اقتباس
أخطر صُور الاستِعجال المذمُوم على الإنسان: إيثارُ العاجِلِ على الآجِلِ، والاستِغراقُ في مُتَع الحياة الدنيا، والغفلةُ عن الآخرة،.. الاستِعجال المذمُوم يسلُبُ سكينةَ القلب وطُمأنينتَه؛ فإن الإنسانَ القلِقَ العَجُول قلَّما يُحسِنُ عملاً يُوكَلُ إليه، أو يُنتِجُ إنتاجًا يُقنِعُ ويُرضِي. ومن الاستِعجال المذمُوم: الاندِفاعُ في ترويجِ الشائِعات، واتهام الأبرياء دون تثبُّت، فالألسُنُ تتلقَّى الأقوال، وتتقاذَفُ التُّهَم بلا تردُّد. يمرُّ القولُ على الآذان، وتستقبِلُه بلا وعيٍ، وينسَابُ بلا عقلٍ، قبل أن يتأمَّلَه القلبُ ويُعرَضُ على ميزان الشرعِ، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)...
مكة المكرمة:
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أولاده وأحفاده"، والتي تحدَّث فيها عن نُبذةٍ من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحوالِه مع أولاده وبناته وأحفادِه، مع ذكرِ طرفٍ يسيرٍ عنهم - رضي الله عنهم وأرضاهم -، مُبيِّنًا رحمةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصِّغار وتواضُعَه لهم وخفض جناحِه لهم.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: لم تزَل التقوى خيرُ وصيَّةٍ، وأكرمُ سجِيَّة، فهي وصيَّةُ الأنبياء، وحِليةُ الأصفِياء، ونعمَ الزادُ عند اللقاء.
وأضاف الشيخ: سيرةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - نورٌ كلُّها، وهديٌ كلُّها، في الدعوة والتعليم، وفي السياسة والحروب، وفي العبادة والأخلاق. أنَّى استقيتَ اهتدَيتَ، وحيثُما وردتَّ ارتوَيتَ. وهذا مورِدٌ من سيرة النبي الخاتِم مع بناتِه وبنِيه وأحفاده - صلَّى الله عليه وعليهم وسلَّم تسليمًا كثيرًا -. تتجلَّى في هذا المورِد إنسانيَّتُه وأبُوَّتُه، وشفقتُه وحنانُه، كما يجِدُ فيها الأبُ الذي فقدَ بنِيه سلوَى، فقد ابتُلِيَ من هو خيرٌ منه وأرقَى، ويجِدُ كلُّ أحدٍ فيها أحكامًا وفوائِد وشرعًا.
وقال حفظه الله: سيرةُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أُنسُ المُجالِس، وأخبارُه زينةُ المَجالِس، وما من أحدٍ إلا ويحبُّ سماعَ سيرته، ويأنَسُ بأخباره. فدعُونا نرحَلُ إلى أيامِه الأولى، وبيتِه الأول، مع أولاده - صلى الله عليه وسلم -.
وقال وفقه الله: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فتًى من قُريش، وكان بين أقرانِه - إن صحَّ أن يُقال: له قرين - معروفًا بالصدقِ والنزاهة، وكان يُدعَى بينهم "الأمين"، سارَت سيرتُه بينهم مسيرَ الشمس والقمر، فاختارَته خديجةُ بنتُ خُويلدٍ - رضي الله عنها -، ليكون قائمًا بأمر تجارتها إلى الشام، وبعثَت معه غلامَها ميسرة، فكان ما كان.
وأضاف: وأُعجِبَت به خديجةُ - رضي الله عنها -، فتزوَّجَها - صلى الله عليه وسلم - وعُمره خمسًا وعشرين سنة، وكانت أكبرَ منه سنًّا، وأقامَ بيتَه الأول بيتًا تُرفرِفُ فيها السعادة، ويُشرِقُ في جوانبِه الإيمان. كان - صلى الله عليه وسلم - يُحبُّ خديجةَ حبًّا جمًّا، حتى كان نساؤُه بعد ذلك يغَرنَ منها، كان يقول: «إني رُزِقتُ حبَّها»، عاشَ معها خمسًا وعشرين سنة، وما تزوَّج بأخرى حتى ماتَت.
وأشار إلى أن النبي- صلى الله عليه وسلم - رُزِقَ منها بستةٍ من الولد: القاسم، وعبد الله، وأربع إناثٍ هنَّ: زينب، ورُقيَّة، وأم كُلثُوم، وفاطمة. فأما القاسِم، فإنه أولُ أولادِه - صلى الله عليه وسلم -، وبه كان يُكنَى، فيُقال: "أبو القاسِم". وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «تسمَّوا باسمِي، ولا تكنَّوا بكُنيَتي».
وبيَّن الشيخ أن أكثر العلماء على أن هذا النهيَ مخصوصٌ بوقتِه - صلى الله عليه وسلم -، ثم نُسِخ؛ لما ثبتَ في "صحيح مسلم" عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: نادَى رجلٌ رجلاً بالبقيع: يا أبا القاسِم! فالتفَتَ إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله! لم أعنِك، إنما دعوتُ فُلانًا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «تسمَّوا باسمِي، ولا تكنَّوا بكُنيَتي».
وأكد الشيخ أن القاسِمَ ماتَ صغيرًا قبل بعثَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم بعد القاسم: وُلد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بنتٌ فسمَّاها زينب، ومن خبرِها - رضي الله عنها -: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - زوَّجَها أبا العاصِ بن أبي الربيع، فأسلمَت قبلَه وهاجرَت، ولم يُسلِم إلا قبل الفَتح، فردَّها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه.
وأشار الشيخ إلى أن زينبُ ولدَت أُمامة، وكان من شفقَته - صلى الله عليه وسلم - وتواضُعِه أنه يُصلِّي وهو حاملٌ أمامةَ بنت زينب، فإذا قامَ حملَها، وإذا سجدَ وضعَها. فأخَذ العلماءُ من هذا جوازَ الحركة في الصلاةِ إذا كانت لحاجةٍ. وأُمامةُ هذه تزوَّجها عليٌّ - رضي الله عنه - بعد موت فاطمة، وماتَت أمُّها زينبُ في السنة الثامنة من الهِجرة، وغسَّلها النساءُ، وكُفِّنَت بإزارِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأضاف الشيخ: ثم بعد زينب: رُزِق النبي - صلى الله عليه وسلم - ببنتٍ فسمَّاها "رُقيَّة"، وزوَّجها عُثمان بن عفَّان - رضي الله عنه -، فلما كان يوم بدرٍ مرِضَت مرضًا شديدًا، فلم يحضُر عُثمانُ غزوة بدرٍ، كان عند زوجتِه يُمرِّضُها، ثم ماتَت - رضي الله عنها -، فضربَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لعُثمان بسهمٍ كمن حضَر. ولما ماتَت رُقيَّةُ - رضي الله عنها -، زوَّج النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عُثمانَ أمَّ كُلثُوم، فكان عُثمانُ يُلقَّبُ بذِي النُّورَين من أجلِ ذلك.
وقال حفظه الله: أما أصغرُ بناتِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي فاطمة. هي بنتُ من؟ هي زوجُ من؟ هي أم من؟ من ذا يُدانِي في الفَخارِ عُلاها؟! فاطمةُ - رضي الله عنها - زوَّجَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من ابنِ عمِّها عليِّ بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، في السنة الثانية من الهِجرة، فولدَت الحسنَ والحُسينَ سيِّدَا شبابِ أهل الجنة، كان - صلى الله عليه وسلم - يُحبُّها حبًّا شديدًا ويقول: «هما ريحانتَايَ من الدنيا».
وأكد الشيخ أن هذا قلبُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذه رحمتُه بالصِّغار. لم يُخاصِم، ولم يضرِب، ولم يرفَع صوتَه على الطفلِ وعلى الصبيِّ الذي صعِد ظهرَه وهو يُصلِّي، وإنما انتظرَه وأطالَ السُّجود، وقال: «إن ابنِي ارتحَلَني، فكرِهتُ أن أُعجِلَه حتى يقضِي حاجتَه». دخلَ الأقرعُ بن حابسٍ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فرآه يُقبِّلُ الحسنَ، فقال: إن لي عشرةً من الولَد ما قبَّلتُ واحدًا منهم. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لا يرحَم لا يُرحَم».
وقال وفقه الله: فاطمةُ هي البَضعةُ النبويَّةُ، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فاطمةُ بَضعَةٌ منِّي، يُريبُها ما رابَنِي». وفي "الصحيحين": عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أقبلَت فاطمةُ تمشِي كأن مِشيَتها مشيُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مرحبًا بابنَتِي»، ثم أجلَسَها عن يمينه أو عن شِماله.. وقد ماتَت فاطمةُ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بستة أشهُر، رضيَ الله عنها، ورضِيَ عن زوجِها عليِّ بن أبي طالبٍ، ورضِيَ عن ابنَيْها الحسنِ والحُسين. وإننا نُشهِدُ اللهَ على حبِّهم ومُوالاتهم والتقرُّب إلى الله بذلك، من غير جفاءٍ ولا غُلُوٍّ.
وبيَّن الشيخ أن أصغر أولادِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من خديجة: عبدُ الله، وكان يُلقَّبُ بالطيب أو الطاهر، وُلد بعد البِعثة، ومات صغيرًا. ولما ماتَ قال العاصُ بن وائلٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعُوه فإنه رجلٌ أبتَر، إذا ماتَ انقطعَ ذِكرُه؛ لأنه لا ولدَ له! فأنزلَ الله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 1- 3]. أما نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال الله له: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح: 4].
هؤلاء هم أولادُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من خديجة - رضي الله عنها -: القاسمُ، وعبدُالله، وزينبُ، ورُقيَّة، وأمُّ كُلثُوم، وفاطمةُ. أما إبراهيم فأمُّه ماريةُ القِبطيَّةُ المصريَّة، أهداها المُقوقِسُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فولدَت له إبراهيم - رضي الله عنهم أجمعين -.
وختم الشيخ خطبته ببيان رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال، فقال: قال أنسُ بن مالكٍ - رضي الله عنه -: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعِيالِ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. كان إبراهيمُ مُسترضَعًا له في عوالِي المدينة، فكان ينطلِقُ ونحن معه، فيدخلُ البيتَ وإنه ليدخُنُ، وكان ظِئرُه قَينًا –أي: حدَّادًا -، فيأخُذُه فيُقبِّلُه ثم يرجِع. ماتَ إبراهيم في السنة العاشِرة، وعُمرُه ثمانية عشر شهرًا، وكسَفَت الشمسُ يوم مات، فظنَّ بعضُ الناس أنها كسَفَت لموتِه، وبكَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إن العينَ تدمَع، والقلبَ يحزَن، ولا نقولُ إلا ما يُرضِي ربَّنا، وإنا بفِراقِك يا إبراهيمُ لمحزُونون». وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن له مُرضِعًا في الجنة تُكمِلُ رضاعَه».
المدينة المنورة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التحذير من العجلة"، والتي تحدَّث فيها عن الاستِعجال والتحذير منه، مُبيِّنًا أن العجلَة على قسمَين: أحدِهما: محمُودٌ، وهو المُسارعةُ في الخيرات وأعمال البرِّ، والثاني: مذمُومٌ، وقد بيَّن صُورَه وكيفية علاجِه في ضوء الكتاب والسنة.
واستهل الشيخ بالوصية بتقوى الله -تعالى- فقال: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
وأضاف الشيخ: قدَّر الله الأقدار، وجعلَ لكل شيءٍ من مخلُوقاته أجلاً، وقدَرُ الله لا تُحِلُّه العجَلةُ قبل وقتِه، ولا يُوقِعُه الطلبُ قبل أوانِه، واستِعجالُ المطَالِبِ والأماني جِبِلَّةٌ إنسانيَّة، وفِطرةٌ بشريَّة، ومن عظيمِ حلمِ الله، وواسِعِ رحمتِه: أن استِعجالَ البشر لا يُغيِّرُ قضاءَه وقدرَه وأحكامَه.
وبيَّن الشيخ أن العجَلةَ المذمُومة ما كان في غير طاعةٍ، وهي من أسلِحة الشيطان في نفسِ ابنِ آدم، عاقبتُها الخسارة، ومآلُها الندامة. فعن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التأنِّي من الله، والعجَلَةُ من الشيطان». وقال عمرُو بن العاصِ - رضي الله عنه -: "لا يزالُ الرجلُ يجنِي من ثمرَةِ العجَلَة الندامةَ".
وأكد الشيخ أن أخطر صُور الاستِعجال المذمُوم على الإنسان: إيثارُ العاجِلِ على الآجِلِ، والاستِغراقُ في مُتَع الحياة الدنيا، والغفلةُ عن الآخرة،.. الاستِعجال المذمُوم يسلُبُ سكينةَ القلب وطُمأنينتَه؛ فإن الإنسانَ القلِقَ العَجُول قلَّما يُحسِنُ عملاً يُوكَلُ إليه، أو يُنتِجُ إنتاجًا يُقنِعُ ويُرضِي. ومن الاستِعجال المذمُوم: الاندِفاعُ في ترويجِ الشائِعات، واتهام الأبرياء دون تثبُّت، فالألسُنُ تتلقَّى الأقوال، وتتقاذَفُ التُّهَم بلا تردُّد. يمرُّ القولُ على الآذان، وتستقبِلُه بلا وعيٍ، وينسَابُ بلا عقلٍ، قبل أن يتأمَّلَه القلبُ ويُعرَضُ على ميزان الشرعِ، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15].
وبيَّن الشيخ أن الحماس وفَورَة العاطفة الجيَّاشة دون ضابِطٍ صُورةٌ من الاستِعجال المذمُوم، الذي لا يخدمُ قضايا الأمة. ومن العجَلَة: الجَورُ في الأحكام والتسرُّع فيها، وخاصَّةً في المسائِلِ الكِبار، وهذا يقُودُ إلى التسرُّع والتساهُل في دماءِ المُسلمين؛ لأن سفكَ الدمِ بغير حقٍّ أمرٌ عظيمٌ، ووبالٌ أليم.
وأشار الشيخ إلى أن العجَلَة قد تُفضِي إلى الطيشِ، ووضعِ الأشياءِ في غير موضعِها، فيجنِي الإنسانُ على نفسِه ومُجتمعِه وأمَّتِه، ومن كان ديدَنُه الاستِعجال أسَرَتْه الظُّنون والشُّكوك، وأُصيبَ بداءِ تتبُّع عورات الآخرين وترصُّد الزلاَّت. التجرُّؤُ على الفُتيا، واستِعجالُ التصدُّر قبل النُّضوج والرُّسُوخ في العلمِ سُوءُ سيرةٍ، ومزلَقٌ ومهلَكةٌ، وأيسرُ الناسِ على الفُتيا أقلُّهم علمًا. يقولُ بعضُ السلَف في زمانِه: "ولبَعضُ من يُفتِي ها هنا أحقُّ بالسَّجن من السُّرَّاق".
ونبَّه الشيخ إلى أن استِعجال النصر دون التمكُّن من أسبابِه جهلٌ بسُنن الله؛ ذلك أن النصرَ أمرٌ متروكٌ لله - سبحانه -، يجعلُه على يدِ من يشاءُ من عبادِه.
وأضاف الشيخ: العجَلَةُ في القضاءِ والحُكمِ والفصلِ بين الناسِ إفسادٌ لحياتهم، وتضييعٌ لحقوقِهم.. ومن مطالِبِ قِوامة الرجُل ومسؤوليَّته في بيتِه: الاتِّصافُ بالهُدوء ونبذُ مظاهِر الاستِعجال المذمُوم الذي يهدِمُ كيانَ الحياة الزوجية، ويقودُها إلى نهاياتٍ لا تُحمَدُ عُقباها.
وبيَّن الشيخ أن الاستِعجال في الدعاء من موانِعِ إجابة الدعاء، وقد يدعُو الداعِي وتتأخَّرُ الإجابةُ لحكمةٍ يعلمُها الله تعالى، فينتهِزُ الشيطانُ الفُرصةَ، ويُوسوِسُ للمُسلم أن يترُك الدعاءَ. ومن العجَلَة في الدعاء: أن يدعُو الداعي قبل أن يحمَد الله ويُثنِي عليه، ويُصلِّي على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. تلك - عباد الله - صُورٌ من الاستِعجال المذمُوم.
وبيَّن الشيخ أن العجَلَة في السَّير إلى رِضا الله –تعالى-، والمُسارَعة في الخيرات منقبةٌ محمُودة، وسِمةُ جميعِ الأنبياء: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]. وكان موسى - عليه السلام - يُسارِعُ إلى ما يُرضِي الله من الأعمال والأقوال، فيقول: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]. وعن أم سلَمَة قالت: "لما نزلَت: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59]، خرجَ نساءُ الأنصار كأنَّ على رؤوسِهنَّ الغِربان من الأكسِية".
وختم الشيخ خطبته ببيان سبل التخلص من الاستعجال المذموم، فقال: الاستِعجال المذمُومُ داءٌ، والتأنِّي ومعرفةُ أثره دواء. قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - للأشجِّ - رضي الله عنه -: «إن فيك خصلَتَين يُحبُّهما الله: الحِلمُ، والأناة». قال أحدُ السَّلَف: "ومن تأنَّى وتثبَّتَ تهيَّأَ له من الصوابِ ما لا يتهيَّأُ لصاحبِ البديهَة". يُعالَجُ الاستِعجالُ المذمُومُ بالرُّجوع إلى الوحيَين وأهلِ العلم في النوازِل والفتن، ومن التُّؤدَة: استِشارةُ العُقلاء وأهل العلم، وعدم التفرُّد بالرأي، وضبطُ النفس، وضبطُ اللسان والانصِرافُ عن فُضولِ الكلامِ حصانةٌ من بوائِقِ الاستِعجال المذمُوم. ومن علاجِ الاستِعجالِ المذمُوم: تقديمُ حُسن الظنِّ، والكفُّ عن الخَوض في نيَّات المُسلمين.
التعليقات