مختصر خطبتي الحرمين 2 من ذي القعدة 1437هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

الإسرافُ يُجَرِّئُ النفوسَ على ارتِكابِ الجَور والمظالم؛ لأن همَّ المُسرِف إشباعُ شهوته، فلا يُبالي أن يأخُذَ ما يأخُذ، من طُرقٍ مشروعةٍ أو غير مشروعة، فيمُدُّ يدَه إلى ما في يدِ غيرِه بطرقٍ مُلتوِية، ووسائل مُرِيبة. الغارِقُ في ملذَّاته تضعُفُ أمانتُه، فاتباعُ الشهواتَ عنده طاغٍ، والميولُ للملذَّاتِ لديه غالِب. الإسرافُ يدفعُ بصاحبِه إلى الإمساك عن بَذلِ المعروف، وفعلِ الخير، فملذَّاتُه أخذَت عليه مجامِعَ قلبِه، فهمُّه وهمَّتُه، إعطاءُ نفسِهِ مُشتَهَاها، في مطعومِه وملبوسِه ومركوبِه وأثاثِه. المُسرِفُون يقبِضُون أيديَهم...

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "ذم الإسراف"، والتي تحدَّث فيها عن الإسرافِ وحُكمه في الشرع، وما يؤُولُ إليه حالُ المُسلم إذا أسرفَ في مأكله ومشرَبه وملبَسه وغير ذلك، مُستدلاًّ على ذلك من نصوص القرآن والسنة، ومُستشهِدًا بأقوال أهل العلم من السلف الصالحِ وغيرهم.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم - أيُّها الناس - ونفسي بتقوَى الله، فاتَّقوا الله - رحمكم الله -، فالميزانُ عند الله التقوَى، وليس الأغنَى وليس الأقوى.

 

وأضاف الشيخ: لقد جعلَ اللهُ حياةَ ابن آدم قائمةً على المال، في بقائها، وكمالها، وعِزِّها، وسعادتها، وعِلمِها، وصحَّتِها وقوَّتِها، واتِّساعِ عُمرانِها، وسُلطانها، لقد جعَلَه - سبحانه - قِوامَ الناسِ والحياة، فقال - عزَّ شأنُه -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) [النساء: 5]، أي: يستقيمُ بها المعاش، وتقومُ عليها المصالحُ العامَّةُ والخاصَّة. ووصفَه - سبحانه - بأنه زينةُ الحياةِ الدُّنيا، فقال - جل وعلا -: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46].

 

وقال وفقه الله: إنَّ حِفظَ المال في الإسلام هو أحد الضروريات الخمس، التي يقومُ عليها الدِّين، وتقومُ عليها الدنيا. يقولُ الحافظ بن القيِّم - رحمهُ الله -: "واعلَم أنَّ اللهَ جعلَ المالَ قِوامًا للأنفُس، وأمرَ بحفظِه، ونهَى أن يُؤتىَ السفهاء من الرجال والنساءِ والأولاد وغيرِهم". يقولُ بعضُ السلف: "لا مَجدَ إلا بفِعال، ولا فِعالَ إلا بمال".

 

وأكَّد الشيخ أن الشريعة لم تُحَرِّم اكتسابَ المال، وتنمِيَتَه وحِفظَه؛ بل حثَّت على ذلك، وحضَّت عليه، ولكنَّها حرَّمت الطرقَ الممنوعة في كسبه وإنفاقِه. وأن الأمة تعظُمُ وترقَى في سماء العزَّة والمَنَعَة بخِصالٍ، من أكبرها وأظهرها: حفظُها لمالِها، واقتصادُها في معاشها، وترشيدُها في إنفاقها، لا فضلَ لأمةٍ أن تضعَ على موائِدِها ألوانَ الأطعمة، وصنوفَ المآكل، إنما فضلُها أن يكون لها رجالٌ سليمةٌ أبدانُهُم، قويَّةٌ عزائِمُهم، نيِّرةٌ بصائِرُهم، عالِيةٌ طُمُوحاتهُم، عظيمةٌ قِمَمُهم. ونَّ الإغراقَ في ملذَّاتِ المطاعِمِ، والتَّكالُبَ على حُطامِ الدُّنيا، أنزَلُ قَدرًا من أن يُتهافَت عليه على نحو ما يظهرُ على بعضِ أبناءِ هذا الزمان.

 

وبيَّن فضيلته أن الإسراف يُفضي إلى الفقرِ والفاقَة، المُسرِفُ يُطلقُ يدَهُ في الإنفاق إرضاءً لشهواته، واتباعًا لنَزَوَاته، وكم من بيوتٍ أسَّسها آباءُ مُقتدِرُون، وفي إنفاقهم راشِدُون، فورِثَهم أبناءُ مُسرِفون، أطلَقُوا لشهواتهم العَنان، فتَهَدَّمَت بيوُتُهم، وتبدَّدَت ثرواتُهم، وتلك عاقبةُ المسرفين، ومآلاتُ المُترَفين. التعلُّقُ بلذائذ العيش، ومُشتَهَياتِ النفوس يُقَوِّي الحرصَ على الحياة، ويُقصِي عن مواقِع الفداءِ والعَطاءِ، والعزَّةِ وعُلوِّ الهِمَّة. النفوسُ المُسرِفة يضعُفُ طمُوحُها، تصرفُها لذَّاتُها عن الاهتماماتِ الجادَّة، وتصُدُّها عن طرُقِ الإبداعِ والابتكار.

 

وأشار الشيخ إلى أن من البيِّن المعلُوم أن النُّبُوغةَ والعبقريَّة، والتطلّعَ إلى المعالي لا تُدرَكُ إلا باحتمالِ المكارِه، وركوب المصاعِب، واقتِحامِ الأخطار، والمُسرِفُ ضعيفُ العزيمة، هزيلُ التطلُّع، ومن ربطَ همَّتَهُ بطمُوحٍ كبيرٍ واشتغلَ لتحصيلِه، انصرفَ عن فنون اللهو، وألوان الملذَّات، ولا يَنالُ المُنَى إلا من هَجَرَ اللذائذ.

 

وقال حفظه الله: الإسرافُ يُجَرِّئُ النفوسَ على ارتِكابِ الجَور والمظالم؛ لأن همَّ المُسرِف إشباعُ شهوته، فلا يُبالي أن يأخُذَ ما يأخُذ، من طُرقٍ مشروعةٍ أو غير مشروعة، فيمُدُّ يدَه إلى ما في يدِ غيرِه بطرقٍ مُلتوِية، ووسائل مُرِيبة. الغارِقُ في ملذَّاته تضعُفُ أمانتُه، فاتباعُ الشهواتَ عنده طاغٍ، والميولُ للملذَّاتِ لديه غالِب.

 

وقال وفقه الله: الإسرافُ يدفعُ بصاحبِه إلى الإمساك عن بَذلِ المعروف، وفعلِ الخير، فملذَّاتُه أخذَت عليه مجامِعَ قلبِه، فهمُّه وهمَّتُه، إعطاءُ نفسِهِ مُشتَهَاها، في مطعومِه وملبوسِه ومركوبِه وأثاثِه. المُسرِفُون يقبِضُون أيديَهم، والكرامُ يبسُطُونَها لذوي الحاجاتِ، من الفقراء والمنكوبين والمُشَرَّدين، ابتغاءَ رضوانِ الله.

 

وأضاف الشيخ: لقد ظهرَ السَّرَفُ في العصور المتأخرة بشكلٍ مُزرِي، فالواجِدُ يُسرِف، والذي لا يجِد يقترِضُ من أجل أن يُسرِف، ويلبِّي كمالياتٍ هو في غِنىً عنها، وهذا من ماديات هذا العصر، وثقافته في غرائزه وشهواته، وغفلَته.

 

وبيَّن فضيلته أن للإسرافِ آثارًا في الصحةِ وانحرافها، وأن الإفراط في المآكل والشِّبَع، وإدخال الطعامِ على الطعام، والخضوع لمُشتهَيات النفوس، كلّ ذلك إيذاءٌ للنفس، وانحرافٌ في الصحَّة، وإضاعةٌ للمال، وقعودٌ في الهِمّة، والمؤمنُ يأكلُ بأدبِ الشرع، فيأكُلُ في معِيٍّ واحدٍ، وغيرُ المُؤمن يأكُلُ بمُقتَضَى الشهوةِ والشَّرَهِ والنّهَم، فيأكلُ في سبعةِ أمْعاء. بالحفاظِ على اللُّقمةِ، يكونُ الحِفاظُ على الصحَّة، والحِفاظُ على الثروة.

 

وقال وفقه الله: يسير عالَمُ اليوم بالإسراف، في استهلاكه في طريق هلاكه. قُطعانٌ من البشر لا يمتدُّ بصرُها ولا بصيرَتُها أبعَدَ من التراب وما يُشبِهُ الترابَ، تلتَهِمُ كل ما يُتاحُ لها من خلال ما عُرِف بـ "حُمَّى الاستهلاك"؛ بل هو: سَفَهُ الاستهلاك.

 

وأشار إلى كثرة صور الإسراف فقال: إسرافٌ في الملابس والأزياء، وجريٌ وراء أدوات الزينة، ومُحدَثات الأزياء ومُبتكَرَاتها، في نفقاتٍ مُرهِقة، ومسالِك مُهلِكة، وتصرُّفاتِ سيئة. إسرافٌ في المناسبات الاجتماعية، في الأفراح وفي الأتراح، مُغالاةٌ في المُهُورِ والنفقات، والاحتفالاتِ والمأكولات، وأغلَبُ ما يُنفَقُ يذهب إلى صناديق القمامة، ومُوقَ النفايات. فنعوذُ بالله من كُفران النِّعَم. إسرافٌ في السفرِ ونفقاته، إسرافٌ في استخدام المرافق من الماء والكهرباء، في الإنارة والتكييف وغيرها، والماءُ أرخصُ موجود وأعزُّ مفقود، ويُهدرُ بلا حسابٍ.

 

وقال حفظه الله: إن الإسلام يُربِّي على الاستِغناءِ عن الأشياء، وليس الاستغناءَ بها، حتى لا يكونَ الناسُ عبيدَ الدِّرهَمِ والدِّينار، والاستهانة بالقليل تجُرُّ إلى الاستهانةِ بالكثير، ومن ضيَّعَ القليلَ أضاعَ الكثيرَ، يكسَبُ في الدُّنيا ذمًّا، وفي الآخرة إثمًا.

 

وختم الشيخ خطبته ببيان الفرق بين الإسراف المحمود والمذموم فقال: إن للبدن مطالِب اتفَقَ العُقَلاءُ على أن انتِقاصَها إضرارٌ به، والمذمومُ الممقُوت هو مسلكُ المُسرِفين، فالإسرافُ المذمومُ غيرُ قصد الزينة، والملاذّ في حدودِ الاعْتِدَال، وسلوكُ الوسَط هو مَسْلكُ عبادِ الرحمن، المدلولُ عليه في قوله - عزَّ شأنه -: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67]. والمذمومُ ما أُخِذَ من غيرِ حِلِّهِ، ووُضِعَ في غيرِ محلِّه، واستعبَدَ صاحبَه، وملَكَ عليه قلبَه، وشغَلَه عن اللهِ والدار الآخرة، وعن حقوقِ أهلِهِ وإخوانه. وحينما قالوا: "لا خيرَ في الإسراف"، قالوا: "لا إسرافَ في الخير". ويقولُ سفيانُ بن عُيينة - رضي الله عنه -: "ما أنفَقتَ في غير ِطاعةِ اللهِ إسرافٌ، وإن كان قليلاً". ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميّة - رحمه الله -: "الإسرافُ في المُباحَات هو مُجاوزةُ الحدِّ، وهو من العُدوان المُحرَّم، وتركُ فُضُولها من الزُّهد المباح". وويلٌ لمن أبطَرَته النعمةُ وسَعَةُ العيش، فطغَى واستغرقَ عُمرَه في الشهوات.

 

 

المدينة المنورة:

 

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الأمن من أعظم النعم"، والتي تحدَّث فيها عن الأمن وأنه نعمةٌ عظيمةٌ، وقد أوردَ في خُطبته ما يدلُّ على فضلِ الأمن وأهميته في حياة المسلمين أفرادًا ومُجتمعات، من كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -.

 

واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: : فاتقوا الله بطاعته؛ فتقوَى الله خيرُ زادٍ، وما تمسَّك بها أحدٌ إلا فازَ بخيرات الدنيا، وأفلحَ يوم المعاد.

 

وأضاف الشيخ: الأمنُ حِصنُ الإسلام، وأهلُ الإسلام هم سُكَّانُه، فالحِصنُ يُحرِزُهم من أعداء الإسلام، وأهلُ الإسلام يحمُون هذا الحِصنَ من أن يهدِمَه المُفسِدون، والأمنُ هو سُورُ الإسلام الذي يتحصَّنُ به المُسلمون، ويصُدُّ عنهم عُدوانَ المُفسدين، وبغيَ الباغِين. وأهلُ الإسلام يحرُسُونَ هذا السور من معاوِل الهَدم، ويُحافِظون عليه من التصدُّع والانهِيار، لما جعلَ الله تعالى في بقائِه من حِفظ الدين، والدماء، والأعراض، والأموال، وتبادُل المنافِع، وحُرية حركة الحياة في جميع نشاطها، وحِفظ السُّبُل التي يصِلُ الناسُ بها إلى مُختلَف البُلدان، لقضاءِ حاجاتهم ومصالِحهم، وجَلبِ أرزاقهم.

 

وقال حفظه الله: الأمنُ قرينُ الإيمان، وعِدلُ الإسلام؛ الأمنُ هو الطُّمأنينةُ على الدين، والأمنُ هو الطُّمأنينةُ على النفس، والطُّمأنينةُ على الأعراض، والطُّمأنينةُ على الأموال، والمُمتلَكات والحُرُمات، والطُّمأنينةُ على ما كان منك بسَبيلٍ، بعدم الخَوف على ذلك كلِّه، والطُّمأنينةُ على الحقوق المعنويَّة والأدبيَّة التي اعتبَرَها الإسلام، بعدم تضييعها أو انتِقاصِها.

 

وقال وفقه الله: الأمنُ من الإسلام، والتشريعُ الإسلاميُّ جاء لضمان الأمن للمُسلم في حياته وبعد مماته؛ ليحيا حياةً طيبةً آمِنة، كما قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]. فالتوحيدُ لربِّ العالمين أولُ الواجِبات؛ فمن حقَّ التوحيد أثابَه الله بالأمن والهداية، وحفِظَه من عقوبات الشرك في الدنيا، ومن الخِزي والخوف في الآخرة، قال الله تعالى في قصة أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

 

وقال حفظه الله: فالأمنُ من أسبابه عمل المُسلم بتشريع الإسلام؛ لأن التشريعَ الإسلامي يضمنُ حقوقَ الله تعالى، وحقوقَ العباد، ويزجُرُ عن الإثم والبغي والظُّلم والعُدوان، قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

 

وقال وفقه الله: وقد جعلَ الله الأمنَ مُعتبرًا مشروطًا لبعض العبادات والأحكام، قال الله تعالى في الصلاة في أدائِها بصفتها في غير الخوف: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103]. والزكاةُ لا تُجبَى في الأموال الظاهِرة، والثمار والحُبوب إلا باستِتباب الأمن.

 

وقال حفظه الله: ومن أسباب الأمن: حِمايةُ المُجتمع للأمن من المُفسِدين والمُخرِّبين، والمُجرِمين والمُعتَدين، بالأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر، والتوجيه والإرشاد والتعليم، والتحذير من البدع والمُحرَّمات، والتحذير من الخروج على جماعة المُسلمين وإمامِهم. والرفع للسلطان عن أهل الزَّيغ والفساد والإجرام الذين أقامُوا على ذلك، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]. وعن أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستطِع فبلسانِه، فإن لم يستطِع فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان» (رواه مسلم).

 

وقال وفقه الله: ومن أعظم أسباب الأمن: قُوَّةُ السلطان، وأخذُه على يدِ المُجرمين وردعُهم عن الفساد بما قرَّرت الشريعةُ السمحة، فالظالمُ المُعتَدي يُكفُّ شرُّه بما يمنعُه عن الظُّلم والعُدوان، ولو كان مُسلمًا، والكافرُ الذي من أهل الكتاب يُقرُّ على دينِه؛ لأن شرَّه وكُفرَه عليه إذا لم يعتَدِ على أحد. والسلطانُ مسؤولٌ عن رعيَّته، قال عُثمانُ - رضي الله عنه -: "إن الله يزَعُ بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن". وأحسنُ أحوال الأمة: إذا كان الوازِعُ الدينيُّ فيها قويًّا، وكان السُّلطانُ قويًّا، فأمورُها في هذه الحال على أحسن الأحوال في دينِها ودُنياها. ثم يلِي هذه الحال: إذا كان السُّلطانُ قويًّا، وضعُف الوازِعُ الدينيُّ عند بعض الأمة، فالسُّلطانُ يُقوِّمُها، ويأخذُ على يد المُفسِدين والمُجرِمين، فالأمةُ في هذه الحال على سبيلِ نجاة.

 

وأضاف فضيلته: وبالتتبُّع لأحكام الإسلام التي يعملُ بها المُسلِمون، نُشاهِدُ ونعلمُ أن كثيرًا من المُسلمين بعد الأعمار الطويلة لم يُطالِبهم أحدٌ بمظلَمةٍ في دمٍ، أو عِرضٍ، أو مالٍ، أو حقٍّ؛ لامتِثالهم أحكام الإسلام، وأدائهم الحقوق، فهؤلاء تمتَّعوا بالأمن والإيمان، ولهم عند الله - تبارك وتعالى - حُسنُ الثواب. ومن حكَّم التشريعَ الإسلاميَّ في حياته، فلا سبيلَ عليه، وصدقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في قولِه: «المُسلمُ من سلِم المُسلمون من لسانِه ويدِه».

 

وقال حفظه الله: والأمنُ قد أحاطَتْه الشريعةُ بسِياجٍ من الحِفظ والرعاية، والعناية والقوة؛ لأن الله - تبارك وتعالى - أناطَ به منافِعَ الناس الدينية والدنيوية، فإذا تعدَّى أحدٌ على الأمن بزِنا أو تعدَّى بعملِ قومِ لُوطٍ، أقامَ السُّلطانُ عليه الحدَّ حِفظًا للأعراض، وللكرامة والأنساب، إذا قامَت البيِّنة. وإذا خرقَ أحدٌ الأمنَ بسرقةٍ، أُقيمَ عليه الحدُّ حفظًا للأموال، وإذا شرِب أحدٌ مُسكِرًا أو تعاطَى المُخدِّرات أو روَّجَها، فقد تعدَّى على حِمَى الأمن، فيُقامُ عليه الحدُّ حِفظًا للعقول. وإذا سفكَ دمًا عمدًا، أقامَ عليه السُّلطانُ القصاص حِفظًا للدماء والنفوس، فما من عقوبةٍ إلا وهي لوقاية المُجتمع من شرِّ المُعتَدين والمُفسِدين على أمن الأمة وعلى دينها.

 

وقال وفقه الله: إذا منَّ الله بالأمن على المُجتمع تيسَّرَت أرزاقُه، ونشطَت حياتُه، وفاضَ المال، وازدهرَت أمورُه، وطابَ عيشُه، وحُفِظَت فيه النفوسُ والأموالُ والأعراضُ، وإذا اختلَّ الأمنُ صارَت الحياةُ زمنَ الاختِلال ذاتَ مرارةٍ لا تُطاق، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

 

وختم الشيخ خطبته بالحث على شكر نعمة الأمن، فقال: إن نعمةَ الأمن من النعم العظيمة، فمن الناس من يشكُرُ النعم فيُثابُ من الله عليها، ويزيدُه الله، ومن الناس من لا يُقدِّرُ النعمَ ولا يصبِرُ عليها، فيُعاقَبُ ويُحرَم، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 9 - 11]. فتشريعُ الإسلام رحمةٌ وعدلٌ وبركةٌ وخيرٌ وإنصاف، وسلامٌ للبشرية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَلهُ أرحمُ بعباده من الأم بولدِها».

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life