِ المشاعر، وكان كلُّ فردٍ منهم ينبوعًا يفيضُ بالخيرِ والرحمة، ويتدفَّقُ بالنفعِ والبركة.
وأشار الشيخ إلى أهمية الاستفادة من التطور التكنولوجي في الدعوة إلى الإسلام، فقال: أكثرُ وسائلِ التأثير في نشرِ الإسلام - عباد الله -: إيصالُ القرآن الكريم إلى أسماع البشَر، وفي هذه الآية تأكيدٌ على أهميةِ إسماعِ القرآن الكريم للمُشركين، ويعلَمُ المُهتمُّون بنشرِ الإسلام أهميةَ الإعلامِ الحديث، واستِثمار وسائل التقدُّم التقنِيِّ في نشر الدعوة، ورغم تقصيرِنا في نشر الإسلام، إلا أن الله سخَّرَ هذه المنابرَ الإعلامية الفاعِلَة والمُؤثِّرة، إن أحسَنَ المَعنيُّون استخدامَها عالميًّا لإبرازِ سماحةَ الإسلام ويُسْره، والتصدِّي لمن يُحاوِلُ تشويهَ صُورته وتحجِيره.
وختم الشيخ خطبته بالتحذير من الاستسلام لحملات التشويه المتعمد للإسلام، فقال: ولا يخفَى أن الإسلامَ يتعرَّضُ بين الفَينَة والأخرى لتشويهٍ مَقيتٍ، وتزييفٍ ظالمٍ، وإلصاقِ تُهمة العنف والإرهاب به وبأتباعه، عبر صُورٍ كرتونية، ولقطاتٍ إعلامية؛ لتخويفِ الناس من الدين الإسلامي، وأنه منبَعُ الرِّيبة والرجعيَّةِ والتخلُّفِ والسلبيَّة، وكلُّ ذلك لا يُغيِّرُ من حقيقةِ الإسلام، ولا يَفُتُّ في عضُدِ أبنائه، ولا يُطفِئُ نورَه الوضَّاء، وجمالَه المُشرِق، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف: 8]، وقال تعالى: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32].
زعمُوا زُورًا وبهتانًا أن الإسلامَ انتشرَ بالسيف، والإسلامُ لم يُكرِه أحدًا على تغييرِ عقيدته؛ بل إنَّ التاريخَ يُسجِّلُ ويشهَدُ بمِدادِ الحقِّ والإنصافِ أن الإسلامَ انتشَرَ بالبُرهانِ الساطِع، والدليل الناصِع، والسماحَة والعدلِ، قالَ اللهُ تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: 256]، وقال تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس: 99].
وقد يقعُ بعضُ المُسلمين جهلاً في تشويهِ صُورة الإسلام بسُولكِ طُرقٍ ضالَّة، ومذاهِب مُنحرِفة، ومناهِجَ مُختلِفة، تُشتِّتُ الأمَّةَ، وتُفرِّقُ جمعَها، وتُضعِفُ وحدتَها، وهذا يُؤثِّرُ على العملِ في نشرِ هذا الدين.
ولا يَغيبُ عن الأذهان أنَّ على المُسلمين في بلادِ الحرمَين مسؤوليَّةً كبيرةً في العملِ على نشرِ هذا الدين، باعتِبارها قِبلةَ المُسلمين، ومُهاجَرَ سيِّد المُرسَلين - صلى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110].
التعليقات