مختصر خطبتي الحرمين 14 المحرم 1435هـ

ملتقى الخطباء - الفريق الإعلامي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات:

اقتباس

من كانت الضغينة رايته، والانتقام غايته، والتشفي عادته؛ خُسف بدره، وسقط جدره وصغر قدره، وتلهب صدره، ومن ترك الأحقاد والضغائن عاش معافًى، وجمع أحلافًا وأكثر ألفافًا، وتجنب إلحافًا وأمن إتلافًا.. ومتى تسلطت الحزازات والعداوات على القلب اختل واعتل، فذهب صفاؤه، وعسر شفاؤه، وطال بلاؤه، وتعذر دواؤه. ومن الناس من إذا خالف هجر، وإذا خاصم فجر، فألصق بخصمه التُّهم، ونوى له النقم، وباشر الإيذاء، وصب العداء...

 

 

 

 

 

مكة المكرمة:

 

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: " الحفاظ على أمن المجتمع"، والتي تحدَّث فيها عن أهمية الأمن في حياة البشر، وخطورة المساومة على أمن المجتمع، ووجوب الأخذ على أيدي المتلاعبين بأمن المجتمع المسلم، وبيَّن أركان الأمن في المجتمع ، ودور الأمن الفكري يحمي عقول المُجتمعات، وأكّد على وجوب الحذر من لصوص العقول.

 

وأوصى الشيخ المصلين بتقوى الله –سبحانه وتعالى-، فقال: فأُوصيكم - أيّها الناس - بتقوى الله سبحانه والاستمساك بعروته الوثقى، والاعتصام بحبله المتين، ولُزوم جماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة.

 

وأضاف الشيخ: إن حياةً بما فيها من حضارةٍ، ووفرةِ عيش ينقصها الأمن لهي حياةٌ خداج لهي حياةٌ خداج خِداجٌ، خِداجٌ خِداج غيرُ تمام، وإن نوماً بلا أمنٍ لهو قلقٌ وأرق، وإن عبادةً تفتقرُ إلى الأمن لهي عبادةٌ مشوشة يكثُرُ الالتفات فيها، لأن البشر قاطبة في حاجةٍ مُلحة إلى أمنٍ يتحققُ بما عندهم من إيمان، فإن من آمن أمِن ومن أمِن نما، ولا حياة مستقرةً دون توافر هذا الهرم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82]. أي لهم أمن الدنيا والآخرة.

 

وأضاف فضيلته: الأمن –عباد الله- مطلبٌ الأممِ طُرّا، فلا يزهدُ فيه إلا من كَرِه الحياة الكريمة ولم يرضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً، كيف لا ! وهو المِنّة التي توجبُ على العباد شُكر واهبها بعبادته على الوجه الذي يرضى به عنهم (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3- 4].

 

وبيّن الشيخ أن لُقمةً يطعمها المرء لن يهنأ بها تحت وكزات الخوف، وإن عبادة يتناوشها الخوف من كل جانبٍ لن تكون كاملة مستقرة، فما سُميت صلاة الخوف بذلك ولا نقصت صفتها عددها وشروطها وسننها إلا لداخلة الخوف وانسلاخ الأمن إنه لا أمن بلا إيمان ولا نماء بلا أمن وضماناتٍ واقعيةٍ ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.

 

وأضاف: الأمن ضرورةٌ لا تتحقق إلا بتحقق حفظ الضرورات الخمس التي أجمعت عليها الديانات والملل "وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل"، وإن من يخلُ بالأمن فهو كالذي يخرقُ سفينةُ المجتمع الماخرة وما على أهل السفينة إلا أن يقذفوا به خارجها حتى لا تغرق بهم جميعاً.

 

وأكد الشيخ أن المساومة على أمن المجتمع لا تقع إلا ضمن نسيجٍ من الأعداء المتربصين به وإن استعملوا في نفاذ اختلاله الأغرار من أبناءه والأُجراء ممن لديهم مِسكةُ عقل، إن من يهز أمن المجتمع فإنما يهزّ أمن نفسه قبل كلِ شيء ثم أمن أمه وأبيه وأخته وأخيه وصاحبته وبنيه قبل أن يهز أمن المجتمع برمته كل ذلكم قد يكون من خلال إلحادٍ فكري يعصفُ بالدين أو سفكِ دمٍ يعصفُ بالرقاب المعصومة أو بجرعةِ مُخدرٍ أو شربةِ مسكرٍ يُغيبان العقل أو بسرقة مالٍ أو أكله بالباطل لتطيش حقوق المجتمع الاقتصادية أو بهتك عرضٍ وفعلِ فاحشةٍ يضيعُ معها الشرف والكرامة.

 

وأضاف الشيخ: لقد جاءت شريعتنا الغراء بعقوباتٍ صارمةٍ من أجل الحفاظ على أمن المجتمع الذي لا يختصُ استحقاقه بأحدٍ دون أحد فقطعت كل حبلٍ يُفضي إلى التهاون بتلك العقوبات أياً كان هذا التهاون سواءٌ أكان في الاستحياء من تعيير حضارةِ الغرب لها أو في تنشيط الوُسَطَاء في إلغائها أو تهميشها لذلكم حسم النبي -صلى الله عليه وسلم- كل سبيلٍ للتخاذل أمام ضرورةُ الأمن بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وايُمُ الله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعتُ يدها".

 

الذين يتلاعبون بأمن المجتمع المسلم إنما هم في الحقيقة يُهيلون التراب على ميراثهم الضروري، ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة والآمالِ المرتقبة، وهم يُمتَطون بوعيٍ أو بغيرِ وعي من عدوهم المُتربِصِ بهم ليزيد سُقمهم علّة وطينهم بلّة.

 

وأضاف الشيخ: إن من مراكز الأمن الشمولي: الأمن الغذائي، وما يُسمى بالأمن الصحي الوقائي، يُضافُ إلى ذلكم ما يتعلقُ بالضوابط الأمنية في مجالاتِ التكافل الاجتماعي والعمل التطوعي وتهيئة فُرصِ العمل والإنتاج المعيشي والقضاءِ على البطالة، المُثمرةِ الخلل والفوضى ودراسة الظواهر الأُسرية وما يعتريها من ثقوبٍ في بنائها؛ لأن الأمن بين الزوجين سببٌ لأمن الأولاد، ثمّ أمن العشيرة، ثم أمن الأمة المؤلفةِ منهم جميعاً.

 

فمن مثلِ ذلكم الأمن يتكونُ مِزاجُ الأمة شريطةَ عدم إغفال ما هو أهمُ من تلك العوامل الذي يُعدّ هاجساً ملِحاً لكلِ مُجتمع ألا وهو الأمنُ الفكري الذي يحمي عقول المُجتمعات ويحفظها جميعاً من الوقوع في الفوضى الفكرية بالعبِّ من فكرِ الشهواتِ كما الهِيم، أو الولوغ في أتون الانسلاخ الأخلاقي الذي يُمزقُ جلباب الحياء الفطري، ويحفظُ عقول المجتمعات كذلك من مزالق الغلو والإفراط والتخوّضِ في دين الله على غيرِ هدىً من الله ولا هدى من رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وخيّرُ من يُتوجُ به الأمن الفكري عُنصرانِ رئيسان: أولهما: الفكر التعليمي. وثانيهما: الأمن الإعلامي.

 

وختم الشيخ المصلين خطبته بالتذكير بوجوب الحذر من لصوص الفكر، فقال: كما أن للأموال لصوصاً، فكذلك للعقولِ لُصوص، بل إن لصوص العقول أشدُ فتكاً وأنكأُ جرحاً من لصوص الأموال، فلا أمن إلا بسلام، ولا سلام إلا بالاستسلام للواحدِ الأحد لا شريك له حيثُ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208].

 

 

المدينة النبوية:

 

من جانبه ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الضغينة وفساد العلائق بين الخلائق"، والتي تحدَّث فيها عن مفاسد الضغائن والأحقاد، وذكّر بوصية نبوية نافعة وحكمة جامعة، ونبَّه أن المؤمن يحب الخير لكل المسلمين، وحذّر من حمل الحقد والحسد.

 

واستهل فضيلته خطبته بنصح المصلين بتقوى الله قائلاً: اتقوا الله فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب.

 

وأضاف الشيخ: لا يسود الوداد بين قوم انطووا على الأحقاد، ومن أمسك العداوة وتربص الانتقام عاش معذبًا، وصار بالهم مكبلاً، وما أفسد العلائق بين الخلائق مثل الضغائن! فهي الحقد الكامن، والشر الكائن، تهدم المدائن، وتفقر الخزائن، وتمنع المقاربة، وتقطع المصاحبة، وتوقع المحاربة. وشر التلاد وراثة الأحقاد، تترع بها الأولاد، وتغرس في صدور الأحقاد، وتبقى أمد الآماد.

 

وبيّن الشيخ أن: من كانت الضغينة رايته، والانتقام غايته، والتشفي عادته؛ خُسف بدره، وسقط جدره وصغر قدره، وتلهب صدره، ومن ترك الأحقاد والضغائن عاش معافًى، وجمع أحلافًا وأكثر ألفافًا، وتجنب إلحافًا وأمن إتلافا. ومتى تسلطت الحزازات والعداوات على القلب اختل واعتل، فذهب صفاؤه، وعسر شفاؤه، وطال بلاؤه، وتعذر دواؤه.

 

وحذر الشيخ من صفات الحاقدين فقال: ومن الناس من إذا خالف هجر، وإذا خاصم فجر، فألصق بخصمه التُّهم، ونوى له النقم، وباشر الإيذاء، وصب العداء، والوصية النافعة والحكمة الجامعة قول سيد الحكماء محمد -صلى الله عليه وسلم-: "فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه" أخرجه مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.

 

وأضاف الشيخ: الإحسان للمسيء يدنيه، والملاطفة تثنيه، والمداراة تحتويه. والملاينة ولا المباينة، والمصانعة ولا المصارعة، والمقاربة ولا المحاربة، والأناة ولا المعاناة، ورأس الأدب كتم الغضب، ومن طبائع الكرام العفو والصفح والمنّ والإنعام.

 

ولا يكظم الغيظ ويعفو عن الجاني ويحلم عن الجاهل ويحتمل المكروه إلا السيد الوجيه والحكيم النبيه والعالم الفقيه.

 

ولا يدوم الوئام مع الحنق والاحتدام، ولا يبقى الاحترام مع الغضب والاصطدام، ولا يكون السلام مع المقابلة والانتقام، ومن تطلب الانتقام ضاع زمانه، وتفرق إخوانه، وهجره أقرانه، ومن كان بالوجه عابسًا وبالكف يابسًا، وللعداوة لابسًا، وللعفو حابسًا، تعس وانتكس، وفي الخيبة ارتكس.

 

واللجاجة والفظاظة وتعمد الإساءة والإغاظة مسالك مستقبحة؛ توغر الصدور، وتهيج الغضب، وتعقب الحقد، وتقطع حبل المودة والوصال، فاحذروها واجتنبوها (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء:53].

 

وأضاف الشيخ: ومن الناس من إذا سعى إلى المناصب والمراتب والعلو والدنو والرئاسة والزعامة والصدارة؛ حارب الأقران، وضاغن الإخوان، وكره أن تُذكر محاسنهم، أو تُروى فضائلهم، وأحب أن تُنشر معايبهم، وأن تظهر مثالبهم، فإن لم يجد مثلبا وبرهانا رماهم كذبًا وبهتانا. وتلك –والله- السوءة التي هان بها الرجال، وشابهوا بها الأندال، وماثلوا بها الأرذال، وسقطوا بها في أوحال الخسة والدناءة والضلال.

 

وأوصى الشيخ في ختام خطبته المصلين بالابتعاد عن الحسد والحقد، فقال: تنزهوا –عباد الله- عن فعل الحساد وذوي الأحقاد، وانتهوا عن الردى، ولا تؤذوا من الخلق أحدًا وكفوا عن السر لسانا ويدًا.

 

 

 

 

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life