مختصر خطبتي الحرمين 21 المحرم 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

ما أصابَ بعضَ بلاد المُسلمين من الفتن والاختِلاف والفُرقة، وسُفِكَت فيها الدماءُ المُحرَّمة، ونُهِبَت فيها الأموال، ودُمِّرَت المُمتلَكَات، وهُدِّمَت البيوت، وانتُهِكَت الأعراضُ، وانتشَرَ فيها الخوفُ والجوعُ، وشُرِّدَ سُكَّانُها فأمورٌ لا تُطيقُها الجبال. وعلى أهلها العُقلاء والمُصلِحين القادرين أن يُصلِحوا الأمورَ فيها، وأن يجمَعوا شتاتَ المُختلِفين، وأن يُحافِظوا على مصالِح بُلدانهم، وأن يحقِنوا الدماء ويُحافِظوا على أموال الناس، وأن يرحَموا الضعفاءَ من الأرامِل والشيوخ والأطفال وغيرهم، وأن يستَعينُوا بالله ثم بكل من له قُدرةٌ من خارِج بلادِهم لإطفاءِ نار الفتن...

 

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " التحذير من الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن أهمية دراسة التاريخ لأنه لا يُدرِكُ الواقعَ من لا يعرِفُ التاريخ، مشيرًا إلى استمرار مكر الأعداء بأمة خير الأنبياء، وذكر بعض صور الفتن التي أصابت المسلمين، والمنهج الشرعي للمملكة العربية السعودية الذي قامت عليه، وأهم إنجازات هذه البلاد، ونوّه إلى أن أمن بلاد الحرمين هو أمن كل مُسلم، وحذر من المؤامرات التي تستهدِف وحدة هذه البلاد وأمنها.

 

وأوصى الشيخ المصلين بتقوى الله –سبحانه وتعالى-، فقال: فاتقوا الله تعالى وراقِبوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، واعلَموا أن كلاًّ منكم بعملِه مُرتهَن، وفي قبرِه مسؤولٌ ومُفتَتن، ويوم القيامة موقوفٌ ومُمتحَن.

 

وأضاف الشيخ: لا يُدرِكُ الواقعَ من لا يعرِفُ التاريخ .. ومنذ بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – والإسلامُ في ظهورٍ وازدِهار، والمُسلِمون في اجتماعٍ وتآلُف .. سارَ على ذلك خلفاءُ النبي – صلى الله عليه وسلم -، فعلَوا بالمُسلمين شرقًا وغربًا، وبنَوا بهم حضارةً ومجدًا.

 

ما أغاظَ الأعداءَ الذين عجِزوا عن هزيمة الإسلام في ساحِ المعارِك وميادين النِّزال، فلجَأوا إلى هدمِ بنائِه من الداخل.

 

وكم حفَلَ التاريخُ منذ الصدر الأول بوقائِع وحوادِث أثارَت الفتنَ، وفرَّقَت الأمة، وأوقفَت الفتوحات، وثلَمَت في الإسلام جراحًا لا زالَت آثارُها تنزِف.

 

ولا زال التاريخُ يذكرُ فعلةَ الأشتر وابن سبأ .. وقولَة ابن السَّوداء حين رأى صُلح المُسلمين واجتِماع كلمتِهم واتفاقَ رأيهم.

 

وأضاف فضيلته: ومع تفاوُت الزمان والحال، إلا أن هذه الصورة لا زالَت تتكرَّرُ في زمن الفتنة، يسعَى المأجورون إلى الإيقاع بين الفُرَقاء من المُسلمين، فيُحدِثون حدَثًا هنا وحدَثًا هناك، ويُوهِمون العامَّة من كل فريقٍ أن الآخرين فعلُوا بهم ذلك. فتظهر العداوات، وتتأزَّمُ النفوس، وتشتعِلُ الحروبُ، وتخرَبُ الديار. وإذا أردتَ أن تعرِفَ المُجرِمَ في أي حادثة، فانظر من المُستفيدُ منها!

 

وبيّن الشيخ أن من أعظم الفتنة في مثلِ هذه الأحوال: الطَّرحُ الهزيلُ المُنهزِمُ لعامَّةٍ وخاصَّةٍ، يعُودُون على قِيَمهم ومبادِئِهم بالاتِّهام والتَّشكيك، واللَّوم والتثريب، ويُشيعون أن منهجَ أهلهم الذي سمَوا به عقودًا هو سببُ الفتنة، (أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [التوبة: 49].

 

وأضاف: إن منهجَ المملكة العربية السعودية منذ قامَت في مراحلِها الثلاث .. شريعةً ونظامًا، وتديُّنًا ودستورًا لم ينتهِك حقَّ طائفةٍ أو يُلجِئَ صاحبَ مُعتقَد. ومُذ قامَت هذه البلادُ السعوديةُ وفيها مُواطِنون يعتقِدون مذاهِبَ مُخالفةٍ لعقيدة الغالبِ من سُكَّانها، حفِظَت لهم هذه البلادُ خصوصيَّتهم؛ فلم تُلجِئهم لمُعتقَدٍ ولم تُهجِّرهم من أرضٍ، على نحوٍ لم تفعله حكوماتٌ علمانيَّةٌ في بلاد المُسلمين، ولم تفعله بلادٌ كان المُسلمون السُّنَّةُ أقليَّةً فيها. ولما رأى الأعداءُ هذا التوافُق، وهم الذين حسِبُوا هذا التمايُزَ خزَّان بارودٍ يُمكنُ أن يُستغلَّ، خصوصًا وقد جرَّبُوه في دولِ الجِوار ونجَحوا.

 

وأكد الشيخ أن لهذه البلاد تجربةً رائِعةً في التسامُح والعدل، ونبذِ التعصُّب والإقصاء، وهو مبدأٌ نشَأَ معها لا يُنكِرُه إلا من يتنكَّرُ لمبادئِه.

 

ولقد أرسَى الملكُ المُؤسِّسُ -الملكُ عبدُ العزيز رحمه الله- قواعِدَ هذه الدولة، وحكمَها نصفَ قرنٍ من الزمان وهو في قوَّته وقوَّة دولتِه، ومن بعده أبناؤُه المُلوك، لم يُؤثَر أبدًا أن هذه الدولة وهي في عُنفوانِها وقوَّتها أكرهَت أحدًا على دينٍ، أو تعصَّبَت ضدَّ أحدٍ بناءً على عقيدتِه أو طائفتِه، ولا يُوجد في النظام أو التطبيق ما يُشيرُ إلى تمييزٍ في الحقوقِ لعِرقٍ أو طائفة.

 

ومنذ تأسَّسَت الدولةُ وحتى اليوم وقد دخلَها للتجارة أو العمل مئاتُ الآلاف بل الملايين، من المُنتَمين إلى أديانٍ وطوائِف، وبعضُهم أقامَ سنين، لم يتعرَّض واحدٌ منهم لشيءٍ يخُصُّ مُعتَقَده ومذهبَه.

 

ونحن في عصر الاتصالات والتواصُل، وقُدوم أكثر من سبعة ملايين من الحُجَّاج والمُعتمِرين كل سنةٍ، عدا الوافِدين للزيارة والسياحة والعمل والتجارة، لا يرى أيُّ قادمٍ فارِقًا في العبادة بين ما يجرِي في المملكة وغيرها.

 

وأضاف الشيخ: إن من أعظم إنجازات هذه البلاد: إنهاءَ التعصُّب المذهبيِّ الفقهيِّ؛ فبعد أن كان المُسلمون يُصلُّون بأربعة أئمةٍ مُتفرِّقين في المسجِد الحرام، يتوزَّعون بينهم عند كل إقامةٍ للصلاة حسب مذاهبِهم، صارُوا يُصلُّون خلفَ إمامٍ واحدٍ يتحرَّى بهم صلاةَ النبي – صلى الله عليه وسلم – دون الالتِفات إلى انتِماءٍ مذهبيٍّ.

 

والزائِرون للحرمين الشريفين يرَون ويسمَعون المُدرِّسين في الحرمين، يذكُرون مذاهبَ الأئمة الأربعة عند تقرير الدروس باحتِرامٍ وتبجيلٍ لكلٍّ منهم، وعدم التفريقِ بينهم، ويختارُون من كُتبهم ما يرَونَه أنسَب للطالِب أو لتقرير الموضوع المُناسِب من أي كُتب المذاهِب الفقهيَّة وكُتب العلماء المُعتبَرين.

 

وإذا أفتَى المُفتِي فلا يتقيَّدُ بمذهبٍ مُعيَّنٍ من مذاهِبِ أهل السنَّة، وإنما يختارُ ما يعتقِدُ أنه أرجحُ دليلاً، ولا يلتزِمُ القاضِي بمذهبٍ مُعيَّنٍ، فإذا قضَى بالدليل بما يُوافِقُ مذهبَ أحدِ الأئمة، فلا يُمكنُ أن يُنقَضَ حُكمُه بسبب اختِيار ذلك المذهَب.

 

وعندما شُكِّلَت هيئةُ كِبار العلماء في هذه البلاد كانت تضمُّ علماء ينتسِبون إلى المذاهِب الفقهيَّة الأربعة، ولا زالَت كذلك منذ أكثرَ من أربعين عامًا.

 

كلُّ ما تختلِفُ به هذه البلادُ عن غيرِها هو ترفُّعها عن الخُرافات والبِدع، وتحرِّيها دينَ الله الصحيح، كما جاء به مُحمدٌ – صلى الله عليه وسلم -. وإن شَذَّ فردٌ أو أفرادٌ فلا يجوزُ تحميلُ الأمة كلها تبِعَة شذوذه.

 

وأضاف فضيلته: ألا يخجلُ المُتخاذِلون من أن يتَّهِموا مُجتمعهم وجامِعاتهم، ودينَهم ودولتَهم بالتعصُّب والتطرُّف؟! أو يتَّهموا منهجَهم بإفراز الطائفيَّة والإقصاء؟! إن هذا الحَيفَ في الاتِّهام هو الذي يُفرِزُ التعصُّب والتطرُّف، ويُوغِر الصدور، ويُؤلِّب الأعداء. وطعنُ بعض أبناء هذه البلاد بمناهِج التعليم، وعودتهم باللائمة على دينهم ونظام بلدهم هو خطأٌ في النظر، وقُصورٌ في التفكير، وانهِزامٌ في الروح.

 

فلم تُحفَظ الدماءُ وتُصانُ الحقوق كما حُفِظَت في وقتٍ كان ما اتَّهموها به في أَوْجِه وما عابُوه عليها في قوَّته، وإنما كثُر الهَرجُ والمَرجُ حين علا صوتُ المُشكِّكين، وكثُرت سِهامُ الطاعِنين، وكانت أكثرَ ما كانت بلادُنا أمنًا، وأرغدَ عيشًا في وقتٍ عاد عليه بعضُ المخذُولين بالنقدِ والتثريب.

 

وأضاف الشيخ: فإن على كل أحدٍ أن يُدرِك أن أمنَ بلاد الحرمين هو أمنٌ لكل مُسلمٍ على وجهِ الأرض، وأنه لا مُساوَمَةَ على أمن المملكة تحت أي ظرفٍ ولأي سببٍ.

 

ولقد وصلَ الوعيُ – بحمد الله – بمُواطِني هذا البلد إلى إدراك المُؤامرات التي تستهدِفُ وحدةَ هذه البلاد وأمنَها، وأن الأعداء يستخدِمون الإرهابَ وإحداثَ الفوضَى لتحقيق مآربِهم، ويُغرِّرون بالسُّفهاء لتنفيذِ مُخطَّطاتهم.

 

وقد باتَت الأمورُ أوضحَ من ذي قبل، ولا بُدَّ من التأكيد على حُرمة دماء المُسلمين، فضلاً عن المُستأمَنين والمعصُومين، قال الله – عز وجل -: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من قتلَ مُعاهَدًا لم يرَح رائِحةَ الجنة» (أخرجه البخاري).

 

فكيف إذا كان القتلُ لإيقاع فتنة، أو استِهدافٌ لرِجالٍ يحفَظُ الله بهم أمنَ البلاد والعباد؟! كما يجبُ البُعد عن كل موقفٍ أو قولٍ يُثيرُ العداء ويُثيرُ الخلاف؛ فأمنُ البلاد لا يقبلُ المُساومةَ والمُزايَدَة.

 

وختم الشيخ المصلين خطبته بالتذكير أن على المُخلِصين أن يضعُوا الأمورَ في نِصابها، وأن تُسمَّى الأشياءُ بأسمائِها، وتُردَّ الحوادِثُ إلى أسبابها، من غير حَيفٍ ولا تجاوُز. فبالصدقِ والإخلاصِ تصلُحُ الأمور، وتُدفعُ الشُّرور. حفِظَ الله بلادَنا وبلادَ المُسلمين من كل سُوءٍ ومكروهٍ.

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ علي الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " حرمة الدماء المعصومة"، والتي تحدَّث فيها عن أن إراقة الدماء المعصومة أعظم المُحرَّمات وأكبرُها وشرُّها، وشدد على مفاسد قتل النفوس بغير حق، مع تحريم قتل الإنسان لنفسه، وأنه لا أعدل وأحكَم من تعاليمِ الإسلام التي تحقق السعادة والفلاح.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى؛ فمن اتقَى اللهَ وقاه الشُّرورَ والمُهلِكات، ومن اتَّبعَ هواه وعصَى ربَّه وكفرَ به أدركَه الشقاءُ وأرداهُ في الدَّرَكات.

 

وأضاف الشيخ: اعلموا أن الله شرعَ الطاعات، وجعلَها في الفضلِ والمنازِل درجات، وحرَّم المُحرَّمات والمُوبِقات، وبيَّن مفاسِدَها وشُرورَها وأضرارَها، وجعلَها درَكَات.

 

فأعظمُ المُحرَّمات وأكبرُها وشرُّها: الشركُ بالله –تعالى- في العبادة، والدعاء، والاستغاثة، والتوكُّل، وطلب الخير، وطلب دفع الشرِّ. وهو الذنبُ الذي لا يغفِرُه الله إلا بالتوبة. ثم بعد الشرك: جريمةُ قتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق؛ فجريمةُ قتل النفس عارٌ وخسارٌ وخلودٌ في النار.

 

وبيّن الشيخ أن: قتل النفس عُدوانٌ على الإنسان، وظُلمٌ للقاتلِ والمقتول، وفسادٌ كبيرٌ في الأرض، ونشرٌ للرُّعب والخوف، وخرابٌ للعُمران، وكسادٌ في الحياة، وعذابٌ أليمٌ للقاتلِ والمُجتمع، وإهدارٌ لحقوقٍ كثيرةٍ كانت محفوظةً لأقرباء المقتول وغيرهم، وتدميرٌ لأسبابِ الأمن والرَّخاء، وندامةٌ تتعاظَمُ دائمًا في نفسِ القاتل في الدنيا والآخرة، فلا يهدأُ معها بال، ولا يَطيبُ معها عيشٌ أبدًا. فبِئسَت الجريمةُ وبِئسَ المُجرِم.

 

والقتلُ يُهلِكُ الحرثَ والنَّسلَ، وترتفِعُ به البركةُ من الأرض، وتنزلُ به العقوبات. والقتلُ فواتُ الدين والدنيا والآخرة. عن ابن عُمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ المُؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا»؛ (رواه البخاري).

 

ونوّه الشيخ إلى تحريم قتل الإنسان نفسه، إذ إن النفس ليست ملكًا لصاحبها، ولذلك فإن قتل الإنسان نفسَه حرَّمه الله ورسولُه أشدَّ التحريم، وقاتلُ نفسِه في النار ولو كان مُسلِمًا؛ سواءٌ قتلَ نفسَه بحديدة، أو بسُمٍّ، أو حزامٍ ناسِفٍ، أو سيارةٍ مُفخَّخة، أو عبوةٍ ناسِفة، أو تفجيرٍ، أو قُنبلة، قال الله -تعالى-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29، 30]، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «من تردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسَه، فهو في نار جهنَّم يتردَّى فيها خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سُمًّا فقتلَ نفسَه، فسُمُّه في يدِه يتحسَّاه في نار جهنَّم خالدًا ُخلَّدًا فيها أبدًا، ومن قتلَ نفسَه بحديدةٍ، فحديدتُه في يدِه يجَأُ بها في بطنِه – يعني: يطعنُ بها في بطنِه – في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

وهذا العذابُ الشديدُ الأليمُ لمن قتلَ نفسَه؛ فكيف بمن قتلَ غيرَه؟! لأن نفسَ الإنسان ليست ملكًا له؛ بل هي مُلكٌ لله -تعالى-، يتصرَّفُ فيها الإنسان بمُقتضى الشرع الذي أنزلَه الله – عز وجل -.

 

وأضاف الشيخ: والحياةُ الآمنةُ من حقِّ الإنسان، وهبَه الله هذه الحياة لعُمران الأرض وصلاحِها وللعمل الصالِح؛ بل الحياةُ الآمنةُ من حقِّ البهائِم والحيوان، فلا تُقتلُ إلا لمنفعة ابنِ آدم، ويحرُمُ أن تُقتلَ عبَثًا.

 

وبيّن الشيخ أن الدماء المعصومة التي حرَّمها الله ورسولُه، وجاءَ الوعيدُ والعذابُ لمن سفَكَها هي: دمُ المُسلم ودمُ غير المُسلم الذِّمِّيُّ والمُعاهَد والمُستأمَن. وفي عُرف هذا العصر: الفردُ غير المُسلم المواطِن، أو الذي يحملُ إقامةً من وليِّ الأمر أو نائِبِه، أو قدِمَ لبلدٍ مُسلمٍ بجوازِ سفر، أو قدِمَ للبحث عن الرِّزق أو لحاجةٍ.

 

ومُعاملاتُ غير المُسلمين وأحكامُهم منوطةٌ بالإمام ونُوَّابه، وليس الفردُ مسؤولاً عن ذلك؛ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «من قتلَ قتيلاً من أهل الذمَّة لم يرَح رائِحَةَ الجنة، وإن ريحَها ليُوجَد من مسيرة أربعين عامًا» حديثٌ صحيحٌ؛ (رواه أحمد والنسائي).

 

وأيُّ مُسلم استوطَنَ بلدًا غير مُسلم، أو قدِمَ إلى بلدٍ غير مُسلم بجوازِ سفر، أو قدِمَ للبحث عن الرِّزق بلا جوازٍ، أو لحاجةٍ فلا يحلُّ له شرعًا أن يسفِكَ دمَ أحدٍ من ذلك البلد، ولا يسرِقَ شيئًا من أموالهم أو يغتصِبَها، أو يُدمِّر شيئًا من مُمتلكاتهم، أو يُفجِّر في تجمُّعاتهم، أو يعتدِيَ على أعراضِهم وحُرُماتهم؛ لأن ذلك غدرٌ وخيانةٌ ومعصيةٌ كُبرى نهَى الله عنها، قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) [الأنفال: 58].

 

وأما الجهادُ فله أحكامُه وأدلَّتُه المُحكَمةُ الرحيمةُ العادلةُ المُبارَكةُ الصريحةُ التي لا تُغيَّر، ولا تُبدَّل، والإذنُ فيه للإمام؛ لأنه المسؤولُ عن مصالِح الأمة والمعنِيُّ بهذا الشأن، والقادرُ على معرفةِ الأحوال وتقدير الأمور.

 

وأضاف الشيخ: والقتلُ قد يكون بين مُتخاصِمَين عدوَّين، وقد يكون بين طائفتَين من المُسلمين، وقد يقعُ القتلُ في فتنٍ تلتبِسُ فيها الأمورُ على الناس، وكثيرًا ما يكونُ القتلُ عند انفِلات الأمن، واضطِرابِ الأحوال، وتفشِّي المُنكَرات، وغلَبَة الأهواء، وتعطيل الشريعة، والفتنة بالدنيا، وضعفِ الوازِع الدينيِّ.

 

وحذر الشيخ من نسبة الأخطاء إلى الإسلام فقال: ومن أخطأَ وأساءَ وظلَمَ، فلا يُحمَّلُ الإسلامُ خطأَه، ولا يُنسَبُ إلى الإسلام جُرمُه وظُلمُه؛ فالإسلامُ بريءٌ من الإساءة والجُرم والظُّلم، وأهلُ العلم هم الذين يُنزِّلون النصوصَ منازِلها، ويعلَمون تأويلَها.

 

وما أصابَ بعضَ بلاد المُسلمين من الفتن والاختِلاف والفُرقة، وسُفِكَت فيها الدماءُ المُحرَّمة، ونُهِبَت فيها الأموال، ودُمِّرَت المُمتلَكَات، وهُدِّمَت البيوت، وانتُهِكَت الأعراضُ، وانتشَرَ فيها الخوفُ والجوعُ، وشُرِّدَ سُكَّانُها فأمورٌ لا تُطيقُها الجبال.

 

وعلى أهلها العُقلاء والمُصلِحين القادرين أن يُصلِحوا الأمورَ فيها، وأن يجمَعوا شتاتَ المُختلِفين، وأن يُحافِظوا على مصالِح بُلدانهم، وأن يحقِنوا الدماء ويُحافِظوا على أموال الناس، وأن يرحَموا الضعفاءَ من الأرامِل والشيوخ والأطفال وغيرهم، وأن يستَعينُوا بالله ثم بكل من له قُدرةٌ من خارِج بلادِهم لإطفاءِ نار الفتن.

 

فإذا خرجَت الأحداثُ من يدِ القادرين المُصلِحين، فالمُسلمُ مسؤولٌ عن نفسِه بكفِّ يدِه ولسانِه عن المُسلمين، وعلى كل مُسلمٍ ومُسلمةٍ التوبةُ إلى الله -تعالى-، ومُداومةُ الدعاء برفعِ العُقوبات النازِلة، وبرفعِ أسبابِها. فربُّنا رحيمٌ يحبُّ المُتضرِّعين والتوابين، وهو قادرٌ على كل شيءٍ.

 

وأضاف: ومن خرجَ على الإمام في بلادِنا وفارقَ الجماعة، وجبَ على وُلاة الأمر الأخذُ على يدِه، وكفُّ شرِّه عن المُجتمع بما يُحقِّقُ المأمنَ من شرِّه وضررِه، وبما يحفظُ الأمنَ والاستِقرار، ويُطفِئُ فتنتَه.

 

ورِجالُ الأمن في خدمة دينِهم ووطنِهم، مُؤدُّون واجِبًا يُثابُون عليه، ويُشكَرون على أدائِه، حفِظَهم الله.

 

ونُحذِّرُ الشبابَ من اتِّباع دُعاة الفتن؛ فإنه لن يضُرَّ المُسلمين دُعاةُ الفتن إلا بكثرة الأتباع، وإذا التَبَسَ عليكم شيءٌ فاسأَلوا أهلَ العلم تُرشَدوا لأمورِكم.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته المصلين بالابتعاد عن الدماء، فقال: إن السعادة كل السعادة، والفلاحَ كل الفلاح أن يُحقِّق المُسلمُ التوحيد؛ فيعبُد الله لا يُشرِك به شيئًا، ويتعافَى من دماء المُسلمين وأموالِهم وأعراضِهم، فهذا هو الذي سبَقَت له من الله الحُسنى.

 

وإن الكسرَ الذي لا ينجبِر أن يُفتَنَ الإنسانُ في دينِه، فينقُصَ دينُه أو يذهبَ بالكليَّة، وقد يُصابُ الإنسانُ بموتِ القلب وهو لا يشعُر إذا رأى صلاحَ دُنياه ونسِيَ أخراه. والفتنُ أضرُّ شيءٍ على المرء في الدارَين..

 

 

 

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life